الملك النجاشي التابع المخلص لرسول الله صلى الله عليه وسلم

الملك النجاشي التابع المخلص لرسول الله صلى الله عليه وسلم

ريم إبراهيم

  • للتاريخ، بلاد الحبشة دار الهجرة الأولى
  • كيف تم زواج النبي (ص) المبارك برعاية الملك النجاشي؟
  • وكيف كانت وفاة النجاشي مناسَبة لتعليم الأمة تشريع صلاة الغائب؟

__

قضية عنصرية اللون حسمها النبي

مع احتدام التوترات العرقية في الولايات المتحدة قبل أشهرٍ قليلة بعد مقتل أمريكيَين من أصلٍ إفريقي على يد رجالٍ بيض من الشرطة، وانتشار الاحتجاجات في أنحاء البلاد وامتدادها إلى أصقاع العالم، شعرنا كمسلمين بالفخر أن نبينا قد وضع النقاط على الحروف في هذه المسألة وبين أنه

«لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى.» (1)

وأعتقد أن حياة الصحابي الحبشي الجليل سيدنا بلال قد تمثلت أمام ناظري كل واحد فينا -هذا الإنسان العظيم الذي ضحى أيما تضحية في سبيل عزة الإسلام ورفعته- فازددنا فخرًا على فخر بديننا العظيم وبأتباع هذا الدين الأجلاء.

دار الهجرة الأولى

وفي هذا المقام لا بد أن نستذكر أيضًا حقيقة قد تغيب عن أذهاننا دون قصد، وهي أن الإسلام قد انتشر في الحبشة في إفريقيا (وهي ما تعرف اليوم بأثيوبيا) قبل سبع سنواتٍ من انتشاره في المدينة! ودان به عدد من الحبشيين الآخرين، ومنهم الملك النجاشي الذي نصح رسول الله صحابته باللجوء إلى أرضه بعد أن اشتد اضطهاد كفار مكة لهم، وقال عنه بأنه

«ملك لا يُظلم عنده أحد». (2)

عند ما وصلت رسالة الإسلام إلى هذا الملك العادل الذي كان يدين بالمسيحية، أسلم وقال:

«أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَلَوْلاَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لأَتَيْتُهُ حَتَّى أَحْمِلَ نَعْلَيْهِ». (3)

زواج مبارك برعاية رجل مبارك

بالإضافة إلى كل ما ذُكر عن النجاشي، شرُف بأن كان وكيل رسول الله  في عقد قرانه على ابنة عمه أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان (رضي الله عنها) التي ترملت في بلاد الغربة، ووصلت إلى طريق مسدود فهي من جهة وحيدة مع ابنتها في الحبشة ومن ناحية أخرى هي ابنة زعيم مكة أبي سفيان أشد أعداء الإسلام، ولو فكرت بالعودة إلى بلادها سيكون مصيرها وابنتها مجهولًا فهو من جاء في بداية هجرة المسلمين إلى الحبشة ليقلّب النجاشي ضد المسلمين.. وهكذا لم يبق لأم حبيبة من ملجأ سوى الله تعالى..

وبالفعل واساها الله بطريقة رائعة جدًّا فقد رأت في الرؤيا أحدًا يناديها: «يا أم المؤمنين» فاستيقظتْ مذعورة وأوّلتْ الرؤيا بأن رسول الله سيتزوج بها. (4)

وفي هذا المقام لا بد أن نستذكر أيضًا حقيقة قد تغيب عن أذهاننا دون قصد، وهي أن الإسلام قد انتشر في الحبشة في إفريقيا (وهي ما تعرف اليوم بأثيوبيا) قبل سبع سنواتٍ من انتشاره في المدينة! ودان به عدد من الحبشيين الآخرين، ومنهم الملك النجاشي الذي نصح رسول الله صحابته باللجوء إلى أرضه بعد أن اشتد اضطهاد كفار مكة لهم، وقال عنه بأنه «ملك لا يُظلم عنده أحد». (2)

وهذا ماحدث! فبعد أن انقضت عدتها، أرسل رسول الله إِلَى النَّجَاشِيِّ يطلب منه أن يُزَوِّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَيَبْعَثَ بِهَا إِلَيْهِ مَعَ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ إِلَى أُمِّ حَبِيبَةَ يخبرها بخطبة رسول الله إِيَّاهَا عن طريق جارية له اسمها أَبْرَهَة، فَأَعْطَتْهَا بعض الحلي إكرامًا لها على زفها هذا الخبر السعيد، فقالت لها أبرهة إن الملك يقول لك أن تُوَكِّلَي مَنْ يُزَوِّجك، فَوَكَّلَتْ خَالد بْنَ سعيد بن العاص، وعُقد النكاح فكان النَّجَاشِيُّ وكيل رَسُولِ الله ، وسيدنا خَالِد وكيل السيدة أُم حبيبة، ثُمَّ أعطاها النجاشي أربعمائة دِينَار مهرًا لها.(5)

ولما وصلتها هذه الدنانير قدمت منها للجارية أَبْرَهَة خَمْسِينَ دينارًا، وَقَالَتْ لها سابقًا أَعْطَيْتُكِ شيئا بسيطا لأنه لم يكن عندي شَيْءٌ، وَالآن قَدْ جَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا فخذيها واستغني بها. فقالت أبرهة الفتاة المسلمة المخلصة: «قد أمرني الملك ألا آخُذَ مِنْكِ شَيْئًا، وَأَنْ أَرُدَّ إِلَيْكِ ما أخذته منك، وأنا قد صَدَّقْتُ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ وَآمَنْتُ بِهِ، وَحَاجَتِي إِلَيْكِ أَنْ تُقْرِئِيهِ مِنِّي السَّلامَ وتعلميه أني قد اتبعت دينه» فوعدتها أم حبيبة بذلك.

وصارت أبرهة كلما دخلت على أم حبيبة تقول لها: «لا تنسي حاجتي إليك». (6)

لما وافقت أم حبيبة أمر النجاشي عند العشاء بحضور جعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين، ثم خطب وقال: «الحمد لله الملك القدوس السلام، المؤمن المهيمن العزيز الجبار، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنّه الذي بشر به عيسى بن مريم عليه السلام، أما بعد: فإن رسول الله   كتب إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبته إلى ما دعا إليه، وقد أصدقتُها أربعمائة دينار. ثم أعطى المهر لوكيل أم حبيبة خالد بن سعيد الذي خطب أيضًا وقال: «الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسلَه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد: فقد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله ، وزوّجته أم حبيبة ابنة أبي سفيان، فبارك الله لرسوله». ثم قام وأرسل الدنانير لأم حبيبة، ثم أراد الجميع أن يقوموا، فقال لهم النجاشي: اجلسوا؛ فإنّ سنّة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعامٌ على الزواج، فدعا بطعامٍ فأكلوا ثم تفرقوا»

ثم جهز الملك النجاشي أم حبيبة بالكامل وأرسل لها مع أبرهة الملابس والزعفران والعطور من العود والعنبر.

أعدت أبرهةُ السيدة أم حبيبة للسفر وذكرتها مرة أخرى بطلبها في إيصال سلامها إلى نبيها الحبيب، ولما وصلت أم حبيبة إلى المدينة، كان رسول الله في خَيبر، فأقامت بالمدينة حتى قدِمَ رسولُ اللَّهِ ولما التقيا سألها عن النَّجَاشِيِّ، ثم أخبرته كيف كانت الخطبة، وما فعلت معها أبرهة وأوصلت له سلامها فتبسم رسول الله وقال «وعليها السلام ورحمة الله».

والعجيب أن أبا سفيان والد أم حبيبة الذي كان لا يزال مشركًا آنذاك وعدوًّا لدودًا لرسول الله قد سُرّ بزواجها منه وقال: «ذلك الفحل لا يُقدَعُ أنفه». (يعني هذا الرجل كفؤ كريم لا يمكن أن يُعاب أبدًا ولا يمكن أن يُرد).(7)

 

وفاة النجاشي وتعليم الأمة تشريع صلاة الغائب

حين مات النجاشي، قال رسول الله :‏

«مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَة» (8)

فكانت هذه جنازة الغائب الوحيدة التي صلاها رسول الله .

وقد قالت السيدة عَائِشَةَ (رضي الله عنها)‏:‏ لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لاَ يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ.(9)

يا لهذا النبي العظيم! الذي جلب العالم عند قدميه وتاقت العيون للقائه واشتعلت القلوب حبًا له.

يقول المسيح الموعود في مدحه:

يا لَلفـتى ما حـسنُه وجمـالُهُ

رَيّاه يُصـــــــبِي القلبَ كالرَّيحان

.

وجهُ المهَيمِنِ ظاهرٌ في وجههِ

وشؤونُه لـمَـــــــعتْ بهذا الشّان

.

فلِذا يُحَبُّ ويســــــــتحِقُّ جمالُهُ

شَـغَفًا به من زمرةِ الأخــدان

.

يا رَبِّ صَلِّ على نبـيّك  دائـمًا

في هذه الـدنيا  وبعثٍ ثـانِ (10)

.

المراجع:

  1. (مسند أحمد، كتاب باقي مسند الأنصار)
  2. (أخرجه البيهقي في السنن)
  3. (سنن أبي داوود، كتاب الجنائز)
  4. 5 و6 (الطبقات الكبرى لابن سعد)
  5. (تفسير القرطبي، سورة الممتحنة)
  6. (صحيح البخاري، كتاب المناقب)
  7. (سنن أبي داوود، كتاب الجهاد)
  8. (مرآة كمالات الإسلام)
Share via
تابعونا على الفايس بوك