أتحتاج المرأة المسلمة إلى أن تؤم الرجال في الصلاة كي تكون ندا له

أتحتاج المرأة المسلمة إلى أن تؤم الرجال في الصلاة كي تكون ندا له

ريم إبراهيم

  • كيف للمساواة بين الجنسين أن توصف بالغباء في بعض الأحيان؟
  • كيف أمسى النداء بالمساواة في هذا العصر فخا معدا للمرأة المسلمة؟
  • كيف دحضت حجة القائلين بإمامة المرأة في الصلاة؟

___

ما زال موضوع المرأة والمناداة بحقوقها محل جدل واسع، فبدءا من صاحب الفضل في إنصاف المرأة تاريخيا، مرورا بواقعها في القرنين العشرين والحادي والعشرين، وحتى فكرة النسوية التي أخذت في الشيوع مؤخرا، تكاد كافة النقاشات الدائرة حول القوارير الرقيقة تندرج تحت أحد العناوين السالفة.

محمود المساواة ومذمومها    

الأصل في المخلوقات هو الحسن والجمال، فكل ما خلق الله تعالى بيده جميل، حتى قبحه الإنسان بلمسته وتغييره خلق الله، فاختل توازن العالم المادي وشاعت الفوضى، بل والسُّمِّيَّة.. والخلل ذاته شاع في العالم الروحاني بنفس النسبة، نظرا إلى تناظر العالمين.

المساواة الغبية!

كثر الحديث منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين عن ضرورة المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء، حتى يكون لأحدهما ما للآخر من حقوق، وعليه ما على الآخر من واجبات، دون اعتبار لاختلاف الجنس، وبلغ الأمر اعتبار مسألة اختلاف الجنس قضية تمييز قد تُعَرِّض مثيرها إلى عقوبات رادعة، وإن كان لا يقصد إثارتها، وإنما تصرف بموجب فطرته.

إن المتأمل في ظروف نشأة الحركات النسوية والمنادية بالمساواة المطلقة بين الجنسين، يجد نفسه بعد إمعان النظر مدفوعا إلى التماس العذر لتلك الحركات في أحيان كثيرة، نظرا إلى قرون الغبن الطويلة التي تعرضت لها المرأة، بسبب جنسها قبل أي شيء آخر. هذا لا يعني طبعا موافقة تلك الحركات في دعاويها التي تبدو أحيانا دعاوى متطرفة.

الفخ المعد للمرأة المسلمة!

كما أن فوضى المساواة شاعت في الغرب، فقد انتقلت إلى المجتمعات الإسلامية بفعل عدوى ثورة الاتصالات التي لم يكن ثمة مناص منها، ولم تكن مصيبة المسلمين في التقاطهم العدوى بقدر ما هي في جهلهم الواضح بتاريخ دينهم الحنيف ورسالته.

فالمساواة بين الرجل والمرأة هي في أصلها مقترح إسلامي تم تطبيقه بنجاح تام قبل أكثر من 1400 عام، فالأوامر والنواهي في عموميات شريعة القرآن موجهة إلى جميع المؤمنين رجالا ونساء، حيث أكد ذلك الكتاب الحكيم مرارًا وتكرارًا على المساواة الروحانية بين الجنسين وبيّن أن بإمكان المرأة الوصول إلى أعلى المراتب الروحية التي يمكن للرجل بلوغها، حيث يقول تعالى:

وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (1)،

وهل أعظم من أن يَضْرِبَ الإسلام المثل للناس جميعا، مؤمنين وكافرين، بأربع نساء، هن مريم وآسيا (عليهما السلام) للمؤمنين، وامرأة نوح وامرأة لوط للكافرين؟! فيبدو بضرب المثل للناس جميعا بأولئك النسوة الأربع أنه يحمل معنى عظيما، وهو أن المرأة خليقة بأن تكون المدرسة الأولى للنشء!(2) فالإسلام هو بطل مساواة المرأة بالرجل بلا منازع، فالقرآن الكريم يؤكد على أن الرجل والمرأة قد خلقا من نفسٍ واحدة ويمنح المرأة والرجل ذات الحقوق. ولكنه يفرق بين مسؤوليات الرجل والمرأة وهي مسؤولياتٌ تتناسب مع طبيعتهما الإنسانية.

أما فيما يتعلق بحقوق المرأة في الإسلام، فقد حازت المرأة المسلمة قبل أكثر من 1400 عام على مجموعة كبيرة من الحقوق التي لم تحصل عليها المرأة في الغرب إلا قبل نحو قرن من الزمان أو قرنٍ ونيف، ومن هذه الحقوق حقها في (الخلع) الانفصال وفي الميراث والتعلم والعمل وتبليغ دينها وتعليمه على سبيل المثال لا الحصر. ويكفي المرأة المسلمة فخرًا أن الجنة قد وضعت تحت قدميها كأم، ومن أجمل الأقوال المعاصرة المُشيدة بدور المرأة في بناء المجتمعات والأمم ما ذكره خليفة الوقت سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز، حين قال أنها

«تستطيع أن تُدخل ذريتَها الجنةَ نتيجة تربيتها الصالحة لها، وهي تجعل من البلد والمجتمع الذي تعيش فيه جنة. فقد أعطى الإسلام المرأة الاحترام والكرامة، والمكانة التي أعطاها لها هي أن المرأة تؤدي دورًا مهمًّا في بناء الأمة، والمرأة الصالحة والمتخلقة والمتعلمة تستطيع أن تربي أولادها تربية حسنة ليصبحوا خدامَ الوطن والأمة. فمن هذا المنطلق أيضًا أعطى الإسلامُ المرأة مكانة مرموقة.» (3)

 كذلك فإن المرأة في الإسلام لها وضع جدير بأن تُغْبَطَ عليه، فهي غير مضطرة لأن تُستهلك في سوق العمل من أجل أن تساهم في مصاريف المعيشة، ولكنها إن اختارت العمل فهذا أيضًا حق مشروع من حقوقها ولا يحق لزوجها أن يصيب شيئًا من مالها، بل تقع على عاتقه كقوّام مسؤولية تأمين احتياجات البيت والأولاد وحتى احتياجات زوجته العاملة، فما تكسبه من عملها أو من ميراثٍ ورثته يبقى حقًا لها وحدها، فإن ساهمت طواعية بمصاريف المنزل فهذا فضلٌ محضٌ منها ولا يحق لأحد إرغامها على القيام بذلك.

وعلى أية حال، عندما أغدقت بعثة محرر المرأة على المرأة المسلمة نعما وحقوقا كثيرة، لم تجلس خاملةً مكتوفة الأيدي، بل تفوقت في كافة المجالات من علومٍ وطب وتمريض وتعليم ناهيك عن أمور الدين. والتاريخ الإسلامي حافلٌ بسيَر نساءٍ أظهرن حكمة وشجاعة استثنائية في وقت الأزمات، إضافة إلى نساء كن عالماتٍ جليلات وساهمن في تقدم الإنسانية العلمي.

ولعل خير مثال من عصر بداية الإسلام، أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها التي كانت تعلم مسائل الدين للرجال والنساء على حدٍ سواء. لقد كانت عالمة ومفسرة للقرآن وراويةً للحديث وقد قال الرسول بنفسه عنها «خذوا نصف دينكم عن عائشة». وقد كانت رضي الله عنها فقيهة وملمة بالطب والشعر والتاريخ.

وهناك أمثلة عديدة على النساء المسلمات اللواتي تفوقن في مختلف المجالات كمريم الأسطرلابية، وهي عالمة فلكية لامعة من القرن العاشر، وقد عملت في بلاط سيف الدولة الحمداني واخترعت الأسطرلاب المعقد الذي ساعد على تحسين تقنيات الملاحة وضبط الوقت وهو ما بُنيت عليه الأقمار الصناعية في وقتنا الحالي.

إن منشأ سوء الفهم لدى القائلين ببدعة أن تؤم المرأة الرجل في الصلاة هو حادثة من حياة الصحابية الجليلة أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ (رضي الله عنها) التي كانت قارئة للقرآن الكريم وممن ساهم في جمعه أيضًا، والقصة أنها استأذنت رسول الله  في أن تتخذ مؤذنًا يؤذن قرب بيتها فأذن لها وأمرها أن تؤم أهل بيتها في الصلاة وإلى هذه القصة استند الـمُروجون لهذه البدعة الجديدة. ولكن في الواقع أم ورقة كانت تؤم نساء بيتها فقط

ولدينا أيضًا العالمة فاطمة الفهرية التي أسست مع شقيقتها جامعة القرويين في فاس في المغرب عام 859م وهي أقدم مؤسسة تعليمية لا تزال قائمة حتى الآن وقد تخرج منها العديد من المفكرين والعلماء المسلمين وغير المسلمين ولا تزال تخرّج حتى اليوم طلابًا من مختلف الفروع العلمية والدينية.

وأود أن أذكر أيضًا صحابية رسول الله ليلى بنت عبد الله الملقبة بالشفاء العدوية (رضي الله عنها) والتي كانت تعلم النساء القراءة والكتابة والخط، وقد مارست الطب بمهارةٍ عالية حتى لقبت بالشفاء. وكان سيدنا عمر يقدمها في الرأي لدرجة أنه ولاها أمر السوق في المدينة وهو ما قد يعادل وزيرة التجارة في عصرنا الراهن.

هؤلاء النساء الرائعات اللواتي ذكرتهن ما هنّ إلا غيضٌ من فيض، ويمكن للقارىء تصفح كتب التاريخ لمعرفة إسهامات الصحابيات الجلائل، وإسهامات العالمات المسلمات في الأندلس وغيرها.

أبعد هذا تحتاج المرأة المسلمة أن تبرهن على مساواتها مع الرجل عن طريق إمامته في الصلاة؟ الأمر الذي لا يمت للتعاليم الإسلامية بصلة؟!

على أية حال، فالمسجد مكانٌ مقدس يسع الجميع رجالا ونساء، ويمارس دورا هاما في الحياة الاجتماعية والروحانية والدينية لكليهما، على الرغم من أنه لا يُبيح الاختلاط بين الجنسين، الأمر الذي أخذت تُقر به أصوات نسائية غربية معاصرة أيضًا. فعلى الرجال والنساء الصلاة كلٌّ في مكان منفصل، فإن كان لا محالة من الاجتماع في مكان واحد، فلتؤد النساء صلاتهن خلف الرجال، والسبب وراء ذلك هو أن على المصلي أن يركز حواسه كلها على عبادة الله تعالى دون أن يشتت انتباهه شيء، وبالطبع فإن حركات الصلاة الإسلامية تجعل مسألة فصل الرجال عن النساء في الصلاة أمرًا منطقيًا حتى يكون التركيز على الله تعالى وحده.. وهذا هو الهدف من الصلاة.

إمامة المرأة الصلاة، والحجة الداحضة    

لا أعرف لماذا تؤرق فكرة أنه لا يجوز للمرأة المسلمة إمامة الرجل في الصلاة بعض العقول؟! وكأن إمامتها له هي مفتاح مساواتها به! إن منشأ سوء الفهم لدى القائلين ببدعة أن تؤم المرأة الرجل في الصلاة هو حادثة من حياة الصحابية الجليلة أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ (رضي الله عنها) التي كانت قارئة للقرآن الكريم وممن ساهم في جمعه أيضًا، والقصة أنها استأذنت رسول الله  في أن تتخذ مؤذنًا يؤذن قرب بيتها فأذن لها وأمرها أن تؤم أهل بيتها في الصلاة وإلى هذه القصة استند الـمُروجون لهذه البدعة الجديدة. ولكن في الواقع أم ورقة كانت تؤم نساء بيتها فقط ولكنهم يفسرون القول الوارد في الحديث في أن رسول الله قد أذن لها «أن تؤم أهل دارها»(4) بأنه لا بد أن في أهل دارها ذكورا أيضا وبالتالي سمح رسول الله للمرأة بالإمامة!

لكن في الواقع هناك ما يفند هذا الادعاء:

فلا بد أولا من جمع الروايات والتوفيق بينها ومن ثم فهم القصة، وهناك رواية أوردها ابن قدامة في كتابه «المغني» تقول: أَنَّ النَّبِيَّ قد

«أَذِنَ لَهَا أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا وَيُقَامَ، وَتَؤُمَّ نِسَاءَ أَهْلِ دَارِهَا»(5).

 كذلك لدينا  رواية ذكرها ابن ماجة في سننه  من أن رسول الله قال:

«لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا»(6).

ثم إننا نعلم من الأحاديث الثابتة أن على الرجل الصلاة في المسجد وليس في البيت.

وبالتالي يتبين أن ما أجازه رسول الله لأم ورقة هو إمامة نساء بيتها فقط وطبعا هذا أمر مسموح به لجميع النساء.

ختامًا إن كل مسلم ذكرًا كان أم أنثى رغب أن يكون «إمامًا» روحيا لمن يليه، تبعا للدعاء القرآني التالي:

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (7)،

تلك الإمامة الروحية بأن تكون المرأة نموذجا يحتذي به أولادها وكل من يعرفونها، هو الأهم، وهو الإمامة الحقيقية الغاية من كافة المساعي في هذه الحياة، فما بالنا أغفلنا الغاية الحقيقية وسعينا إلى إفراغ الإمامة من مضمونها؟!

 

وأخيرا..

لقد خطت المرأة بحلول القرن الحادي والعشرين خطوات واسعة على طريق نيل حزمة كبيرة من حقوقها المشروعة والمُشرَّعة لها من لدن الحكيم الخبير سبحانه وتعالى، فكان هذا الزمان هو مصداق النبوءات التي تذكر حال تلك الموؤودة في الزمن الأخير، وكيف أنها ستُسأَل، إمعانا في نوالها الحقوق الطبيعية التي ما كان لها أن تحلم بها من قبل(8)، ولكن ليس مستحسنا أن تتعدى المسألة المطالبة ونوال الحق إلى الجَوْر، فإن الجَوْرَ مرتعه وخيم!

__

1. النساء: 125

2. المرأة مرآة المجتمع ومدرسته، افتتاحية مجلة التقوى ديسمبر 2019

3. حضرة مرزا مسرور أحمد “التسامح الجيني في ظل النتوع الثقافي”, خطاببتاريخ 26 أكتوبر 2019م بمناسبة افتتاح مسجد البصير بألمانيا

4. سنن أبي داوود، كتاب الصلاة

5. ابن قدامة، المعنى على شرح الخرقي في الفقه الحنبلي

6. سنن ابن ماجة

7. الفرقان: 75

8. الإسلام والمرأة، والقرن الحادي والعشرين، مجلة التقوى، مارس 2017

Share via
تابعونا على الفايس بوك