الأمومة تاج المرأة العظيم

الأمومة تاج المرأة العظيم

فاطمة الزهراء حشمان

___

الأسرة هي تلك البذرة التي تتم زراعتها يوم يعقد الرجل والمرأة قرانهما المقدس، لتكون فيما بعد شجرة مثمرة للمجتمع إذا أحيطت بالرعاية والاهتمام، أما إذا افتقدت الرعاية والحب فستضمر ولن ترى النور من تحت الثرى، وستكون عشبة ضارة في وسط حديقة هذا العالم الكبير. وقد فرض الإسلام على كل من الرجل والمرأة اللذين يشكلان عش الزوجية أن يتفهم كل منهما واجباته إدراكا لأهمية زواجهما وأسرتهما وحفاظا عليها لكي يجعلاها روضة خضراء ذات قيمة في المجتمع.

يشترك الأب والأم في تكوين هذه الخلية بعمل تتخلله نسمات المودة والرحمة والتعاون ليخرجا عسلا حلو المذاق يتمثل في أطفال صالحين في المجتمع ذوي رائحة زكية الأخلاق ناشئين على التحلي بالتقوى تملأ خشية الله قلوبهم ويسعون دائما لنيل رضوانه فيفوزون بهدي الله تعالى وحمايته دائما، فالأبناء هم المرآة التي تعكس حالة الوالدين، وقد تكلم الخليفة الرابع مرزا طاهر أحمد رحمه الله عن هذا الموضوع مطولا في كتاب له بعنوان «كي لا يضيع أولادكم»، وقال إن القيم الداخلية للوالدين تنعكس في الأطفال فإذا أردنا إنقاذ أولادنا فلنبدأ من أنفسنا ونصلح ونملأ الفجوات التي بداخلنا ثم نجتهد في تربيتهم منذ نعومة أظفارهم حينها لن نخشى عليهم من شيء، ويجب أن نعلم أنه حتى لو اجتهد الوالدان في إخفاء أفعالهم كي لا يطلع عليها أحد فستنعكس في كل الأحوال على الأبناء»(1)، ولله در الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سُلمى إذ قال:

مَهما تَكُن عِندَ امرِئٍ مِن خَليقَةٍ

وَإِن خالَها تخفى على الناسِ تُعلَمِ

كما أنه يجب على المرء ألا يعقد نية الزواج من أجل الإنجاب فقط، بل يجب أن تكون الغاية تكوين ذرية صالحة ومتدينة وساعية لتحقيق الغاية من خلقها وهي عبادة الله، وذكر لنا الخليفة الثاني حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد طريقة لحماية الأولاد من تأثير الأفكار التي يحملها والداه قبل ولادته يقول: « يذكر الإسلام علاجا للذنب المكتسب وهو أن يدعو كل من الرجل والمرأة عند الجماع الدعاء التالي: «اللهم جنبنا الشيطان وجنِب الشيطان ما رزقتنا». فهذا الدعاء يحول دون انتقال الذنوب الوراثية إلى الذرية.

تاج المرأة الثمين

ضمن المخطط الإلهي الذي ينظم العلاقة بين الرجل والمرأة، شرف الله تعالى المرأة بتاج الأمومة العظيم لتكون القطب المميز والمهم في تربية الأبناء،  فقبل ظهور الإسلام الذي أعطى للمرأة حقوقها وكرمها أحسن تكريم، كانت مسائل تعليم أو تربية الأطفال لا يؤخذ فيها رأي الأمهات، ولم يكن لهن حقوق على أبنائهن. إذا انفصل الأب والأم، كان الأطفال يسلمون إلى والدهم، ولم يكن للمرأة حق التدخل في تربيتهم.

ثم جاء الإسلام وسلم إلى المرأة زمام مسؤولية رعاية الأولاد، نظرا إلى قدرتها الفطرية الموهوبة لها من الله على القيام بذلك. فكانت حينئذ مكلفة بتربية نفسها أولا كي تتمكن من تربية النشء، أن تفهم أحكام الله وتسعى لذلك لكي تضمن تربية الأجيال، وبسبب أن الأولاد يقضون معظم وقتهم مع أمهاتهم لذلك وضعت مسؤولية تربيتهم على عاتق الأمهات، وذكر النبي مقام المرأة العالي لتعرف المسلمة مكانتها الحقيقية، حيث جعل هدفا لحياتها وهو حفظ الأجيال وإصلاح دنياهم وآخرتهم، وذكر الخليفة الخامس أيده الله بنصره العزيز ذلك في أحد خطاباته موجها حديثه إلى السيدات: « لقد بين النبي في حديثه مكانة المرأة العظمى مشيرا إلى ما يتضمنه ذلك التشريف من تكليف فقال: «الجنة تحت أقدام الأمهات»(2)، هذا الحديث إذ يحمل بشارة، فهو ينطوي على إنذار أيضا، فما لم تكن الجنة تحت قدمي الأم، فهي النار إذن،  لأن الطفل بسبب التربية التي ينالها من أمّه يصبح مواطنا صالحا وثروة قومية ويقدِّم الدين على الدنيا، أو يكون بسبب إهمالها عنصرا فاسدا يُشقي نفسه ويُشقي مجتمعه»(3). لقد كلف الله تعالى الأم بمهمة تربية الأولاد، فبحكم طبيعة عمل االأب خارج المنزل في غيابه يجب أن تهتم الأم ببيتها وبأبنائها  فهم أمانة الرجل عندها وهي المعنية الأولى بذلك، وعندما يعودون من المدارس تكون هي الحضن الذي يستقبلهم، لتوفر لهم حاجياتهم وتتابع شؤونهم.

من أين نبدأ الحديث عن دور الأم في حياة طفلها؟ الأم ذلك المخلوق الذي يملك من تحمل لمشقة التربية بما تتطلبه من الصبر وقوة الأعصاب ما لا يملكه الرجل.

 

يوم تتويج المرأة!

يوم تتويج المرأة هو تعبير مجازي نعني به الوقت الذي تكون فيه قادرة على تكوين أسرة بمشاركة زوجها، ثم هو اليوم الذي تبدأ فيه علاقتها بجنينها في بطنها، فتحرص في هذه الفترة على حالتها الجسدية والنفسية والروحانية لرعاية جنينها من كل النواحي، فمن الناحية الجسدية تهتم بنظامها الغذائي وتتناول ما يجعل جنينها ينمو نموا سليما، وتتجنب كل ما من شأنه أن يؤثر على صحته ويضره. ومن الناحية النفسية تبتعد عن القلق والحزن والاكتئاب والغضب وكل ما سيسبب له انتكاسات عاطفية حين يكبر، كما أنه على الأم أن تهتم بحالتها الروحانية فتكثر من قراءة القرآن والاستغفار والصلاة على النبي في أشهر حملها، مع التركيز على الوصفة السحرية وهي الدعاء.

وبعد الولادة يسطع دور الأم على حياة أطفالها في جميع مراحل حياتهم، فمهمة تنشئة الأبناء خلال سني مهدهم الأولى تقع في المقام الأول على عاتق الأم، فتكون هي المربية والمعلمة والراعية لشؤون طفلها، ويكون دور الأب في هذه المرحلة تكميليا لما تقوم به الأم، فيميل الطفل غريزيا نحو أمه في هذه المرحلة للحصول على التغذية والراحة والحب والأمان أكثر من ميله نحو الأب، فيقبل الطفل تأديبها له وتوبيخها وعدم الشعور بالامتعاض نحوها، وبالعكس إذا ما وبخه الأب فإنه يشعر بالاستياء من ذلك، فتصوغ الطبيعة هذه الرابطة بين الأم والطفل لتتسم بحنان ورفق أكثر مما تتسم به العلاقة بين الطفل والأب.

كل الدراسات التي تخوض في مجالات الأمومة والطفولة تؤكد على دور الأم في تربية الأبناء وتؤكد على مدى أهمية وجود الأم على رأس الأسرة وتأثيرها عليها، كما أكد الخليفة الخامس أيده الله بنصره العزيز هذا الموضوع في خطب كثيرة وبين أن الأم كالماء للأرض الجدباء، وبفضل تربيتها فإنها تحمي الأجيال فتقدم أبناء صالحين يكونون آباء وأزواجا مثاليين، وكما أنها تربي وتؤهل البنات ليكن أمهات عظيمات يواصلن مهمة حفظ الأجيال.

هناك الكثير من الأشخاص العظماء الذين كان خلف نجاحهم ونيلهم مراتب عليا، وقوف طود شامخ من الأمهات العظيمات سندا وعمودا فقريا لهم، من هؤلاء العالم توماس إديسون الذي كان له براءة الكثير من الاختراعات من بينها المصباح الكهربائي الذي أنار به العالم، هذا المخترع الكبير الذي طرد من المدرسة بسبب أنه كان كثير السؤال والخيال فاعتبره أستاذه فاسدا، لكن أمه لم تستسلم للتيار فقامت بتعليمه  وتوفير الكتب والمجلدات له ليصبح من علماء القرن البارزين فنفسيتها المثابرة ساهمت في تشكيل قدرات ابتكارية لتوماس إديسون أفاد بها البشرية جمعاء، وقد اعترف بفضلها الكبير عليه في قوله: «والدتي هي من صنعتني، لقد كانت واثقة بي؛ حينها شعرت بأن لحياتي هدفًا»

كما أن هناك أمهات حكيمات صنعن التاريخ في العالم الإسلامي أمثال: والدة أنس بن مالك السيدة مليكة بنت ملحان الملقبة بالغميصاء أو الرميصاء، ووالدة الإمام الشافعي التي كان لها همة كبيرة وحنكة في تربية ابنها الذي توفي والده وبقي في كنفها، فجالت به البلدان تقدمه للشيوخ والحلقات حتى صار عالما ملأ الدنيا علوما، وذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق والدة الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير بن العوام، والتي كانت تخدم رسول الله  وهي حامل بعبد الله ، فيالها من خدمة عظيمة نالا بها البركات، عاش عبد الله في كنف أمه التي كانت قانتة عابدة، فورث عنها ذلك وترعرع على المعاني الإسلامية الصافية والقيم الرفيعة فكان عالما عابدا فقيها ورعا، مهيبا وقورا ، كثير الصيام والصلاة، وكانت أسماء رضي الله عنها السند لابنها حتى آخر أيام حياته.

ولا نمر على هؤلاء الأمهات دون أن نذكر والدة السلطان محمد فاتح القسطنطينية العظيم، فبينما كان أبوه مراد الثاني سادس سلاطين الدولة العثمانية يعمل على توحيد أملاك السلطنة والتوسع في الدولة الأوروبية، كانت هذه الأم تلقن ابنها دروس العزة والكرامة وتغرس فيه معاني الفتح والجهاد كما تفوق على أقرانه في العلوم واللغات، فوفق الله الشاب ذا العشرين ربيعا  ليفعل مالم يفعل السلاطين السابقين، فقبض أنفاس الامبراطورية البيزنطية وقطع رأسها وفتح القسطنطينية وبه تحولت الدولة العثمانية إلى قوة عظمى، وكان هذا الحدث العظيم مصداقا لنبوءات النبي فكان فتحا عظيما لدين الإسلام، فحكم لمدة ثلاثين سنة عمها الخير والبركات.

ضمن المخطط الإلهي الذي ينظم العلاقة بين الرجل والمرأة، شرف الله تعالى المرأة بتاج الأمومة العظيم لتكون القطب المميز والمهم في تربية الأبناء،  فقبل ظهور الإسلام الذي أعطى للمرأة حقوقها وكرمها أحسن تكريم، كانت مسائل تعليم أو تربية الأطفال لا يؤخذ فيها رأي الأمهات، ولم يكن لهن حقوق على أبنائهن. إذا انفصل الأب والأم، كان الأطفال يسلمون إلى والدهم، ولم يكن للمرأة حق التدخل في تربيتهم.

نموذج أم عظيمة من البيئة الإسلامية الأحمدية

إن الأمهات الأحمديات اللواتي يربين أولادهن على الوجه الصحيح تبقى علاقتهم بهن أقوى حتى عندما يكبرون،  ومثاله العلاقة القوية التي كانت تربط تلك الأم العظيمة  بذلك الابن العظيم الذي تميز في كلا المجالين الديني في الجماعة الإسلامية الأحمدية ومثلها أحسن تمثيل في الكثير من المناسبات، وشغل عدة مناصب من وزير خارجية  باكستان إلى قاض في محكمة العدل الدولية في لاهاي، كما كان رئيس الدورة السابعة عشر للجمعية العامة في الأمم المتحدة، ليشغل بعدها منصب قاض في محكمة العدل الدولية ثم رئيسا لها، إنه بطل القضية الفلسطينية والعربية الغني عن التعريف حضرة شودري محمد ظفر الله خان ، الفتى الذي كان لدور أمه العظيم ومرافقتها له في حياته بنفسها وبدعائها الأثر البالغ في حياته، فساندته حين كان صغيرا يعاني من مرض في عينه يحول دون خروجه من المنزل، فكانت تشاركه اليوم كله في الداخل، وحتى في كبره كانت تمطره بالأدعية في كل خطوة يخطوها، لقد كانت علاقتهما العجيبة ببعضهما علاقة تفوق الخيال لما تميزت برابط روحاني قوي متين.

دور كل أم أحمدية

على الأمهات الأحمديات أن يفهمن ويعين دورهن وحجم المهمة الموكلة لهن مهمة تكوين الأجيال الصالحة وأن تقوم بالتربية بكل جدية واهتمام، خاصة في هذا العصر التي تعترض فيه التربية أمواج ومخاطر تحيط بها من كل الجهات محاولة إعاقة مسار التنشئة السليمة، لهذا فعلى الأمهات قبل كل شيء أن يراقبن أنفسهن ليقدمن نماذج عملية لأبنائهن وليس مجرد قواعد تلقن لهم، وترسخ في ذهن أولادها أنه لا بد من إحداث تغييرات طيبة في نفوسهم، وتعلمهم المعايير الحقيقية والأخلاق السامية. فمهمة تربية الأولاد مهمة خطيرة وستنال عليها أجرا عظيما، وإذا تمكنت من تنشئة طفلها كعضو صالح في المجتمع فإنها ستشترك معه في الحسنات.

إنها الأم، الركيزة الأساسية لبناء قاعدة قوية لمجتمع سليم خال من الأسقام، قطرات الندى التي تجعل الأسرة تتلألأ ببريق الاتحاد، المحور الذي يدور عليه كوكب العائلة، الأم التي لا تكفي الكلمات لتحصي محاسن الدور العظيم الذي تساهم به في رفع معايير قوى الدول بتقديمها أبناء ومواطنين مخلصين، ورجالا ناجحين وعلماء وقادة بارزين.

الهوامش:

  1. حضرة مرزا طاهر أحمد، كي لا يضيع أولادكم
  2. رواه ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» بلفظ: « الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الأمَّهَات؛ مَن شِئن أدخلن، ومَنْ شِئن أخْرَجن»
  3. الخطاب إلى النساء الجلسة السنوية في بريطانيا يوم 29/7/2017
Share via
تابعونا على الفايس بوك