ربوا أما تصلحوا أمة

ربوا أما تصلحوا أمة

مريم شريف الدين

  • كيف لفتت الشريعة الإسلامية انظارنا إلى هذه القضية؟
  • كيف حظيت هذه القضية باهتمام المصلحين والأدباء؟

___

لا شك أن الإسلام دين متوازن، تحدد شريعته لكل من يدين به جملة حقوقه وواجباته، فيعطي لكلٍّ حقه، دون أن يتعدى أحد على ما للآخر، وهذا أمر لم تسبق إليه رسالة سماوية سابقة، ولم يهتد إليه مستقلا قانون وضعي لاحق.

ومن جملة التوازنات التي أرساها الإسلام فيما يتعلق بقضايا المعاملات الإنسانية، إرساؤه لحقوق المرأة الأساسية، والتي ظلت مُهدرة بوجه عام ردحا طويلا من الزمن، اللهم إلا في مجتمعات قليلة لا تكاد تُذكر، وعلى فترات متقطعة من التاريخ.

وعلى الرغم من أن المرأة كائن رقيق، أو كما يقال «جنس لطيف»، إلا أن بإمكانها إراءة نموذج لقدرة الله تعالى وعظمته، إذ أَلقى عز وجل على كاهلها العبء الأثقل في هذا الوجود، إنه مسؤولية تربية النشء ورعايته لكي ينشأ عابدا عارفا لله تعالى، محققا الغاية التي خلقت من أجلها الإنسانية ككل، فعجبا لذلك المخلوق الرقيق الذي قدَّر الله تعالى له أن يؤدي الأمانة التي يعجز عن أدائها الأشداء من الرجال، والكبرى من المؤسسات!

ولتحقيق الإنسان الغاية من أجلها خُلق، أي عبادة الله تعالى على الوجه الأكمل والأتم، عليه أن يسعى لإنقاذِ نفسه أولا من ضلالات العصر المتكاثرة، ثم عليه كذلك أن يهتم بإنقاذ ذريته اللاحقة، بأن يسعى لتقريبِهم إلى الله تعالى، ولأجل ذلك عليه أن يبدي نموذجا للأب الذي يتأسى به أولاده ويقتدون. لقد لفتَ حضرة أمير المؤمنين (أيده الله بنصره العزيز) في إحدى خطبه يوم الجمعة أنظارنا إلى مسألة دقيقة من مسائل الشريعة، وهي أن الرجال فُرض عليهم أن يتوجهوا إلى المساجد خمس مرات لإقامة الصلاة جماعةً، أما النساء فسُمح لهن بإقامتها في البيوت، ومع ذلك ينلن الثواب الذي يناله الرجال من صلاة الجماعة، وهذا بالطبع ليس ثوابا مجانيا، فإنما يتوقع من النساء عمل آخر، وهو توليهن تربية النشء، فإن فرطن في هذه المهمة، فقدن كلا الثوابين، ثواب الجماعة، وثواب التربية، فأي خسارة أفدح من هذا؟! فالمرأة الأحمدية التي آمنتْ بإمام الزمان اتقاء الفتنة والفساد، لا بد أن تكون عابدة لله من مستوى رفيع(1).. لقد قال النبي :

«كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا»(2)،

لأن الزوج حين لا يكون في البيت لانشغاله في العمل، تكون مسؤولية رعاية البيت ملقاة على عاتق المرأة. فالأولاد حين يعودون من المدارس يجب أن تكون المرأة في البيت لكي تهتم بطعامهم، وتسألهم عما يجري في المدرسة وتعلِّمهم أمور التربية الأخرى(3).

يجب على كل واحد منا أن يهتم بترسيخ تعاليم الإسلام في ذريته، بل كان هذا هو المقصود عندما أنشِئ مجلس خدام الأحمدية حتى يدرك أفراد الجماعة أن تربية الأولاد من أهم الفرائض.

يعلم كل شخص أن الأولية عندما نتحدث عن إصلاح الأولاد وإصلاح البنات هي دائما للبنات لأنهن سيصبحن أمهاتٍ في المستقبل ولهن تأثير عميق في أولادهن. بسبب هذا فقط لا يكون إصلاح قوم بإصلاح رجالهم دون نسائهم. بل القوم الذين يهتمون بإصلاح الرجل والمرأة كليهما يعني هم الذين سيكونون بمأمن من الأخطار.

ما أجمل بيان الرسول إذ كان يجلس مع أصحابه مرةً فقال: «مَن عال ثلاثَ بناتٍ، فأدَّبَهنَّ وزوَّجَهنَّ، وأحسَن إليهنَّ، فلَه الجنَّةُ»(4).

قد يخطر ببال من لا يعلم مبادئ تقدم الأمة تساؤلٌ مفاده: كيف يمكن أن يكون هذا أمرا ذا أهمية، كيف لامرئ أن يفوز بالجنة لمجرد تربية وإصلاح ثلاث بناتٍ؟!

الحقيقة أن الذي يربي ثلاث بنات هو لا يربي مجرد ثلاثتهن وحسب، فمن أولئك الثلاث يولد ألافٌ من خدام الإسلام، فإن كنَّ نشأن نشأة طيبة أنجبن طيبين مضحين في سبيل الإسلام.

ولله در شاعر  النيل «حافظ إبراهيم» حين قال(5):

مَن    لي    بِتَربِيَةِ    النِساءِ   فَإِنَّها

في   الشَرقِ   عِلَّةُ  ذَلِكَ  الإِخفاقِ

.

الأُمُّ     مَدرَسَةٌ     إِذا     أَعدَدتَها

أَعدَدتَ    شَعباً   طَيِّبَ   الأَعراقِ

.

الأُمُّ    رَوضٌ    إِن   تَعَهَّدَهُ   الحَيا

بِالرِيِّ      أَورَقَ     أَيَّما     إيراقِ

.

الأُمُّ     أُستاذُ    الأَساتِذَةِ    الأُلى

شَغَلَت    مَآثِرُهُم    مَدى   الآفاقِ

.

أَنا  لا  أَقولُ  دَعوا  النِساءَ سَوافِراً

بَينَ  الرِجال يَجُلنَ في الأَسواقِ

.

يَدرُجنَ حَيثُ أَرَدنَ لا مِن وازِعٍ

يَحذَرنَ رِقبَتَهُ  وَلا مِن واقي

.

يَفعَلنَ   أَفعالَ  الرِجالِ  لِواهـِيا

عَن   واجِباتِ   نَواعِسِ  الأَحداقِ

.

في    دورِهِنَّ    شُؤونُهُنَّ    كَثيرَةٌ

كَشُؤونِ   رَبِّ   السَيفِ  وَالمِزراقِ

.

كَلّا   وَلا   أَدعوكُمُ   أَن تُسرِفوا

في الحَجبِ وَالتَضييقِ وَالإِرهاقِ

.

لَيسَت   نِساؤُكُمُ حُلىً وَجَـــــواهِراً

خَــوفَ الضَياعِ تُصانُ في الأَحقاقِ

.

لَيست نِساؤُكُمُ أَثـاثاً يُقـتَنى

في الدورِ   بَينَ مَخادِعٍ وَطِباقِ

.

تَتَشَكَّلُ    الأَزمانُ    في   أَدوارِها

دُوَلاًوَهُنَّ عَلى الجُمـودِ بَواقي

.

فَتَوَسَّطوا  في  الحالَتَــينِ وَأَنصِفوا

فَالشَرُّ في التَقـييدِ وَالإِطلاقِ

.

رَبّوا البَنـاتِ  عَلى الفَضيلَةِ إِنَّهـا

في المَوقِفَينِ لَهُنَّ خَير  وَثاقِ

.

وَعَلَيكُمُ أَن تَستَـبينَ بَناتُكُم

نورالهُدى  وَعَلى الحَياءِ الباقي

الهوامش

1. راجع: حضرة مرزا مسرور أحمد، مسؤولِية النساء المسلمات تجاه النشء، خطاب ألقاه أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز بتاريخ 5 /10 / 2019م بمناسبة الجلسة السنوية في فرنسا

2. (صحيح البخاري، كتاب الجمعة)

3. حضرة مرزا مسرور أحمد، مسؤولِية النساء المسلمات تجاه النشء، خطاب ألقاه أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز بتاريخ 5 /10 / 2019م بمناسبة الجلسة السنوية في فرنسا

4. (سنن أبي داوود، كتاب الأدب)

5. ديوان حافظ إبراهيم

Share via
تابعونا على الفايس بوك