الحركات النسوية..
  • ما منشأ الحركات النسوية؟
  • هل يمكن القول بأن الحركات النسوية نشأت كرد فعل؟
  • لماذا نقول بأن تلك الحركات النسوية قولة حق يراد بها باطل؟

___

الحركات النسوية..

هل هي كلمة حق يراد بها باطل؟!

ليس من قِبيل المبالغة القول بأن المرأة كائن ذو طبيعة فطرية خاصة، ومزايا فريدة لا يدركها إلا ذوو الألباب، بينما يتوقف أهل المظاهر والمنخدعون بالقشور عند مظهرها الخارجي وجمالها الشكلي كقيمة يمكن تسليعها والمتاجرة بها في دائرة واسعة من الممارسات والكتابات والعمل المؤسسي في كثير من الأحيان، كل هذا ضمن ما نسميه الآن بالحركات النسوية، فما هي تلك الحركات؟ وما تاريخها؟ وما الأصول الفكرية التي ترجع إليها؟ وما أبرز مظاهرها في عالم اليوم؟ وأي نفع أو خطر تحمله للمجتمع والإنسانية ككل؟!

نشأت الحركة النسوية بأشكالها المنظمة في الغرب قبل أكثر من قرن، وعُرفت بأنها الاعتراف بأن للمرأة حقوقا وفرصا مساوية للرجل وقد كانت في الأساس تهدف إلى منح المرأة الحقوق الأساسية من التعليم والعمل التي حُرمت منها في المجتمع الغربي قبل الثورة الصناعية ثم تطورت فكرتها إلى المطالبة بالمساواة بالرجل في جميع الحقوق السياسية والاقتصادية والجنسية والفكرية ومماثلته في كل شيء.

لا شك أن عبارة المناداة بالمساواة بين الجنسين تبدو في ظاهرها ذات مدلول إيجابي، لا سيما إذا كانت تلك المساواة في جملة الحقوق الأساسية والتكاليف الشرعية.

لقد جاء الوحي الإلهي النازل على النبي محمد خارقا قوانين عصره وأعرافه الراسخة، فبعد أن كانت المرأة كائنا لا يقام له وزن، أصبحت منذ فجر نزول الوحي القرآني كائنا ينبغي بحكم الشريعة التعامل معه بأسلوب التعامل مع النفائس، فجعل الإسلام من النساء شقائق الرجال فأصبحت المرأة شريكة للرجل وليست مجرد متاع وكائن ناقص… أصبحت متساوية مع الرجل، بمعنى أن ما شُرع لها كان مراعيا كونها إنسانة كالرجل وكونها أنثى لها طبيعة خاصة، قال تعالى:

وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1)،

وعبارة «بالمعروف» هنا تعد ضابطا دقيقا، إذ لم يُطلق الإسلام مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة هكذا على علاته، فثمة وظائف يمكن للرجل أداؤها وتعجز عنها المرأة، والعكس صحيح، إذ ثمة وظائف تؤديها المرأة بمنتهى السهولة واليسر، بينما ثبت فشل الرجل في القيام حتى بعشر معشارها، والشواهد على مثل هذا القول كثيرة. فقوله تعالى

وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ .(2)

ندرك من خلاله أن المساواة على إطلاقها قد تحمل بلاء على الطرفين، ومثلها كمثل التسوية بين البدين والنحيف في مقاس اللباس. فعبارة “بالمعروف” تتضمن معنى تكليف كل جنس بما يناسبه مما هو متعارف عليه.

الغرب منشأ الحركات النسوية

صورة المرأة في المصادر الدينية الغربية “المسيحية” وفي التراث الديني اليهودي من أبرز موجبات نشأة هذه الحركة، فقد نشأت في الغرب وانبعثت منه، وينص هذا التراث على أن المرأة هي أصل الخطيئة؛ لأنها هي التي أغرت آدم بالخطيئة عندما أكلت من الشجرة كما هو منصوص عليه في أول أسفار الكتاب المقدس، فالرب عندما فعلت هذا الفعل قضى بسيادة الرجل عليها قضاء مبرما، وأدى  هذا الموقف – فيما بعد – إلى ظهور أحكام وأوصاف عديدة للمرأة في هذا التراث: فهي شيطانة وملعونة وهي كائن بلا روح، وعليه فلا تستحق، لدى بعضهم، أن تدخل الجنة أصلا، بل الأغلب أنها تدخل النار ولا توجد امرأة لديها فضيلة يمكن أن تدخلها الجنة.. وهذا قليل من كثير من تلك الأقوال التي انبنت على رواية سفر التكوين وموقف الخطيئة الأولى. لقد كانت الحركات النسوية في الغرب رد فعل اجتماعي على الظلم المتراكم والمنصب على رأس المرأة طيلة قرون مديدة. وباستحضار شيء من وضع المرأة في الفكر الأوروبي طوال فترة العصور الوسطى، والتي امتدت منذ منتصف القرن الخامس حتى نهاية القرن الخامس عشر الميلاديين، والذي تربعت على مسرح أحداثه امرأة يُشار إليها بشهيدة الفلسفة وضحية التعصب الديني تُدعى «هيباتيا السكندرية» عالمة الرياضيات والفلك الفيلسوفة المصرية، حيث اتُهمت بتحريض من رجال الكنيسة بالخروج على مفاهيم الكنيسة بترويجها نظريات علمية تُضلل البشر، بحسب ادعائهم، وممارسة الفلسفة التى اعتبرت سحرا فى ذلك الوقت. (3)

الموجب الآخر لهذه الحركة المتطرفة هو موقف العديد من المفكرين والفلاسفة الغربيين تجاه المرأة بدءا من (أفلاطون) فيلسوف الإغريق الشهير الذي يصنف المرأة في عدد من كتبه ومحاوراته مع العبيد والأشرار ومع المخبولين والمرضى إلى الفلاسفة المتأخرين مثل (ديكارت) من خلال فلسفته الثنائية التي تقوم على العقل والمادة: فيربط العقل وخصائصه بالرجل، بينما يربط المادة وأعراضها بالمرأة.. وإننا لا يمكننا الفصل بصحة أو بطلان ما ذهب إليه أولئك الفلاسفة إلا بعد الاطلاع على تفاصيل أقوالهم تلك وقراءتها في سياقها، إنما نبغي من وراء إيراد هذه الأقوال التقاط صورة فوتوغرافية تاريخية لجذور فكرة رد الفعل النسائي في الغرب، والذي بات يُعرف بالنسوية.

لقد جاء الوحي الإلهي النازل على النبي محمد خارقا قوانين عصره وأعرافه الراسخة، فبعد أن كانت المرأة كائنا لا يقام له وزن، أصبحت منذ فجر نزول الوحي القرآني كائنا ينبغي بحكم الشريعة التعامل معه بأسلوب التعامل مع النفائس، فجعل الإسلام من النساء شقائق الرجال فأصبحت المرأة شريكة للرجل وليست مجرد متاع وكائن ناقص

المنظمات الحقوقية النسوية

يدور اللحديث في الآونة الأخيرة حول ما توصلت له إحدى الدراسات بأن تسعة من أصل عشرة أشخاص حول العالم لديهم أحكام مسبقة تمييزية تجاه النساء، وهذا يعني أن للرجال أحكامًا مسبقة على المرأة أحسنت أم أساءت، بَنتْ أم هدمت، عمّرت أم خرّبت، زوجة كانت أم ابنةً أم أمًّا أم أختًا أم كل ما سوى ذلك، فهي عند البعض لا تصلح لشيء أبدًا، وأن وجودها عالة على البشرية، والبعض يراها وبالاً إذ لولاها ما خرج آدم من الجنة ولعاش الناس ينعمون بين أشجار الفاكهة وأنهار اللبن والعسل والخمر يأكلون ويشربون ويتمتعون، والبعض يراها مخلوقة في الأساس لا لشيء إلا لتسلية الرجل والترويح عنه، فهو أساس هذا الكون وعليه وحده مدارُه، أما المرأة فليست إلا قطعة من الإسفنج تمتص الأوساخ ثم تذهب لتعتصرها بعيدًا حتى لا تعكر صفو الحياة، وكلما امتصت واعتصرت تكون بذلك قد أدت وظيفتها، ويرضى عنها الخالق والمخلوق، ثم تتباين فيها الآراء على مذاهب شتى، فمن الناس من يراها متعة جنسية يستمتع بها كلما شاء حتى إذا فرغ وضعها في زاوية حيث بإمكانه الحصول عليها كلما يكون في مثل تلك الحاجة إليها، وبعضهم كان يدفنها حيَّةً فور ولادتها بعدما يتبين كونها أنثى لأنه كان يراها جالبة الخزي والعار، وهي له بئس الولد، ولا تملك له لو أرادت معونته إلا أن تصرخ، وليس بوسعها إن أرادت أن تبرَّه إلا أن تسرق من بيت زوجها، وكانت عند غالب هؤلاء ذليلة مَهينة، تُورَّث بعد موت الزوج كما يورَّث أي متاع، وهلم جرًّا.(4)

ولادة الحركة النسوية العالمية بصورة رسمية

في عام 1985، عقد المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلام في نيروبي. وجاء انعقاد المؤتمر في وقت كانت الحركة من أجل المساواة بين الجنسين قد اكتسبت فيه اعترافا عالميا، وشارك 15 ألف ممثل من عديد من المنظمات في منتدى مواز للمنظمات غير الحكومية. ووصف الكثير هذا الحدث بأنه “ولادة الحركة النسوية العالمية”. وإداركا منها أن أهداف مؤتمر المكسيك لم تتحقق على نحو كاف، اعتمدت 157 حكومة مشاركة استراتيجيات نيروبي التطلعية لسنة 2000. ومهدت المؤتمر بذلك للإعلان عن جميع المسائل بوصفها قضايا المرأة.

التذرع بالمظلومية بات حجة واهية

كثير من الظواهر الاجتماعية السالبة والمدمرة، تنشأ عادة من اليأس الناجم بدوره عن الفاقة والحاجة وكبت الأمل، ثم يضاف إلى ذلك الظلم الاجتماعي واستئثار فئة محدودة من المجتمع بكل السلطة أو الثروة، على قلتها في البلدان الفقيرة. ولذلك فإن الفئات المهمشة أو التي تئن جراء الإقصاء وشظف العيش تضطر إلى نقل أنينها ذاته إلى فئات أخرى حولها، فتجد الفئة التي كانت مستقرة نفسها مضطرة إلى دفع شيء من فاتورة الظلم الواقع على فئة أخرى. وبنفس الكيفية عندما يعاني شخص ما ظلما بيِّنا بدرجة لا يعود بمقدوره تحمله، فإنه يميل تلقائيا إلى صب شيء من ذلك الظلم على من حوله، لا سيما أولئك الذين في دائرة قوامته. هذه الظاهرة وإن كانت اجتماعية إلا أنها تسير بالتوازي والظاهرة الفيزيائية المعروفة بـ «الأواني المستطرقة»، والتي توصف بأنها ارتفاع السوائل بنفس المنسوب في الأواني المتصلة مهما تفاوتت أحجامها.. التشبيه هنا على اعتبار منظومة الأواني تماثل المجتمع ككل، والأواني على اختلاف أحجامها هي أفراد المجتمع، والسائل المرتفع هو الظلم المنصب على فئة ما. وبناء على تلك الظاهرة الثابتة فإن كل ظلم اجتماعي يقع على المرأة في أي عصر سببه وقوع الرجل نفسه تحت وطأة ظلم اجتماعي ما، مما يدفعه إلى صب شيء من الظلم الواقع عليه على من هم في كنفه، من الزوجة والأولاد.. وفي المقابل لاقت المرأة في المجتمعات التي تولي الرجل كإنسان قيمة تقديرا خاصا، فمثلا، في مدينة “إسبرطية” اليونانية كان وضع المرأة الإسبرطية أفضل بكثير من أخواتها في سائر المدن اليونانية، حتى أفضل من المرأة الأثينية نفسها، على الرغم من أن المجتمع الإسبرطي لم يكن ذا اهتمام ملحوظ بأمور الفكر أو السفسطة. يُرجِع البعض سبب تفوق المرأة الإسبرطية إلى غياب الدور الأسري للرجال نظرا إلى انشغالهم بالحروب والقتال، ولكن هذا الرأي مردود عليه بشواهد مماثلة، ففي المجتمعات القبلية المنهمكة في التقاتل فيما بينها، كمجتمع قبائل شبه الجزيرة العربية قبل البعثة المحمدية، لم تلق المرأة تقديرا مماثلا على الرغم من غياب الدور الأسري للرجل، لانشغاله إما في التجارة أو الحرب. فمما سبق يثبت سريان القانون الفيزيائي المذكور بالتوازي في بعد اجتماعي أيضا، ووحدة القانون هذه مؤشر قوي على وحدة واضع هذه السنة، الله عز وجل.(5)

الهوامش:

1.(البقرة : 229)

2. نفس المرج السابق

3. من نماذجِ إِحسان محمد إِلى الإنسانية مجلة التقوى، نوفمبر 2018

4. سياحة روحانية في عالم النسوِية، مجلة التقوى، فبراير 2021

5. النسوِية ليست حلا، المرأة ليست وحدها المظلومة، مجلة التقوى، ديسمبر 2019

Share via
تابعونا على الفايس بوك