تفسير المصلح الموعود للقرآن الكريم

تفسير المصلح الموعود للقرآن الكريم

نفيس أحمد قمر

داعية إسلامي أحمدي
  • هل من وقائع في حياة المصلح الموعود تظهر مدى عشقه للقرآن؟
  • أي دور للإلهام الرباني في تفسيرات حضرته؟

__

تفسير المصلح الموعود للقرآن الكريم

شعاع ساطع من أنوار العلم والإيمان

 

 

البداية من النبوءة عن الابن الموعود

لو لم يكن للمسيح الموعود من آية على صدق دعواه غير تحقق النبوءة التي تلقاها عن ابنه الموعود لكفاه! فقد كان ميلاد ذلك الابن الموعود تحقيقا لنبوءة رائعة تصفه بأنه سيكون تجليا لعظمة الله وكماله. فولد في بيت مسيح الله كما أخبر الله تعالى. وكانت كل مراحل حياته تصدق عبارات النبوءة الطويلة، والتي بلغ عدد فقراتها اثنين وخمسين، بعدد أعوام عهد خلافة حضرته.

لقد كان من كلمات تلك النبوءة العظيمة أنه «فَهِيمٌ وذَهِينٌ، قد مُلِئَ قلبُهُ عِلمًا، وباطِنُهُ حِلمًا، وصَدرُهُ سِلْمًا.» (1)  إن العلوم التي أفاضها ربّ العالمين على حضرة المصلح الموعود

تجعلنا نقف مذهولين لأنّ المعطيات لا تُشير إلى مصادر ماديّة متوفّرة، بل إنّ معظم تلك العلوم تلقَّاها من لدن ربّه بعد دعاء وتضرُّع مخلص. (2)

أنوار العلوم

إن كتابات وخطابات سيدنا المصلح الموعود زاخرة بالعلوم والمعارف. وإن كتبه ومقالاته وخطاباته منشورة في سلسلة من عدة مجلدات حملت عنوان «أنوار العلوم»، وكل مجلد من تلك السلسلة الضخمة يحتوي على أكثر من 600 صفحة، ولا تزال عملية ترجمة ونشر هذه السلسلة جارية، لما يحمل فائدة عظيمة يرجوها القارئ العربي الذي فتح شهيتَه اطلاعُه على ترجمات سابقة لكتابات حضرته ،كالترجمة العربية للتفسير الكبير، وخطاب «الأحمدية، أي الإسلام الحقيقي»

وبالنسبة للقرآن الكريم، فقد كان منبعَ فيضان علوم حضرة المصلح الموعود ، الذي تبدى عشقُه له بصورة حلقات درس يومية لتفسير القرآن الكريم وكانت نتائج تلك الدروس تفسيرين للقرآن الكريم، هما التفسير الصغير والتفسير الكبير، وسيُدرك كل من يقرأهما مدى عشق حضرته لكلام وذات الله وكيف أنّ معارف القرآن تتجلّى للقارئ بطريقةٍ شيّقة ومدهشة وببلاغةٍ كبيرة!

لقد كتب حضرة المصلح الموعود في المجلد السادس من التفسير الكبير «أن معظم العلوم والحقائق القرآنية قد أحاط بها عن طريق الإلهام وأن الله تعالى وهب له روحا معرفية وموسوعية وفهما عميقا للقرآن الكريم وموهبة الإقناع (3)، وقد تحدى الكثيرين في ذلك إلا أن أحداً لم يستطع أن يقف أمامه. وقد اعترف بذلك زعيم إسلامي بارز وهو (مولوي ظفر علي خان) محرر صحيفة «زاميندار» اليومية في مدينة لاهور ورغم أن قلمه كان شديد المرارة تجاه الجماعة الإسلامية الأحمدية قال ما ترجمته: «أيها الأحراريون اسمعوا بآذان مفتوحة، أنتم وشركاؤكم لن تستطيعوا الصمود أمام مرزا محمود حتى يوم القيامة. إن مرزا محمود يملك القرآن معه، وعنده معرفة قرآنية عميقة، فماذا لديكم أنتم؟ أنتم لم تقرؤوا القرآن حتى في المنام.» (4)

دور الإلهام الرباني

يروي المصلح الموعود أن في وسط 1907 علَّمه الملاك تفسير سورة الفاتحة، فيقول: «رأيتني واقفا في مكانٍ ما متوجهًا إلى الشرق إذ سمعت صوتًا من السماء مثل صلصلة الجرس أو كأنه صوت رفيع يطن كما يصدر من إناءٍ من نحاس حين يدقه أحد. فأخذ الصوت ينتشر ويرتفع وأنا شاهدٌ حتى ساد الصوت الجو كله، وفجأة رأيتُ الصوت يتجسد في شكل إطار، ثم أخذ الإطار يتحرك، وطفق يظهر من خلاله صورة وجودٍ جميلٍ رائع الجمال، ثم شرعت الصورة تتحرك وسرعان ما قفز منها شيء ظهر أمامي، وقال أنا ملاك الله، ولقد أرسلني الله تعالى إليك لأعلمك تفسير سورة الفاتحة. فقلت: علِّمْني! وجعل يعلّم ويعلّم ويعلّم، فلما وصل إلى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قال: إن السلف من المفسرين كلهم قد فسروا هذه السورة إلى هنا فقط، لكنني أريد أن أعلمك تفسير ما بعدها من الآيات، فقلت: علمْني! فأخذ يعلم إلى أن علمني تفسير سورة الفاتحة بكاملها. وعندما صحوت من النوم كنت أذكر بعض ما علّمني الملاك، لكنني لم أسجلهُ. وفي اليوم التالي ذكرتُ هذه الرؤيا للخليفة الأول ، وأخبرته أنني كنت أذكُر بعض ما علمني الملاك، لكنني لم أسجله، والآن قد غاب عن ذهني. فقال الخليفة: لقد احتفظتَ بالعلم كله لنفسك، ليتك تذكرتَ منه شيئًا وعلّمتنا أيضا. كانت هذه الرؤيا تشير في الحقيقة إلى أن الله تعالى قد أودع ذهني كنـزًا من علوم القرآن كبذرةٍ، فمنذ ذلك اليوم فصاعدًا لم يحدث ولا مرة أن فكرت في سورة الفاتحة، أو أردت بيان مفاهيمها إلا وأعطاني الله تعالى معارف وعلومًا جديدة. فإن الله تعالى بفضله قد حل لي جميع معضلات القرآن الكريم»(5).

ولعله من المتعذر عمليًا أن نسوق كل منجزات سيدنا محمود في منشور واحد، ومع ذلك فإنه تقديرًا لإنجازاته العظيمة حيّاه وأشاد به رجال من ذوي المكانة الرفيعة من أمثال العلامة نياز الفتحبوري – العالم الشهير في القارة الهندية والمعروف بنفاذ البصيرة.. الذي أثنى عليه وقال مخاطبا حضرته: “بين أيدينا الجزء الثالث من التفسير الكبير الذي ندرسه بعناية. لا ريب أنك خلقت وجهًا فريدًا لدراسة القرآن الكريم. والتفسير هو الأول من نوعه. وقد مزجتَ فيه بين الذكاء والعلم بطريقة جميلة جدًا. إن معارفك العظيمة وتفكيرك المتبحر، وفهمك الفريد، وطريقتك في التعبير.. كل ذلك جليٌّ في كل كلمة. أعتذر عن إهمالي لهذا التفسير كل هذه المدة. يا أسفاه! كان بوسعي دراسة مجلداته كلها. بالأمس فقط كنت أقرأ تفسير سورة هود، فتأثرت كثيرًا برأيك فيما يتعلق بسيدنا لوط عليه الصلاة والسلام حتى وجدتُ نفسي مدفوعًا لكتابة هذه الرسالة. إن الموقف الذي اتخذتَه في تفسير الآية هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ موقف فريد، ولا أجد الكلمات التي أعبّر بها عن امتناني لك. فليحفظك الله تعالى».(6)

وقد قرظتْ جريدة “وكالة الأنباء” العربية الأردنية الترجمةَ الإنكليزية للتفسير تحت عنوان (ترجمة القرآن الكريم)، وقالت: .. يقع الكتاب في 968 صفحة تضم ترجمة معاني السور المجيدة: الفاتحة والبقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة.(7) وقد أحسن المرزا بشير الدين محمود أحمد فضم مصادر الكتاب وبحوثًا قيمة من القرآن المجيد وسيرة الرسول الأعظم وشخصيته، وكيفية جمع القرآن وغيرها. والترجمة الإنكليزية تفوق كل ترجمة سبقتها من حيث الإتقان وجودة الورق والطبع والانسجام وصدق الترجمة الحرفية، وتفسيرها تفسيرًا مسهبًا بأسلوب جديد يدل على علم غزير واطلاع واسع على حقائق الدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه السامية. والكتاب الثمين في مجموعه دفاع عن الإسلام وردٌّ على خصومه وخاصة على المستشرقين.. يبطل مزاعمهم بأسلوب علمي رائع.

فقد كان منبعَ فيضان علوم حضرة المصلح الموعود ، الذي تبدى عشقُه له بصورة حلقات درس يومية لتفسير القرآن الكريم وكانت نتائج تلك الدروس تفسيرين للقرآن الكريم، هما التفسير الصغير والتفسير الكبير، وسيُدرك كل من يقرأهما مدى عشق حضرته لكلام وذات الله وكيف أنّ معارف القرآن تتجلّى للقارئ بطريقةٍ شيّقة ومدهشة وببلاغةٍ كبيرة!

الجديد والفريد في التفسير الكبير

لقد اعتمد المسلمون عبر تاريخهم في تفسير القرآن الكريم على الروايات المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم وروايات التابعين، وهي روايات جديرة بالاحترام، ولكن علماء المسلمين لم يبذلوا جهداً كبيراً في محاولة الوصول إلى القيم الروحية الكامنة في آيات القرآن الكريم، وهذا ما ركّز عليه المصلح الموعود ، فلم يترك فرصةً في آية قرآنية إلا وأظهر ما فيها من قيم روحانية تزيد إيمان الإنسان وترفع روحانيته. إن التفسير الكبير لا تصلح معه هذه العُجالة لبيان عظمته. لقد وضّح المصلح الموعود أن القرآن الكريم يخاطب روح الإنسان كما يخاطب جسده، بل إن كل الأحكام المذكورة في القرآن الكريم يقوم بها الجسد ولكنها في الحقيقة كلها في خدمة الروح.(8)

ومن مميزات تفسير المصلح الموعود للقرآن الكريم أنه اعتمد منهجا قويما في التفسير يقوم على ثلاثة مرتكزات رئيسة، وهي:

  1. نقض الخرافات وأمور الدجل والشعوذة.
  2. تنزيه الأنبياء عليهم السلام مما نُسب إليهم من إساءات.
  3. التوفيق بين الدين والعلم والتاريخ.

فمن مظاهر نقض المصلح الموعود الخرافات ما أحاط بمعجزات الأنبياء من أمور تنافي المنطق بل وتنافي حكمة الله تعالى في الخلق. لقد أزال المصلح الموعود هذه الخزعبيلات بما قدّمه من تفسير عقلاني في سياقات تاريخية مُجمع عليها ويتوافق مع ما تقرره اللغة العربية وبما يتوافق مع حكمة الله تعالى.

وفي إطار تنزيه الأنبياء عليهم السلام مما نُسب إليهم من إساءات، شرع المصلح الموعود قلمه في سبيل إسقاط كل ما أُلصِق بأنبياء الله من إساءات، بقصد أو بدون قصد، إساءات من قبيل أن النبي سليمان يسرق عرش ملكة سبأ، والنبي داود يحيك مكيدة للتخلص من قائد جنوده ليستفرد بزوجته، والنبي إبراهيم يكذب ثلاث كذبات، فجاء تفسير المصلح الموعود مـدافعا عن أنبياء الله ومنزها سيَر هؤلاء الصالحين الأخيار.

الهوامش:

1. حضرة مرزا غلام أحمد القادياني، مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، مجلد 5

2. محمد نعيم الجابي، المصلح الموعود.. آية سماوية بينة على صدق دعوة الإمام المهدي، مجلة التقوى، مارس 1997

3. انظر: مرزا بشير الدين محمود أحمد، التفسير الكبير المجلد 6، الصفحة 384

4. فريق التقوى، الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد ، مجلة التقوى، عدد يوبيل الخلافة – ديسمبر 2008

5. أنوار العلوم ج 17 ص 570

6. مجلة “الفرقان” ديسمبر 1965 ويناير 1966

7. يبدو أن جريدة “وكالة الأنباء” قد وقعت في شيء من الخلط بين مؤلفات سيدنا المصلح الموعود ، حيث إن التفسير الكبير لا يشتمل على تفسير لبعض السور القرآنية، كسورة آب عمران على سبيل المثال، كما أن الفسير الكبير لم يكن قد تُرجم بعد إلى الإنكليزية في ذلك الوقت، ولعل “وكالة الأنباء” قصدت تفسيرا آخر أملاه سيدنا المصلح الموعود ، يُعرف بالتفسير الوسيط، وهو من اسمه وعدد أجزائه الخمسة يُعد أصغر حجما من التفسير الكبير، وإن لم يقل عنه جودة وإتقانا.

8. هاني الزهيري، المصلح الموعود الرجل الذي كلمه الله، مجلة التقوى، فبراير 2014

Share via
تابعونا على الفايس بوك