قراءو في كتاب "تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب"

قراءو في كتاب “تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب”

أحمد وائل

كاتب
  • من هو داود صاحب “التذكرة”؟
  • ولماذا حازت “تذكرة داود” هذه الشهرة والصيت في عالم الصيدلة؟
  • من أين جمع داود الأنطاكي مادة كتابه؟
  • بم سبق داود الأنطاكي المدارس الغربية في تذكرته؟

___

حين  نطرح على مائدة النقاش موضوع الطب التقليدي سواء بالأعشاب أو بالإبر الصينية أو بالنار أو بالماء إلى آخر قائمة الممارسات الطبية القديمة والتي ثبتت نجاعتها وفائدتها، مع ضآلة ما يترتب عليها من آثار جانبية سلبية، فإننا لا نروم من هذا تهميش دور الطب الحديث، وحينما نتحدث عن كتاب شهير، ككتاب «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب»، والمنسوب للصيدلاني والعشاب العربي داود بن عمر الأنطاكي، فليس ذلك لأننا نروج لما بات يسمى بالطب البديل أو التكميلي على حساب الطب العصري، ولكن لكي ننوه إلى الممارسات الطبية القديمة في زمن اضطراب الطب الحديث وتردده أمام هجوم العديد من النوازل الصحية، وآخرها ما كان من جائحة فيروس كورونا المستجد ومتحوراته.

ومصطلح الطب البديل لا يخلو من ضعف، فقديما كانت تلك الممارسات التقليدية القديمة، من العلاج بالأعشاب والطرق التقليدية، كانت هي الممارسة العلاجية الأساسية، قبل أن تظهر غلى حيز الوجود أساليب الطب الحديثة بآلاف السنين، ومن بينها العلاج الكيميائي والإشعاعي واستخدام المناظير وموجات الرنين المغناطيسي وغير ذلك. فالطب التقليدي بأنواعه المختلفة يعد علما قائما بذاته وله قواعده وضوابطه وتشخيصاته التي لا تقل عما هو عليه الطب الحديث، اللهم إلا في المصطلحات والآلات وتفريع التخصصات.

عن تذكرة داود وتراجمها

في «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب” المعروفة اختصارا بتذكرة داود الأنطاكي، كتاب في الطب يتألف من ثلاثة أجزاء ألفها الطبيب العربي المشهور داود الأنطاكي ويتناول العقاقير النباتية، ويشمل 3000 من النباتات الطبية والعطرية. وتوجد من هذا الكتاب 37 نسخة خطية منتشرة في مكتبات الشرق والغرب، منها مكتبات عربية وأوروبية وهندية وأمريكية. وطبع عدة مرات وأغلب طبعاته هي مختصر تذكرة داود نظرا إلى طول مادته واتساعها، إضافة إلى وجود مصطلحات قديمة يصعب على القارئ المعاصر فهمها. وترجم هذا المؤلَّف إلى عدد من اللغات، كاللاتينية والتركية والفارسية والإنكليزية وغيرها من اللغات.

ومؤلف هذا الكتاب هو داوود بن عمر الأنطاكي (ولد بأنطاكية، وتوفي عام 1008 هـ/1599م،  في مكة المكرمة) واشتهر بلقب «الرئيس الضرير»،  ولد كسيحا ثم شفي من كساحه. ولد بقرية الفوعة في محافظة إدلب بشمال سورية، وعاش بأنطاكية ونسب إليها،  زار طالبا للعلم بقاعا شتى، كدمشق والقاهرة والأناضول ومكة المكرمة، والتي استقر بها حتى وافته المنية. وكان عالما بالصيدلة والطب.

العلاج بالأعشاب والطرق التقليدية، كانت هي الممارسة العلاجية الأساسية، قبل أن تظهر غلى حيز الوجود أساليب الطب الحديثة بآلاف السنين، ومن بينها العلاج الكيميائي والإشعاعي واستخدام المناظير وموجات الرنين المغناطيسي وغير ذلك. فالطب التقليدي بأنواعه المختلفة يعد علما قائما بذاته وله قواعده وضوابطه وتشخيصاته التي لا تقل عما هو عليه الطب الحديث، اللهم إلا في المصطلحات والآلات وتفريع التخصصات.

الضمير الطبي وأخلاقيات المهنة

من المسائل النظرية الفكرية التي تعرض لها الأنطاكي تحديد قيمة الطب من بين العلوم مع التركيز على الحديث النبوي الشريف «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، والأثر «الحكمة ضالة المؤمن»، هذا مع تأكيده على فكرة أن علم الطب علم شريف ولا ينبغي أن يسترذل ويتناوله ضَعَة الناس كما يستند إلى قول الشافعي: «علمان شريفان وضعهما ضعة متعاطيهما: الطب والنجوم» في حين قد ذهب إلى نظرية أرسطو حول الفضائل وصلتها بالطب عند قوله: «الفضائل تستحيل في النفوس الرذيلة رذائل كما يستحيل الغذاء الصالح في البدن الفاسد إلى الفساد». ومن هنا فقد كان يمهد لما يعرف بالضمير المهني في المجال الطبي وأخلاقيات المهنة وذلك بتبني عهد أبقراط الشهير في الطب، والذي صاغه صياغة إسلامية يمكن أن نقتبس منها قوله: «وعليك بحسن الخلق بحيث تسع الناس ولا تعظم مرضا عند صاحبه ولا تسر إلى أحد عند مريض ولا تجس نبضا وأنت معبس ولا تخبر بمكروه ولا تطالب بأجر، وقدم نفع الناس على نفعك، واستفرغ لمن ألقى إليك زمامه ما في وسعك فإن ضيعته فأنت الضائع، وكل منكما مشتر وبائع، والله شاهد علي وعليك في المحسوس والمعقول، والناظر إلي وإليك والسامع لما نقول، فمن نكث عهده فقد استهدف لقضائه، إلا أن يخرج من أرضه وسمائه، وذلك من أمحل المحال»..

ثم يضيف: «ويجب اختيار الطبيب كامل الخلقة صحيح البنية نظيف الثياب طيــب الرائحة يسر من نظر إليه وتقبل النفس على تناول الدواء من يـديه».

مصادر كتاب «تذكرة داود» وروافده

«ذكرة داود» كتاب ضخم، ضمنه مؤلفه وهو داود الأنطاكي وصفا لأهم الأعشاب والعطارات المتداولة في التجارة والشائعة الاستعمال، وشرحا موجزا لأهم خواصها الطبية والكيميائية مع الإشارة إلى مواطنها وكيفية استخلاصها، بالإضافة إلى تأثيرها الوظيفي (الفسيولوجي) ومزاياها الطبيعية. وبشكل عام قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أجزاء، شرح في الأول منها تفصيلاً لعدد كبير يزيد على الثلاثة آلاف نبات وعُشب، مرتبة حسب الحروف الهجائية، وخصص باقي الأجزاء للوصفات الطبية ومعالجة الأمراض المختلفة. وما من شك في أن جزءا كبيرا مما كتب «داود الإنطاكي» منقول عن كتب علماء الإغريق وعلى الأخص كتاب «العقاقير البسيطة» للطبيب الإغريقي غالينوس، وكتاب كناشة في الطب للعالم أهرف القس، بل يغلب على الظن أن داود لم يترجم هذه الكتب بنفسه، بل عمد إلى نقلها من كتب العلماء العرب الذين سبقوه، مع إضافة زياداته وتعديلاته، ومن الكتب التي يُظن استفادته منها كتاب «الحاوي في الطب»، والأقر باذين لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي… هذا ولم يتوقف «داود الأنطاكي» عند النقل بل قام أيضاً بصنع العديد من الوصفات وجربها في شفاء بعض الأمراض وأتت بنتائج باهرة فضمها إلى تذكرته القيمة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك