الصلاة الإسلامية والرقي الإنساني المادي والروحاني

الصلاة الإسلامية والرقي الإنساني المادي والروحاني

أحمد وائل

كاتب
  • كيف صاغ المصلح الموعود فكرة ضرورة الصلاة في الإسلام للرقي المادي والروحاني؟

__

لمعت لدى كاتب هذه الخاطرة من قراءة شذرات من كتابات المسيح الموعود والخليفة الثاني حضرة مرزا محمود أحمد والخليفة الرابع حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله تعالى)، وهي شذرات روحية في سياق متصل وموضوع واحد، عن الحكمة من مشروعية الصلاة في الإسلام.

فقد جعل الله تعالى بصفته رب العالمين، ذرائع لتربية الإنسان ورقيه الروحي، تماما كما حدد قوانين لنموه الجسدي. والإنسان، كما بات مستقرا في علم الكثيرين، هو كيان مؤلف من عناصر ثلاثة: مادة متمثلة في أعضاء الجسد، وجوهر لطيف متمثل في الروح المتسامية عن مظاهر المادة وأعراضها، وكيان ثالث، وهو ما ندعوه بالنفس، والتي تنشأ من اجتماع الروح والجسد، كالوليد لأبوين..

والصلاة، كذريعة أساسية للرقي، لا تقتصر مزاياها على فائدتها الروحية وحسب، بل إنها تفيد الجسم أيضًا، فمجرد الجلوس في حالة تأمّل هادئ، وهذا الأصل في ممارسة الصلاة، له العديد من التأثيرات الإيجابية على الصحة العامة، إذ تعمل هذه الطريقة على خفض ضغط الدم المرتفع، وخفض مستويات هرمون الإجهاد، وإبطاء معدل النبض ودعم الجهاز المناعي. وقد أصبحت هذه المعلومة من المسلمات العلاجية. أفلا يذكرنا هذا بقول النبي :

«قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»(1)،

وقوله في مناسبة أخرى:

«وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»(2)؟!

ويوضح الإسلام المعنى الفلسفي العميق للصلاة، ولا يزال فعل الصلاة الموصوف في الإسلام، وخاصة صلاة الجماعة، يثبت في آن واحد فوائده الجسدية والروحية التي لا تعد ولا تحصى. ويصف سيدنا المسيح الموعود بأسلوب أخاذ ما يمكن أن تفعله الصلاة بالمصلي فيقول: «إن الصلاة التي تُنتج حلاوة وحماسة لمزيد من العبادة وتقرِّب من الله والتي تقدَّم بكل تواضع..  تؤدي إلى تغيير في حياة الإنسان. وهذا التغيير يدركه هذا المصلي على الفور، فيدرك أنه مختلف عن ذي قبل»(3).

 

دلالات إيجابية تطهيرية مستحسنة

إلى جانب المعنى اللغوي الأشيع للصلاة، والمشتق من الصلة والاتصال والوصال، فـ «الصلاة» أيضًا في اللسان العربي لفظ جامع للعديد من الدلالات اللفظية الفريدة، والتي يستحيل اجتماعها في لفظ واحد في أي لسان آخر سوى لسان العرب. فمما تُحدثنا به المعاجم أنَّ «الصلاة من الصلي، فصلي النَّار، وَصلي بهَا صَلًى وصليَــا: احْتَرَقَ فِيهَا، وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز:

لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (4).

وفي معرض حديثه عن الصلاة، يقتطف حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله تعالى) من دوحة القرآن الكريم الثمرة الآتية:

إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (5).

ويعلق عليها حضرته بما تعريبه: «هذه الآية لها دلالات إيجابية وتطهيرية، وهي ضرورية للغاية لخلق سلوك بشري مثالي. وهكذا، في دلالتها التطهيرية، تعين المصلي على التخلص من جميع أنواع الخطايا. وفي دلالتها الإيجابية، تعلّم الإنسان، وتصقل طبعه وترقّي صفاته إلى السمو الذي يجعله جديرًا بالتواصل مع الله»(6)، وإذ تعمل الصلاة عملها في تطهير المصلي من الخطايا، فهي كالنار التي تُصلي وتنقي المعدن كذلك.

هل العبادة القلبية وحدها كافية؟!

مما يؤسف له أن لدى البعض، كالمسيحيين والمتصوفة المسلمين وغيرهم فكرة مغلوطة شائعة ومستقرة في أذهان كثيرين، ومفادها أن الصلاة القلبية وحدها كافية لبلوغ الرقي وتحقيق مقتضيات العبادة لله رب العالمين، نابذين بذلك الممارسات الحركية للعبادة وراء ظهورهم، وفي هذا المقام يتحدث سيدنا المصلح الموعود فيقول:

«عيَّن الإسلام لإقامة الصلاة بعضَ الحركات الخاصة. والغاية الحقيقية من الصلاة هي أن يُنشئ المرء علاقة حب الله تعالى في قلبه، وأن يتأمل في صفاته تبارك وتعالى، وأن يسعى لجعل نفسه متصبغا بتلك الصفات حتى يتسنى له القرب منه تعالى، بحيث يصل إلى مرحلة يكون فيها حب ذلك الإله بمثابة غذاء لقلبه»(7).

لكل ما سبق علاقة بما نقوم به أثناء الصلاة من حركات، من وضع الكف على الكف، والقيام، والركوع، والسجود. وبادي الرأي قد لا يرى المرء علاقة بين تلك الحركات والغرض الحقيقي للصلاة، (والذي هو غرض روحاني في المقام الأول)، الفكرة ببساطة هي أنه لا يمكن للروح أن تبقى دون جسد، فلذلك أمر الله تعالى بأداء بعض الحركات الخاصة في الصلاة (كي ينشأ تأثير الجسد في الروح). وهذا بالضبط ما ذكره سيدنا المسيح الموعود في كتابه «فلسفة تعاليم الإسلام» فقال: «نرى أن السجود الجسماني يولّد في نفس الساجد حالة من التضرع والخشوع. كما نشاهد بالعكس أنه لو مشى الإِنسان رافعا رأسه مبرزا صدره، فمشيته هذه تولد فيه كبرًا وغطرسة. ومن هذه الأمثلة يتبين تماما أن للأوضاع الجسمانية أثرًا في الحالات الروحانية من دون ريب»(8).

والصلاة، كذريعة أساسية للرقي، لا تقتصر مزاياها على فائدتها الروحية وحسب، بل إنها تفيد الجسم أيضًا، فمجرد الجلوس في حالة تأمّل هادئ، وهذا الأصل في ممارسة الصلاة، له العديد من التأثيرات الإيجابية على الصحة العامة، إذ تعمل هذه الطريقة على خفض ضغط الدم المرتفع، وخفض مستويات هرمون الإجهاد، وإبطاء معدل النبض ودعم الجهاز المناعي.

ارتقاء الإنسان بين الإسلام والأديان الأخرى

الأديان التي لم تدرك ضرورة اشتراك الروح والجسد في العبادة، فلم تُولِ للحركات الجسدية أهمية في العبادة، فإن أتباعها أنفسهم غفلوا تدريجيا عن العبادة برمتها. وحتى لو كان لديهم ما يُطلقون عليه «صلاة» فإنه في الواقع ليس سوى ممارسات سطحية لا تعكس تأثيرا روحيا.

وبينما يمارس النصارى العبادة المفروضة عليهم مرة واحدة أسبوعيا، فعلى العكس من ذلك فُرضت على المسلمين يوميا الصلاة في أوقات خمسة مخصوصة، فيقصد المسلمون المسجد خمس مرات يوميا، فتبدو المساجد أكثر امتلاء بالمصلين مقارنة بالكنائس، حتى في ظل أكثر الأوضاع والظروف تردِّيًا.

فعلى سبيل المثال يقصد النصارى الكنائس مرة واحدة فقط أسبوعيا، ويلقي الكاهن خطابه بينما الحاضرون من الجمهور يتلفتون حولهم، بينما الجوهر الحقيقي للعبادة صار بالنسبة لهم نسيا منسيا. لهذا السبب فإن عدد العابدين النصارى على الوجه الصحيح يُعد قليلا جدا.

ويتابع سيدنا المصلح الموعود فيقول ما معناه: «فإن اعتبرنا أن العبادة القلبية كافيةٌ، لأدّى هذا إلى أن يصير المسلمون كسالى مثل النصارى ولغفلوا عن الصلاة تماما في نهاية المطاف.

باستطاعة أي امرئ الادعاء أنه يذكر الله تعالى في قلبه، ولكن المسلم ليس بوسعه أن يدعي هذا الادعاء، لأن الوضوء ثم الذهاب إلى المسجد وإقامة صلاة الجماعة من الأمور التي من شأنها أن تحول دون وقوع الغفلة عن الصلاة وهذا الأمر واضح للآخرين»(9).

الهوامش:

  1. (سنن أبي داوود,،كتاب الأدب)
  2. (سنن النسائي، كتاب عشرة النساء)
  3. حضرة مرزا غلام أحمد عليه السلام، خمس صلوات يومية (ملفوظات المجلد 6 الصفحة378)
  4. (الليل: 16)
  5. (العنْكبوت: 46)
  6. مرزا طاهر أحمد (رحمه الله تعالى) ، دراسة ابتدائية عن الإسلام، نقلا عن مقال بالإنكليزية للكاتبة خالدة جميلة في مجلة Muslim Sunrise
  7. مرزا بشير الدين محمود أحمد، مقال بعنوان
  8. مرزا غلام أحمد القادياني، فلسفة تعاليم الإسلام
  9. مرزا بشير الدين محمود أحمد، مقال بعنوان

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك