المصلح الموعود رضي الله عنه رجل علمه الله فأحسن تعليمه

المصلح الموعود رضي الله عنه رجل علمه الله فأحسن تعليمه

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • فما مظاهر رعاية الفاروق للشباب؟
  • وما مظاهر حيطته وحذره على المال العام؟
  • وكيف قدم الأسوة في احترام حق المواطنة بغض النظر عن الانتماء الديني؟
  • ألا يتوازى هذا مع ترسيخ مبدأ الحرية الدينية؟

 ___

 دواعي نبوءة الابن الموعود

نعقد في العشرين من فبراير/ شباط جلسات عن نبوءة المصلح الموعود ونذكرها لأن المسيح الموعود كان قد أنبأ بولادة ابن له بوحي من الله. ردا على اعتراضات أعداء الإسلام، إذ كانوا يقولون: لا يُري الإسلامُ آيةً، فرد : لقد أخبرني الله تعالى أنه سيُظهر بواسطتي آية عظيمة على صدق الإسلام وهي ولادة ابن لي ينال عمرا طويلا ويخدم الإسلام ويكون حاملا مزايا  عديدة، وذكر اثنتين وخمسين أو ثلاثا وخمسين مَزِيَّةً له. وبعد فترة معينة وُلد هذا الابن الموعود وعاش عمرا طويلا وخدم الإسلام خدمة غير عادية، وفي كل سنة يُلقى الضوء على جوانب مختلفة لهذه النبوءة في ندوات الجماعة. وفي هذه السنة أيضا ستُعقد ندوات في مختلف فروع الجماعة وكذلك ستبث برامج على فضائيتنا وخلال خطبتي اليوم سأسرد عليكم بعض النصوص بكلمات المصلح الموعود ، توضح ظروف حياته في الصغر وصحته وكيف كانت معاملة الله معه.

النبوءة بطول العمر

كانت النبوءة أن ذلك الولد سيعيش عمرا طويلا ويمكنكم أن تقدّروا الحالة الصحية لهذا الولد الذي كان سينال عمرا طويلا. قال المصلح الموعود بنفسه: كانت صحتي في الصغر ضعيفة للغاية، أولا أُصبت بسعال ديكي ثم تدهورت صحتي بحيث كنت بين الحياة والموت عندما بلغت الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمري، وكان يُحسَب عموما أن عمري لن يطول كثيرا، وفي تلك الأثناء بدأت عيناي تؤلمانني حتى فقدت إحداهما تقريبا، فلا أستطيع أن أبصر بها إلا قليلا، والآن أيضا لا أبصر بها إلا بالكاد. ثم حين كبرت بعض الشيء أُصبت بالحمى ستة أو سبعة أشهر متتالية وقيل إنني مريض بالسل والدق، وبسبب هذه الأمراض ما كنت أستطيع أن أدرس بانتظام وما كنت أذهب إلى المدرسة. كان الأستاذ فقير الله المحترم من لاهور الذي منزله في مسلم تاون بلاهور يعلمنا الحساب (كان حضرته حينها يلقي المحاضرة في لاهور، فقال) ذات يوم اشتكاني عند حضرته قائلا: إنه لا يدرس شيئا، وإذا جاء إلى المدرسة حينا فإنه يغيب عنها أكثر الأحيان. قال المصلح الموعود : فخشيتُ أن يعاتبني المسيح الموعود   لكنه قال: يا أستاذ، إن صحته ضعيفة ونشكر الله تعالى أنه أحيانا يذهب إلى المدرسة، ويسمع شيئا، أرجو ألا تضغط عليه كثيرا. قال المصلح الموعود : بل أتذكر أن المسيح الموعود قال أيضا ماذا نستفيد من تعليمه الحساب، هل نفتح له بقالة؟ً!

هذه كانت حالته الصحية وحالة التزامه بالمدرسة.

النبوءة عن إحراز العلوم الظاهرة والباطنة

من يستطيع أن يضمن في مثل تلك الحالة الصحية أنه سيعيش عمرا طويلا؟ ناهيك أنه سيُملأ بالعلوم الظاهرية والباطنية، من كان يستطيع أن يدّعي في هذه الحالة أنه سيحرز هذه العلوم. فيقول المصلح الموعود : قال المسيح الموعود لو تعلم القرآن والحديث فهذا يكفيه. يقول: باختصار، كانت صحتي ضعيفة لدرجة أنني كنت عاجزا تماما عن تحصيل علوم الدنيا، وكان بصري أيضا ضعيفا، وكنت قد رسبتُ في امتحانات المدرسة الابتدائية والثانوية والثانوية العليا، ولم أجتز أي امتحان ولكن الله تعالى أنبأ بشأني أنني سوف أُملأ بالعلوم الظاهرية والباطنية، ومع أنني لم أقرأ أيّا من علوم الدنيا وقد وفقني الله تعالى لأكتب كتبا علمية عظيمة تحار الدنيا بقراءتها وتضطر إلى الاعتراف بأنه لا يمكن كتابة أكثر من ذلك حول القضايا الإسلامية. قال: لقد كتبتُ مؤخرا جزءا من تفسير القرآن الكريم باسم التفسير الكبير. لقد أقرّ ألد الأعداء أيضا بعد قراءته بأنه لم يُكتَب أي تفسير مثله إلى اليوم. ثم إنني آتي لاهور دوما ويعلم أهلها أن دكاترة الكليات والطلاب والأطباء ومشاهير المحامين يأتون للقائي، ولم يحدث إلى اليوم ولا مرة واحدة أن عالما كبيرا اعترض أمامي على الإسلام والقرآن وأنا لم أرد عليه ولم أفحمه من خلال تعليم الإسلام والقرآن، ولم يعترف بأنه لا يمكن رفع أي اعتراض حقيقي على الإسلام. إنه لمحض فضل الله الذي يحالفني وإلا لم أتعلم أي علم من حيث العلوم الدنيوية ولكنني لا أستطيع أن أنكر أن الله تعالى علمني من لدنه وأعطاني من لدنه حظا وافرا من العلوم الظاهرية والباطنية.

وعن إحراز ذلك الابن الموعود العلوم الظاهرية والباطنية وعن كيفية تعليم الله تعالى إياه العلومَ، قال: كنتُ لا أزال طفلا إذ رأيت في الرؤيا أن جرسا قد دُقَّ وخرج منه صوت يرتفع شيئا فشيئا حتى تحول إلى إطار للصورة، ثم رأيتُ أن صورة ظهرت في ذلك الإطار وبعد قليل بدأت الصورة تتحرك وقفزت منه وتمثل أمامي كيان وقال: إنني ملاك الله وأتيتُ لأعلمك تفسير القرآن الكريم، فقلتُ: علّمني، فبدأ يعلّمني تفسير سورة الفاتحة وظل يعلمني ويعلمني حتى وصل إلى «إياك نعبد وإياك نستعين» فقال: جميع المفسرين السابقين إلى اليوم قد كتبوا التفسير إلى هذه الآية ولكنني أعلمك تفسير ما بعدها أيضا، فعلّمني تفسير سورة الفاتحة كلها. في الحقيقة كان المراد من هذه الرؤيا أنني أُعطيتُ ملكة فهم القرآن، وقد أودعتْ فيّ هذه الملَكة لدرجة أنني أدّعي -ومستعد لأثبت هذا الادعاء في أي مجلس شئتم- أنني أستطيع أن أبين جميع العلوم الإسلامية من سورة الفاتحة نفسها. (إنه يلقي خطابا على الملأ ويتحدى العالم ولكن لم يحدث أن أتى أحد مقابله هكذا).

ثم قال: كنتُ صغيرا أَدرس في المدرسة إذ ذهب فريق كرة القدم لمدرستنا من أجل المباراة مع كلية الخالصة السيخية في أمرتسر، وقد فاز فريقنا في المباراة، فبالرغم من المعارضة التي يكنها المسلمون ضد جماعتنا قد دعا رئيس مسلم في أمرتسر فريقنا على الشاي لأن فوز فريقنا أدى إلى تكريم المسلمين من ناحية. وحين ذهبنا هناك طُلب مني أن ألقي خطابا، ما كنتُ محضّرا كلمة لذلك الخطاب، وحين طلب إليَّ إلقاؤه تذكرتُ هذه الرؤيا فورا التي علمني فيها الملاك التفسير. فأولا دعوتُ الله تعالى أن يا رب، كان ملاكك قد علمني تفسير سورة الفاتحة في الرؤيا، فاليوم أرني إن كانت هذه الرؤيا منك أم كانت خداعا لنفسي. وإذا كانت هذه الرؤيا منك فعلمني اليوم من سورة الفاتحة نكتة لم يبينها أي مفسر في الدنيا من قبل، وبعد هذا الدعاء فورا ألقى الله تعالى في قلبي نكتة فقلتُ: إن الله تعالى علّم في القرآن الكريم هذا الدعاء ]غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ[ أي يا أيها المسلمون عليكم أن تدعوا في الصلوات الخمس وفي كل ركعة في صلاتكم ألا نكون من المغضوب عليهم ولا الضالين. وقد بيَّن النبي نفسه معنى المغضوب عليهم في الأحاديث، فقال حضرته إن المراد من المغضوب عليهم اليهودُ والمراد من الضالّين النصارى، فالمراد من غير المغضوب عليهم ألا نكون من اليهود والمراد من ولا الضالين ألا نكون من النصارى، وهذا يتضح أكثر من قول النبي أن المسيح سيأتي في هذه الأمة، والذين يكفرون به يصبحون حتما يهوديي الصفات، وفي الطرف الآخر قال أيضا إنه سيأتي زمن تستفحل فيه فتنة المسيحية بوجه خاص، حيث يتنصر الناس من أجل الخبز والعمل والحصول على العزة في المجتمع، أو يتنصرون منخدعين بسبب سوء فهمهم تعليمَ دينهم. لكن الغريب أن سورة الفاتحة نزلت بمكة، وفي ذلك الزمن ما كان النصارى ولا اليهود يكنّون عداوة كبيرة للإسلام، بل كانت المعارضة الشرسة في ذلك الزمن من قبل المشركين، ولم يعلِّمنا الله الدعاء ألا نكون من عبدة الأوثان، بل قد علمنا الدعاء ألا نكون من اليهود والنصارى. ومن هنا يتبين جليا أن الله قد أنبأ في هذه السورة أن عبدة الأوثان سيقضى عليهم، ولن يبقى لهم أثر، فلم تكن هناك حاجة إلى تعليم المسلمين هذا الدعاء، أما اليهود والنصارى فكلاهما سيبقيان، وسيكون لزاما عليكم أن تداوموا على الدعاء لاتقاء فتنتهم.

بعد الخطاب لقيني كبار الزعماء وقالوا لي لقد قرأتَ القرآن جيدا، فقد سمعنا هذه النقطة أول مرة في حياتنا. فهذا أمر واقع أن اقرأوا التفاسير كلها، لن تجدوا أي مفسر تكلم عن هذه النقطة. وكان عمري يومذاك عشرين سنة تقريبا، حين كشف الله علي هذه النقطة. باختصار قد علَّمني الله القرآن الكريم بواسطة ملاكه، وهو قد خلق في نفسي كفاءة، كأنها مفتاح للكنز، فقد وجدت مفتاحا لعلوم القرآن الكريم، وليس في العالَـم عالِـمٌ يقابلني وأعجزُ عن إثبات أفضلية القرآن له. فهذه مدينة لاهور، وهنا جامعة، (كان حضرته يلقي الخطاب في لاهور) وهنا كليات كثيرة، ويعيش هنا كبار المختصين في شتى العلوم، أقول لهم جميعا إنه إذا جاء أمامي مختص في أحد العلوم المادية أو بروفيسور أو عالم واعترض على القرآن الكريم بعلومه فسوف أرد عليه بفضل من الله ردًّا يُقر العالَـم بأن الاعتراض قد دُحض به. وأنني أعلن هنا أني سوف أرد عليه بكلام الله، وأُثبت له من خلال آيات القرآن الكريم حصرا أن اعتراضه قد تم تفنيده.

 ثم قال لي حضرة الخليفة الأول: كان بين يديك كتابُ «البراهين الأحمدية» الذي كتبه حضرة المسيح الموعود ، في حين لم يكن عند حضرته كتب إسلامية من هذا القبيل عندما ألف كتابه هذا، لذا فالمأمول منك أن تستفيد من البراهين الأحمدية وتأتي بأفضل منه.

كيف ومتى استوى الإيمان على سوقه؟!

لقد كان عمر حضرته وقتذاك كما بين بنفسه عشرين سنة حيث كان إيمانه بالله قد كَمُل. فعن تلك السن التي استوى فيها ايمانه على سوقه يقول سيدنا المصلح الموعود نفسه أن الله كان يُعدُّه من الطفولة ليكون مصلحا موعودا، فقد قال: كان عام ألفٍ وتسعمائة سببا لالتفات قلبي إلى أحكام الإسلام، وكان عمري يومذاك أحد عشر عاما، إذ أحضر أحدهم لسيدنا المسيح الموعود قميصا من قماش «جهينت»، فأخذتُه من حضرته، وليس لأي سبب آخر بل لأنه أعجبني بلونه ونقوشه، ولم أكن أستطيع لألبسه، لأن قياسه كان كبيرا جدا علي. فحين بلغتُ من العمر أحد عشر عاما ودخل العالَـم في عام ألفٍ وتسعمائةٍ الميلادي، خطر ببالي تساؤل لماذا أؤمن بالله؟ وما الذي يُثبت وجوده، فذات مساء فكرت في هذه المسألة طويلا حتى أيقن قلبي في الساعة العاشرة أو الحادية عشرة أن هناك إلهًا. فكم كانت تلك الساعة جالبة السعادة لي، وكم كان الوقت مفرحا، حيث كنت فرحًا فرحة الطفل بفوزه بأمه أني قد وجدت خالقي. (من الملاحظ أن هذا كان تفكيره يوم كان عمره أحد عشر عاما. حيث تبدل الإيمان السماعي بالإيمان العلمي، أي كان يؤمن قبل ذلك بما سمع والآن آمن بتفكيره علما. على كل حال يقول حضرته: إن فرحتي لم تكن لها حدود. فدعوت الله في تلك الساعة وداومت على هذا الدعاء لمدة أن يا إلهي اجعلني لا أشك أبدا في وجودك، وكان عمري يومذاك أحد عشر عاما، واليوم قد بلغت من العمر خمسة وثلاثين عاما، وما زلت أُجِلُّ هذا الدعاء، وأقول اليوم أيضا يا إلهي لا تجعلني أشك في وجودك أبدا، إلا أنني كنت في ذلك اليوم طفلا والآن قد حصلت لي التجربة أكثر، لذا قد أضفت إلى ذلك الدعاء بحيث أقول أنْ يا إلهي، ارزقني حق اليقين بوجودك. باختصار يقول حضرته قد تطرقتُ إلى أمور أخرى، وكنت أكتب أني استلمت قميصا من سيدنا المسيح الموعود ، وذات يوم حين أخذَت الأفكار المذكورة آنفا تنشأ في قلبي، توضأت وقت الضحى أو الإشراق، ولبست ذلك القميص ليس لأنه جميل بل لأنه مبارك لكونه قميص المسيح الموعود ، فكان أول شعور في قلبي بكون المبعوث من الله مقدسا، ثم أغلقت الباب وصليت النوافل باكيا متضرعا.

وفي موضع آخر بيَّن حضرته بالتفصيل متى وكيف حصلتْ له معرفة الله، فقال: كان عمري أحد عشر عاما إذ وفَّقني الله بفضله لأن أستبدل عقيدتي بالإيمان. فذات مساء كنت واقفا في بيتي بعد المغرب، إذ خطر ببالي تساؤل مفاده هل أنا أحمدي لأن مؤسس الجماعة الأحمدية والدي؟ أم لأن الأحمدية حقٌّ، وأن هذه الجماعة قد أقامها الله ؟ وبعد نشوء هذه الفكرة قررت أني سأخرج من هنا بعد التدبر في هذا الأمر، وأنني إذا تبين لي أن الأحمدية ليست على حق فلن أدخل غرفتي بل سأخرج من البيت من فناء البيت هذا. هذا كان تفكير طفل عمره أحد عشر عاما. يقول حضرته لقد بدأتُ أتفكر بعد هذا القرار وبالطبع ظهرتْ أمامي بعض الأدلة فتفكرت فيها، حيث كنت أقدم دليلا ثم أدحضه، ثم أذكر دليلا آخر ثم أدحضه ثم قدمت دليلا ثالثا ففندته حتى خطر ببالي سؤال مفاده هل كان محمد رسولا صادقا من الله؟ وهل أؤمن به لأن والديَّ يؤمنان بأنه صادق؟ أم أؤمن به بناء على ما تبين لي صدقُه من خلال الأدلة أنه رسول صادق؟! فحين ظهر أمامي هذا السؤال قلت في نفسي الآن سوف أتخذ القرار في هذه المسألة أيضا. بعد ذلك نشأ في قلبي بالطبع سؤال عن الله أيضا، فقلت في نفسي أن هذا السؤال أيضا لا بد من حلِّه، هل أؤمن بالله بمجرد المعتقد، أم قد انكشف علي حقا أن لهذه الدنيا إلها، فبدأت أفكر في ذلك، وقال لي قلبي إنه إذا كان هناك إلهٌ فمحمد رسول صادق، وإذا كان محمد رسولا صادقا فالمسيح الموعود أيضا صادق، وإذا كان المسيح الموعود صادقا فمن المؤكد أن الأحمدية أيضا على حق، أما إذا لم يكن لهذه الدنيا أي إله فلا واحد من هذين أيضا صادق. باختصار قد قررت أن أحل هذا السؤال اليوم حتما، وإذا توصل قلبي إلى أنه ليس هناك إله فلن أقيم في بيتي، بل سأتركه فورا. ثم بدأتُ أفكر في ذلك، وفكرت طويلا، ولم أجد جوابا مقنعا نظرا إلى صغر سني، ومع ذلك ظللت أفكر حتى تعب دماغي. عندها نظرتُ إلى السماء وكان الجو صافيا.

(كان الله تعالى يريد أن يعلمه على هذا النحو الآن). كانت السماء صافية جدا، وكانت النجوم متلألئة في السماء بكل جمالها وبهائها، وليس هناك مشهد هو أدعى من هذا لجلب الفرحة والسكينة لعقل مرهق؟ كنت مرهقًا فظللت أستمتع بمشهد النجوم المتلألئة في السماء. بدأت أنظر إلى هذه النجوم حتى صرت تائها في مشهدها. ولما انتعش عقلي ثانية بعد قليل قلت في نفسي ما أجمل هذه النجوم، ولكن ماذا عسى أن يكون بعدها أيْ وراءها؟ فأجاب عقلي: ستكون وراءها نجوم أخرى. ثم تساءلت: فماذا يكون وراءها؟ فأجاب قلبي: نجوم أخرى.

فقلت: حسنا، فماذا وراء تلك أيضا؟ فأجاب أيضا قلبي وعقلي: نجوم أخرى. فقال قلبي: كيف يمكن أن تكون وراء النجوم نجوم أخرى، ثم نجوم أخرى ثم نجوم أخرى وهلم جرا؟ ألا تنتهي سلسلة النجوم هذه عند حد؟ وإذا انتهت فماذا يكون بعدها أيضا؟ وهذا هو السؤال الذي يحير معظم الناس عن الله تعالى حيث يقولون: ما معنى قولنا إن الله غير محدود؟ وما معنى قولنا إن الله أبدي؟ إذ لا بد أن يكون هناك حد ونهاية. وهذا السؤال نفسه راودني عن النجوم وقلت يجب أن تكون لهذه النجوم نهاية، وإذا كانت لها نهاية فماذا وراءها؟ وإذا لم تكن لها نهاية فما هذا التسلسل الذي لا حد لها ولا نهاية. وعندما بلغ تفكيري إلى هذا الحد قلت إن السؤال عن كون الله محدودا أم غير محدود سؤال عبث تماما. وقلت في نفسي: دعْك عن الله تعالى، ماذا تقول عن هذه النجوم المتناثرة أمام عينيك؟ إذا قلنا إنها محدودة، فإن المحدود هو ما يكون وراءه شيء آخر. فالسؤال هو إذا كانت النجوم محدودة فماذا يكون وراءها؟ وإذا قلنا إنها غير محدودة، فالسؤال: إذا كان الإنسان يمكن أن يقرّ بكون النجوم غير محدودة فكيف لا يقرّ بكون الله تعالى غير محدود؟ فلم يلبث قلبي أن قال: نعمْ، إن الله لموجود، لأنه قد جعل على النواميس الطبيعية نفس الاعتراض الذي يقع على ذاته تعالى أيضا، وهكذا بين لنا أنكم إذا كنتم تعترضون على وجودي لكوني غير مرئي، فما هو جوابكم عن الأشياء المرئية مع أن الاعتراض نفسه الذي تثيرونه علي يقع عليها أيضا. والحق أنه ليس عندكم أي جواب عن هذا. تقولون ببساطة عن الله تعالى أننا لا نستوعب كونه تعالى غير محدود.

وقال حضرته في مناسبة أخرى: ما دام وجود الله تعالى قد ثبت لي بهذا الدليل، فقد ثبت لي أيضا صدق النبي ، وأيضا انكشف لي صدق المسيح الموعود .

باختصار، إن هذا أيضا دليل على  أن الله تعالى جعل حضرة المصلح الموعود مليئا بالعلوم. لقد ألقى الله تعالى هذه الأسئلة في قلب طفل لم يكن له حظ من الدراسة إلا النزر اليسير، ثم هداه إلى الحق والصواب أيضا.

وكان توجيه سيدنا المسيح الموعود المتكرر لي في الدراسة ينحصر في أن أتعلم ترجمة معاني القرآن الكريم والبخاري من حضرة المولوي أي الخليفة الأول، بالإضافة إلى ذلك قال لي اُدرس قليلا من الطب أيضا فهو ميزة عائلية.

مكانة الابن الموعود لدى الخليفة الأول (رضي الله عنهما)

أما عن التقدير الذي كان يكنه حضرة الخليفة الأول لحضرة المصلح الموعود رضي الله عنهما، فقد ذكر حضرة الخليفة الأول هذا الأمر بنفسه مما يشير إلى أنه كان يرى أن هذا الطفل سيكون هو المصلح الموعود. يذكر حضرة المصلح الموعود بهذا الصدد حادثين فيقول: قبل مدة، وحين بدأت إصدار مجلة «تشحيذ الأذهان» بالتعاون مع عدد من الأصدقاء، كتبت مقالا كمقدمة تعريفية لهذه المجلة وبينت فيه أهداف المجلة وغاياتها، وعندما نشر هذا المقال أشاد به حضرة الخليفة الأول أمام المسيح الموعود -عليه السلام- أيما إشادة! وقال له: إن هذا المقال لجدير بأن تقرأه حتما. فأمر حضرة المسيح الموعود بإحضار المجلة وهو في المسجد المبارك، وطلب إلى المولوي محمد علي -غالبا- أن يقرأ عليه المقال، فقرأ فسمعه المسيح الموعود عليه السلام وأثنى عليه. لكنني حين قابلتُ الخليفةَ الأول لاحقا قال لي: ميان، إن مقالك جيد جدا، ثم أردف قائلاً: في بلدنا مثل شهير: «إن الجمل بأربعين وابنه باثنتين وأربعين»، (أي أن البعير الأب أقلُّ ثمنا من ابنه إذ إن ثمن البعير الابن يزيد على ثمن أبيه بروبيتين)، ولكنك لم تعمل بحسب هذا المثل. (يقول حضرة المصلح الموعود:) ولم أكن عندها أعرف البنجابية كثيرا حتى أفهم ما قاله حضرته. فلما رأى حضرته أمارات الاستغراب على وجهي قال: لعلّك لم تفهم قصدي. إن هذا مثل سائر في بلادنا وبيانه: إن شخصا كان يبيع جملاً ومعه ابن ذلك الجمل أيضا، فلما سأله أحد عن سعرهما قال: الجمل بأربعين أما الابن فباثنتين وأربعين. فقال له السائل: كيف هذا؟ قال: إن هذا مجرد جمل، أما ذلك فجملٌ وابنُ جملٍ أيضا.

ثم قال لي حضرة الخليفة الأول: كان بين يديك كتابُ «البراهين الأحمدية» الذي كتبه حضرة المسيح الموعود ، في حين لم يكن عند حضرته كتب إسلامية من هذا القبيل عندما ألف كتابه هذا، لذا فالمأمول منك أن تستفيد من البراهين الأحمدية وتأتي بأفضل منه.

ثم يقول سيدنا المصلح الموعود  : من المستحيل أن يأتي أحدٌ بعلمٍ أفضل من علم المبعوثين من الله تعالى، إلا أنه يمكن للآخرين أن يستخرجوا من كنوز المبعوثين الربانيين الخفية ويقدموها للناس. فكان الخليفة الأول يقصد أن مهمة الأجيال القادمة هي أن يرفعوا البناء على الأسس السابقة. (كان حضرة الخليفة الأول مدركًا للوضع الصحي والمستوى العلمي للطفل المصلح الموعود، ومع ذلك كان يحمل هذه الأفكار السامية تجاهه، وهذا يؤكد أنه كان مدركا يقينا أن هذا الطفل يتمتع بكفاءات عالية تمكّنه من كتابة مقالات قيمة جدا. ثم يقول حضرة المصلح الموعود : وهذا الأمر إذا وضعتْه أجيالنا القادمة في الحسبان فتستطيع أن تنال البركات والأفضال لنفسها كما يمكن أن تكون سببًا لجلب البركات والأفضال للأمة أيضا. غير أن السعي لاستباق الآباء يجب أن يكون في الحسنات، فليس المعنى أن يكون ابن السارق سارقا أكبر منه، إنما يجب أن يكون ابن شخص مداوم على الصلوات مثلا أكثرَ حفاظا على الصلوات من والده.

لقد سبق أن ذكرت حادثا عن صحة حضرة المصلح الموعود في طفولته، وهناك حادث آخر بصدد وضعه الصحي ومستواه العلمي. والحق أن هذا الحادث دليل على ما كان يكنّه حضرة المسيح الموعود وحضرة الخليفة الأول من حب وعطف تجاه حضرة المصلح الموعود، كما أنه دليل على أنهما كان موقنينِ أن هذا الطفل هو الذي سيكون المصلح الموعود. على كل حال، يقول حضرة المصلح الموعود بهذا الصدد: إن حضرة الخليفة الأول هو صاحب أكبر منّة عليّ بشأن تعليمي. وبما أنه كان  طبيبا، كان يدرك أن صحتي لا تسمح بأن أنظر إلى الكتاب لفترة طويلة، فكان من عادته أن يُجلسني بجنبه ويقول: سأقرأُ أنا وعليك أن تسمع فقط.

(ثم يذكر حضرته تفصيل وضعه الصحي ويقول): وكان سبب ذلك أن عينيّ كانتا مصابتين برمد شديد في الصغر (لقد سبق الحديث عن إصابة عينيه) وكانتا تؤلماني كثيرا واستمر هذا الوضع لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام متصلة، وقد اشتد بي مرض الرمد هذا حتى خاف علي الأطباء وقالوا أنه يمكن أن يفقد بصره. فبدأ المسيح الموعود في الدعاء لصحتي بتركيز خاص وشرع في الصيام أيضا لهذا الغرض. لا أذكر كم يوما صام حضرته ولكني أظن أنه صام ثلاثة أيام أو سبعة. وفي اليوم الأخير من ذلك الصيام عندما أراد عليه السلام أن يفطر، وهَمّ أن يضع في فمه شيئا فتحتُ عينيّ فجأة وقلتُ: أنا أستطيع أن أبصر الآن. . ولكن كنت ما زلت أعاني وطأة المرض عليَّ لسنوات، وكانت النتيجة أنْ ضعف بصر إحدى عينيّ ضعفا شديدا.

ثم ذكر حضرته تفصيل ذلك فقال: فلا أبصر بعيني اليسرى جيدًا؛ أستطيع أن أرى الطريق ولكن لا أستطيع أن أقرأ الكتاب. إذا كان أحد معارفي جالسا على بُعد بضعة أقدام مني أستطيع أن أعرفه، ولكن إذا كان الجالس من غير معارفيّ فأستطيع أن أراه ولكن لا أعرفه. فعيني اليمنى وحدها تعمل ولكنها أيضا أصيبت بالرمد الشديد حتى  إنني كنتُ أقضي عدة ليالٍ ساهرا.

هذه حال صحته، فكيف بدراسته؟!

هذه كانت حالة صحته، ولكن انظروا إلى أعماله العلمية، كيف أنعم الله تعالى عليه بتأييداته!

على أي حال، يقول حضرته : لقد قال المسيح الموعود لأساتذتي عن دراستي: فلتكن دراسته بحسب رغبته هو. فليدرس قدر ما يريد وإن لم يدرس فلا تضغطوا عليه، لأن صحته لا تسمح له بتحمل عبء الدراسة. وكان توجيه سيدنا المسيح الموعود المتكرر لي في الدراسة ينحصر في أن أتعلم ترجمة معاني القرآن الكريم والبخاري من حضرة المولوي أي الخليفة الأول، بالإضافة إلى ذلك قال لي اُدرس قليلا من الطب أيضا فهو ميزة عائلية.

يقول حضرته: باختصار، تمت دراستي في هذه الظروف، وكنت في الحقيقة مضطرا أيضا، لأني كنت أعاني في الطفولة من مرض الكبد أيضا وكنت أتناول لستة أشهر منقوع مجروش الفول ومنقوع أوراق الخردل، كما تضخَّم طحالي وظللت لمدة أدلك موضعه بيوديد الزئبق الأحمر red iodide of mercury، كما كنت أدلك به رقبتي أيضا، لأنني كنت أشكو من داء الخنزرة الجلدي. فإن رمد العين، ومرض الكبد، وتضخُّم الطحال، ثم الحمى التي كانت تستمر أحيانًا لستة أشهر، إضافة إلى ذلك فإن قول الكبار عني: «فليدرس ما يريد ولا يُفرَض عليه أكثر من ذلك»، ففي ضوء كل هذا يمكن لكل إنسان أن يقدِّر مدى  كفاءتي الدراسية.

ذات يوم امتحنني جدّي حضرة مير ناصر نواب في اللغة الأردية. أنا ما زلت سيئَ الخط، أما في ذلك الزمن فكان خطي أسوأ بحيث لا يكاد يُقرأ. فحاول حضرة مير كثيرا ولم يستطع قراءة ما كتبتُه. كان حضرة مير حادَّ الطبع وسريع الغضب، فجاء فورا إلى سيدنا المسيح الموعود وكنت أيضا بالمصادفة في البيت، وكنت أخافه سلفا من طبعه الحاد، (وكان جدّ المصلح الموعود) فرفع الشكوى إلى حضرته فخشيت جدا. باختصار قال مير المحترم لحضرته : إنك لا تُولِي أي اهتمام لدراسة محمود، فقد امتحنته في اللغة الأردية، فانظر قليلا إلى خطه، يا له من خط سيئ جدا حتى إن أحدا لا يقدر على قراءته! ثم قال لحضرته بالثورة نفسها: أنت لا تعيره أي اهتمام وعمْرُ الشاب يضيع.

فحين رأى المسيح الموعود مير المحترم ثائرا على هذا النحو، قال له: نادِ المولوي المحترم، (إذ كان من دأبه أنه عندما كان يواجه أي موقف صعب كان يدعو دوما حضرة الخليفة الأول )، وكان الخليفة الأول يحبني كثيرا، فجاء ووقف مطأطئ الرأس إلى ناحية كعادته، فقال له حضرته : لقد دعوتُك حضرةَ المولوي، لأن مير المحترم يقول: إن خط محمود غير مقروء، فأود امتحانه، فما كان من حضرة المولوي نور الدين  رضي الله عنه إلا أن أَمسَك قلما وكتب سطرين أو ثلاثة أسطر وطلب مني أن أنسخها، فهذا هو الامتحان الذي أجراه لي. فنسختها بتأنّ واهتمام وحذر، فأولا لم تكن العبارة طويلة وثانيا كان المطلوب مني النسخ، والنسخ أسهل لأن الذي أنسخه كان أمامي. فنسخت بحذر وبطء، وكتبت الألف والباء بكل حيطة، فلما رآه المسيح الموعود قال: كنت قد قلقت كثيرا تجاه خطّه من كلام مير المحترم، بينما خطه يشبه خطي، وكان الخليفة الأول سلفا يريد أن يؤيدني، فقال لحضرته لقد ثار مير المحترم عبثا، وإلا فخطه جيد.

هكذا كانت حالتي، فيمكنكم أن تعرفوا ما الذي تعلمته من العلوم الظاهرة في ظل أحوالي المذكورة.

ثم يقول حضرته عن كفاءته العلمية: كان الخليفة الأول يقول لي: إن صحتك لا تسمح لك بالقراءة، فعليك أن تأتي إليّ وسأقرأ عليك فتسمع. فألح عليّ ودرّسني القرآن الكريم أولا ثم درّسني البخاري. لم يدرّسني القرآن ببطء بل كان طريقه أنه كان يقرأ القرآن ويترجمه وفي أثناء ذلك إذا رأى أمرًا بحاجة إلى الشرح فكان يفهّمني إياه وإلا فكان يمرّ بسرعة، وهكذا فقد درّسني ترجمة معاني القرآن خلال ثلاثة أشهر، وبعد ذلك اضطررت إلى الغياب عن الدرس.

بعد وفاة المسيح الموعود قال لي الخليفة الأول: ميانْ، تعلَّم مني البخاري كله. في الحقيقة كنت قد أخبرت الخليفة الأول أن المسيح الموعود كان يقول لي أن أتعلم القرآن الكريم والبخاري من المولوي المحترم، فكنت قد بدأت أتعلم منه القرآن الكريم والبخاري في حياة المسيح الموعود وإن كنت أغيب عن الدرس أحيانا. كما كنت بدأت دراسة الطب منه نزولا عند رغبة المسيح الموعود .

يقول حضرته : درست على يد الخليفة الأول الطب وتفسير القرآن الكريم. لقد أنهى حضرته تفسير القرآن خلال شهرين تقريبًا. كان يُجلسني عنده ويُسمعني ترجمة جزء أو نصف جزء مع تفسير بعض الآيات القليلة. كذلك أكمل تدريس البخاري خلال شهرين أو ثلاثة. ومرةً ألقى حضرته درس القرآن الكريم كاملا في شهر رمضان فاشتركت فيه، كما أطلعني حضرته على بعض المجلات العربية. باختصار هذه هي علومي كلها.

أما بالنسبة إلى خطابه الأول وإعجاب الخليفة الأول به فقد قال المصلح الموعود بخصوصه: كان لنا أستاذ رأيته يحضر بانتظام كلما ألقيت الدرس. كما كان لنا أستاذ آخر إذا ألقى درسًا ورآه أستاذي الأول يلقي الدرس في المسجد فلم يكن يجلس ليستمع إليه بحجة أنه ليس من جديد في درسه، فإن جميع الأمور الذي يذكرها مسموعة مسبقا، إلا أنه لحسن ظنّه بي كان يحضر في درسي بانتظام مع أنني كنت تلميذه وكان يقول بأنني أحضر في درسه لأنني أجد فيه بعض المفاهيم الجديدة للآيات القرآنية. وهذا فضل الله تعالى أنه يفتح على البعض في صغرهم علومًا لا تخطر على بال الآخرين.

الحقيقة أن الله تعالى كان يريد أن يجعله مصداقًا لنبوءة المصلح الموعود لذلك فإنه بنفسه كان يعلمه.

على أية حال، يقول حضرته: لقد ألقيت خطابا عاما لأول مرة في عام 1907م في هذا المسجد نفسه (غالبًا في المسجد الأقصى)، وكان ذلك في مناسبة الجلسة السنوية وفي حياة المسيح الموعود وقبل سنة من وفاته. فكان ذلك في مناسبة الجلسة حين كان كثير من الناس مجتمعين بمن فيهم الخليفة الأول أيضا. تلوتُ الركوع الثاني من سورة لقمان وفسّرتُ آياته.

عندما قمتُ للخطاب -ولم يسبق لي أن ألقيت خطابا- كان عمري يبلغ 18 عاما، وكان الخليفة الأول وأعضاء الأنجمن وكثير من الإخوة الآخرين موجودين، فطرأت عليّ حالة كما لو أن ظلاما خَيَّم على عيني ولم أعرف من يجلس أمامي في الجلسة. استمر خطابي إلى نصف ساعة أو ثلاثة أرباع الساعة. وأذكر أنني عندما جلستُ بعد الخطاب قام الخليفة الأول وقال لي: أهنئك يا ميان المحترم على هذا الخطاب ذي المستوى الرفيع إلى هذه الدرجة، لا أقول مجاملة بل أؤكد لك أن الخطاب كان رائعا حقيقةً.

من كان يستطيع أن يتنبَّأ في عام ألفٍ وثمانمائة وستة وثمانين، أي قبل ثمانيةٍ وخمسين عاما (إذ قد مضى على قوله هذا ثمانيةٌ وخمسون عاما) من عنده بأنه سيوُلَد له ولدٌ في غضون تسعة أعوام وينمو سريعا ويذيع صيته إلى أقصى أنحاء الأرض، وسينشر دعوة رسول الله في العالم كله، وسيُملأ بالعلوم الظاهرية والباطنية وسيكون سببا لإظهار جلال الله تعالى. وسيكون آية لقدرة الله وقربه ورحمته.

أقول: إن الله تعالى ملأه بعلوم بحيث يشهد تاريخ خلافته الممتدة على 52 عاما بأنه كلما طُلب إليه الكتابة أو الخطاب حول موضوع ديني أو دنيوي فقد أجرى حضرته أنهار العلم والمعرفة. وقد أثنى المعارضون أيضا على خطاباته في عدة مناسبات على الملأ، وثناؤهم هذا مسجلّ في أوراق التاريخ. وقد نشرت الجرائد أيضا أخبارا بهذا الخصوص. وهذا يبين بجلاء أن نبوءة المسيح الموعود هذه قد تحققت بقوة وعظمة خارقة. إن كتبه وخطاباته كنـز عظيم ويحتوي على آلاف أو ربما على مئات آلاف الصفحات. وهي في طور الترجمة حاليا إلى اللغة الإنجليزية وغيرها، وعلينا أن نستفيد منها حق الاستفادة.

يقول سيدنا المصلح الموعود مبينا أنه هو المصداق لنبوءة «المصلح الموعود»:

«إن النبوءة التي كان يُنتظَر تحققها منذ مدة فقد أخبرني الله تعالى عنها بإلهامه وإعلامه أنها قد تحققت في شخصي أنا. وقد أتم الله تعالى الحجة على معاندي الإسلام ووضّح أن الإسلام هو دين الله الحقُّ وأن محمدا هو رسول الله الصادق وأن المسيح الموعود هو المبعوث الرباني الصادق. والذين يكذّبون الإسلام ومحمدا رسول الله هم كاذبون. وقد هيأ الله تعالى بواسطة هذه النبوءة دليلا حيا على صدق الإسلام وصدق رسول الله ».

من كان يستطيع أن يتنبَّأ في عام ألفٍ وثمانمائة وستة وثمانين، أي قبل ثمانيةٍ وخمسين عاما (إذ قد مضى على قوله هذا ثمانيةٌ وخمسون عاما) من عنده بأنه سيوُلَد له ولدٌ في غضون تسعة أعوام وينمو سريعا ويذيع صيته إلى أقصى أنحاء الأرض، وسينشر دعوة رسول الله في العالم كله، وسيُملأ بالعلوم الظاهرية والباطنية وسيكون سببا لإظهار جلال الله تعالى. وسيكون آية لقدرة الله وقربه ورحمته. لا يمكن لأحد أن يُدلي بهذا الخبر من عنده. لقد أعطى الله تعالى هذا الخبر ثم حققه أيضا بحق شخص لم يُظهر الأطباء بشأنه أي أمل أنه سيحيا، ناهيكم عن أن يعيش عمرا طويلا.

ثم تحدَّث عن صحته وقال: كانت صحتي في طفولتي معتلة، حتى إن الدكتور مرزا يعقوب بيك قال مرة للمسيح الموعود عني: إنه مصاب بمرض السلّ ويجب إرساله إلى منطقة جبلية، فأرسلني المسيح الموعود إلى مدينة «شِملة»، ولكني بدأت أحنّ إلى البيت بعد وصولي إلى هنالك فعدت أدراجي إلى البيت عاجلا.

باختصار، الشخص الذي لم تكن صحته جيدة ولا ليوم واحد أبقاه الله تعالى على قيد الحياة ليحقق نبوءاته بواسطته ويثبت للناس صدق الإسلام والأحمدية. وكنتُ شخصا لم يكن حائزا على أي علم من العلوم الظاهرية، ولكن الله تعالى بفضله المحض أرسل الملائكة لتعليمي وأطلعني على مفاهيم القرآن التي لم تكن لتخطر على بال أحد. فوهبني الله علما وانفجرت في صدري ينبوع روحاني ليست من قبيل الخيال والقياس بل هو قطعي ويقيني بحيث أتحدى العالم كله، وأقول: إذا كان على صفحة الأرض إنسان يدّعي أن الله تعالى علّمه علم القرآن فأنا جاهز لمبارزته كل حين وآن. ولكن لم يستعد أحد للمبارزة. وأنا أعلم جيدا أنه ليس على صفحة الأرض سوايَ إنسان وهبه الله علم القرآن. لقد وهبني الله تعالى علم القرآن وقد جعلني أستاذَ العالم في العصر الراهن لتعليم القرآن الكريم. لقد أقامني الله تعالى لأوصل دعوة محمد رسول الله والإسلام إلى كافة أنحاء العالم، وأهزم جميع الأديان الباطلة هزيمة أبدية أمام الإسلام.

أقول: والحق أنه قد أنجز هذه المهمة بحيث نُشرت في عهده تراجم معاني القرآن الكريم إلى لغات أخرى بعدد لا بأس به، ولا تزال هذه المهمة مستمرة. لقد تُرجم القرآن الكريم إلى 17 أو 18 لغة في حياته، وهكذا وصلت دعوة الإسلام إلى أنحاء العالم في عهده.

يتابع حضرته قائلا: فليبذل العالم كل ما في وسعه وليجمع القوى والجمعيات كلها، وليجتمع الملوك النصارى وحكوماتهم، ولتجتمع أوروبا وأميركا والقوى العالمية الثرية والأقوام القوية ولتعتزم على إفشالي في هذه المهمة، فأقول حالفا بالله بأنهم كلهم سيفشلون مقابلي وأن الله تعالى سيقضي على خططهم ومكايدهم كلها مقابل أدعيتي وخططي وسيقيم الله عزة الإسلام ببركة اسم النبي بواسطتي أو بواسطة تلاميذي وأتباعي ليُثبت صدق هذه النبوءة، ولن يترك العالم ما لم يتوطد الإسلام في العالم مجددا بكل قوته وعظمته وما لم يُقبل سيدنا محمد رسول الله نبيا حيا في العالم من جديد.

إذن، لقد تحققت هذه النبوءة، وقد قضى سيدنا المصلح الموعود عهده، وإن كلمات النبوءة المذكورة لا تزال باقية وثابتة وستبقى باقية وثابتة إلى أن تتحقق مهمة المسيح الموعود وإلى أن ترفرف راية الإسلام في العالم كله. فعلينا أن نتذكر أنه لا فائدة من ذكر هذه النبوءة أو عقد الجلسات حولها إن لم نضع أمام أعيننا هدفا أن علينا أن نوطد دعائم عزة رسول الله وعظمته في العالم، وأن نكشف للعالم صدق الإسلام ونجمع العالم تحت راية النبي . لا يمكن أن ترفرف اليوم راية الإسلام من جديد إلا بواسطة المؤمنين بالمسيح الموعود . ندعو الله تعالى أن يوفقنا لذلك.

Share via
تابعونا على الفايس بوك