من مظاهر الفاروقية في السيرة العمرية

من مظاهر الفاروقية في السيرة العمرية

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • وجه الشبه الدقيق بين كل من سيدنا عمر (رض) وسيدنا سليمان (ع)

____________

خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين

 سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي

بتاريخ 19/11/2021م

في المسجد المبارك بإسلام آباد، بريطاني

العنوان الرئيسي والعناوين الفرعية من اضافة أسرة التقوة

من عدو لدود إلى ولي حميم

لقد قدم سيدنا المصلح الموعود مثال سيدنا عمر بيانًا لحالة الصحابة قبل الإسلام والانقلاب الذي ظهر فيهم بعد الإسلام، وقد ذكرتُ هذا المثال في الماضي، وأذكره هنا مُكررًا انطلاقًا من هذا الموضوع، فقد كتب حضرته: انظروا كيف حدث التغير الإيجابي في صحابة النبي وكيف نالوا الدرجات العلى، فإنما ببذل الجهود والمجاهدة، وإلا كانوا أنفسهم متعطشين لدم النبي وكانوا يسبُّونه. فسيدنا عمر الذي أصبح ثاني خلفاء النبي كان في البداية ألد أعداء النبي حتى إنه خرج يومًا من بيته بنية قتله، فصادفه في الطريق رجلٌ سأله عن وجهته، فقال إني ذاهب لقتل محمد . فقال له اقتُلْ أولا أختك وزوجها فهما قد أسلما، وبعد ذلك اقتلْ محمدا . فاستشاط غضبًا وتوجه فورًا إلى بيت أخته فوجد الباب مغلقًا، وكان شخص يقرأ عليهما القرآن وهما يستمعان له، وإلى ذلك الوقت لم يكن أمر الحجاب قد نزل، لذا كان ذلك الصحابي يجلس معهما في بيتهما، فطرق سيدنا عمر الباب ونادى أن افتحوا، فخاف الذين كانوا في البيت أن يقتلهم، لذا لم يفتحوا. فقال سيدنا عمر: إن لم تفتحوا الباب فسأكسره، فخبَّأ زوجُها ذلك الصحابيَّ القارئ واختبأ بنفسه أيضًا، ثم فتحتْ أخته الباب. فسألها سيدنا عمر ماذا كنتم تفعلون؟ ومن ذا الذي كان يقرأ شيئًا، فأرادت أن تصرفه من ذلك، لكن حضرته قال لها أريد أن أسمع ما كنتم تقرأون. فقالت له ربما أسأت إليه، فلن نقرأه عليك حتى لو قتلتنا. فقال لها إني أعدك أني لن أسيء إليه «أي إلى القرآن الكريم». فقرأت عليه ما تيسر منه فبكى عمر وأسرع إلى النبي والسيف ما زال بيده، فنظر إليه النبيُّ وقال له: إلامَ تستمر في ذلك؟ فبكى إثر سماع ذلك، وقال كنت قد خرجتُ لقتلك فأصبحتُ أنا صيدًا لك.

هذا ملخص موجز لأحداث طويلة قد سبق بيانها. يقول المصلح الموعود : هكذا كان حال الصحابة السابق الذي انطلقوا منها وتقدموا.

وفي معرض حديث حضرة المصلح الموعود عن بعض الصحابة الآخرين بيَّن أن أولئك الصحابة كانوا يشربون الخمر ويتحاربون فيما بينهم، وكان فيهم بعض أنواع الضعف الروحي والتقصير، لكنهم حين آمنوا بالنبي وجاهدوا من أجل الدين، فلم يرتقوا إلى أعلى المدارج شخصيا فحسب بل كانوا سببا في وصول الآخرين أيضًا إلى المقام السامي. فهم لم يكونوا صحابةً منذ الولادة، بل كانوا مثل غيرهم من الناس، إلا أنهم عملوا وجاهدوا فصاروا من الصحابة. وإذا عملنا اليوم مثلهم فيمكن أن نكون نحن أيضا من الصحابة.

كيف كانت خشية سيدنا عمر لله فعن ذلك ورد قول عمر :

«لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة.»

وفي رواية أخرى ورد أن سيدنا عمر قال: لو أن جملا هلك ضياعًا بشط الفرات لخشيت أن يسأَلني الله عنه.

وعن أنس بن مالك قال خرجت يوما مع عمر بن الخطاب حتى دخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ والله لتتقين الله ابن الخطاب أو ليعذِّبنك.

كان قد نقش على خاتم عمر «كفى بالموت واعظا يا عمر». أي إذا تذكر الإنسان الموت فيكفيه وعظا وتحسينا لأعماله.

قال عبد الله بن شداد: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف وهو يقرأ «إنما أشكو بثي وحزني إلى الله».

هذه الرواية قد بيَّنها سيدنا الخليفة الرابع رحمه الله أيضا في خطبة له فقال: قال عبد الله بن شداد أن سيدنا عمر كان يصلي بالناس وكنت في الصف الأخير وأسمع بكاء حضرته وتضرُّعَه إذ يتلو قوله تعالى: «إنما أشكو بثي وحزني إلى الله». فالذين يشغلهم ذكرُ الله كل حين وآن، لا يجدون سوى أعتاب الله ، حيث يمكنهم أن يعرضوا عليه همَّهم وغمَّهم لكي يزيحوا أثقال الهموم من صدورهم. يقول الراوي أنه كان في الصف الأخير وهناك كان يصله النشيج الصادر من سيدنا عمر.

انظروا إلى عمر الذي كان أكابر ملوك العالم يرتعبون منه بما فيهم حكومة قيصر وكسرى، ولكن شخصا عظيم المرتبة مثل عمر اضطرب في جوف الليل عندما علم بجوع أولاد امرأة بدوية، وحمل على ظهره كيس الدقيق وفي يده زق الزيت وسلّمهما إلى المرأة، ولم يرجع إلى بيته ما لم تطبخ الأمُّ الطعام وتُطعم الصبيان وناموا هادئي البال.

إكرام الخلف من أجل السلف

كان سيدنا عمر يهتم بمن كان لأسلافهم دور في خدمة الدين والتضحية من أجله، نلحظ ذلك من رواية

عن ثَعْلَبَة بْن أَبِي مَالِكٍ قال إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي عِنْدَكَ يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ فَقَالَ عُمَرُ أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عُمَرُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ (أي تنقل) لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ.

ثم نجد في رواية إكرامَ حضرته لأقارب الـمُضحِّين أيضًا،

فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى السُّوقِ فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ . فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمْ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا. قال عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ (أي أبدى سخطه) وَاللهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ. (أي قد فتحا الحصنَ وحصل المسلمون على الغنائم، وكأننا قسمنا بيننا نصيبها. إذن، كانت المرأة تستحق نصيبًا منها لذا يجب أن تُعطى شيئًا)

كفالة المحتاجين من النساء والعجائز

كان عمر يعتني بالعجزة والنساء وغيرهن من المحتاجين، فقد جاء بهذا الشأن في رواية أوردها ابن كثير في البداية والنهاية عن طلحة بن عبد الله أنه قال: “خرج عمر ليلة في سواد الليل فدخل بيتا، فلما أصبحت ذهبت إلى ذلك البيت، فإذا عجوز عمياء مقعدة فقلت لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ فقالت: إنه يتعاهدني مدة كذا وكذا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى. فقلت لنفسي: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتبع؟»

أقول: الحق أن الأمر في هذه الحال كان مختلفا تمامًا، إذ قد ضرب عمر أمثلة عليا وعظيمة لخدمة الرعية.

هناك عدة روايات تتحدث عن قضاء سيدنا عمر حاجات المحتاجين والنساء والأطفال، وكيف كان يسدها بخشية الله، وكيف كان يضطرب بشدة كلما رأى محتاجًا من رعيته. لقد سردتُ بعض الأمثلة بهذا الشأن في بعض خطبي السابقة وبيّنتُ أنه سأل ذات مرة امرأة سبب بكاء ابنها. فقالت:

إني أشغله عن الطعام، فيأبى ذلك. قال: ولِمَ؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للمفطوم. فاضطرب عمر بسماع ذلك، وأمر مناديَه فنادى: لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام؛ فإنا نفرض لكلِّ مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق.

كذلك رُوي أن امرأة كانت مسافرة ولم يكن لديها شيء للأكل، فاضطرت إلى المبيت في مكان وكان أولادها يبكون جوعًا. وعندما علم سيدنا عمر بذلك اضطرب بشدة وذهب إلى بيت المال وجاء وجاءها بالطعام، ولم يهدأ له بال ما لم يأكل الأولاد الطعام ولم يبرح المكان ما لم يرهم ضاحكين مستبشرين.

يقول سيدنا المصلح الموعود : ثم انظروا إلى عمر الذي كان أكابر ملوك العالم يرتعبون منه بما فيهم حكومة قيصر وكسرى، ولكن شخصا عظيم المرتبة مثل عمر اضطرب في جوف الليل عندما علم بجوع أولاد امرأة بدوية، وحمل على ظهره كيس الدقيق وفي يده زق الزيت وسلّمهما إلى المرأة، ولم يرجع إلى بيته ما لم تطبخ الأمُّ الطعام وتُطعم الصبيان وناموا هادئي البال.

وهناك رواية عن ابن عمر أن عمر لما رجع من الشام إلى المدينة انفرد عن الناس ليعرف أخبارهم، فمر بعجوز في خباها فقصدها، فقالت: يا هذا ما فعل عمر؟ قال: هو ذا قد أقبل من الشام. قالت: لا جزاه الله عني خيرًا. قال: ويحك! ولمَ؟ قالت:لأنه والله ما نالني من عطائه منذ ولي إلى يومنا هذا دينار ولا درهم. فقال: ويحك ما يُدري عمر حالَك وأنت في هذا الموضع؟ (أي تسكنين في منطقة نائية قرب الصحراء) فقالت: سبحان الله، ما ظننت أن أحدًا يلي على الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها. قال: فأقبل عمر وهو يبكي ويقول: واعمراه! واخصوماه! كل واحد أفقهُ منك يا عمر! ثم قال لها: بِكمْ تبيعيني ظلامتَك منه، فإني أرحمه من النار؟ قالت: لا تهزأ بنا يرحمك الله. قال لها عمر: ليس بهزءٍ، فلم يزل بها حتى اشترى ظلامتها بخمسة وعشرين دينارًا. فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب وابن مسعود فقالا: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فوضعت المرأة يدها على رأسها وقالت: واسوأتاه!! شتمت أمير المؤمنين في وجهه؟ فقال لها عمر: لا عليك يرحمك الله. قال: ثم طلب عمر قطعةَ جلد يكتب فيه، فلم يجد. فقطع قطعة من فروة كان لبسها وكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم» هذا ما اشترى عمر من فلانة ظلامتها منذ وليَ إلى يومنا بخمسة وعشرين دينارا، فما تدّعي عند وقوفي في المحشر بين يدي الله عز وجل، فعمرُ منه بريء، شهد على ذلك علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود. ثم دفع الكتاب إلى علي وقال: إذا أنا تقدمتك فاجعلْها في كفني.

نظرته في الظفر بذات الدين

أقول: إن الناس يهتمون كثيرًا بعلاقاتهم مع الأولاد. ونرى في هذه الأيام أيضًا أن الناس يضربون أمثلة عليا بهذا الشأن. ولكن ماذا كانت أسوة سيدنا عمر بهذا الشأن، فقد ذُكر ذلك في رواية عن أسلم (وهو مولى عمر أعتقه): بينا هو (أي عمر) يعسُّ بالمدينة أعيى، فاتكأ على جدار، فإذا امرأه تقول لابنتها: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء. فقالت: يا أمتاه، وما علمتِ ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته؟ قالت: نادى مناديه: لا يشاب اللبنُ بالماء. فقالت لها: يا بنتاه، قومي فامذقيه، فإنك في موضع لا يراك عمر ولا منادي عمر. فقالت الصبية: ما كنتُ أطيعه في الملأ، وأعصيه في الخلاء. وعمر يسمع كل ذلك فقال: يا أسلمُ علِّمْ البابَ، واعرف الموضعَ. وفي اليوم التالي بعث عمر شخصًا ليطلب يد تلك البنت لابنه عاصم، فزوجّها منه نظرًا إلى صدقها وصلاحها. فولدت لعاصم ابنةً تزوجها عبد العزيز، فولدتْ له عمرَ بن عبد العزيز.

صيانة مشاعر الخلق

في رواية عن سلمة قال: كنتُ أمرّ بالسوق إذ مر بي عمر بن الخطاب لشغل له، وكان معه درة، فقال لي: يا سلمة، أمط عن الطريق ثم خفقني بالدرة خفقة فأصابت طرف ثوبي. فتنحيتُ عن الطريق، فلما كان في العام المقبل لقيني عمر في السوق فقال: يا سلمة، تريد الحج؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين. فأخذ بيدي فانطلق بي إلى منزله فأعطاني ستمائة درهم وقال: إستعن بها على حجك، واعلم أنها بالخفقة التي خفقتك. قلت: يا أمير المؤمنين ما ذكرتها، قال: وأنا ما نسيتها. (تاريخ الرسل والملوك)

أسعار السوق ومصلحة الرعية

كان عمر يهتم بأسعار السوق أيضًا لكي لا تتأثر حقوق أي فريق من المواطنين، قال المصلح الموعود بهذا الصدد: ومن حقوق المجتمع ألا يتطرق الفساد إلى معاملات الناس وتجاراتهم، ولم يهمل الإسلام هذا الحق أيضًا، فقد نهى عن رفع الأسعار أو تخفيضِها عمدًا بهدف الإضرار بتجارة الآخرين أو المشترين، (كما يحدث اليوم في الأسواق) ففي إحدى المرات مرّ سيدنا عمر برجل يبيع الزبيب أرخصَ مما يبيعه الباعة الآخرون في المدينة، فزجره وقال: لماذا تضرّ بالباعة الآخرين؟ باختصار، لقد نهى الإسلام عن رفع الأسعار وتخفيضها أيضًا لكيلا يتضرر التجار ولا الزبائن. (التفسير الكبير ج10)

تطبيق روح الشريعة قبل نصها

عن عامر أن رجلا جاء إلى عمر وقال كانت لي ابنة وأدوها في الجاهلية، ولكني أخرجتها من القبر قبل أن تموت. ولما أسلمت وقع عليها حد من الحدود، (ارتكبت خطيئة مما وقع عليها الحد) فأمرَّت الشَّفرة على أوداجها لكي تقتل نفسها، فَأدْركتها، فداويتُ جُرْحها حتى برئت. ثم إنها تابت توبة نصوحا، الآن يا أمير المؤمنين يخطبها الناس، فهل أذكر لهم عيبها السابق. فقال عمر : لقد سترها الله وأنت تريد أن تفضحها. لو أفشيت عليها لعاقبتك وأجعلك عبرة لجميع أهل المدينة. إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوّجْها إيّاه. (تفسیر الطبري ج6، سورة المائدة الآية 5)

التوكل على الله باتخاذ التدابير المادية أيضا

كيف كان عمر قلقا لحياة الناس في طاعون عمواس، ورد عنه أن هناك واديًا على بعد ستة أميال في الطريق الواصل من الرملة إلى بيت المقدس واسمه عمواس. ورد في كتب التاريخ أن وباء الطاعون بدأ من هنا وانتشر في أرض الشام لذا سمي طاعون عمواس. مات بسببه كثير من الناس في الشام وعند البعض يبلغ عدد من قضوا فيه خمسة وعشرين ألفًا تقريبا. خرج عمر من المدينة إلى الشام في 17 للهجرة،

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ. فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ. فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِي الْأَنْصَارَ. فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ. فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ. فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ. فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ. قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ. قَالَ فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ. (صحيح البخاري کتاب الطب باب ما يُذکر في الطاعون)

كان عمر قدم من المدينة ولم يكن قد وصل موضع الوباء حتى رجع مع أصحابه ولكن أبا عبيدة كان أمير الجيش وكان في موضع الوباء لذا أقام هو وجنوده في بلاد الطاعون، ظلوا في أماكنهم. وحين وصل عمر المدينة بدأ يفكر في كيفية حماية المسلمين المقيمين في الشام من ويلات الطاعون، وكان عمر قلقا لأبي عبيدة بوجه خاص. فذات يوم كتب عمر رسالة إلى أبي عبيدة: إني بَدَت لي إليك حاجة لا غنى لي عنك فيها، فإذا أتاك كتابي ليلا، فإني أعزم عليك ألا تصبح حتى تركب إليّ، وإن أتاك نهارا، فإني أعزم عليك ألا تمسي حتى تركب إليّ. هذا كان حبه لأبي عبيدة، وحين قرأ أبو عبيدة الكتاب رد عليه: «قد علمت حاجة أمير المؤمنين إلي، فهو يريد أن يستبقي من ليس بباقٍ»، هكذا فكر أبو عبيدة أن الله يعلم بما سيحدث بي. وكتب إليه: يا أمير المؤمنين، إني قد عرفت حاجتك إلي، وإني في جند من المسلمين، ولا أجد بنفسي رغبة عن الذي يصيبهم، ولا أريد فراقهم حتى يقضي الله فيّ وفيهم أمره، فإذا أتاك كتابي هذا، فحلِلني من عزمك، وائذن لي بالبقاء.  لما قرأ عمر كتابه هذا، بكى، فقال مَن عنده: أمات أبو عبيدة، يا أمير المؤمنين؟. فقال عمر: لا، وكأن قد. (الكامل في التاريخ)

فكتب سيدنا عمر إلى أبي عبيدة بعد استشارة أصحاب الرأي: إنك أنزلتَ الناس أرضًا عميقة فارفعْهم إلى أرض مرتفعة نزهة. وبينما كان أبو عبيدة بصدد تنفيذ هذه الأوامر إذ هاجمه الطاعون فتوفي. وكان أبو عبيدة استخلف معاذَ بن جبل على الناس، ولكنه أيضا طُعن ووافاه الأجل. وكان معاذ خلّف عمرو بن العاص على الناس، فقام عمرو خطيبا في الناس فقال أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبلوا منه في الجبال. ثم خرج بالناس إلى الجبال حتى خفّت وطأة الوباء وانتهى بالتدريج. فبلغ سيدَنا عمر بن الخطاب كلامُ عمرو استحسنه بل اعتبره تنفيذا لأوامره التي أرسلها لأبي عبيدة رضي الله عنهم.

ومات بهذا الوباء، بالإضافة إلى أبي عبيدة بن الجراح، معاذُ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن سهيل، وغيرهم من الكبار رضي الله عنهم.

وقال حضرۃ المصلح الموعود في مناسبة أخرى وهو يتحدث عن عودة سيدنا عمر بسبب طاعون عمواس: لما وقعت الحرب في الشام وتفشى الطاعون هناك، قصد سيدنا عمر بنفسه إلى هناك لتدبير حماية الجيوش الإسلامية من الطاعون بعد استشارة أصحاب الرأي. لكن لما اشتدت وطأته أشار الصحابة على سيدنا عمر أن يرجع إلى المدينة لأن بقاءه هنا ليس جيدا. فلما أراد العودة قال له أبو عبيدة:

أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ.

فإهمالُ اتخاذ التدابير المادية لا يجوز، غير أنه لا بد من جعل التدابير المادية تابعة للدين.

وقائع تشهد بمُحدَّثيته واستجابة دعائه

عن خَوّاتِ بن جبير قال: أصاب الناس قحط شديد على عهد خلافة سيدنا عمر، فخرج بالناس، فصلى بهم صلاة الاستسقاء ركعتين، وخالفَ بين طَرَفَيْ ردائه، فجعل اليمين على اليسار واليسار على اليمين، (أي التفّ َبالرداء)، ثم بسط يده فقال: اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك، فما برح مكانَه حتى مُطروا، قال الراوي: فقدِم إخواننا الأعراب إلى عمر فقالوا يا أمير المؤمنين بينا نحن في بوادينا في يوم كذا في ساعة كذا إذ أظلنا غمام، فسمعنا فيها صوتا: أتاك الغوث أبا حفص، أتاك الغوث أبا حفص.

وهناك واقعةُ استجابةِ دعاء سيدنا عمر تُذكَر بصدد جريان ماء نهر النيل. يقال أنه كان عند المصريين قبْل الإسلام تقليد يقومون به عندما يغيض ماء النيل، والله أعلم ما إذا كان لهذا التقليد أي أثر في جريان النيل أم لا، إلا أن الإسلام قضى على هذا التقليد. والقصة التي تحكى بهذا الصدد هي: عنْ قيس بن الحجاج عمن حدثه قال: لما افتتحت مصر آتى أهلها عمرو بن العاص – حين دخل بؤنة من أشهر العجم – فقالوا: أيها الأمير، لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها. قال: وما ذلك؟ قالوا: إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل. فقال لهم عمرو: إن هذا مما لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما قبله. قال: فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء. فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي، فألقها في النيل. فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة فإذا فيها من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قبلك ومن أمرك فلا تجر فلا حاجة لنا فيك، وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار، وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك. قال: فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، وقطع الله تلك السُّنَّة عن أهل مصر إلى اليوم. إن معظم المصادر التاريخية تؤكد وتصدق هذه الواقعة، ولكن قد أنكرها محمد حسين هيكل كاتب سيرة سيدنا عمر وقال لم يكن بمصر أي تقليد من هذا القبيل. على كل حال هذه هي الواقعة التي تحكى بهذا الصدد.

وثمة واقعةُ سماعِ سارية صوتَ عمر رضي الله عنهما خلال القتال، وقد ذكرتها من قبل غير أني أتناولها هنا أيضا في سياق استجابة دعاء سيدنا عمر وما خصه الله به من ألطاف. ورد في تاريخ الطبري: كان سيدنا عمر قد بعث سارية بن زنيم إلى فساودرابجرد، فحاصرهم، ثم إنهم استنصروا بمن حولهم من قومهم، فاجتمعوا في الصحراء، وحاصروا المسلمين من كل جانب. وبينما كان سيدنا عمر يخطب في يوم جمعة قال في أثناء الخطبة: يا ساريةَ ابن زنيم الجبل الجبل. وكان إلى جنب جيش المسلمين جبلٌ إنْ لجئوا إليه لم يُؤتوا إلا مِن وجه واحد، فلجئوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم، فهزموهم وأصابوا مغانم كثيرة.

لقد ذكر سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام أيضا هذه الواقعة وقال إن مثل هذه الخوارق ثابتة من الصحابة بكثرة. وسبق أن قرأتُ عبارة المسيح الموعود هذه كاملةً في إحدى الخطب السابقة، وعليه فليس بمستبعد أن تكون قصة جريان ماء النيل -التي ينكرها بعض المؤرخين- أيضا صحيحة.

وهناك واقعة بشأن بركةِ قُبَّعة سيدنا عمر وصداعِ قيصر الروم، وقد ذكرها حضرة المصلح الموعود وهي: أُصيبَ قيصر بصداع شديد في عهد سيدنا عمر ولم يتحسن رغم الكثير من التداوي، فأشار عليه أحد أن يكتب إلى سيدنا عمر أعراض مرضه ويطلب منه شيئا يتبرك به، فيدعو له ويُرسل له ما يتبرك به أيضا، فيُشفى بدعائه بإذن الله.

فأرسل قيصر مندوبه إلى عمر ، وخطر ببال عمر أن هؤلاء الناس مستكبرون وأن ذلك القيصر ما كان له أن يُرسل مندوبه إليّ إلا اضطرارا بسبب مرضه، فلو أرسلت له شيئا تبرُّكًا فقد لا يستخدمه مستخفًّا به لذا يجب أن أُرسل شيئا يفيد كتبرّك ويقضي على استكباره أيضا. فأرسل له قبعته القديمة التي كانت عليها بقع كثيرة وكانت قد اسودّت بسبب الأوساخ المتراكمة عليها. عندما رأى قيصر القبعة استاء منها كثيرا ولم يلبسها. ولكن الله تعالى أراد أن يُريه أنه لن ينال البركة الآن إلا بواسطة محمد رسول الله فقط؛ فأُصيب بصداع شديد الوطأة فطلب من خدامه أن يُحضروا القبعة التي أرسلها عمر ليلبسها، فلبسها وزال صداعه. وكان يُصاب بالصداع كل أسبوع أو كل عشرة أيام فصار من عادته أن يجلس في بلاطه لابسًا قبعة عمر الوسخة دائما.

كان سيدنا عمر قد بعث سارية بن زنيم إلى فساودرابجرد، فحاصرهم، ثم إنهم استنصروا بمن حولهم من قومهم، فاجتمعوا في الصحراء، وحاصروا المسلمين من كل جانب. وبينما كان سيدنا عمر يخطب في يوم جمعة قال في أثناء الخطبة: يا ساريةَ ابن زنيم الجبل الجبل. وكان إلى جنب جيش المسلمين جبلٌ إنْ لجئوا إليه لم يُؤتوا إلا مِن وجه واحد، فلجئوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم، فهزموهم وأصابوا مغانم كثيرة

يقول المصلح الموعود: هذه المعجزة التي أراه الله تعالى كانت تتضمن عبرة أخرى أيضا. كان أحد أصحاب النبي أسيرا عند قيصر وأمر قيصر أن يُطعَم الأسير لحم الخنزير، ففضّل الصحابي الموت جوعا على أكل لحم الخنزير. مع أن الإسلام يسمح بأكل لحم الخنزير حال الاضطرار، ولكن قال الصحابي: إني صحابي ولا يسعني أن أفعل ذلك. فعندما كان يُشرف على الموت بسبب الجوع إلى عدة أيام كان قيصر يُعطيه خبزا وكلما استعاد بعض القوة أمر أن يُطعمه لحم الخنزير، فكأنه لا يسمح له أن يموت ولا يحيا. فقال له أحد ذات يوم بأنك أُصبت بالصداع لأنك سجنت مسلما، وعلاجه أن تطلب من عمر شيئا تبركا وتطلب منه الدعاء أيضا. عندما أرسل عمر قبعته وتحسن بها صداع قيصر تأثر من ذلك كثيرا وأطلق سراح الصحابي. انظروا الآن أن قيصر آذى صحابيا وبالنتيجة قدّر الله أن يصاب بالصداع ثم أشار عليه أحد أن يطلب التبرُّك والدعاء من عمر ، فأرسل له عمر وزال صداع قيصر وبذلك قدّر الله إطلاق سراح الصحابي وأظهر عليه صدق محمد رسول الله . (السياحة الروحانية)

ورد في تفسير الرازي: كتب قيصر إلى عمر أن بي صُداعًا لا يسكن فابعث لي دواء، فبعث إليه عمر قلنسوة فكان إذا وضعها على رأسه يسكن صداعه، وإذا رفعها عن رأسه عاوده الصداع، فعجب منه ففتش القلنسوة فإذا فيها ورقة مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم.

هذا ما ورد في تفسير الرازي.

وهناك بعض الأدعية لسيدنا عمر منها:

عن عمرو بن ميمون قال: كان عمر يدعو: اَللّٰهُمَّ تَوَفَّنِيْ مَعَ الْأَبْرَارِ وَلَا تُخَلِّفْنِيْ فِي الْأَشْرَارِ وَقِنِيْ عَذَابَ النَّارِ وَأَلْحِقْنِيْ بِالأَخْيَارِ.عن يحيى بن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب لما نفر من منى، أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من البطحاء، فألقى عليها طرف ردائه، ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء، ثم قال: اَللّٰهُمَّ كَبُرَتْ سِنِّي وَضَعُفَتْ قُوَّتِيْ وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِيْ فَاقْبِضْنِيْ اِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ. فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات.عن ابن عمر قال: كان عمر بن الخطاب أحدث في زمان الرمادة أمرا ما كان يفعله، لقد كان يصلي بالناس بالعشاء ثم يخرج ويدخل بيته فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب فيطوف عليه وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي.

يقول الخليفة الأول : يجب على الإنسان أن يعبد الله خالصة له، ثم لا يبالي وإن حسبه الناس سيئا. إن جعْل المرء نفسه سيئا ظاهريا غير جائز، كما يثبت من الدعاء التالي الذي علّمه النبي عمرَ ، وهو كما يلي:

«اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَرِيرَتِي خَيْرًا مِنْ عَلَانِيَتِي وَاجْعَلْ عَلَانِيَتِي صَالِحَةً». (حقائق الفرقان)

مراعاته الآداب والأخلاق العامة

هناك رواية بهذا الخصوص

عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ (اللذين يرفعان صوتهما) فَجِئْتُهُ بِهِمَا قَالَ مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا، قَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ . (البخاري)عن ابن عمر أن عمر لم یکن یکبر حتی یسوي الصفوف ویوکل رجلا بذلك. عن أبي عثمان النهدي قال رأیت عمر بن الخطاب رضوان الله عليه إذا أقیمت الصلاة یستدبر القبلة ثم یقول: یا فلان تأخر، یا فلان سوّوا صفوفَکم فإذا استوی الصف أقبل علی القبلة وکبّر.

تضحياته المالية

هناك رواية عن التضحية المالية لعمر وإنفاقه في سبيل الله، بل هناك روايات كثيرة غيرها أيضا:

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ، أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الفُقَرَاءِ، وَفِي القُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ. (البخاري)

لقد سعى عمر أن يكون سبّاقًا في التضحية بالمال عند كل مناسبة. فمرة طلب النبي المال فجاء عمر بنصف ماله، وقد تقدّم ذكر هذه الواقعة، ولكن لاحظوا حالة خشيته لله تعالى أنه عند وفاته كان يقول وعيناه تنهمران بالدموع: لا أستحق أي إنعام، إنما أريد أن أنجو من العقاب. هكذا كانت خشيته لله تعالى.  لقد بقيت بعض الأمور الأخرى التي تُذكر لاحقًا إن شاء الله.

Share via
تابعونا على الفايس بوك