الفتوحات الإسلامية المعاصرة في غرب أفريقيا

الفتوحات الإسلامية المعاصرة في غرب أفريقيا

عماد الدين المصري

  • ما دور الخلافة الراشدة في تمسكنا بهويتنا؟
  • ومن أين يبدأ اعتزازنا بتلك الهوية؟

__

شكلت حركة الفتوحات الإسلامية صورة التاريخ التي عرفناها، ولا يظنن أحد أن تلك الفتوحات التي بدأت في عهد الخليفة الثاني في الخلافة الراشدة الأولى، أي حضرة عمر قد توقفت، بل إنها لا تزال مستمرة، وتقود جحافلها الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. وأسرة التقوى إذ تنشر هذا المقال في عدد يُعنى بالحديث عن المصلح الموعود (فضل عمر) ، فإنما لتشير إلى المناسبة العجيبة بين العُمَرين أولا، ثم لتلقي الضوء على شيء من تاريخ القارة السمراء وواقعها ثانيا. (التقوى)

 

شمس الإسلام الأول تطلع على بلاد السودان

السودان اسم قديم كان يشمل كافة إقليم وسط أفريقيا، من دولة السودان حاليا شرقا وحتى شواطئ افريقيا الغربية على المحيط الأطلنتي غربا، أما الآن فهذا الاسم مقصور على دولة السودان التي عاصمتها الخرطوم. وبتعريف آخر تعرف بلاد السودان بأنها تلك المنطقة الجغرافية الخضراء التي تقع مباشرة جنوب منطقة الساحل الشمالي لقارة أفريقيا.

ويُقال أن عمرو بن العاص عندما فتح مصر، بعث بسفرائه وأمراء جيوشه للمسير باتجاه الغرب. فسار عقبة بن نافع بعد استتباب الأمور في مصر وأسس مدينة القيروان الواقعة في تونس الحالية. وهكذا وصل الإسلام إلى دول شمال إفريقية والمغرب العربي. من الجدير بالذكر أنه لا يمكن تأريخ دخول الإسلام إلى غرب إفريقية بسنة معينة، وذلك لعدم وجود مراجع كافية، وإضافة إلى ذلك فإن تلك البلاد لم يفتحها الإسلام لم يدخل هناك بعد مواجهة عسكرية فيؤرَّخ دخوله بسقوط مملكة أو قيامها وإنما انتشر عن طريق التجار الذين اختلطوا بسكانها. كان شمال إفريقية مرتبطًا بالجنوب عبر طرق التجارة التي عرفها التجار قديمًا وقبل ظهور الإسلام. وكانت التجارة بينهما تقوم على أساس بيع الملح مقابل الذهب القادم من غرب إفريقية. ومن المرجح أن الإسلام وصل إلى غرب إفريقيـــــة أولاً عابـرًا هذه الطرق. وقد كانت هناك عدة مراكز تــجارية تنــطـلق منها قوافل المسلمين لتـصل فيـما بعد إلى مختلف المناطق في غـرب إفريـقية.

غانا ومالي تدخلان في الإسلام

في القرن الحادي عشر الميلادي كانت سلطنة غانا تقع على الأراضي الواقعة بين موريتانيا ومالي، وهي غير دولة غانا المعروفة حاليا، وكانت مملكة قوية ثرية. في الشمال منها ولدت دولة المرابطين وبدأت تنمو رويدا رويدا. والمعروف عنها أنها دولة تأسست على يد عبد الله بن ياسين ثم انتقلت زعامتها من بعد موته إلى إسحاق بن عمر اللمتوني ومن ثم إلى أخيه أبي بكر بن عمر. وقد كان للأخير دور هام في انتشار الإسلام في غرب إفريقية، حيث بدأ يتحرك نحو مملكة غانا ليخضع عاصمتها في نهاية المطاف، وقد كانت حلقة هامة في سلسلة وصول الإسلام إلى غرب إفريقية، فقد صار وصول صوت الإسلام إلى غانا أسهل من ذي قبل مع أن المرابطين لم يستطيعوا المكوث فيها إلا لمدة وجيزة لا تتجاوز الخمسة عشر عاماً بكثير.

أما مملكة مالي القديمة فقد تأسست على أنقاض مملكة غانا وكانت أوسع امتداداً منها، وبقيت أخبارها محفوظة على النقيض من مملكة غانا. وقد ساهم في انتشار أخبارها وكثرة الحديث عنها رحلة الحج التي قام بها أحد ملوكها واسمه «منسا موسى» الذي عاصره ابن بطوطة وقص أخباره في رحلته المعروفة ب «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار». وكان ملوكها ينتمون إلى قبيلة الماندين أو ماندينكا Manding. كان لهذه الجماعة دور هام في انتشار الإسلام في غرب إفريقية حيث كانت أغلبية أفرادها الساحقة تدين بالإسلام، وعلاوة على ذلك أسهم أفرادها بشكل كبير في إيصال الإسلام إلى المناطق التي لم يصل إليها بعد على صعيدين، أولا عبر السلطات الرسمية المتمثلة في ملوك الماندينكا، وثانيا على مستوى الأفراد «التجار المتجولين الدعاة (الجولا) Dioula”. وهناك حادثة طريفة يشاع أنها كانت سبباً في دخول بلاد الماندين في الإسلام، وهي أن البلاد كانت في قحط شديد ولم تُجد طقوس الكهنة واستجداء الآلهة نفعاً. كان ينزل قريباً من تلك الإمارة رجل مسلم لم يقبل المشاركة في هذه الطقوس، فعرض على أمير الماندين واسمه (بارا ماندين) أن يشاركهم في التضرع لنزول المطر بعد أن تمكن اليأس من نفوس سكان الإمارة مقابل إسلام الأمير. فقبل الأمير العرض وخرج مع الشيخ إلى منطقة مرتفعة وبدأ الشيخ يدعو والأمير يؤمن وما كادا ينتهيان من دعائهما حتى بدأ المطر في الهطول وعم الخير البلاد.

خلاصة الحديث إن هذه البلاد لم يدخلها الإسلام عنوة وإنما كان التجار والدعاة هم من ساهموا في دخوله إليها، وعلى الرغم من أن المرابطين غزوها حينا من الزمان إلا أنهم لم يجبروا أهلها على اعتناق الإسلام ولم تسنح لهم فرصة حتى لفعل ذلك لقصر مدة مكوثهم فيها. ولكن مجيئهم كان له دور في تسهيل وصول الدعاة والتجار المسلمين وإيصال تعاليم الإسلام إلى مناطق كان من الصعب الوصول إليها من قبل.

أما مملكة مالي القديمة فقد تأسست على أنقاض مملكة غانا وكانت أوسع امتداداً منها، وبقيت أخبارها محفوظة على النقيض من مملكة غانا. وقد ساهم في انتشار أخبارها وكثرة الحديث عنها رحلة الحج التي قام بها أحد ملوكها واسمه «منسا موسى» الذي عاصره ابن بطوطة وقص أخباره في رحلته المعروفة ب «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»

غروب شمس الإسلام مع خروج الدجال

منذ بدأت حركة الكشوف الجغرافية الأسبانية والبرتغالية، وتبعتها حركة الأساطيل الواسعة والمنطلقة من الدول الأوربية كهولندا وبريطانيا، أخذ العالم يشهد صفحة جديدة من تاريخه، إنها موجة الاستعمار الأوروبي الذي طال ليله إلى قرون تالية، بهدف جلب ثروات الشعوب المستعمرة، كالفضة من أمريكا اللاتينية، والذهب من غرب أفريقيا، والتوابل والبهار والسكر والقطن جنوب شرق آسيا والهند، وعندما وصل الاستعمار الأوروبي إلى إفريقية، عمل بدأب على إخراج أعداد هائلة من الإسلام إما عن طريق التنصير القسري أو عن طريق نشر الجهل وتهميش الاهتمام بالتعليم الذي من شأنه النهضة بالقارة ولعب دور فعال في تقدمها. ومن الطرق التي انتشرت في المدارس الأوروبية لإجبار الطلاب على اعتناق المسيحية إجبارهم على التسمي بأسماء مسيحية وقراءة آيات من الإنجيل أو الترانيم الدينية المسيحية. وكان عدد من المدارس المسيحية لا يقبل طالباً إلا إن كان يعتنق الديانة المسيحية، تاركين بذلك أطفال المسلمين يتفشى فيهم الجهل كي يضطروا إلى ترك دينهم واعتناق المسيحية. ولا بد من أن نذكر هنا أن هذه الأمور ينكرها المسيحيون هنا في كثير من الأحيان، ولكنها حقيقة لا يمكن إخفاؤها بسهولة، فما زال بعض هذه النشاطات يُمارس في المدارس المسيحية في غرب إفريقية إلى يومنا هذا، ومن الشائع جداً أن السكان المحليين في العادة يمتلكون اسمين؛ أحدهما محليّ والآخر مسيحيّ لأن المدرسة تجبرهم على ذلك قبل قبولهم فيها. ومن المعروف على نطاق واسع في غانا أن الطلاب في أكثر المدارس المسيحية يتم إجبارهم على الحضور إلى الكنيسة بل وترديد الصلوات وفي بعض الأحيان تتم معاقبة الطلاب الذين لا يغمضون أعينهم ولا يرفعون أيديهم أثناء ترديد الصلوات ولو كانوا مسلمين لا يرغبون في فعل كل هذه الأمور.

 

نصرت جيهان

في العشرينيات من القرن الماضي، وتحديدا في عام 1921م أبحرت سفينة من لندن لتشق عباب المحيط الأطلنتي إلى سيراليون، وكانت تحمل على متنها شخصا يدعى عبد الرحيم نير، إنه داعية الجماعة الإسلامية الأحمدية الموفد إلى تلك البلاد النائية بتكليف من المصلح الموعود . قام مولانا عبد الرحيم نير بواجب الدعوة في سيراليون وغانا ونيجيريا، وبايع على يده عدد كبير من مواطني هذه البلاد، وكان تبشير ذلك الداعية بالإسلام خلال تلك الفترة هو حجر الأساس لما ستقوم به الجماعة من خدمات للإسلام في غرب إفريقية فيما بعد. لم تقتصر مواساة الشعوب الأفريقية على بذل جهود التبشير والتبليغ بالدين الحنيف وحسب، بل اتسعت مظلة المواساة لتشمل كافة مناحي الحياة وضروراتها، كالصحة والتعليم وتوصيل المياه الصالحة للشرب والتنمية البشرية إلى آخر تلك القائمة الطويلة. فقد كان للجماعة شرف بناء أول مدرسة للمسلمين في نيجيريا وبلاد غرب إفريقية كلها. وبدأت الجماعة في بناء المدارس والمستشفيات، لا سيما بعد زيارة خليفة المسيح الثالث رحمه الله لإفريقية سنة 1970م وإعلانه انطلاق مبادرة نصرت جهان أو مساعدة العالم عقب تلك الزيارة. وبالفعل أثبتت هذه المبادرة – التي أطلقها حضرته بناءً على إشارات إلهية – فعاليتها على مدى السنوات وما زالت حتى الآن تقوم بدور فعال في القيام بخدمة الإنسانية ونشر الدين الإسلامي وكبح جماح التنصير الذي يجري على قدم وساق في القارة السمراء، فقد قامت الجماعة من خلال هذا المشروع ببناء العشرات من المدارس من مراحل مختلفة في غانا لوحدها إضافة إلى عدد كبير من المستشفيات التي يقوم عليها أطباء أحمديون تبرعوا للخدمة مؤثرين حياة المشقة على الراحة والرخاء في بلادهم المختلفة سواء كانت تقع في أوروبا أو أمريكا أو آسيا.

 

صفحات من ملف خدمة الإسلام الحقيقي للقارة السمراء

قامت الجماعة إلى الآن بترجمة معاني القرآن الكريم إلى ما يربو على السبعين لغة من مختلف أنحاء العالم، ومن هذه اللغات لغات محلية يتكلم بها سكان بلاد غرب إفريقية، ومنها:

الهاوسا (Hausa): وهي لغة يتحدث بها ما يزيد على الستين مليون مسلم في مناطق مختلفة تمتد من نيجيريا إلى النيجر، كما ويتحدث بها عدد لا بأس به من مسلمي غانا أيضًا.

اليوروبا (Yoruba): وهي لغة يتحدث بها عشرون مليون نسمة ممن يسكنون جنوب نيجيريا.

الماندينكا (Mandinka): لغة يتحدث بها قرابة العشرين مليوناً من سكان السنغال وغامبيا وغيرها من بلاد غرب إفريقية.

التشوي (Twi): وهي لغة يتحدث بلهجاتها المختلفة عدد يزيد على السبعة ملايين نسمة من سكان غانا.

وبالإضافة إلى هذه اللغات تمت ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأيبو والوولوف والفولا وغيرها من اللغات، كما أن هناك لغات يتم التحضير لنشر ترجماتها في القريب العاجل مثل الوالا والفانتي وهما لغتان محليتان يتكلم بهما عدد كبير من سكان غانا.

بناء معاهد تأهيل الدعاة

إن الجماعة الإسلامية الأحمدية على علم بحاجة الإسلام في هذه البلاد إلى دعاة ينذرون حياتهم وأنفسهم لخدمة الدين. ومن هذا المنطلق تم إرسال الدعاة الأحمديين وتعيينهم هناك بالإضافة إلى إنشاء عدد من معاهد تأهيل الدعاة ومن أشهرها: جامعة المبشرين (غانا)، جامعة المبشرين (بوركينا فاسو)، جامعة المبشرين (نيجيريا) والجامعة الأحمدية العالمية  (غانا). وفي الأخيرة يتم تدريس الطلاب على مدى سبع سنوات بدلاً من أربع أو ثلاث كما في جامعات المبشرين،

ويدرس فيها الطلاب من شتى الدول والإفريقية والعالمية ليجتازوا نصاباً تعليمياً باللغات العربية والأردية والإنكليزية، فيكونوا على أهبة الاستعداد ليؤدوا واجباتهم المختلفة بعد انتهاء مدة الدراسة في الجامعة.

بناء المساجد والمراكز الإسلامية

للمسجد في الإسلام أهمية كبرى، وهو ركيزة لنشر الإسلام في المكان الذي يؤسس فيه، لذا فقد نصح المسيح الموعود عليه السلام أفراد جماعته ببناء مسجد حيثما أرادوا نشر الإسلام، لأن المساجد منارات تهدي قلوب الحيارى إلى نور الدين القويم وتقدم لهم النموذج الأمثل وتأخذ بأيديهم إلى مبتغاهم وتهديهم إلى ضالتهم. وعملاً بهذه النصيحة دأبت الجماعة على بناء المساجد في غرب إفريقية بكل ما أوتيت به من قوة وسعة، ويقوم أفرادها من أهل هذه المناطق الأصليين وعلى الرغم من فقرهم وضيق ذات يدهم ببذل الغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الله لتنطلق من تلك المباني المتواضعة شكلا نداءات فائقة المعاني لتعمر الآفاق التي كانت تتردد فيها يومياً أصداء النواقيس والأغاني والطبول التي تُقرع في كنائس النصارى لجذب قلوب الأفارقة التي جُبلت على حب الغناء والرقص كثقافة شعبية.

تُعدّ الجماعة اليوم من أنجح المذاهب الإسلامية – إن لم تكن الأنجح على الإطلاق- في إعادة بريق الإسلام الحقيقيّ للظهور في هذه المنطقة التي تكالبت عليها القوى الاستعمارية مصحوبة بالبعثات التبشيرية لنزع هويتها الإسلامية وإجبارها على ارتداء ثوب تنصيري لغرض سياسي واقتصادي. وقد بات يشهد بهذا القاصي والداني من أهل البلدان الأفريقية، ولعل نتذكر مقولة الزعيم الأفريقي «جومو كينياتا» مؤسس كينيا الحديثة، وهي تعبر أبلغ تعبير عن ذلك الواقع، حيث قال: «حين جاء المبشرّون إلى أرضنا، كانوا يحملون بأيديهم الكتاب المقدس، ونحن كنا نملك الأرض، مرت سنوات، علمونا خلالها كيف نصلي بأعين مغلقة، وعندما فتحنا أعيننا، كنا نحمل الكتاب المقدس، بينما استولوا هم على الأرض». على الجانب الآخر الذي تقف فيه الجماعة الإسلامية الأحمدية، كانت الخدمات تقدم إلى الجميع على قدم المساواة، سواء في ذلك الملوك أو عامة الناس، ومثلت الجماعة درعا واقيا من التنصير القسري والإغرائي، وتخرج من مدارسها عدد كبير من القادة والزعماء الذين يحضرون برامجها اليوم ويقدمون الشكر لها في كل فرصة تسنح لهم، بل حظي أيضا الكثير من غير المسلمين بفرصة التعلم في مدارسها على الرغم من بقائهم على ديانتهم الأصلية، ودون أن يجبرهم أحد على الإسلام قسرا..

Share via
تابعونا على الفايس بوك