المصلح الموعود وامتلاؤه بالعلوم الظاهرة والباطنة

المصلح الموعود وامتلاؤه بالعلوم الظاهرة والباطنة

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • ما هي أنوار العلوم يا ترى؟
  • فيم تتميز “أنوار العلوم” عما سواها من الإنجازات الإصلاحية؟

___

خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي بتاريخ 17/2/2023م

في مسجد مبارك، إسلام آباد ببريطانيا

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يوْم الدِّين * إيَّاكَ نعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ ، آمين.

ذكرى العشرين من فبراير

كما يعرف كل مسلم أحمدي إنّنا نحيي ذكرى يوم العشرين من فبراير احتفاءً بالنبوءة عن المصلح الموعود، وبهذه المناسبة تقام الجلسات في فروع الجماعة، وهذا العام سيكون العشرون من فبراير بعد ثلاثة أيام، لكني رأيت من المناسب أن أتكلم عن هذا في خطبة اليوم. أفادت النبوءة بأنه سيُولد لسيدنا المسيح الموعود ابنٌ يتمتع بمناقب كثيرة، وسوف يحالفه التأييد الخاص والنصرُ من الله ، فقد ورد عن سيدنا المسيح الموعود بشأن هذه النبوءة قوله:

النبوءة الأولى بإلهام الله تعالى وإعلامه : «إن الله الرحيم والكريم رب العزة والجلال والقادر على كل شيء جل شأنه وعز اسمه قد خاطبني بوحي منه قائلا:

«إني أعطيك آية رحمةٍ بحسب ما سألتني. فقد سمعتُ تضرعاتِك، وشرّفت أدعيتَك بالقبول بخالص رحمتي، وباركت رحلتك هذه (يعني سفري إلى هوشياربور ولدهيانه). فآية قدرةٍ ورحمةٍ وقربةٍ ستوهب لك. آية فضل وإحسان ستمنح لك، ومفاتيح فتح وظفر ستعطى لك. سلام عليك يا مظفّر. هكذا يقول الله تعالى، لكي ينجو من براثن الموت من يبتغي الحياة، ويبعث من القبور أهلها، وليتجلّى شرف دين الإسلام وعظمة كلام الله للناس، وليأتي الحق بكل بركاته، ويزهق الباطل بجميع نحوساته، وليعلم الناس أني أنا القادر أفعل ما أشاء، وليوقنوا أني معك، وليرى آيةً بينةً من لا يؤمن بالله تعالى، وينظر إلى الله ودينه وكتابه ورسوله الطاهر محمد المصطفى نظرة إنكار وتكذيبٍ، ولتستبين سبيل المجرمين. أَبْشِرْ فستعطى ولدًا وجيهًا طاهرًا. ستوهب غلامًا زكيًا من صلبك وذريتك ونسلك.

غلام جميل طاهر سينزل ضيفًا عليك، اسمه عنموائيل وبشير. لقد أُوتيَ روحًا مقدسة، وهو مطهَّر من الرجس. هو نور الله. مباركٌ الذي يأتي من السماء. معه الفضل الذي ينزل بمجيئه. سيكون صاحب الجلال والعظمة والثراء. سيأتي إلى الدنيا ويشفي الكثير من أمراضهم بنفسه المسيحي وببركة روح الحق. إنه كلمة الله، لأن رحمة الله وغيرته قد أرسلته بكلمة التمجيد. سيكون ذهينًا وفهيمًا بشكل خارق وحليم القلب. سوف يملأ بالعلوم الظاهرة والباطنة. سيجعل الثلاثة أربعة، إنه يوم الاثنين، مبارك يوم الاثنين. (كتب سيدنا المسيح الموعود عن جعْل الثلاثة أربعة أنه لم يتضح معناه.) ولد صالح كريم ذكي مبارك، مَظْهَرُ الأوّلِ والآخِرِ، مظهَرُ الحقّ والعلاء، كأن الله نزل من السماء. ظهوره جدّ مبارك ومدعاة لظهوره جلال الله تعالى. بشرى لك، يأتيك نور مسحه الله بطيب رضوانه. سوف ننفخ فيه روحنا، وسيظلّه الله بظلّه. سوف ينمو سريعًا، وسيكون وسيلةً لفكّ رقاب الأسارى، وسيذيع صيته إلى أرجاء الأرض، وسيتبارك منه أقوام، ثم يرفع إلى نقطته النفسية: السماء. وكان أمرًا مقضيًّا.»

فبحسب هذه النبوءة، وخلال مدة ذكَرها حضرته، قد وُلد له ابنٌ عظيم سمي بحضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد، الذي جعله الله خليفة ثانيا له، وبعد ذلك بمدة طويلة أعلن حضرتُه بعد تلقيه الخبر من الله أنه هو المصلح الموعود الذي أنبأ المسيح الموعود بولادته. وإن كون هذا الابن قد مُلئ من الله بعلوم ظاهرة وباطنة، وكونه ذهينا وفهيما وتحليه بصفات أخرى قد أقرَّ به الأحمديون وغيرُهم أيضا ويدركون ذلك جيدا. حتى إن الأغيار أقروا بذلك علنا.

إنجازات

الآن سأتناول بعضا من إنجازات سيدنا المصلح الموعود في العلم والمعرفة وغيرِ ذلك من شتى المجالات، وقبل الاستماع لما سأقول، لا يغيبن عن بالكم أن صحة حضرته في الطفولة لم تكن على ما يرام، فكان يعاني الألم في عينيه، ولاحقا فقدَ قدرة إحداهما على الإبصار، ثم إنه لم يكد يتلقى من التعليم المادي شيئا يُذكر، فقد قال بنفسه: إنني بالكاد درستُ حتى الابتدائية، لكن لما كان الله قد وعد بأنه سيملأه بعلوم دينية ومادية فقد مكنه من إلقاء الخطابات والخطب القوية المحيرة للعقول، فقد كتب مقالاتٍ رائعةً منقطعة النظير، حتى إن الأغيار أشادوا بتفردها.

أيها الأحراريون، أَعِيروني سمعَكم وأَنصِتوا، لن تستطيعوا أنتم وشركاؤكم أن تهزموا مرزا محمود حتى يوم القيامة. إن مرزا محمود يملك عِلْم القرآن، فماذا عندكم. هل فيكم أحد يقدر على أن يقرأ ألفاظ القرآن الكريم قراءة عادية؟ إنكم لم تقرؤوا القرآن قط ولو في أحلامكم. إنكم لا تعلمون منه شيئا، فماذا ستعلّمون الناس. إنكم لن تقدروا على مقاومة مرزا محمود مهما استعنتم بأحد.

النتاج العلمي المبارك للمصلح الموعود ( )

اليوم سأقدم بعض المقتبسات، وقبل ذلك أحدثكم عن حجم أعماله وعدد مؤلفاته وخطاباته ومقالاته وخطبه ومجالس الأسئلة والأجوبة، التي درجنا على دعوتها بمجالس العلم والعرفان. إن الأعمال المعرفية الكاملة لحضرته جُمعت في مجموعة حملت عنوان «أنوار العلوم» وضمت كل الكتب والخطابات والمحاضرات والمقالات والرسائل التي ألفها حضرته ، وبلغ عدد مجلداتها ثمانيةً وثلاثين مجلدا، وكثير منها قد وُفقنا لنشره، وبقي بعضها جاهزا للطباعة. أما تفصيل أعداد ما تضمنته مجموعة «أنوار العلوم» من خطب وخطابات وكتب وغيرها فهو كالآتي:

بلغ عدد هذه الخطب والخطابات ألفًا وأربعمائةً وأربعًا وعشرين خطبةً وخطابا، بما حبَّر عشرين ألفا وثلاثمئة وأربعين صفحة إجمالا.

أما عدد صفحات مواد تفسير القرآن، من التفسير الكبير والتفسير الصغير إضافة إلى مواد التفسير الأخرى، فشغلت من صفحات مجموعة أنوار العلوم ثمانيةً وعشرين ألفا وسبعمائةً وخمسًا وثلاثين صفحة.

أما عدد خطب الجمعة التي ألقاها حضرته فبلغ ألفا وثمانمائة وثمانين خطبة، بما حبَّر ثمانية عشر ألفا وسبعمائة وخمس صفحات، هذا إضافة إلى إحدى وخمسين خطبة أخرى ألقاها حضرته بمناسبة عيد الفطر، ملأت  خمسمائة وثلاث صفحات، وكذلك هناك اثنتان وأربعون خطبة ألقيت في أعياد الأضحى بما ملأ  أربعمائة وخمس صفحات، وهناك أيضا مائة وخمسون خطبة ألقيت في مناسبات إعلان النكاح وعدد صفحاتها ستمائة وأربع وثمانون صفحة.

كان هذا بيانا عن الخطب، أما الخطابات التي ألقاها حضرته بمناسبة الشورى، فقد نُشر المجلدان الأول والثالث منها في ألفين ومائة وواحد وثلاثين صفحة، وإذا جمعنا كل هذه الصفحات فيكون المجموع خمسا وسبعين ألف صفحة. وقد قامت خلية البحث في الجماعة بمسح لأعداد جريدتَي الحَكم والفضل خلال الفترة من عام 1913 إلى 1970، وتمخض هذا المسح عن العثور على مادة جديدة لم تكن قد نُشرت بعد في أنوار العلوم أو أي كتاب آخر، فقد عُثِرَ على خمسةٍ وخمسين مقالا وسبعة وعشرين خطابا ومائةً وثلاثة وأربعين محاورة في مجالس العلم والعرفان، ومائتين واثنين وعشرين عنوانا لملفوظات حضرته ومائة وإحدى وثلاثين رسالة، فهي ذخيرة علمية كبيرة.

التفسير الكبير درة التفاسير

الآن أقدم لكم أولا من إنجازاته العلمية بعض التفاصيل عن ترجمته وتفسيره للقرآن الكريم وآراء الأغيار وتعليقاتهم بحقها.

إن إنجاز حضرته التفسيري للقرآن، والمعروف لدينا باسم «التفسير الكبير» قد اشتمل على تفسير تسعٍ وخمسين سورة، وهو في عشرة مجلدات، بلغ مجموع صفحاتها خمسة آلاف وتسعمائةً وسبعَ صفحات، وإضافة إلى ذلك قد عُثِرَ على كثير من الملاحظات التفسيرية في آلاف الصفحات، ومن المأمول أنها أيضا ستنشر يوما.

يجد القارئ أنه قد رُدّ في هذه التفاسير على اعتراضات المعاندين والمستشرقين ردا مفصلا. يجدر بالذكر أن إمام الجماعة الأحمدية، حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد قد كتب سيرة رسول الله أيضا إلى جانب هذه الترجمة. وهذه السيرة وهذه الترجمة مُنقطعتا النظير.

التفسير الصغير وانسجام التعابير العربية والأردية

من إنجازاته الكبرى تقديم ترجمة أردية سلسة للقرآن الكريم نُشرت بعنوان «التفسير الصغير».

كانت عند حضرته في أواخر أعوام حياته رغبةٌ عارمة في أن تُنشر في حياته ترجمةٌ أرديةٌ سلسةٌ مع ملاحظات جامعة وموجزة لنص القرآن الكريم كاملا. وصحيح أنه بعد العودة من أوروبا في عام 1955، لم تكن صحة حضرته على ما يرام، إلا أن الله قد أيد خليفته الموعود بروح القدس تأييدا خارقا بحيث سافر حضرته في يونيو 1956 إلى جبال مَري، وهناك شرع في إملاء هذه الترجمة وتمكن من إنهائها يوم الخامس والعشرين من أغسطس 1956، عند موضع النخلة وهو قرية صغيرة عمَّرها حضرتُه في مصيف “كلركهار”، ثم راجع هذه الترجمة مرتين، ومرورا بشتى مراحل الكتابة والطباعة صدر التفسير الصغير في الخامس عشر من نوفمبر 1957. وقد قال سيدنا المصلح الموعود : أرى أن جميع الترجمات التي صدرت إلى اليوم للقرآن الكريم لم يراعَ في أي منها التوافقُ والانسجام بين التعبير العربي والتعبير الأردي مثلما روعي في هذا التفسير الصغير. فحين نقرأ هذه الترجمة عموما ونقرأ الملاحظات خصوصا يتبين لنا أن حضرته راعى ذلك، فقد وفقه الله بمحض فضله لإحراز هذا الإنجاز العظيم خلال مدة وجيزة. فقال إن الله قد وفق هذا الإنسان الضعيف والمسن لإحراز إنجاز عظيم لم يقدر عليه غيره من الأقوياء جدا، فقد خلا خلال ثلاثة عشر قرنا أبطال أقوياء لم يقدر أحدهم على هذا الإنجاز الذي وفقني له. وفي الحقيقة هذا فعْل الله، يوفِّق لإنجازه مَن يشاء.

وقال في موضع آخر: لقد تمت ترجمة كاملة للقرآن الكريم بفضل الله ورحمته. أي قد تجهز التفسير الصغير من «الحمد لله..» إلى «.. الناس». وتبين من مقارنته بالتفسير الكبير، أن التفسير الصغير قد تضمن بإيجاز مواضيع لم تردْ في التفسير الكبير.

التفسير بالإنكليزية في خمسة مجلدات

ثم صدر إنجاز مهم، وهو تفسير القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، واسمه «التفسير في خمسة مجلدات» وفي مستهل هذا التفسير كتب سيدنا المصلح الموعود بقلمه مقدمة زاخرة بالمعارف ألقى فيها الضوء بأسلوب نادر وخلاب على ضرورة القرآن الكريم مع وجود الصحف السماوية الأخرى، والسيرة الطيبة للنبي ، وجمْعِ القرآن وتعاليمه. في نهاية هذه المقدمة كتب حضرته تحت عنوان «الشكر والتقدير»: في نهاية هذه المقدمة أود أن أُقر بخدمات المولوي شير علي المحترم منقطعة النظير في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنكليزية، والتي أنجزها رغم اعتلال صحته ، وكذلك السيد ملك غلام فريد، ومعالي المرحوم شودري أبي الهاشم خان، ومرزا بشير أحمد المحترم، فالشكر موصول لهم جميعا، فقد كتبوا الملاحظات التفسيرية على الترجمة تلخيصا من شتى خطبي وكتبي ودروسي.

وقال أيضا: لكوني تلميذَ سيدنا الخليفة الأول، وردتْ في تفسيري حتما مواضيعُ عدة تعلمتها من حضرته ، لذا فإن هذا التفسير يضم تفسير سيدنا المسيح الموعود وتفسير الخليفة الأول وتفسيري أنا أيضا. فلما كان الله قد مسحَ المسيحَ الموعود بروحه ومكَّنه من العلوم التي هي ضرورية لهذا العصر، لذا فإنني لأرجو أن هذا التفسير سيَشفي الكثيرين من المرضى وينال به البصرَ الكثيرون من العميان، ويسمع ببركته الصمُّ ويتكلم البكمُ، ويمشي العُرجُ والمعاقون، وأن ملائكة الله سيباركون في مواضيعه وأنه سيحقق الهدف الذي من أجله يُنشر. اللهم آمين.

أغيار، ولكن منصفون

إن من اطلعوا على تفسير المصلح الموعود للقرآن  إلى اليوم من الأغيار وحتى من المسيحيين أثنَوا عليه كثيرا.

من هؤلاء العلامة نياز الفتحبوري، وكان من مشاهير الكتّاب والباحثين والأدباء غير الأحمديين، وهو محرر جريدة «نكار» الشهرية، لما قرأ التفسيرَ الكبير بعث إلى حضرته رسالة قال فيها: «أطالع في هذه الأيام المجلد الثالث من التفسير الكبير بنظرة فاحصة. لا شك أنك قد قدمتَ فيه رؤية فريدة تمامًا لدراسة القرآن الكريم، وإنه لأولُ تفسير من نوعه حيث جُمع فيه بين المنقول والمعقول بشكل رائع. إن كل كلمة منه لدليل ساطع على تبحُّرك في العلم، وشمول نظرك، وعمق فكرك، وثاقب فراستك، وحسن استدلالك. ويؤسفني جدا أني ظللتُ جاهلاً بهذا التفسير العظيم إلى هذا الأوان.

علمًا أن كاتب هذا الكلام هو من المثقفين والعلماء الكبار، ويتابع ويقول:

في أثناء مطالعة تفسير سورة «هود» أمسِ اندهشت بالاطلاع على أفكارك الرائعة حول قصة لوط ، فلم أتمالك نفسي حتى كتبتُ هذه الرسالة. ليس بوسعي أداء حق الإشادة بأسلوبك الفريد في تفسير قوله تعالى: هَؤُلَاءِ بَنَاتِي ، والذي هو مختلف تمامًا عن باقي المفسرين.

وقال العلامة نياز فتحبوري في رسالة أخرى: أقرأ التفسير الكبير بالليل بانتظام. إنه برأيي أول تفسير باللغة الأردية يمكنه أن يقنع ويطمئن العقل البشري إلى حد كبير.

ثم كتب: إن الخدمة التي أسديتموها للإسلام بهذا التفسير تبلغ من العظمة بحيث لا يسع أحدًا من معارضيكم إنكارها. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء!

ويروي السيد أختر أورينوي الحائز على شهادة الماجستير ورئيسُ قسم اللغة الأردية في جامعة «بَتْنَهْ» حادثا وقع له فيقول: أعطيتُ البروفيسور عبد المنان بِيْدِلْ -رئيس قسم اللغة الفارسية سابقًا، وعميد كلية «شبينه» في «بتنه» حاليًا- بعضَ مجلدات التفسير الكبير للخليفة الثاني واحدا تلو الآخر، فتأثر بقراءة هذا التفسير لدرجة أنه أعطى بعض مجلدات هذا التفسير لمشايخ مدرسة «شمس الهدى» العربية في «بتنه» ليطلعوا عليها. وذات يوم دعا عددا منهم وسألهم عن رأيهم في هذا التفسير. فقال أحدهم: لا يوجد تفسير مثله في التفاسير الفارسية. فسأل البروفيسور عبد المنان: فهل له مثيل في التفاسير العربية؟ فأطرقوا قليلا، ثم قال أحدهم: لا توجد في مدينة «بتنة» كل التفاسير العربية، وما لم نقرأ جميع التفاسير المصرية والشامية لا نستطيع أن نبني رأيا صائبا. فبدأ البروفيسور يذكر التفاسير العربية القديمة وقال: لا يوجد أي تفسير في أية لغة أخرى يضاهي تفسير مرزا محمود. يمكنكم أن تجلبوا التفاسير الحديثة من مصر والشام وتُناقشوني بعد بضعة أشهر، فبُهت علماء العربية والفارسية الجالسون هناك.

وتحدَّث أحد الأحمديين، ويُدعى سيته محمد أعظم الحيدرآبادي عن صديقه الحميم نواب بهادر يار جنك -الذي كان من الشخصيات البارزة في الهند وباكستان- ولم يكن من الأحمديين، فقال: كان نواب بهادر يار جنك يكثر من ذكر التفسير الكبير في مجالسه، ويقر بعظمته دائما، ويقول لقد استفدت من المعارف المذكورة فيه أيَّما استفادة!

أما الشيخ عبد الماجد الدريا آبادي، صاحب المؤلفات العديدة ومحرر مجلة «صدق جديد» الصادرة في لكناؤ، فكتب عند وفاة حضرة المصلح الموعود : نُشر من كراتشي نَعْيُ إمام الجماعة الأحمدية القاديانية مرزا بشير الدين محمود في يوم الثامن من نوفمبر في ربوة. وبغض النظر عن بعض عقائده الأخرى، ندعو الله تعالى أن يجزي الفقيد على مساعيه التي ظل يبذلها طوال عمره المديد بكل حماس وعزيمة، في سبيل نشر القرآن الكريم في العالم كله، وتبليغ دعوة الإسلام إلى جميع أنحاء المعمورة، وأن يعامله بالعفو نظرا إلى خدماته هذه. لا شك أن ما قام به الفقيد من شرح لحقائق القرآن الكريم وتبيينٍ لمعارفه ومعانيه، يحتلّ مكانة سامية جدا من الناحية العلمية.

لقد تشرفتُ بسماع محاضرة السيد مرزا بشير الدين محمود أحمد إمام الجماعة الأحمدية حول موضوع «نظام الاقتصاد في الإسلام». كانت هذه المحاضرة أيضا كباقي محاضراته -التي تسنى لي سماعها- منوِّرة لأفكار العلماء ومليئة بالمعلومات. يملك السيد مرزا ملكات موهوبة من الله، وكان ضليعًا بشكل كامل في كل جانب للموضوع، مع أنه ليس بحائز على أي شهادة ولم يقم بدراسة وتحقيق بل الله تعالى علمه، لذا تستحق أفكاره أن نقدّرها ونتوجه إليها.

والفضل ما شهدت به الأعداء

هناك زعيم شهير لجماعة الأحراريين، هو المولوي مظهر علي أظهر، وقد قال في كتابه «مؤامرة خطيرة»:

لقد قال المولوي ظفر علي خان: إن الأحراريين قد استغلّوا الأوضاع تحت غطاء المعارِضة للأحمديين استغلالا مشينا، وتلاعبوا بها لجمع الأموال أيما تلاعب! لقد أكلوا تحت غطاء معارضة القاديانية أموال المسلمين الفقراء التي كسبوها بعرق جبينهم. هلا سأل أحدٌ هؤلاء الأحراريين ماذا فعلتم من أجل منفعة المسلمين؟ وما هي الخدمة التي أسديتموها إلى الإسلام؟ أقمتم بتبليغ دعوة الإسلام ولو من غير قصد؟

ثم قال للأحراريين، وهو نفسه أحراري: أيها الأحراريون، أَعِيروني سمعَكم وأَنصِتوا، لن تستطيعوا أنتم وشركاؤكم أن تهزموا مرزا محمود حتى يوم القيامة. إن مرزا محمود يملك عِلْم القرآن، فماذا عندكم. هل فيكم أحد يقدر على أن يقرأ ألفاظ القرآن الكريم قراءة عادية؟ إنكم لم تقرؤوا القرآن قط ولو في أحلامكم. إنكم لا تعلمون منه شيئا، فماذا ستعلّمون الناس. إنكم لن تقدروا على مقاومة مرزا محمود مهما استعنتم بأحد.

إن مع مرزا محمود جماعةً مستعدة للتضحية بكل ما تملك من مال ونفس ونفيس بمجرد إشارة واحدة منه. ليس لديكم سوى السباب والكلام البذيء. أفٍّ لكم ولخيانتكم وغدركم!

وكتب أيضا: إن مرزا محمود لديه دعاة ومبلغون وعلماء في تخصصات شتى. لقد نصب رايتَه في جميع بلاد العالم. إني لا أستطيع أن أمتنع عن قول الحق، ولا بد أن أقول إن كنتم تريدون معارضة مرزا محمود فتعلَّموا القرآن أولا، وأعِدُّوا الدعاة، وافتحوا مدرسة عربية، وانشروا دعوة الإسلام في البلاد الأخرى مقابل تبليغهم. أَدَفْعُ الناس لسبّ المرزائيين (الأحمديين) يُعد في نظركم نُبلا ومروءة؟ أهكذا يكون تبليغ دعوة الإسلام؟ كلا، بل هو تشويه لسمعة الإسلام.

وكتبت جريدة «إمروز» الصادرة من لاهور في عددها يوم الثلاثين من مايو عام  1966 معلِّقةً على التفسير الصغير لحضرة المصلح الموعود: إن القرآن الحكيم منبع الرشد والهدى للإنسانية كلها، وسيظل هذا الكتاب، الكتاب المبين، إلى يوم القيامة يرشد الناس إلى سبيل الحق والعدل في شؤون دينهم ودنياهم، ويهدي الضالين التائهين إلى الصراط المستقيم. ليت علماء اليوم أيضا يدركون هذه الحقيقية. إن القرآن المجيد دستور الحياة الكامل المكتمل، وليس هناك شعبة من شعب الحياة، أو مرحلة من مراحلها إلا ونستطيع أن نستمد فيها بالقرآن الكريم. ولكن البديهي أن هذا يحتم علينا معرفة معاني القرآن الكريم، إذ ما لم يستوعب الإنسان مفاهيم أحكام الله المذكورة في القرآن في نظام محكم، فكيف ينال منه الرشد والهدى؟ لذا فإن فهم القرآن الكريم ضروري وعندها يعرف المرء ماذا يقول القرآن. ونظرًا إلى هذه الحاجة فقد بدأ تفسير القرآن وشرح مطالبه منذ نزوله، وهذه العملية مستمرة حتى اليوم وستظل إلى يوم القيامة. والذين ساهموا في عملية تفهيم القرآن الكريم لجديرون بالشكر. والجهود التي بذلها المفسرون في عصورهم لنشر ما جاء به القرآن من بصيرة وهدى ستلقى الاستحسان دائما حيث بدأت بها وعلى أسس محكمة ثابتة حركةٌ لتفسير القرآن الكريم ومعرفةِ مطالبه ومعانيه ونشرِها، وستظل مستمرة. والحمد لله.

ثم يقول كاتب المقال في هذه الجريدة: بين يديَّ الآن التفسير الصغير، وهو حصيلة أفكار إمام الجماعة الأحمدية المرحوم الحاج مرزا بشير الدين محمود، وهو يتضمن نص القرآن الكريم في ترجمته الأردية، بالإضافة إلى حواش وملاحظات مفصلة لشرح كثير من الآيات. وإن لغة الترجمة والحواشي بسيطة وسهلة الفهم جدا.

وكتبت جريدة «قنديل» الأسبوعية في عددها الصادر في التاسع عشر من يونيو عام 1966: إن الذوق الرفيع الذي تبديه «أنجمن حماية الإسلام بلاهور، وشركة التاج المحدودة في طباعة المصحف الشريف لجدير بالإشادة والثناء».

ثم كتبت عن التفسير الصغير: إن طباعة التفسير الصغير لإضافةٌ جديدة في هذه المساعي المنعشة للروح. إن هذه الترجمة والتفسير هي من جهود إمام الجماعة الأحمدية مرزا بشير الدين محمود أحمد. ولغة الترجمة والهوامش سهلة الفهم لكي يستفيد منها الجميع مهما كانت درجة علمه وثقافته. لقد تمت هذه الترجمة والتفسير مع مراعاة ما ورد في جميع تفاسير المفسرين القدامى. ونشرُ نص القرآن الكريم في هذه الطبعة الجميلة لخدمة عظيمة للإسلام.

(ولكن المشايخ في باكستان يقولون اليوم إن هذا التفسير فيه تحريف، ولذلك فُرض الحظر عليه. علما أن التفسير الصغير محظور في باكستان، ولا يحق لأحد أن يحتفظ به في بيته، بالرغم من أن المنصفين القدامى منهم قد أقروا بنزاهة هذا التفسير من أي تحريف، واعترفوا بجدارته بالثناء، وأن المرء يمكنه أن يتعلم منه الكثير. ندعو الله تعالى أن يوفق مشايخ هذا العصر أيضا أن ينظروا بالعدل والقسط).

إن المزايا الدينيةَ والأدبيةَ التي حازتها ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنكليزية قد تركَتْ أثرا عميقا في كبار أهل العلم في أوروبا وأميركا، فكتبوا عنها تقاريظ جميلة. فمثلا قال عالم يُدعى ايه جيه آربري: إن هذه الترجمة الجديدة للقرآن الكريم وتفسيره عمل عظيم. المجلد الحالي هو بمنـزلة المحطة الأولى. (يتحدث عن مجلد وصله قبل 15 عاما تقريبا) بدأ العلماء الباحثون الأحمديون في قاديان هذا العمل الجبار وظل جاريا تحت قيادة حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد المشجعة. كان العمل عظيما، حيث كان نص القرآن الكريم يُطبَع ومعه الترجمة الإنكليزية الصحيحة تماما وإلى جانب الترجمة تُفسَّر كل آية.

يضيف المعلّق قائلا: في البداية هناك مقدمة طويلة كتبها حضرة مرزا بشير الدين بنفسه. (ثم أورد الراوي ما ورد في المقدمة بإيجاز)، ولا نكون مبالغين بحال لو أننا قدمنا هذا العمل كعلامة عظيمة على مستوى البحث العلمي في الإسلام. لقد أفادت كتب التفسير واللغة والتاريخ وغيرها الموثوق بها في كل مرحلة من إعداد هذه الترجمة. إن قائمة تلك الكتب طويلة جدا وتترك أثرا عظيما في القراء. يتبين من ذلك أن العاملين على هذه الترجمة والتفسير لم يكتفوا بقراءة جميع التفاسير العربية فقط، بل اطلعوا أيضا على ما كتبه المستشرقون بغرض النقض. ولو ألقينا نظرة على الترجمة فقط فلا بد من القول بأن الترجمة خالية من الأخطاء اللغوية وهي قيمة جدا. لقد رُدّ فيها على المعترضين من غير المسلمين أيضا وتتضمن نقدا مناسبا للأديان الأخرى. قد تبدو أجزاء كثيرة منها للقراءة لغير المسلمين أحادية الجانب وقابلة للاعتراض ولكن يجب أن يكون معلوما أنها أيضا كُتبت بإمحاض النية وهي جديرة بالقراءة بانتباه خاص. ويتبين منها السبب وراء اعتراض المتقين وأهل العلم من المسلمين على تعاليم الأديان الأخرى العادية.

كذلك قال الدكتور تشارلس ايس بريدن، رئيس قسم التاريخ والأدب والأديان في جامعة نورث ويست في أميركا: إن الكتاب في تنضيده وطباعته بلغ مستوى راقيًا جدا ويمكن قراءته بكل سهولة. وبشكل عام إنه إضافة قيمة في الكتب الإسلامية باللغة الإنكليزية، والعالَم كله ممتنّ جدا للجماعة الأحمدية.

وكتبت جريدة مسيحية اسمها «النصر» ما تعريبه: لقد قامت الجماعة الأحمدية بأعمال بارزة في مجال نشر الثقافة الإسلامية في أميركا والقارة الأوروبية. وهذا العمل جارٍ نتيجة إرسال الدعاة باستمرار وبنشر الكتب والإعلانات المختلفة التي بواسطتها تُبيَّن فضائل الإسلام وصدق النبي . لقد سررنا كثيرا بمطالعة الترجمة الإنكليزية لمعاني القرآن الكريم. هذه الترجمة أُعدَّت تحت إشراف إمام الجماعة الأحمدية، حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد، وهي تأخذ الألباب، وتَقَرُّ بها أعين القراء. هذه الترجمة القيمة تتضمن أفكارا سامية جدا. فقد وردت فيها الآيات القرآنية في عمود ووردت مقابلها في عمود آخر ترجمة معانيها إلى الإنكليزية ثم ورد التفسير المفصل. يجد القارئ أنه قد رُدّ في هذه التفاسير على اعتراضات المعاندين والمستشرقين ردا مفصلا. يجدر بالذكر أن إمام الجماعة الأحمدية، حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد قد كتب سيرة رسول الله أيضا إلى جانب هذه الترجمة. وهذه السيرة وهذه الترجمة مُنقطعتا النظير.

ثم هناك تعليقات حول التفسير الكبير والتفسير الصغير والتفسير الإنكليزي في خمس مجلدات وسأذكر الآن بعضها.

تعليقات الأغيار من الأدباء على محاضرة

«النظام العالمي الجديد»

سأبين الآن كيف أثنى الأغيار على ما قدمه لنا سيدنا المصلح الموعود من الكنوز العلمية وكيف وجدوها: هناك خطاب ألقاه حضرته على مسامع الضيوف غير الأحمديين، وقال الأديب المصري المعروف الأستاذ عباس محمود العقاد معلقا على تلك المحاضرة القيمة حين نُشرت ترجمتها الإنكليزية، وذلك في مجلة أدبية معروفة، وهي «الرسالة»: يبدو من مطالعة هذا الخطاب أن صاحبه يوجه النظام العالمي إلى حل مشكلة الفقراء أو مشكلة الثروة وتوزيعها بين أمم العالم وأفراده، وأنه بغير شك على اطلاع واف ومحيط بالأنظمة الحديثة التي عولجت بها هذه المشكلة، وهي نظام الفاشية ونظام النازية ونظام الشيوعية، وبعض النظم الديموقراطية.

أقول: لم يكتب المعلّق هذا الكلام دون سبب، بل الحق أن حضرته كان مطلعا اطلاعا شاملا وعميقا على كافة هذه النظُم الجديدة.

يستأنف المعلق كلامه قائلا: ولكنه يعتقد بحق أن المشكلة لا تحل على أيدي الساسة وزعماء الأحزاب والحكومات، وأنه لا مناص من القوة الروحية في حل أمثال هذه المشكلات، لأن الحل الشامل لكل مشكلة إنسانية عامة يتناول الناس كلهم. ولا يهمل فيه الباعث الأكبر على الطمأنينة والحماسة للخير  والصلاح، هو باعث العقيدة والإيمان.

ثم عرض للأديان الكبرى القائمة في الهند خاصة، والعالم عامة، من حيث علاقتها بهذه المشكلة وتدبير الحلول التي تزود العالم بنظام أفضل من نظامه المغضوب عليه، فأتى بالأدلة الكثيرة على انفراد الإسلام بينها بمزية الإصلاح وتعميمه بين جميع الأجناس والطبقات فيما مضى وفي هذا الزمان. (لأن من واجبهم أيضا أن يوجدوا حلّا لهذه المشكلة ويزيلوا هذه المصيبة. ثم يقول بأن المؤلف قدّم أدلة كثيرة على أن الأديان الأخرى لا تستطيع أن تقدم شيئا في هذا المجال وإن قدّموا نظاما بهذا الشأن إن كان لديهم نظام أصلا. ثم يقول بأن الإسلام هو الدين الوحيد القادر على حل هذه المشاكل. وكان بإمكان الناس والأقوام كلهم أن يعملوا به من قبل ويمكنهم العمل به في العصر الحاضر أيضا)

ثم ذكر الأستاذ عباس محمود العقاد خلاصة الخطاب إجمالا وقال: ولم يقصر المؤلف أو صاحب الخطاب مقابلاته ومقارناته على العقائد الدينية التي أجملنا الإشارة إليها فيما أسلفناه، (لقد أورد المعلق تفاصيل القضية ولكنني لم أقرأها) ولكنه خصها بالعناية لأن العقيدة كما قال هي أمل الإصلاح الوحيد، ونظر معها إلى النظم السياسية أو الاجتماعية فإذا هي قاصرة عن بغيتها من الوجهة العملية والوجهة الروحية على السواء.

(ثم أورد ملخص محاضرة «النظام الجديد» التي تطرقت إلى الحديث عن النظم السياسية والاشتراكية) ثم قال عنها: ونحسبها صيحة لا تذهب في الهواء، إذ انتشرت بين قراء الإنكليزية الأوربيين والأمريكيين بل الهنود والشرقيين.

تعليقات على محاضرة «بداية الخلافات في الإسلام»

هناك محاضرة بعنوان «بداية الخلافات في الإسلام» ألقاها حضرته في جلسة «جمعية التاريخ الحديث» بالكلية الإسلامية في لاهور. وكانت محاضرة علمية تدل على إحاطة المحاضر الشاملة بتاريخ الإسلام بحيث إن المؤرخين الكبار أيضا كانوا يرون أنفسهم طلابًا في المدارس أمامه.

يتلخص بحث حضرته في إثبات براءة عثمان والصحابة الآخرين رضي الله عنهم من كل نوع من الفتنة والعيب. بل كان سلوكهم مظهرًا للأخلاق السامية وكانت أقدامهم راسخة على مراقي الحسنة، وأنه لم يكن لدى الصحابة أي اعتراض على خلافة عثمان بل ظلوا أوفياء له إلى آخر الأمر، وأن اتهام علي وطلحة والزبير رضي الله عنهم بحياكة المكايد باطل تمامًا، وأن التهمة التي تلصق بالأنصار من أنهم كانوا ساخطين على عثمان أيضا باطلة لأننا نرى أن جميع زعماء الأنصار بذلوا مسعًى حثيثا لدرء هذه الفتنة.

لقد عبّر بعض الأغيار عن انطباعاتهم حول هذه المحاضرة، فقد كتب سيد عبد القادر البروفيسور في الكلية الإسلامية بلاهور: إن اسم ابن جليل لأب جليل أي اسم حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد يعطي ضمانًا كافيا أن هذه المحاضرة علمية جدًّا. إن لي إلمامًا بالتاريخ الإنساني، وأدَّعي بكل ثقة أن هناك قلة قليلة من المؤرخين -سواء المسلمين أو غيرهم- الذين استطاعوا بلوغ كنه الخلافات في عهد عثمان ونجحوا في فهم أسباب هذه الحرب الأهلية الأولى والمهلكة. أما حضرة المرزا فلم ينجح فقط في فهم أسباب هذه الحرب الأهلية بل ذكر في بيان واضح ومتسلسل تلك الأحداث التي ظلت عاصمة الخلافة متزلزلة جراءها. أرى أن الراغبين في قراءة التاريخ الإسلامي لم يطلعوا قبل اليوم على مثل هذا المقال المدعَّم بالأدلة. بل الحق أنه كلما اطلعنا في كتب التاريخ الإسلامي الحقيقي على عهد عثمان شعرنا أن هذا المقال عظيم يحتوي على دروس وعبر كثيرة.

هناك تعليقات أخرى ولكن ليس هناك وقت لسردها.

مضمون محاضرة «نظام الاقتصاد في الإسلام»

 وأصداؤها ونبوءاتها

هناك خطاب آخر لحضرة المصلح الموعود بعنوان: نظام الاقتصاد في الإسلام، وقد أُلقي في مدينة الطلاب الأحمدية بلاهور واستمر لحوالي ساعتين ونصف، وحضره علاوة على الأحمديين مئات بل وآلاف -كما ورد في بعض الأماكن- من وجهاء المسلمين وغير المسلمين وكانت أكثريتهم من المتعلمين والمثقفين ثقافة عليا وبروفيسورات من جامعة البنجاب وطلابها. ظل أكثر البروفيسورات والمحامين وأهل العلم الآخرين، طوال مدة إلقاء هذا الخطاب يلتقطون دُرَرَه، مسجلين عندهم نقاطًا هامة واردة فيه.

يقول المصلح الموعود وهو يذكر لب موضوع نظام الاقتصاد في الإسلام: الاقتصاد الإسلاميّ نتاج امتزاج مناسبٍ بين الحريّة الفردية والتدخّل الحكومي، (أي أن تكون هناك حرية فردية مع تدخّل حكومي بشكل يظهر اختلاطًا وتعاونًا مناسبًا بينهما) أي أنّ الاقتصاد الذي يقدّمه الإسلام للعالم له ناحيتان، ناحيةٌ تسمح بتدخّلٍ حكوميّ محدود، وأخرى تتضمّن الحرية الفردية إلى مدى معلوم. فالمزيج المناسب لهاتين الناحيتين هو الاقتصاد الإسلامي بعينه. والحرية الفردية إنما هي ليتيح للناس أن يجمعوا لهم زاد الآخرة، وتنشّط فيهم روح الاستباق والتّنافس؛ (أي ليس هذا للدنيا فحسب بل ليستمر التسابق في الخيرات أيضا) والتدّخل الحكوميّ إنّما هو لكيلا يتمكّن الأغنياء من القضاء على إخوانهم الفقراء اقتصاديًّا، كأنّ الاهتمام بالتدخّل الحكوميّ هو من أجل إنقاذ البشرية من الانهيار، أمّا الحريّة الفردية فهي لأجل المحافظة على روح التسابق والتزوّد للآخرة، وبدلا من القضاء على الحرية الفردية تم الحفاظ عليها بشكل كامل.

فالإسلام يتضمّن المحافظة على الحرية الفردية لكي يتمكّن الإنسان بخدماته التطّوعيّة من التزوّد للحياة المقبلة وتقوى فيه روح التسابق التي لا تزال توسع له مجال التطوّر العقليّ، وهو أيضًا يبيح التدخّل الحكوميّ المحدود، لكيلا يتأسّس الاقتصاد على الجور والاستبداد جراء الضعف الفردي، ولا يصير حائلاً دون شعبٍ من شعوب بني نوع الإنسان.

وفي القسم الثاني من خطابه استعرض حضرته الحركة الشيوعية استعراضًا تفصيليا من الناحية الدينية والاقتصادية والسياسية والنظرية والعملية. وفي الأخير قرأ بالأردية نص النبوءة العظيمة الواردة في الكتاب المقدس والمتعلقة بالشيوعية،  كما ذكر نبوءات المسيح الموعود ونبوءاته هو أيضا.

خلاصة القول أن هذه المحاضرة للمصلح الموعود قد أحدثت ضجة في الأوساط العلمية، وحققت بفضل الله تعالى نجاحًا غير عادي على كافة الأصعدة. لقد استمع لها الحضور بكل شغف ولهفة وظلوا جالسين طيلة مدة إلقائها وكأن على رؤوسهم الطير، مع العلم أن هذه المحاضرة استمرت لساعتين ونصف. بكى أحد البروفيسورات بعد استماعه لها، كما أعرب بعض الطلاب المؤيدين للشيوعية عن فكرة أنهم أصبحوا مقتنعين بالاشتراكية الإسلامية وصاروا يرونها النهج الصحيح والحق.

وأعرب بعض طلاب قسم الاقتصاد عن رغبتهم في طباعة الترجمة الإنجليزية لخطاب حضرته وإرسالها إلى بروفيسورات قسم الاقتصاد بالجامعة. وذلك لأن أكثر البروفيسورات كانوا من الإنجليز في ظل الحكومة الإنكليزية آنذاك. وقالوا: بينما يتم اقتراح مخططات مختلفة لتنمية ورفاهية الهند في المستقبل، فإن هذا النظام الإسلامي الذي قدمه حضرته سيمثل وجهة نظر المسلمين.

لقد رأس حفل هذه المحاضرة لاله رامجندر مجنده المحامي في المحكمة العليا بلاهور، فألقى بعد محاضرة حضرته كلمة مختصرة قال فيها:

«إنني أعدّ نفسي سعيد الحظ أيما سعادة! إذ قد تسنَّى لي الاستماع لهذا الخطاب القيم، ويسرّني أن حركة الأحمدية تتقدم وتزدهر كثيرا. الخطاب الذي سمعتموه الآن، قد بيَّن فيه حضرة إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية أمورا جديدة وقيِّمة جدا، قد استفدتُ كثيرا منه، وأعتقد أنكم أيضا انتفعتم من هذه المعلومات القيمة. ومما أسعدني في هذا الأمر أن غير المسلمين أيضا حضروا هذه الجلسةَ بجانب المسلمين.»

ثم يقول: «كنتُ أظن أن الإسلام في قوانينه يهتم بالمسلمين فقط ولا يراعي غير المسلمين ولكن اليوم علمتُ من خطاب إمام الجماعة الأحمدية أن الإسلام يعلّم المساواة بين جميع البشر، وإنني فرح جدا بسماع ذلك. وسوف أقول لأصدقائي غير المسلمين ما المشكلة في إعطائكم مثل هذا الإسلام تقديرًا واحتراما. الجديَّة والهدوء الذي سمعتم بهما خطابَ حضرته لساعتَين ونصف لو رأى ذلك شخصٌ أوروبي لاستغرب أن الهند قد ترقّت لهذا الحد!؟»

يقول مَن سجل هذه التعليقات أنه كانت على لسان أكثر الذين استمعوا لهذه المحاضرة كلمات الثناء، بل واعترفت طائفة كبيرة منهم بأنهم وإن كانوا يختلفون مع مرزا بشير الدين محمود أحمد من الناحية العقدية،  إلا أنهم لا يسعهم إنكار حقيقة أن حضرته أفضل علماء الهند في هذا العصر.

وهذه كانت الحقيقة، إذ لم يتم الكشف عن الحقائق والمعارف القرآنية المتعلقة بعلم الاقتصاد وتقديم الردّ على الفلسفة الاقتصادية الأوروبية بشكل يجبر منكري الإسلام أيضا على الإقرار بأفضلية نظام الاقتصاد الذي يقدمه، ويجبر أنصار الاشتراكية على الاعتراف بعيوبها، إلا من خلال حضرته.

فقال المولوي شير علي : لقد سمعت بعد الخطاب بعض الشباب غير الأحمديين يتحدثون فيما بينهم قائلين: إنكم إذا أيّدتم الاشتراكية أو الاشتراكيين بعد الآن فعليكم اللعنة. كذلك كان هناك بروفيسور يجهش بالبكاء من شدة التأثر بهذا البيان. وفي نهاية الخطاب أبدى الدكاترة غير الأحمديين والطلاب رغبتهم في أن يلقي حضرته خطابا آخر، إذ لم يتمكن، بسبب ضيق الوقت،  من تغطية جميع جوانب الموضوع في خطابه هذا، لذا نرجو أن يلقي خطابا آخر يوضح فيها باقي جوانبه لكي يرتوي الناس من فيض العلوم التي وهبها الله تعالى له.

كان حضرته قد مُلئ بالعلوم الظاهرة والباطنة. قال السيد عبد القادر الحائز على شهادة الماجستير وكان نائب العميد للكلية الإسلامية بلاهور ورئيس قسم التاريخ. كتب مقالا حول موضوع «الإسلام والاشتراكية» في جريدة «Sunrise» (طلوع الشمس) الصادرة من لاهور، كتب فيه: لقد تشرفتُ بسماع محاضرة السيد مرزا بشير الدين محمود أحمد إمام الجماعة الأحمدية حول موضوع «نظام الاقتصاد في الإسلام». كانت هذه المحاضرة أيضا كباقي محاضراته -التي تسنى لي سماعها- منوِّرة لأفكار العلماء ومليئة بالمعلومات. يملك السيد مرزا ملكات موهوبة من الله، وكان ضليعًا بشكل كامل في كل جانب للموضوع، مع أنه ليس بحائز على أي شهادة ولم يقم بدراسة وتحقيق بل الله تعالى علمه، لذا تستحق أفكاره أن نقدّرها ونتوجه إليها.

ثم تُرجم هذا الخطاب إلى مختلف اللغات، وقد أشاد به الإعلام الأجنبي والفئات المثقفة بعد قراءة تراجمه. السيد رئيس المحكمة العليا في إسبانيا «ايس وائي سي جوسن كاستن» بعد قراءته الترجمة إلى المولوي كرم إلهي ظفر. إنني أشكركم جزيل الشكر على رسالتكم التي كان معها أجمل كتاب قرأته فأثّر في طبيعتي تأثيرا رائعا وعظيما، وإنني أؤكد لك أن الله تعالى سيكتب لك نجاحا عظيما في إسبانيا وغيرها. إنه كتاب ممتع للغاية عن الظروف الحالية.

ثم كتبت جريدة «روشني» الصادر من «سرينغر» في الحادي عشر من نوفمبر عام 1965 عن وفاة حضرة المصلح الموعود : تحت عنوان وفاة مرزا بشير الدين محمود أحمد الرئيس الأول للجنة كشمير في الهند كلها:

كان المرحوم عالما جيدا ومفكرا، لم يكن له مثيل في الخطابة، حتى الخطابات التي ألقاها في جلسة واحدة حول المواضيع الدقيقة مثل نظام الاقتصاد في الإسلام والنظام الجديد للإسلام قد نُشرت في صورة كتب ولقيت قبولا عاما. ويمكن تقدير كونه عالما فاضلا من أن السير ظفر الله خان رئيس المحكمة الدولية أيضا من أتباعه. وبكلماته هو: إن شخصيته جامعة لصفات حسنة يندر وجودها في شخص واحد. وهو منبع العلوم الظاهرة والباطنة. (يعترف غير الأحمديين أيضا أن حضرته كان مليئا بالعلوم الظاهرة والباطنة) كان فارس ميادين الفكر والعمل على حد سواء، والجزء الكبير من حياته يمضي في الذكر والفكر ومع ذلك هو قائد جريء ومن أولي العزم. ثم كتب: إن كل كشميري يمدح جناب مرزا بشير الدين محمود أحمد من قلبه، لأن له دورا كبيرا في حركة تحرير كشمير. وفي 1931 حين بدأت حركة كشمير فكان هو أول رئيس للجنة كشمير في الهند كله، ونتيجة جهوده هو بلغت هذه الحركة منتهاها وذاع صيتها في العالم كله.

ثم مؤتمر ويمبلي معروف جدا في تاريخ الجماعة، وقُرئ فيه مقال حضرته الذي أبدى عنه الناس انطباعاتهم. منها ما قاله رئيس المؤتمر بعد انتهاء الخطاب مظهرًا انطباعاته:

«لست بحاجة إلى الكلام الكثير لأن المقال نفسه يعرّف على مزاياه ولطافته. (هذا شخص إنجليزي) وإنني أشكر حضرته باسمي ونيابة عن الحضور كلهم أيضا على محاضرته الرائعة وعلى حسن ترتيبها وسمو أفكارها وطريقة الاستدلال الواردة فيها. إن وجوه الحضور بلسان حالها توافقني على كلماتي، وإنني على يقين أنها تؤكد كوني على حقّ في أداء الشكر لحضرته نيابة عنهم.» ثم خاطب حضرتَه وقال: «إنني أبارك لك على نجاح محاضرتك وأقول إن مقالك كان أروع ما يكون من بين المقالات التي قرئت اليوم.»

ورد في التقرير عن المؤتمر أنه جاء شخص إلى حضرته وقال: «لقد عملت في الهند ثلاثين عامًا ودرست أحوال المسلمين وأدلة الإسلام لأنني عشت في الهند كمبشر مسيحي، ولكني لم أسمع في أي مكان عن الإسلام مثل هذه المزايا والوضوح والروعة كما عرضتَه اليوم في مقالك. لقد أثر هذا المقال فيّ تأثيرًا عميقًا من ناحية الأفكار وترتيبها ومن ناحية الأدلة الواردة فيه.»

وهناك انطباعات كثيرة أخرى، وعدد مقالات حضرته وخطاباته أيضا كبير كما ذكرت في البداية وإنما ذكرتُ بعض النماذج فقط.

وأقدم مقتبسا آخر من جريدة فتى العرب الصادرة من دمشق. في 1924 حين زار حضرة الخليفة الثاني أوروبا ففي الطريق نزل في البلاد العربية أيضا، وفي أثناء ذلك نشرت الصحف العربية أيضا بعض الانطباعات عن حضرته، فكتبت جريدة «فتى العرب» من دمشق في العاشر من أغسطس/آب 1924: هذا الخليفة في الأربعين من عمره، ولديه لحية سوداء عريضة. وهو حنطي الوجه، والمجد والكرامة تعمُّ وجهه. وكلتا عينيه توحي عن ذكائه وفطنته ومعرفته وحكمته غير العادية. إذا رأيت هذه القدرات العقلية في وجهه وهو يقف مرتديًا عمامته البيضاء، فستقتنع أنك أمام شخص يفهمك قبل أن تعرف ذلك. وهو يراك بعينيه والبسمة تدوم على شفتيه. ثم قال عن حضرته: والبسمة التي تدوم على شفتيه تظهر أحيانا وتختفي أحيانا ولكنها تبقى على شفتيه دوما، ثم كتب مخاطبا القراء: لو لاحظتم هذه الكيفية لاستغربتم المعاني والجلال وراء هذه البسمة.

وهناك انطباعات مماثلة كثيرة لغير الأحمديين الذين وجدوا فرصة قليلة أو كثيرة للبقاء في صحبة حضرته . كانت المادة غزيرة التي كنتُ أمرت بجمعها ولكنني قدمتُ جزءا منها بسبب ضيق الوقت، وذلك أيضا بإيجاز شديد تاركا منه الكثير. والأمور التي بينها المسيح الموعود في النبوءة والأحرى أن نقول التي أنبأ بها الله تعالى قد تحققت في وجود حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد والعلم والمعرفة اللذان وهبهما الله تعالى له لم يكن أي من كبار العلماء يستطيع مبارزته فيهما، والأدبيات التي تركها هي خزينة الجماعة، ولقد نُشرت معظم خطبه وخطاباته ومقالاته وبقي قليل منها. علينا أن نقرأها، والآن تترجم بسرعة وسوف تتهيأ عما قريب إن شاء الله، وتمت ترجمتها باللغة الإنجليزية إلى حد كبير، أعني نُشر بعض الكتيبات الصغيرة. ندعو الله تعالى أن يوفقنا للاستفادة من هذا العلم والمعرفة. (آمين)

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك