شهادة التوراة والإنجيل على صدق المسيح الموعودؑ

شهادة التوراة والإنجيل على صدق المسيح الموعودؑ

حلمي مرمر

كاتب
  • هل ثمة نبوءات تضمنتها التوراة والإنجيل على مبعث المسيح الموعود (ع) وتشهد بصدقه؟

____

لم يكن ذلك البيان التام للحقائق الدفينة كسر نجاة المسيح الناصري وهجرته ثم وفاته المحتومة، لم يكن متيسرا إلا للمسيح الموعود ، ليكون آية من آياته، وبرهاناً من براهين صدقه، ولم يكن للمتأخرين الذين تصدوا للعقائد المسيحية بالتفنيد والنقد، إلا أن يتكلموا بكلامه ، وإن لم يؤمنوا به إماماً مهدياً ومسيحاً موعوداً، وقد اعترف بذلك أكابر العلماء والقائمون على الندوات والمؤتمرات العلمية التي تتناول تلك القضية المفصلية، فإن كان من سبقوه قد أمسكوا خيطاً، فقد ملك القماش كله، وإن كانوا قد ذاع صيتهم بما لديهم من نُتف، فقد حاز النسيج كاملاً بهدْي رب العالمين، ليبرهن أنه هو الإمام المهديّ والمسيح الموعود بلا منازع ولا شريك.

خطورة عقيدة حياة المسيح الناصري على سلامة الإيمان

ولقد وصفنا تلك القضية بالقضية المفصلية في بداية هذا البيان، والحق أنها كذلك، فبدون إثبات وفاة السيد المسيح ، وعدم عودته إلى الحياة الدنيا مرة أخرى كما هي سنة الله تعالى في الخلق، وكون المسيح الذي ينتظره المسلمون بل وكافة أتباع الديانات الأخرى هو من المسلمين، وخاتم خلفاء سيد المرسلين، بغير إثبات ذلك كله من القرآن الكريم، ومن أحاديث الرسول وسنته التي سنها للعالمين من بعده، وتأسَّى بها وعمل بمقتضاها الخلفاء الراشدون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، بل ومن كتب اليهود والنصارى على حد سوا

ء، بغير إثبات ذلك كله من تلك المصادر مجتمعةً إضافة إلى ما يشهد به العقل السليم والمنطق القويم، فلا قتل لدجال، ولا كسر لصليب، ولا قتل لخنزير، ولا وضع لجزية، وتكون بعثة الإمام المهديّ والمسيح الموعود، مع الحفاظ على تلك الترهات والاعتراف بهذه الخزعبلات ليست إلا لهواً في لهو، وعبثاً في عبث، فأي دجال يُقتل وأنت تقول بما يقول به الدجال أصلاً؟ وتعتقد كل ما يعتقد، وأي كسر لصليب وأنت تعبد الصليب وتسجد له؟ إذ اعترفت من حيث تدري أو لا تدري أنه إله أوابن إله، وكان له ما لم يكن إلا للإله من الخلق والإحياء والبقاء وكافة الأسماء والصفات.

الحق أن تلك الفتنة ليس أعظم منها فتنةً من زمن آدم حتى قيام الساعة، ولقد قال رسول الله :

«وَاللَّهِ مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَعْظَمُ مِنْ الدَّجَّالِ»(1)

وورد عنه في كتاب الفتن لنعيم بن حماد وغيره أنه حذر تحذيرا شديدا من فتنة الدجال ووصفها أنها أشد الفتن، وإن فتنةً بهذا الحجم، وخطراً بذلك القدْر ليس بالأمر الهيِّن، لذلك وجب الإشارة إليه في مواطن عديدة، وبأشكال شتى، لكيلا يكون للناس على الله حجة يوم القيامة، وتضافرت الشواهد، وتشابكت البراهين، واجتمعت على أمر واحد، وهو أن المسيح عيسى بن مريم رسول الله قد توفاه الله، ولن يعود طبقاً لسنة الله الجارية حيث لا تبديل ولا تحويل، والمسيح الذي به وُعدتم ليس إلا منكم، تكرمةً لهذه الأمة المرحومة، وفي هذا الصدد يقول :

«وأخبرني أن عيسى نبي الله قد مات، ورُفع من هذه الدنيا، ولقي الأموات، وما كان من الراجعين، بل قضى عليه الموت وأمسكه، ووافاه الأجل وأدركه، فما كان له أن ينزل إلا بروزاً كالسابقين.» (2)

ولأن المسيح نفس منفوسة فقد حق عليه قوله تعالى كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ (3) ولقد وعد الله المسيح أنه متوفيه ولن يناله من اليهود قتل ولا صلب، وقد وفَّى الله وعده، وتوفَّى مسيحَه، وورد ذلك على لسان المسيح نفسه حيث قال

فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم

وكذلك قول رسول الله قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ» (4)، كذلك صرح للسيدة فاطمة في مرضه الذي توفي فيه أنه ما من نبي إلا عاش نصف عمر النبي الذي كان قبله، وأن عيسى بن مريم قد مات وهو ابن مائة وعشرين عاماً، ولا يرى نفسه إلا ذاهباً على رأس الستين، ذلك فضلا عن الإجماع السكوتي للصحابة جميعاً عند وفاة الرسول وإقرارهم أن كل من خلا من الأنبياء بلا استثناء قد توفاهم الله فلم يبق شك بعد ذلك أن السيد المسيح انطلاقاً من هذين الأصلين الثابتين _ قد مات، ومخالفة ذلك ليس إلا موافقة النصارى على ألوهيته وتفرده.

المسيح عيسى بن مريم رسول الله قد توفاه الله، ولن يعود طبقاً لسنة الله الجارية حيث لا تبديل ولا تحويل، والمسيح الذي به وُعدتم ليس إلا منكم، تكرمةً لهذه الأمة المرحومة، وفي هذا الصدد يقول : «وأخبرني أن عيسى نبي الله قد مات، ورُفع من هذه الدنيا، ولقي الأموات، وما كان من الراجعين، بل قضى عليه الموت وأمسكه، ووافاه الأجل وأدركه، فما كان له أن ينزل إلا بروزاً كالسابقين

سنة الله في الهداية تقص علينا أحسن القصص

لقد تعرض السيد المسيح لأذيً عظيم من قومه لا لشيء إلا لأنه يبلغهم دعوة ربه، ويطلب منهم توحيده وطاعته وحده، حتى إنهم كادوا له كيداً وأرادوا أن يقتلوه ويصلبوه، ليتحقق فيه موت اللعنة الذي هو مصير الذين يتقولون ويفترون على الله الأكاذيب، ويدَّعون أنهم يُوحى إليهم ولم يوحَ إليهم شيء، ولكن الله تعالى وعد أنه سوف يدافع عن الذين آمنوا، ولا يتركهم نهباً للمعاندين المكذبين، ولما بلغ بهم الكيد مبلغه، وافتروا عليه الافتراءات، وألصقوا به الأباطيل، لم يبقَ أمام حكومة الرومان بديلٌ عن قتله وصلبه استجابة لمطالب رؤساء اليهود، فاستغاث المسيح ربَّه وناداه أن يصرف عنه هذا البلاء فقال:

«يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ.»(5)

ولم يكن ذلك إلا استدراراً لعطوفة الله الذي يتيقن منها، لكنه يتعجلها لضعفه البشريّ وقلة طاقته على احتمال العذاب، وقد كان في تاريخ الإسلام ما يماثل هذا الموقف حيث استغاث المسلمون عند صولة المشركين في بدر:

إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ (6)،

وفي الأحزاب

وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا .

(7) فلم يكن الله يتخلى عن عباده، بل يدعونه فيستجيب، وهذه سنته، وهذا مقامه

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (8)

فلا يمكن لغيث السماء أن يترك تربة الأرض تموت وتفنى، إن رحمة الله قريب من المحسنين. وما دام المسيح قد ناجى ربه ودعاه، فمن شيم الله أن يستجيب، فهو القائل:

وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (9).

إقرار صريح من الكتاب المقدس

وقد أقر الكتاب المقدس صراحةً بأن الله استجاب للسيد المسيح، فنجاه من الغم، وذكر ذلك حيث قال حكايةً عنه : «إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ.» (10). وقد نجاه الله ونزل من على الصليب حيا لأنه من الأتقياء، الذين تتشرف أدعيتهم بالقبول والإجابة، ولكن الأمر التبس على البعض، فمنهم من كان يراه جثة هامدة لا حياة فيها، ومنهم من كان يراه حيا لنزول دم وماء عندما طعنه أحد الجنود بالحربة، وشواهد أخرى، وقد عبر الكتاب المقدس عن تلك الحيرة وذلك الالتباس الذي ألمَّ بالكثيرين ممن حضروا المشهد وعاينوه: «وفي جيله من كان يظن أنه قُطع من أرض الأحياء» (11)، ذلك الظن الذي سجله القرآن الكريم بصورة مكثفة أكثر مما تناوله الكتاب المقدس بكثير، ذلك لأن ذلك الظن هو ما يؤكد تَزَعزُع تلك العقيدة في قلوب حتى الذين يؤمنون بالمسيح إلهاً وابن إله، حيث قال تعالى

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ (12)

ولم يبق بعد ذلك إلا أن يهجر المسيح هؤلاء القوم، ويذهب إلى قبائل بيت إسرائيل الضالة، حيث قال:

«وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ» (13)،

فقدَّر الله له الهجرة كما قدَّرها للنبيين المستضعفين الذين آذاهم قومهم من قبل، فقد تمت هاهنا دعوته، وآمن به من آمن، وما تبقى إلا الذين ختم الله على سمعهم وأبصارهم وقلوبهم، ولن ينتفعوا من وجوده بينهم في شيء، بل لو بعث فيهم ألف مسيح لصلبوا كل مسيحٍ منهم ألف مرة وما ارتدعوا، فقد أقام الله عليهم حجته، وكان في سابق علمه أنهم من المغضوب عليهم، فهاجر مع أمه، وليصح عون الله للمستضعفين، ورعايته للأبرار، ودفاعه عن المؤمنين، وليبلغ دعوته لقومه، فما من رسول إلا وقد أُمر بتبليغ رسالة ربه إلى قومه، وحاشاهم جميعاً أن يكونوا من المقصرين.

هكذا شهدت التوراة والإنجيل والقرآن على نجاة المسيح من الصلب، وهجرته، واستكمال دعوته، وهجرته في سبيل ربه، ولتتحقق سياحته في الأرض، وليكون ذلك كله من أدلة صدق المسيح الموعود بما قررته الكتب السماوية.

الهوامش:

  1. 1. (مسند أحمد, كتاب أول مسند المدنيين رضي الله عنهم أجمعين)
  2. مكتوب أحمد  3. (آل عمران 185) 4. (صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة)
  3. (إِنْجِيلُ مَرْقُسَ 14 : 36) 6. (الأنفال 9) 7. (الأحزاب 10)
  4. (البقرة 214) 9. (غافر 60) 01. (اَلرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ 5 : 7)
  5. (إشعياء 9) 21. (النساء 157) 31. (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 10 : 16)
Share via
تابعونا على الفايس بوك