الإسلام الذي عرفته
  • من أركان الإسلام ما هو في الظاهر.. قول فقط، ومنها ما هو عمل فقط.كلا الصنفين من أركان الإسلام ينبغي أن يكون وراءهما شعور قلبي صادق.
  • كل بركة من محمد  فتبارك من علَّمَ وتعلَّم

__

يقول المسيح الموعود في كتاب (الوصية): «اغرسُوا عَظمةَ الله في قلوبكم، ولا تكتفوا بتوحيده باللسان فقط، بل بالعمل أيضاً، ليُجلِّي الله عليكم لُطفَه وإحسانَه بصورة عملية»، والحق أنه من هذا المقتبس يتبين لنا أن المسيح الموعود قد وضع إصبعه على موطن الداء الذي يكون معه القوم رافعين أكف الدعاء والتضرع إلى الله حتى تنكشف سواعدهم وتسقط عنهم أرديتهم لكنه لا يستجيب لهم، ذلك لأن دعاءهم لا يتجاوز ألسنتهم، وليس لهم من الإخلاص وأعمال البر واليقين القلبي بقدرته تعالى على استجابة الدعاء ما يجعل أدعيتهم جديرة بالإجابة، فإنهم بذلك قد برهنوا أنهم لا يعرفون المعنى الحقيقيّ للإسلام.والحق أن القرآن الكريم كما كان فيه الأمر بالقول كان فيه الأمر بالفعل أيضاً، كلاهما يسير بجوار الآخر كفرسيْ رهان، فتجد الله تعالى يقول:

قل هو الله أحد (1)،

ويقول أيضاً

قُلْ لِعِبَادِيَ (2)،

ويقول أيضاً

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (3)

لكنك تجده سبحانه أيضاً يقول:

اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)

كذلك قوله تعالى:

وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (5)

لقد أَوْلى الإسلام للقول أهمية كبيرة وجعله مقدماً، كما لم يغفل الاهتمام بالفعل ولو جعله مؤخَّرا، وليس ذلك إلا لمراعاة الضعف الإنسانيّ، وبأدنى تأمل تلحظ ذلك من خلال نظرة سطحية على بوابة الإسلام الرئيسة الأولى (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فقد شرط الله تعالى تلكم الجملة كشرط أساسيٍ أوّل لاعتبار من أراد أن يعلن عن نفسه كونه مسلما، فلا يكون إلا بها، مهما حاول الاستعاضة عنها بما سواها من الكلمات، فلا يكون الإسلام إلا بها وكأنه هي، وكأنها هو، وكأنها لتكاد تعلن لمن أراد التعرف على الإسلام أنه قول وعمل، فلا غنى عن القول إذ جعل الله الإنسان الذي أعدّه للإسلام، وأعد الإسلام له كائنا ناطقا مبينا، فلا بد أن يكون للإسلام نصيب في نطقه، وحظ من بيانه، وقِسمٌ من قوله، والداخل في الإسلام مولود جديد، إذ لا يزال من تَوّه تاركا رحِم الجاهلية، ما زال لتوّه مفعما بظلام محدق، تخشى عيناه نورا خاطفا، يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، وقبل أن يهم بالانطلاق في هذا العالم الرحب الجديد الذي هو الإسلام، عليه أن يمتلك مفاتيح بابه الرئيس الأول (لا إله إلا الله)، هذا هو القول وما أبهاه من قول.

لا إله إلاالله، هو الإله الذي ينفي وجودُه خَبثَ زعْمِ أي إله إلا هو، لا إله إلا الله، نفي مطلق، وإثبات مطلق، ووحدانية مطلقة، معناه: لن أجد صفات أقتبس من نورها إلا صفات الله، لن أتحلى باسم هو أحلى من التحلي بأسماء الله، لا يحق أن أتوجه داعيا متضرعا إلا إلى الله، ليس بوسعي أن أعترف بخالق إلا الله، ليس أكرم من أن أعفر جبيني بتراب الأرض من أجل رضاه سبحانه.

يبدأ بنفي مطلق لأنواع وأجناس المعبودات، وينتهي بوجود مطلق هو عين الوجود، وواجد الموجودات، لا إله إلا الله، هو الإله الذي ينفي وجودُه خَبثَ زعْمِ أي إله إلا هو، لا إله إلا الله، نفي مطلق، وإثبات مطلق، ووحدانية مطلقة، معناه: لن أجد صفات أقتبس من نورها إلا صفات الله، لن أتحلى باسم هو أحلى من التحلي بأسماء الله، لا يحق أن أتوجه داعيا متضرعا إلا إلى الله، ليس بوسعي أن أعترف بخالق إلا الله، ليس أكرم من أن أعفر جبيني بتراب الأرض من أجل رضاه سبحانه.

ذلك القول الأول الذي به الناس يودون أن يكونوا مسلمين، لن تجد في الأقوال قولا هو أبهى منه بهاء، إنها دعوة التوحيد الخالص، المانع من الشرك، والجامع لأسمى معالم التوحيد البهيّ.

ثم بعدما تنطقها ألسنتهم، وتستيقنها أنفسهم، وترسخ في أعماق قلوبهم، وتنبت شجرة الإيمان في أعماق أعماقهم، ويتأصل أصلها، وتعلو فروعها، ويطلع طلعها، ويثمر ثمرها، يكون مسلما خالصا حقا، ولن يتأتى له شجر ولا أفرع ولا ثمر إلا بالشطر الثاني من شرط التوحيد «محمد رسول الله» (فذلك هو الفعل، ذلك تطبيق القول الأول (لا إله إلا الله) الذي أتبِع بلا فاصلة بقوله (محمد رسول الله) ليؤكد أهمية القول والإعلان والتعبير عما يدور في داخلك، وإعلام الناس ما آل إليه أمرك، وما تحول إليه حالك، وما رضيت به فطرتك، وما ارتاحت إليه نفسك، حتى لا يكون أمرك سرا، وحالك نكرا، ولا يُعرَف لحلاوة منطقك أسباب، ولا لروعة أفعالك مصادر، ولا لجريان نهر الخير على يديك منابع، وقد يعزو الناس التحول لك، ويعيدون أسباب الخير إليك، ولا يعرفون السبب الأول الذي هو مسبب الأسباب، فتصبح مضللاً للناس بدل أن تكون هاديا، وحجر عثرةٍ بدل أن تكون دليلا مرشدا، وقائدا للكفر بأنعم الله بدل أن تكون مشيرا إليها بأنامل متوجهة إلى سماء من لا سُمو فوق سُموه .وفي وحدانية الله وتقديسه يوجه المسيح الموعود جماعته قائلاً (أما الأمور الواجبة للاتباع هي أن يوقنوا بأن لهم إلهاً قادرًا قيّوماً خالق كُلّ شيء، أزلياً أبدياً لا يتغير في صفاته، لم يلد ولم يولد، وهو منزّه عن أن يتعرّض للألم أو الصلب أو الموت، إنه قريبٌ على بُعده، بعيدٌ على قربه، وله تجلياتٌ شتى مع كونه الواحد الأحد) (6)

لا إله إلا الله : قول، محمد رسول الله :عمل، فلا حياة تستقيم لبشرية بكماء وإن كانت جادة مجتهدة عاملة، ولا معيشة مرضية لمخلوقات ثرثارة لم توهب إلا لسانا زلقا كمذياعٍ دائم الاتصال بالتيار لا يهدأ، وليس لهم من أيدٍ يبنون بها البنايات، ويتوجهون بها إلى الله في الأدعية والتضرعات، وليس لهم من أرجل يصعدون بها الجبال، ويعبرون الفلوات، ويسعون بها نحو المساجد طلبا لآداء الصلوات، ولا حياة تستقيم لبشرية عاملة ناصبة، إلا إذا كانت ناطقةً مبينة متآلفة متحابة آمنة مطمئنة بما يبوح بعضهم لبعض من مكنونات النفس، وحبال المودة، وروابط الألفة، ألا ترون أنه إذا جلس أحدكم بجوار شخص طال صمته أصبح منه قلقا، و توجَّس منه خيفة، وملئ منه رعباً، وأصبح ولا يهدأ له بال حتى ينهي منه مقامه، وعنه يتحول إلى من سواه ولو كان ثرثارا؟!

الإسلام ليس دينا أبكم، ولا دين عمل وشغل ونصَب، الإسلام ليس دين أقوال وحسب، ولا دين أفعال صرف،إنما دينهما معا، ولا يخلو من أيهما ولا يستغني، وخُلُو الدين من أحدهما يعني عجزاً ومنقصة، ووجودهما بجلاء في شخص أو فئةٍ أو شعبٍ أو أمة،ٍ يعني إسلاما خالصا سليما من كل نقص، مُبرَّأً من كل عيب.

فلا قولنا لا إله إلا الله بكافينا، ولا ادعاؤنا الإسلام بعاصمنا، ولا كوننا نشهد لله بالوحدانية بدون أن نردفها بالأعمال المصدقة للتوحيد المتمثلة في قولنا (محمد رسول الله) بمانعنا من الدخول في أمم قد خلت هي أشد الناس عذابا لاتخاذهم قول التوحيد وتركهم فعله، وليس نجاح الأمم الأخرى عمليا ،ولا تفوقهم علمياً، دون أن ينطقوا شطر التوحيد الأول، وإعلانهم أن أعمالهم هي وفق الشطر الثاني، بمدخلهم في زمر الصالحين الراضين المرضيين ذوي الأنفس المطمئنة، إذ لا بد من إعلان كلمة التوحيد، ثم إردافها بأعمال التوحيد أيضا، وإلا ستكون أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف. ليس قولنا (محمد رسول الله) إلا الإعلان أننا به تأسينا واقتدينا، وما لنا من أسوة نتأسَّى ولا قدوة نقتدي إلا هو، وكل خير منه.

وأنصِتْ إلى المسيح الموعود وهو يبيِّن مقامه عليه الصلاة والسلام فيقول «ولا رسول ولا شفيع لبني آدم كلهم إلا محمد المصطفى ، فاسعوا جاهدين أن تحبوا هذا النبي ذا الجاه والجلال حباً صادقاً، ولا تُفضِّلوا عليه غيره بشكل من الأشكال، لكي تُكتبوا في السماء من الناجين.» (7) فكل بركة من محمد فتبارك من علّمَ وتعلّمَ.

لا إله إلا الله محمد رسول الله هي مفتاح الإسلام، وهي بوابة الدخول في الإسلام، وهي الإسلام عينه، وهي البداية والنهاية وما بينهما، وإن شئت شاهدا ودليلا فلن تعدم من ذلك الكثير، وإليك هذا: تكررت في القرآن الكريم عشرات المرات آية تؤكد هذا المعنى وتؤكد أن هذا هو الإسلام، ألا وهي:

الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ،

فالإيمان قول لا بد له من عمل الصالحات حتى يكون إسلاما، كذلك جاء رجل إلى النبي قائلا له:

«يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل فيه أحدا بعدك قال رسول الله ( ) :قل (آمنت بالله) ثم (استقم» (8)

فالإيمان بالله قول والاستقامة سلسلة أفعال لا حد لها من الترقي والسمو، كان القول خزينتها ووعاءها.

ولا نبالغ في واقع الأمر لو قلنا بل وأكدنا أن أركان الإسلام وأسسه جميعا لا تخرج خارج هذا الإطار، ولا تتعدى هذا المفهوم، وبنظرة خاطفة، نراها تبدأ بالشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا، وإليك بعض تفصيل ما أجملنا:

1ـ الشهادتان… تلك الكلمة المعجزة الدالة المُدلّة تؤكد مذهبنا الذي ذهبناه، إذ كلاهما شهادة، والشهادة من المشهد والشهود والمشاهدة، إذ لا يجوز أن يكون النطق بالشهادة سراً، بل لا بد أن يكون مشهداً، ولا يصح أن تكون ممارسة الإسلام سراً، بل حتما تكون مشهودة، وتكون هي خير شاهد، وفاعلها خير مشهود على وجود الله ومعرفة بعض عباده به، وتوجُّههم إليه، فالشهادتان كما أسلفنا تجمعان القول والفعل، ولا قيمة لقول بغير استقامة.

الإسلام ليس دينا أبكم، ولا دين عمل وشغل ونصَب، الإسلام ليس دين أقوال وحسب، ولا دين أفعال صرف،إنما دينهما معا، ولا يخلو من أيهما ولا يستغني، وخُلُو الدين من أحدهما يعني عجزاً ومنقصة، ووجودهما بجلاء في شخص أو فئةٍ أو شعبٍ أو أمة،ٍ يعني إسلاما خالصا سليما من كل نقص، مُبرَّأً من كل عيب.

2ـ أما إقامة الصلاة ففيها القول وفيها العمل، فمِن صلاة جهرية يغلب فيها القول، إلى صلاة سرية يغلب فيها العمل، ومن جهرية شطرها جهر وشطرها سر، بمعنى شطرها قول وشطرها فعل، إلى سرية ملؤها عمل، رغم كونها لا تخلو من قول ولو كان سراً، إلا أن سريته مقصودها تغليب الفعل على القول، وجهر الجهرية مقصوده عدم إهمال القول، وضرورة إسماع الذين لم يسمعوا، وهنا تكمن أهمية الجهر في غرس قدوة، وإعادة كل تحول وتغير إلى الله تعالى، فإنه يسمع من يقول ،ويرى من يعمل.

3ـ إيتاء الزكاة فعل بحت لا قول فيه، وإن صاحَبها قولٌ ربما أفسدها، لأنه لن يخلو مِنْ مَنٍ أو أذى، وربما صاحبها كلام قلبيٌ أنْ :هذا من فضل ربي، فهي تماما مثل الصلوات السرية ليست إلا فعلا صِرفا.

4ـ صوم رمضان فعل لا يكون إلا بانتهاء عن أفعال هي في الأصل مباحة، بل ويُحَضُّ على أدائها والوفاء بها في غيره، فالصيام مبالغة في ترك أفعال طلبا لفعل أرقي وروحانية تفوق كل رُوح.

5ـ حج البيت، منتهى معاناة الأعمال، مع منتهى معاناة الأقوال والتلبية المتواصلة التي لا تنقطع إلا بقطع وتين النفس الأمارة، التي نشير إليها بالأضحية التي نضحي بها التي شرحها المسيح الموعود في كتاب الخطبة الإلهامية، وصولا لغايات خلق الإنسان التي لن نصل إليها إلا بذبح كل حائل يحول بيننا وبينها، واقتحام كل عقبة تمنعنا منها، وجلب بعض معالم من أسماء الله وصفاته العُلَى، التي يمتلئ بها الحرم ويكاد لا يستوعبها البيت الذي رحنا نطوف حوله لعلنا نصطلي بناره ونقتبس من نوره.

فالأمر في الإسلام كله، كلٌ مجموع في خَمسِه، وفي فرائضه وسننه، أركانه ونوافله، أصوله وفروعه ،فلا تقنعْ بقول دون عمل، ولا ترض بعمل أخرس أبكم أبتر بلا شهادة قولية تدعوا بها الذين لا يعلمون، وابتغ بين ذلك سبيلا.

1. سورة الإخلاص | 2. إبراهيم 31 | 3. الكافرون 1 |4. الأنعام 135 5. سبأ 11 | 6. سفينة نوح | 7. سفينة نوح | 8. صحيح مسلم
Share via
تابعونا على الفايس بوك