فلسفة عذاب القبر وغايته

فلسفة عذاب القبر وغايته

حلمي مرمر

كاتب
  • الفهم التقليدي لعذاب القبر لا يستقيم مع كمال صفات الله تعالى.
  • عذاب القبر وسيلة، وليس غاية في حد ذاته

___

كثيرة هي المطبوعات البائسة عن عذاب القبر وعذاب جهنم التي تنطلق من أقوال  هي صحيحة في نصوصها، ولكنها مُنيت بأفهام باطلة كل البطلان، وكأن الله، والعياذ بالله، قد جاءته فرصة التشفي بِغِلٍّ من أولئك الذين لم يستجيبوا له إذ أرسل لهم المرسلين، فأعد لهم النكال والثعابين والقبر الذي يظل يضيق عليهم حتى يسحقهم وتختلف أضلاعهم عن أماكنها، ناهيك أيضًا عن العذاب الذي يبدأ فور الموت لكنه لا ينتهي أبدًا أبدًا، فهم فيه أبدًا، وأبدا تلك تعني أنه لا نهاية، يا لهؤلاء المساكين، ماذا كسبوا من حياتهم حتى تكون تلك نهايتَهم، نحن لا ننكر عذاب القبر حتى لا يفهم أحدٌ كلامنا هذا خطأً، وإنما ننكر نسبة الغلظة والقسوة والرغبة في التشفي إلى هذا الحد السَّاديّ إلى الله الرحمن الرحيم العفوّ الحليم ، وننكر أن يكون العذاب في القبر أو في جهنم هو الغاية، الحق أن هذه النهاية البائسة هي التي يراها القائلون بها، سامحهم الله، ولا يمكن أن تكون النهاية التي يراها الله، كنت واثقًا من ذلك ولكني لا أملك تفسيرا آخر غير ما يقال، الله أرحم الراحمين لا يكون كذلك، الله الذي هو أحن على عبده من الفَرس التي ترفع حافرها عن وليدها خشية أن تصيبه لا يكون كذلك، صدق الله ورسوله أمّا أنتم فإنكم إما تجهلون وإما تكذبون.

وبحثًا عن فهم سليم لعذاب القبر يستقيم مع إدراك صفات الله وأسمائه الحسنى، وعن الغاية منها، علمًا أنه كونُ العذاب في القبر هو غاية في حد ذاته، فإنها كانت فكرة بائسةً تمامًا، تَنسِب إلى الله تعالى ما لا يليق به أن يُنسَب إليه، بل إن مَن ينسب ذلك إليه فقد أوقع نفسه في إثم أثيم، ووضع نفسه بنفسه تحت نير عقاب الله الوخيم، المقبور في مقبرته بين أربعة جدران عند مَن مدافنُهم أشباه الحجرات، وتحت التراب عند من يحفرون في الأرض حفرة يدفنون موتاهم، إذاً لا مفر، حلت ساعة الحساب، فإن كان الإحسان فالإحسان، وإن كانت الإساءة فالويل والثبور وعظائم الأمور لا لشيء وليس من هدف ولا غايةٍ إلا الويل والثبور وعظائم الأمور، حال سرمدية دائمة دواما غير منقطع، قلت ياربي : ألست أنت الرحمن الرحيم، العفوَّ الرؤوف الغفورَ العظيم الحكيم؟ بلى أنت يا ربي كذلك، فكيف أوفِّق بين محاسن أسمائك وصفاتك، وبين ذلك الذي يدّعون؟ لا شك أنك علمتنا صفات وأسماءً لك، هي دقيقة كل الدقة، وصحيحةٌ كل الصحة، متوافقةٌ كل التوافق، ولا ريب أن المشايخ مخطئون فيما قدموا لنا من صورة مروّعة عن عذاب القبر، فإنهم ما قدَروك حق قدرك..

إذاً ليس التعذيب غاية، إنما هو وسيلة راقية من أجل حياة طاهرةٍ مطهَّرةٍ من أية أدران أو شوائب، يا من تدّعون أن العذاب أبديٌّ سرمديٌّ وتنسبون ذلك إلى الله، فإن الحكومات ترفع شعاراتٍ خيرا من الشعارات التي تنسبونها أنتم ـ ظلما وزوراً ـ إلى الله العلي العظيم، إن السجون التي يدخلها المجرمون (للعذاب) على أثر جرائم ارتكبوها ترفع شعار: السجن تأديب وتهذيب وإصلاح، من الذي علمهم هذه العلوم؟ أوليس الله القائل أنه (علَّم بالقلم)، أم تدّعون أن هذا ليس من تعليم الله، أيكون المتعلم خيرا من المعلم لا سيما عندما يكون المعلم هو الله العالم العليم العلام؟ العذاب عمومًا ـ في القبر وغيره ـ  غاية للإصلاح والتأديب والتهذيب ليرجع العبد إلى ربه تقيًّا نقيًّا طاهرًا مُطهَّرا، لأن الجنة عاقبته

ثم استمعتُ إلى رأي الجماعة الإسلامية الأحمدية في هذا السياق وفُهّمت من الله ما لم أكن أفهم، ووعيت ما لم أكن أعي، وهو أن العذاب والتعذيب وكلَّ تلك المعاني ليست من قبيل الغاية وإنما هي محض وسيلة، نعم عذاب القبر وسيلة، لِمَ؟ وسيلة للعذوبة، أية عذوبة؟ العذوبة أن يكون الشيء نقيًّا صافيًا نافعًا مستساغاً، وذلك ما تقوم به البلدان قليلة الماء العذب ولها شواطئ على بحار مالحة، فإنهم يأخذون هذا الماء ويعرّضونه لدرجات حرارة عالية تحت أزيز نار شديدة لا ليعذبوه بمعنى أن الغاية هي إيقاع الآلام والأوجاع بالماء والنيل منه بالانتقام والتعذيب، وإنما من أجل التخلص مما فيه من أملاح، وفصل الماء العذب الزلال المُمِدِّ بأسباب الحياة لكل كائن حيٍّ، حتى يتسنى الانتفاع به ومد المخلوقات بأسباب الحياة كما أراد الله تعالى، إذاً ليس التعذيب غاية، إنما هو وسيلة راقية من أجل حياة طاهرةٍ مطهَّرةٍ من أية أدران أو شوائب، يا من تدّعون أن العذاب أبديٌّ سرمديٌّ وتنسبون ذلك إلى الله، فإن الحكومات ترفع شعاراتٍ خيرا من الشعارات التي تنسبونها أنتم ـ ظلما وزوراً ـ إلى الله العلي العظيم، إن السجون التي يدخلها المجرمون (للعذاب) على أثر جرائم ارتكبوها ترفع شعار: السجن تأديب وتهذيب وإصلاح، من الذي علمهم هذه العلوم؟ أوليس الله القائل أنه (علَّم بالقلم)، أم تدّعون أن هذا ليس من تعليم الله، أيكون المتعلم خيرا من المعلم لا سيما عندما يكون المعلم هو الله العالم العليم العلام؟ العذاب عمومًا ـ في القبر وغيره ـ  غاية للإصلاح والتأديب والتهذيب ليرجع العبد إلى ربه تقيًّا نقيًّا طاهرًا مُطهَّرا، لأن الجنة عاقبته، مهما ظل مكوثه في جهنم ولا يدخلها دنِسٌ مدنَّس، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.

Share via
تابعونا على الفايس بوك