فهم أحاديث آخر الزمان بين الحرفية والتأويل

فهم أحاديث آخر الزمان بين الحرفية والتأويل

حلمي مرمر

كاتب
  • من هم أهل بيت النبي (ص)؟
  • تصنيف “أهل البيت”، ألا يتخطى عنصرية الدم؟

___

لقد جانب الكثير من علماء المسلمين الصواب في فهم نبوءات آخر الزمان، فقبعوا منتظرين تحققها على ظاهرها، فلم يتجاوز فهمهم للحديث الشريف حرفيته، ولم يَأمَلُوا من القصر المنيف إلا صورتَه، وما حازوا من العلم العميق إلا قشورَه. ومن تلك النبوءات التي أسيء فهمها، حيث حُمِلت على حرفيتها، نبوءة

«لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي»(1).

فلم يكن المهديّ الذي ينتظرونه إلا رجلاً اسمه (محمد بن عبد الله)، وغدا من حق كل (محمد بن عبد الله) أن يدَّعي المهدوية، فقد تحققت فيه الشروط، وظهرت في حقه العلامات، فقد نظروا للأمر من زاوية ضيقة غاية الضيق، وسطَّحوا عمقه، وأضلوا بذلك قوماً أكثر من حد الإحصاء، وأغفلوا أن رسول الله لم يعِدْهُم بتطابق تام، وإنما هي مواطأة، والمواطأة تشابه وتماثل، والتشابه والتماثل يحمل من الرمز أكثر مما يحمل من الوقائع الحقيقية، فضلاً عن أنه يقتضي قليلاً من المغايرة والاختلاف، وإلا فإنه لا يكون تشابها، ولا تماثلاً، إنما لا يكون إلا عين الشيء وذاته، فالذين ينتظرون مهديا اسمه (محمد بن عبد الله) كأنهم ينتظرون قيام خاتم النبيين من الأموات وعودته هو هو، وهذا القسم هم المغالون، المفْرطون، أما المضيعون المُفَرِّطون فيكفيهم كل من كان اسمه (محمد بن عبد الله) ليكون ذلك الدليلَ الأولَ على صدق دعواه، ولا يكون بأيدي المعترضين على تصديقه حجة فقد انطبق عليه الشرط الأول.

وقد بشر الرسول أن مهديَّ الأمة سوف يكون من فارس أباً، فأشار إلى ذلك من خلال سلمان الفارسيّ رضي الله عنه، فقال

«لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ»(2).

وأشار إلى أن مهديَّ هذه الأمة سوف يكون من قريش أُمّاً، فقال:

«المهديّ من عترتي من ولد فاطمة»(3)،

وهذا عين ما أكده سيدنا مرزا غلام أحمد عليه السلام، وكان منطبقا عليه.

تصنيف «أهل البيت» يتخطى عنصرية الدم

فيما مضى تناولنا الشرط الأول المسوغ لصاحب اسم «محمد» أن يكون المهدي، ونتناول الآن الشرط الثاني والوارد في الحديث، فإنه في قوله (من أهل بيتي)، والحق أن ذلك الشرط شرطٌ بالغ العُسر، عديم اليُسر، فمن له أن يُثبت انتسابه للزهراء فاطمة وولديها الحسنين رضي الله عنهم أجمعين، ومن يملك نفيَ ذلك النسَب عمَّن يدّعيه، فلا يعلم تلك الأنساب إلا الله، إذن، فقد يقول قائل: ألم يكن رسول الله يعلم أن هذا الشرط يستحيل أن يخضع للتحقيق والتدقيق والإثبات، فلماذا وضعه إذن كوسيلة للتصديق والتكذيب؟ هنا، أصبح لزاماً علينا أن نوضح أن ذلك المفهوم المستحيل لم يكن هو نفسه الذي قرره رسول الله ، وطالب أمتَه ألا تبايع إلا المهديَّ الذي هو من أهل بيته، وللتعرف على المعنى الحقيقي على أهلية بيوت الأنبياء التي لم تكن إلا نماذج لبيت الله، حيث لم يكن فيها إلا ذِكر الله وتسبيحه وتقديسه والقربى منه، وكأن الله قد حل فيها، فصار البيت الذي حَلَّ فيه كأنه بيته، فإننا نجد الله تعالى ينفي الأهلية عن ابن سيدنا نوح رغم أنه من نطفته وصُلبه، رغم ذلك فقد نفى أن يكون من أهله، فقال تعالى

وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (4)،

وهنا يتجلى معنى الأهلية للأنبياء، وأصول الانتساب إليهم، إنه الإيمان بهم، والتأسي بأسوتهم، والتفاني في طاعتهم، ولأن ابن سيدنا نوح لم يكن من ذلك كله في شيء فقد أخرجه الله تعالى من أهلية والده النبيّ.

ومن سنة رسول الله ، نراجع أقواله في ذلك، حيث ورد عنه أنه قال في حق سلمان الفارسيّ رضي الله عنه: «سَلمانُ مِنّا أهلَ البَيْتِ» (5) فتضافر كتاب الله مع حديث رسوله في إثبات المبدأ ذاته، فكان سلمان الذي جاء من بلاد بعيدة، ومن قوم آخرين ليسوا من العرب في شيء، إلا أن رسول الله رآه عربيا، وليس فقط، بل عدَّهُ منه ومن بيته، فكان منه بمنزلة علي والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعاً، فقد آمن وعمل صالحا ونال الأهلية بإخلاصه وتفانيه في الله ورسوله، فكما أنه كان يتعامل بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، فكان عند الله ورسوله من ذوي القربى، وكان من أهل البيت. على ضوء ذلك يكون قول رسول الله   (من أهل بيتي) ليس خاصا بفئة قليلة تنتسب نسب الدم لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ذلك الشرط الذي يستحيل أن يتحقق منه إنسان، وإنما كل من آمن بالله ثم استقام، وداوم على الاستقامة حتى نال درجات ومقامات أهل البيت الأخيار، كان منهم، وهذا أمر يمكن مشاهدته ومعاينته والتحقق منه، فمن كان من أهل بيت الله ورسوله لا يخفى إلا على الذين طمس الله على قلوبهم بذنوبهم.

فلم يكن المهديّ الذي ينتظرونه إلا رجلاً اسمه (محمد بن عبد الله)، وغدا من حق كل (محمد بن عبد الله) أن يدَّعي المهدوية، فقد تحققت فيه الشروط، وظهرت في حقه العلامات، فقد نظروا للأمر من زاوية ضيقة غاية الضيق، وسطَّحوا عمقه، وأضلوا بذلك قوماً أكثر من حد الإحصاء، وأغفلوا أن رسول الله لم يعِدْهُم بتطابق تام، وإنما هي مواطأة، والمواطأة تشابه وتماثل، والتشابه والتماثل يحمل من الرمز أكثر مما يحمل من الوقائع الحقيقية

محمد وأحمد اسمان لخاتم النبيين

وعلى الرغم من أن كتاب الله الفرقان قد سمَّى خاتم النبيين (محمداً)، فقد سماه (أحمد) أيضاً

ومبشراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6)،

إلا أن المشايخ والعلماء كان جُلّ تركيزهم على المهديّ الذي ينتظرون أن يكون اسمه (محمد)، رغم أن كتاب الله يقول أن محمداً هو أحمد أيضاً، وفي ذلك كلام رائع للمسيح الموعود في كتابه «إعجاز المسيح» وكتابه «كرامات الصادقين» ، ولأن الحمد بالصبغة الأحمدية كان السمة الغالبة على زمان المسيح المحمدي تابع محمد ، جاء هذا الاسم في القرآن الكريم على لسان المسيح الناصري تابع موسى عليهم جميعا صلوات الله وتسليماته، وكان هذا الإمام المهديّ والمسيح الموعود اسمه “أحمد” أيضا، وكان هو سيدنا «مرزا غلام أحمد» .

فقد جاء في الألف السابع للبشرية، وهو اليوم الأخير من أيام الدنيا كما ورد في الحديث، وقد كان من أهل بيت الله ورسوله، فقد أخبر ـ وهو صادق ـ أن الله تعالى ألهمه أنه من أبناء فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها من ناحية إحدى جداته ، ومن لم يكن لذلك من المصدقين، فلْيعاين حالَه، ويراجع أقوالَه، ويفتش في سيرته التي كتبها أعداؤه قبل أتباعه وأحبابه، فسوف يتبين له أنه بالفعل لا ينبغي إلا أن يكون من أهل البيت باستحقاق وجدارة، فلن يجد من أحواله إلا أحوال الأنبياء والمبعوثين والمخلَصين والمطهَّرين.

لقب «مرزا» ليس عَلَمًا على رجل

وقد يقول قائل: ولكن المهديّ الذي تتبعون اسمه مرزا غلام أحمد، وإن سلَّمنا أن رسول الله قد بشر بمهديٍّ اسمه أحمد، لكنه لم يبشر بمرزا، ولا بغلام، فإننا نقول لهم إن ذلك الاعتراض لا يزيد الحق إلا تثبيتا، ولا يضيف على الحجج التي تقام على المعارضين إلا مزيداً من الحُجج، حيث إن كلمة «مرزا» في لغات أهل الهند وبلاد فارس وغيرها تعني «السيد» أي الشريف رفيع القدر، كما يقال للأشراف الذين يشاع بين الناس أنهم ينتسبون لأهل البيت «السادة» فيسبق اسمَ الواحد منهم دائماً لقب «السيد فلان» تشريفا له، وهذه كتلك، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أما لفظ «غلام» فإنها تعني: «خادم» أو «تابع» أو «عبد» وليس المسيح والمهديّ الذي بشر به القرآن والرسول إلا تابعا، منه،

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ……وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (7)

فالمبعوث في الأولين «منهم» والمبعوث في الآخرين «منهم» أيضا.ً

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ(8)،

وكلٌّ من هذين اللفظين «مرزا غلام» لا علاقة لهما باسم الإنسان، وإنما هما لقبان لكل منهما دلالته الخاصة، ويسبقان أسماء أناس كثيرين في تلك البلاد، ويدرك الناس جيدا أنهما ليسا عَلَماً على أحد، وعلى ذلك فاسمه هو «أحمد» الوارد في كتاب الله على لسان عيسى المسيح خاتم أتباع موسى، ليكون مبشراً بخاتم أتباع محمد عليهم الصلوات والتسليمات، وهنا قد تحقق قوله:

 “يواطئ اسمه اسمي.”

 

ملك العرب وملك اليهود!

أما إذا أراد من أراد أن يعرف كيف تحققت فيه نبوءة “يملك العرب” فعليه أن يستقرئ محبته المستقرة في شغاف قلوب أبناء العرب الذين آمنوا به، ليدرك على وجه الحقيقة أنه بالفعل”يملك العرب” هذا هو الملك الحقيقيّ، وليس هو ذاته الملك الذي في أذهان عامة الناس كملوك الأرض، فإن ذلك المفهوم نفسه هو الذي قاد اليهود إلى تكذيب المسيح الناصريّ ، لأنهم كانوا ينتظرون ملكاً يعيد إليهم أمجاد دولتهم الضائعة، ومُلكهم المسلوب، وينتقم من كل الذين عَذّبوا وشَرّدوا بني إسرائيل على مر التاريخ، وكذلك ينتظر المسلمون اليوم مسيحاً ومهدياً يحقق لهم ما فشلوا فيه، وما تَوانَوا عن تحقيقه كله، فيملأ جيوبهم وخزائنهم وبيوتهم بالمال والذهب ونفائس الجوهر، ويُهلك أعداءهم كافة، ويسيطر على العالمين ويجعلهم عبيداً له ولكل عاطل من المسلمين.

قد تحقق في شخص المسيح الموعود والإمام المهديّ كل نبوءة وردت في الحديث الشريف، وقد تبيَّن صدق محمد ، فهل يليق بنا بعد الآن إلا أن نصدقه، ونصلي ونسلم عليه، ونؤمن بالمسيح الموعود ونبايعه ولو حبواً على الثلج كما أُمرنا؟!

الهوامش:

1. (سنن الترمذي، كتاب الفتن عن رسول الله)

2. (صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن)

3. سنن الترمذي

4. (هود 45-46)

5. رواه الحاكم في المستدرك

6. (الصف 6)

7. (الجمعة 2 ،3)

8. (صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء)

Share via
تابعونا على الفايس بوك