العلاج الفعال للداء العضال..

العلاج الفعال للداء العضال..

نفيس أحمد قمر

داعية إسلامي أحمدي
  • الخلافة وارثة مقام النبوة ووارثة مهامها.
  • طاعة الخلافة هو الطریق الأفضل لإنقاذ العالم من الدمار.

___

الخلافة الربانية بلسم شاف لفتن العالم

لقد نزلت الشریعة الإسلامية بمقاصد سامية وقیم راقية من أهمها تعزیز المودة وحفظ الأنفس وصون الدماء وإفشاء السلام، كل هذه المقاصد النبيلة ينضح بها قول النبي الخاتم : “اعْبُدُوا الرَّحْمَنَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَأَفْشُوا السَّلَامَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ”(1)، قد يقول البعض إن هذا الحديث النبوي مجرد تنظير من قبيل تنظيرات الساسة، أو محض دعايةٍ إعلامية كاذبة! ولكن التطبيق النبوي يصدقه. لقد كانت رحى الحرب دائرة بين المسلمين في المدينة من جانب ومشركي مكة من جانب آخر، حتى إن آثار القحط وشظف العيش، وخوف الهلكة والضياع، دفع المشركين إلى الرضوخ لسيدنا محمد وسؤال المعونة، فذهبوا إليه في ذِلَّة يطلبون دعاءه! يقول عبد الله بن مسعود  :

“فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ.”(2)!

أإلى هذه الدرجة يؤمنون بقوة اتصاله بالله ، ثم هم لا يؤمنون به (والعياذ بالله)! ألا ينطبق على هؤلاء قول الله عن قوم فرعون الذين جحدوا بآيات الله التسع التي أظهرها تعالى على يد نبيه موسى إذ يقول:

وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (3)

فإذا كان خُلُق النبي على هذا القدر من الجمال، فما ظننا بتعليم القرآن الكريم، وهو مصدر الأخلاق النبوية ومنبعها؟! يقول :

وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (4).

لم يحدد القرآن هنا طبيعة الرقبة التي ينبغي فكها أو ماهية البطن الذي يجب إطعامها، بل إن الله تعالى شرع الصدقات في القرآن وجعل لها مصارف ثمانية، لا يفضل فيها المسلم ناطق الشهادتين غيره، فالكل تجوز عليه الصدقة إذا ضاقت به الحال، لقوله :

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (5).

إذن فقد جاء هذا الدین لإشاعة المحبة وبث روح الوئام بین الناس علی اختلاف أديانهم وتنوع عقائدهم. وكان من غايات الإسلام توحيد البشرية وصونها من الآفات وهدايتها إلى سبل السلام.  والناظر إلى عالم اليوم يجده أحوج إلى هذه الهداية لما يعانيه من حال الاضطراب المشهود. ففي کل عام تزداد الفتن في العالم وتزداد دائرة الخلافات والأزمات اتساعا، وتزداد هوتها عمقا ليمتد ويتطاير شررها في العالم كله، فنرى الناس أفرادا ودولا متخبطين عاكفين على متابعة الأحداث، على أمل أن تلوح لهم في الأفق بارقة أمل، بينما قطار الموت والدمار يسير بهم إلی الحتف والدمار!

والفساد المذكور هنا في رأي البعض يشمل كل أنواع الخلل المتصورة وغير المتصورة، ولِطَفْوِ ذلك الفساد على سطح الحياة حكمة بالغة، إذ يتنبه المريض إلى أصل الخلل، تماما كما هو معلوم في العلوم الطبية من أن لكل مرض أعراضه التي يستدل عليه من ظهورها، فيخطئ من يتوجه إلى علاج الأعراض مغفلا المرض الأصلي المسبب لها”(7). وبناء على تلك السنة المذكورة نتساءل: هل هناك ارتباط قائم بين مآسٍ عالمية دامية وأحداث روحية تم تجاهلها، بحيث اقتضى تجاهلها صدمة كهربية لأجل الإفاقة؟!

الفتن ناقوس خطر

حين نسلك بتفكيرنا سبيل التأمل في سنن الله الجارية تأخذ بألبابنا سنته في الفتن على اختلاف مظاهرها، بدءا من أخف الأدواء وطأة حتى أفدح المصائب خطرا وخطورة، ونجد أن كل تلك الفتن منظومة في خيط واحد، هو تلك السنة الربانية الثابتة والتي يعرضها قوله تعالى:

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (6).

والفساد المذكور هنا في رأي البعض يشمل كل أنواع الخلل المتصورة وغير المتصورة، ولِطَفْوِ ذلك الفساد على سطح الحياة حكمة بالغة، إذ يتنبه المريض إلى أصل الخلل، تماما كما هو معلوم في العلوم الطبية من أن لكل مرض أعراضه التي يستدل عليه من ظهورها، فيخطئ من يتوجه إلى علاج الأعراض مغفلا المرض الأصلي المسبب لها”(7). وبناء على تلك السنة المذكورة نتساءل: هل هناك ارتباط قائم بين مآسٍ عالمية دامية وأحداث روحية تم تجاهلها، بحيث اقتضى تجاهلها صدمة كهربية لأجل الإفاقة؟!

لحسن الحظ، العلاج متاح مباح

على الرغم من قتامة الصورة وبشاعة المنظر، فإننا نصر على القول بأننا لسنا أمام مرض يستحيل علاجه، فما من داء إلا وقد جعل الله له دواء وفق سننه تعالى وتدبيره المحكم للوجود المادي والروحاني. ومن المحتم علينا أن نعرف هذا العلاج الروحاني بعد تشخيص الداء ومعرفة مكامنه وأعراضه، ولما كان في سابق علمه تعالى حلول هذه الآفات واقترانها بفتن آخر الزمان فقد جعل الله الرحمن لها من دواعي علاجها قدرتين اثنتين أولاهما بعثة الحكم العدل المسيح الموعود عليه السلام الخادم الصادق للنبي الذي حمل إلى الإنسانية ترياقا روحانيا مادته الإنابة إلى الله والصلح معه ومواساة بني البشر استرشادا بتعاليم الاسلام الحقيقية، والثانية مجيء الخلافة التي تسوس الناس بالهدي الصحيح على منهاج النبوة، وتزكيهم وتعلمهم أحكام الدين ومقاصده وتخلص النصيحة للبشرية إيمانا منها بخلق مواساة بني نوع الانسان بغض النظر عن لونه او عرقه او دينه أو قوميته.

لا شك أن تلك المقاصد سامية كل السمو، وجاذبة للجميع بحد ذاتها، ولكن الشيء المهم هو مدى قابلية تلك المقاصد للتحقيق. من حسن الحظ أن تلك المقاصد نفسها قد تم تطبيقها وتحقيقها بنجاح في زمن حضرة خاتم النبيين وخلفائه الراشدين الأطهار، حتى إن جغرافية العالم الإسلامي المعاصر لتشهد بهذا التحقق المشرق إلى يومنا هذا. فالعبرة ليست بجمال المقاصد بقدر ما تكون بمدى تحققها على أرض الواقع.

وراثة النبوة.. وراثة المهام

بالنظر إلى وقائع بعث النبيين عبر العصور نلحظ مشهدا لافتا للنظر، فالظرف الذي يبعث الله تعالى فيه النبي يكون ظرف عداء وتناحر بين الأقوام، إن لم نقل بين أبناء القوم الواحد، وكأنما الجميع مستظلون بظل بغيض لشجرة شيطانية خبيثة، فيأتي النبي من الله ليجعل من أولئك الأعداء المتنافرين إخوة متحابين رغم أنف الشيطان وحزبه الملاعين، ولا شك أن هذا التحويل من العداوة إلى المحبة هو أمر إلهي محض، حيث سبق القول:

وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (8).

وکما نعلم، فإن إصلاح ذات البین من مقاصد الدين الحنيف، وهو مقصد سامٍ أصيل ودعامة أساسية للأمن والاستقرار وسبب للسكينة والطمأنينة وسبيل نحو الاتحاد والتکاتف. لقد بین الله هذا الموضوع في القرآن مرارا وتکرارا بوصفه الوسیلة الأبرز لإفشاء السلام في العالم. یقول سیدنا الخلیفة الرابع رحمه الله:

“إن تعالیم القرآن الکریم عالمية، وقد لمس کل مشکلة محتملة، ووصف لها العلاج المناسب أیضا، فعلی سبیل المثال، نظر القرآن الکریم بعین الاعتبار إلی إمکان وقوع خلافات بین البلاد الاسلامية، التي قد تصل إلی حد أن تعتدي بعضها علی الأخری، وأن تتنازع وتتعارك. وعن هذا الاحتمال قال القرآن الکریم:

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ (الحجرات: 10)

إذا ما نشب مثل هذا النزاع بین قوتین مسلمتین، کان الواجب علی العالم الإسلامي بأجمعه أن یشترك ویسعی لإقرار السلام بينهما،

فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ

فاذا أصرت إحدی القوتین علی التمرد ولم تتوقف عن اعمال العدوان..فان الحل أن تتحد کل بلاد المسلمین و تکون یدا واحدۃ  لتخضع الفئة المتمردة وتقهرها.. فاذا أبدت هذه الفئة استعدادا للنزول علی أحکام الله تعالى وقبول أوامره..فیجب

أن تتوقف أعمال القتال علی الفور دونما تجاوزات ضدها. و تُبذل الجهود من جدید لإقرار السلام بین الطائفتین المتنازعتین. وأثناء بذل الجهود للمصالحة یجب ان تکون تقوی الله والقسطاس المستقیم في حسبان الجمیع ویعظ القرآن هنا مرة ثانية باستخدام العدل ویقول ’’إنّ الله یحب المقسطین‘‘.. ثم يقول القرآن المجيد ’’إنما المؤمنون إخوة‘‘…فاذكروا هذه الأخوة بين المؤمنين، وإذن ’’فأصلحوا بين أخويكم‘‘ معناه أن توطّدوا السلام بين إخوتكم…’’واتقوا الله لعلكم ترحمون‘‘(9).

 

الطریق الأفضل لإنقاذ العالم من الدمار

وفيما يتعلق بالجماعة الإسلامية الأحمدية، فإنها تخطو خطوات واسعة واثقة في سبيل إنقاذ العالم من الدمار حيثما وكلما سنحت لها الفرصة، يقول سيدنا أمير المؤمنين مرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز):

«… فإننا نعرِب بكل وضوح ونقول علنًا إنه ليس هناك سوى طريق واحد لإنقاذ العالم من الدمار والخراب الذي يتجه نحوه، وهو أن يسعى الجميع لنشر المحبة والمودة وشعور الوحدة، والأهم من ذلك، ينبغي على العالم أن يعرف خالقَه، الذي هو الله الأحد. فإن معرفة الخالق هي التي تقودنا نحو الحب والرحمة بخلقه، وعندما يصبح هذا جزءًا من سيرتنا لا يتجزأ، عندها نكون مستحقين لمحبة الله. إننا باستمرار نرفع صوتنا داعين إلى السلام في العالم”(10)

 

العدل أساس الأمن والسلام

الأمن والعدل لا ینفصلان، والله أمر الإنسان بالعدل وقدمه فوق اعتبارات القرابة فقال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ .

إن هذا هو الاساس لتحقیق الأمن في المجتمع وبه ینتشر الخیر فی کل الأرجاء. ويتحدث سیدنا الخلیفة الخامس جوابا علی سؤال عن ماهية معیار العدالة الذی یریدہ الإسلام فيقول حضرته:

“لقد جاء في قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (الآية 136)

حيث ينص على أنه عليك أن تشهد من أجل اقرار العدالة والدفاع عن الحق حتي ولو على نفسك، أو على والديك أو على أحباءك. فينبغي على البلاد القوية والغنية ألا تغتصب حقوق الدول الفقيرة والضعيفة لتحقيق مصالحها وألا تتعامل معها بطريقة غير عادلة. من ناحية أخرى، ينبغي على الدول الفقيرة والضعيفة ألا تسعى إلى إلحاق الضرر بالدول القوية الغنية كلما سنحت الفرصة. بدلاً من ذلك، يجب على الجانبين الالتزام الكامل بمبادئ العدالة؛ وفي الواقع هذه مسألة في غاية الأهمية للمحافظة على العلاقات السلمية بين الدول».(11)

الهوامش:

1. (سنن الترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله)

2. (صحيح البخاري، كتاب الجمعة)

3. (النمل: 15)

4. (البلد: 13-19)

5. (التوبة: 60)

6. (الروم: 42)

7. رجال الله والمساعي المشكورة، مجلة التقوى، عدد فبراير 2017.سامح مصطفى

8. (الأَنْفال: 64)

9. مرزا طاهر أحمد، کارثة الخلیج والنظام العالمی الجدید،  ص1و2

11. مرزا مسرور أحمد، الخطاب في مؤتمر السلام السنوي التاسع بالمملكةالمتحدۃ، 2012، من كتاب “الازمة العالمية والطريق الي السلام” ص52

12. مرزا مسرور أحمد، الخطاب في الکابیتول هِلْ، واشنطن 20

12ص27 من كتاب ’’ الأزمة العالمية والطريق الي السلام ‘‘ص107

Share via
تابعونا على الفايس بوك