الانتصار بالانكسار

الانتصار بالانكسار

أسامة عبد العظيم

  • سر حبنا لأصحاب مقام الخلافة على مر الأزمان.
  • رُبَّ انكسارٍ يورث إصلاحا وصلاحا.

___

سألني صديقي ذات مرة قائلا: ألا ترى أنكم تبالغون في تعظيم خليفتكم، وترددون كلمة الخلافة عشرات المرات في حديثكم؟ التفت إليه مبتسما، وقلت له: ليس ذلك فحسب، بل إن الأحمديين يحبون خليفتهم أكثر من حبهم لأنفسهم، ويدعون له في صلاتهم، ويحمدون الله تعالى كل يوم على نعمة الخلافة.

رمقني في تعجب، ثم قال:  هذا هو بالضبط الذي أقصده، فما سبب كل هذا الحب والتعظيم؟

قلت له: الله

خيَّم الصمت بيننا برهة، ثم قطعه صديقي قائلا:

عذرا، لم أفهم إجابتك، أسألك عن سبب تعلقكم بخليفتكم، فتجيبني بكلمة «الله»؟!

قلت له: نعم، الله هو سبب حبنا لخليفتنا، وهو من ألقى في قلوبنا تلك المحبة، فمن أحبه الله تعالى وضع له القبول في الأرض، ثم إن رغبتنا الصادقة في الوصول إلى الله تعالى هي سبب آخر لمحبتنا للخلافة، فنحن في هذه الدنيا تائهون يا صديقي، وكلنا يبحث عن مرشد ودليل يعيننا على الوصول إلى باب الله، ويرشدنا في طريق سيرنا عبر دروب التقوى الدقيقة.

أرأيت مسافرا يبلغ وجهته بغير مرشد ولا دليل؟!

فأي دليل لنا أفضل من شخص اختاره الله تعالى لإمامة جماعة الصادقين؟ وكيف لا نختار من اختاره الله نائبا لحبيبه المصطفى ، ولعبده المسيح الموعود في هذا العصر؟

وهل يملك أن ينير درب العرفان أحد غير إمام الوقت وخليفة الزمان؟

أولم تسمع قول الإمام الجنيد وأرضاه: «سبق في علم الله القديم ألا يدخل أحد لحضرته سبحانه إلا على يد عبد من عباده، لابد لك من شخص عارف بالله  يرشدك ويقيك المهالك أيها السالك، قال تعالى في سورة الكهف : مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا ”.

وقد أحسن الشيخ ابن عجيبة عنه حين قال:

“صلينا كثيراً و صمنا كثيرا، واعتزلنا كثيراً وذكرنا كثيراً ، و قرأنا القرآن كثيراً، والله ما عرفنا قلوبنا ولا ذقنا حلاوة المعاني حتى صحبنا الرجال أهل المعاني ، فأخرجونا من التعب إلى الراحة، ومن التخليط إلى الصفاء، ومن الإنكار إلى المعرفة.”

ونحن نشهد على صدق هذا الكلام، فما عرفنا ربنا حقا، ولا هامت قلوبنا عشقا لحبيبنا ومصطفانا محمد رسول الله حتى صحبنا خليفة المسيح أيده الله تعالى بنصره العزيز وبايعنا على يده.

لقد قال مولانا جلال الدين الرومي رحمه الله: «من يدخل الطريق بلا مرشد يستغرق مائة عام في رحلة لا تحتاج سوى يومين، ومن علامات رضاء الله على عبده، أن يلهمه مجالسة أهل الله وخاصته، فالعالم مصباح الله في أرضه، فمن أراد الله به خيراً اقتبس منه، وملازمة الشيخ المربّي تُرقّي وتُربّي، فصحبة العارفين ترتقي بك إلى حال الواصلين.”

هل عرفت يا صديقي لماذا نلوذ بأعتاب خلافة تتلو علينا آيات الله، وتعلمنا الكتاب والحكمة، وتزكينا؟

لأننا منذ بايعناها وتمسكنا بأعتابها، ونحن نحيا فى كرم متواصل من الله ما غاب عنا فيضه، ولا انقطعت عنا بركاته.

ارجو أن تكون الآن قد علمت لماذا نعظم الخليفة ونحب الخلافة، فمن أراد الوصول إلى الله تعالى، فعليه أن يلزم عتبة الصالحين، والخليفة الذي يختاره الله هو إمام الصالحين في كل عصر.

سئل أحد العارفين:

“كيف الوصول إلى الله عز وجل؟!

فأجاب قائلا: «إن الكسر هو أقوى حركات الإعراب، وهو الذّل والتواضع لله، ثم بعد ذلك يأتى الضم، وهو أن يضمك الله إلى حزب الصالحين، فإذا ضمك الله إلى الصالحين، جاء الفتح من الله، ثم يأتى بعده السكون الذي هو التسليم لله، والمعنى أن تأتي إلى أهل الله تعالى منكسر القلب أولا، فيضمك الله إليه، فيفتح عليك فتوح العارفين، فيسكن قلبك تحت مجاري الأقدار، وتتشرف بأن تكون في حضرة العزيز الغفار.

أطرق صديقي برأسه لحظات، ثم نظر إلي صامتا ولم يتكلم، فقلت له:

متى تنال الكسرة يا صديقي العزيز؟!

Share via
تابعونا على الفايس بوك