الإسلام والرق وقصة تحرير الانشان

الإسلام والرق وقصة تحرير الانشان

أسامة عبد العظيم

  • الإسلام المبتلى بمصيبتين
  • الإسىلام طوق نجاة الرقيق وخيارهم الأمثل
  • جماعة المسيح، وإراءة وجه الإسلام الصحيح

__

أصل الكذبة

لطالما كان الكذب والافتراء على الإسلام حيلةً من الحيل النفسية الشهيرة التي يستخدمها ضعاف الحجة والبيان من أعدائه للتملص من عيوبهم بإسقاطها على هذا الدين، وذلك ظنًّا منهم أن هجومهم على دين طاهر بريء سيحول الأنظار عن أخطائهم وكوارثهم،   فبدلًا من أن يسعوا جاهدين للخروج من مستنقع وحلهم الحمئ، أرادوا أن ينسبوا القبح لغيرهم كي يحولوا عنهم أنظار اللائمين. هذا هو الوصف الدقيق لما تلوكه اليوم أفواه بعض المنصرين والمتنصرين الحاقدين على الإسلام من أكاذيب وافتراءات، من مثل اتهام الإسلام تهمة سمجة سخيفة .. وهي أنه دين يدعو لاسترقاق البشر واستعبادهم وبيعهم في أسواق النخاسة، وأن المسلمين الأوائل بقيادة محمد خاضوا الحروب لاقتناء العبيد،  ولينتهكوا حرمة النساء تحت مسمى ملك اليمين…

الإسلام المبتلى بمصيبتين!

وإن تعجب فعجب أن تصدر تلك الترهات والأكاذيب من أفواه شيوخ مسلمين يتصدرون المجالس ويتكلمون باسم الدين، فيخرج بعضهم ليقول إن سبب الأزمات التي يعيشها المسلمون اليوم هو ترك الجهاد، لأن الجهاد كان وسيلة لكسب العبيد والإماء، وبيعهم في أسواق النخاسة! فإنا لله على مصيبة الإسلام،  فهل خلص من نفوس حاقدة تروج لتلك التهم البذيئة بحقه حتى يُبتلى بشيوخ الفتنة الجهلة الذين يصدقون كذبات أعدائه،  فيقدمون للدنيا صورة قبيحة لأجمل دين؟!

دين تحرير الرقاب

وبسبب هذا الفهم السقيم لموقف الإسلام من قضايا العبودية، خرجت جماعات متطرفة تعيث في الأرض فسادًا، وتغير على أتباع الديانات الأخرى بغير وجه حق،  فتقتل أبناءهم وتستحيي نساءهم، وتدعي كذبًا وبهتانًا أنها تفعل ذلك باسم الله عز وجل وأسوة برسوله .. والله ورسوله من تلك الجرائم براء .. وعلى الجانب الآخر هجرت ثلة من الشباب المسلم  دينها، وتخلت عن عقيدة الإسلام،  وانضمت لركب الملحدين .. وذلك بعد أن أبت نفوسهم وفطرتهم تلك الصورة المزرية التي يقدمها بعض الشيوخ بجهلهم،  وتقدمها تلك الجماعات المتطرفة بإفسادها في الأرض باسم الدين.

فهل رأت الدنيا من قبل  دينًا يدعو لتحرير الرقاب منذ أول يوم جاء فيه مثل دين الإسلام، حيث ظهر محتوى الخطاب من عنوانه، واتضح أن لب الدين هو حرية الإنسان، وكل إنسان على ظهر الأرض مشمول بهذا الحق الذي كفله الإسلام لأهل الأرض جميعًا، بغض النظر عن فوارق الدين واللون والعرق واللسان، فقد نزل القرآن الكريم مرغبًا في فك الرقاب في أوائل السور المكية فقال تعالى :

فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ (1)

هل رأت الدنيا دينًا يلح إلحاح الإسلام على فك الرقاب وتحرير الأسرى، جعل عتق العبيد قربة من القربات وكفارة من الكفارات؟! ليس قولًا فحسب، بل مبدأ راسخًا تصدقه أفعال النبي وصحابته الكرام بتحرير عشرات بل مئات العبيد والإماء على أيديهم!

الإسىلام طوق نجاة الرقيق وخيارهم الأمثل

من عجيب المفارقات أن دين الإسلام المتهم حقدًا وظلمًا وزورًا بالتأصيل للعبودية والرق، كان من أوائل معتنقيه والمجاهدين في سبيله من طائفة العبيد والمسترقين في مكة والمدينة، فقد كان من أوائل المسلمين من نعلمهم، كسيدنا بلال الحبشي وسيدنا صهيب الرومي ممن أسلموا في مكة، ثم سيدنا سلمان الفارسي الذي بلغته رسالة الإسلام في المدينة..

وبسبب هذا الفهم السقيم لموقف الإسلام من قضايا العبودية، خرجت جماعات متطرفة تعيث في الأرض فسادًا، وتغير على أتباع الديانات الأخرى بغير وجه حق،  فتقتل أبناءهم وتستحيي نساءهم، وتدعي كذبًا وبهتانًا أنها تفعل ذلك باسم الله عز وجل وأسوة برسوله .. والله ورسوله من تلك الجرائم براء ..

فعلى سبيل المثال لا الحصر، نرى أن الصحابي سلمان الفارسي معدودًا من بين رواة الحديث النبوي، وهو أول الفرس إسلاماً؛ أصله من بلاد فارس، ترك أهله وبلده سعيًا وراء معرفة الدين الحق؛ فانتقل بين البلدان ليصحب الرجال الصالحين من القساوسة، إلى أن وصف له أحدهم ظهور نبي في بلاد العرب، ووصف له علامات ليتحقق منه. اتفق سلمان مع قوم من بني كلب لينقلوه إلى بلاد العرب، فغدروا به وباعوه إلى يهودي من وادي القرى، ثم اشتراه يهودي آخر من يثرب من بني قريظة، ورحل به إلى بلده. وعند هجرة النبي محمد إلى يثرب، سمع به سلمان، فسارع ليتحقق من العلامات، فأيقن أنه النبي الذي يبحث عنه. فأسلم، وأعانه النبي وأصحابه على مُكاتبة مالكه، حتى أُعتق. بعد عتقه، شهد سلمان مع النبي غزوة الخندق، وهو الذي أشار على النبي بحفر الخندق لحماية المدينة من قريش وحلفائها، ثم شهد معه باقي المشاهد. وبعد وفاة النبي ، شهد سلمان الفتح الإسلامي لفارس، وتولى إمارة المدائن في خلافة عمر بن الخطاب إلى أن توفي في خلافة عثمان بن عفان.

أفأبصرت أعين أهل الدنيا دينًا تهوي إليه قلوب العبيد والإماء فيعلنون دخولهم فيه طواعية من أول يوم، ويتحملون في سبيله أشد ألوان العذاب؟!

أفأبصرت أعين أهل الدنيا دينًا ينال فيه بلال العبد الحبشي مكانة عظيمة كأنه سيد وحر يتباهى بإيمانه الذي ردَّ إليه إنسانيته ومنحه حريته وسيادته بين الجميع ؟!

أم أبصرت أعين أهل الدنيا دينا تسمو فيه مكانة سلمان حتى يقول له نبي الإسلام: «سلمان منا آل البيت» .. ويتملك حب سيدنا محمد قلب زيد وهو يومئذ عبد مسترقٌّ،  حتى يقال له: اذهب فأنت حُرٌّ مع أبيك وعمك فيرفض ويأبى أن يفارق رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم .. لما يرى في بيته من حبّ وكرامة،  وبين المجتمع من تقدير واحترام حتى ينادى بين الناس: زيد بن محمد؟

وإذا كانت أمريكا تعلن بين بلاد العالم بكل فخر أنها أول من ألغى الرق والعبودية في عام 1860 م،  وذلك على يد الرئيس الأمريكي «إبراهام لنكون»،  وله الشكر في هذا الإعلان .. فالحق أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يستحق الفخر بمثل هذا الإعلان .. لأن النبي الأكرم محمدا هو أول من أعلن تحرير الإنسان قبل أن يتم اكتشاف أمريكا وقبل أن تصدر إعلانها هذا بأكثر من عشرة قرون.

جماعة المسيح، وإراءة وجه الإسلام الصحيح

لقد أبى الله إلا أن يبريء ساحة هذا الدين العظيم .. ويبيض وجه المصطفى .. وينفي عن الإسلام تحريف الغلاة والمبطلين .. فبعث عبدًا صالحًا من أمة النبي ،  وخادمًا صادقًا لشريعة الإسلام .. اختاره الله ليكون هو المسيح الموعود والمهدي المنتظر في آخر الزمان .. وهو حضرة مرزا غلام أحمد القادياني .. والذي أسس بأمر من الله تعالى جماعة الآخرين .. فتصدت لهؤلاء وأولئك في مزاعمهم الخاطئة عن الإسلام في شأن الرق والعبودية وملك اليمين .. وأزاحت الستار بفضل الله تعالى عن دين يفيض جمالًا ورحمةً ومحبةً وسلامًا.. وتلك هي حقيقة الإسلام الذي نزل على قلب محمد . من عجائب تصاريف القدر أن سهام الكذب لا تلبث أن ترتد في صدور الكاذبين المكذبين، فتنكشف سوءاتهم وعورات تحريفهم كتبهم وتزويراتهم تاريخهم الزاخر بصور الرق والعبودية،  والذين لما عجزوا عن إخفاء تلك السوءات رموا الإسلام بدائهم، فصدق عليهم قول «رمتني بدائها وانسلت»! لقد نسوا أو تناسوا أن الله تعالى يقيض لهذا الدين من يرد عنه كيد أعدائه في كل زمان .. وقد أُنيطت تلك المهمة الربانية في هذا الزمن الأخير بالأتباع الصادقين للنبي ، الذين هم جماعة الإمام المهدي والمسيح الموعود حضرة مرزا غلام أحمد القادياني لقد أوضحت الجماعة الإسلامية الأحمدية بكل جلاء أن الإسلام لم يكن له يد في مسألة الرق والعبودية،  وإنما جاء ليجد تلك العادة القبيحة واقعًا مترسخًا فارضًا نفسه ودينًا مجتمعيًّا لا يتصور الناس التخلي عنه .. فوضع خطة تغيير اجتماعي شامل تستحق أن تكون درسًا يتعلم منها أساتذة علم الاجتماع في أرقى جامعات الدنيا .. وكان من عظمة هذا الدين وعمق نظرته أن يبدأ خطة التغيير من داخل النفوس،  فجعل من فكرة استعباد الإنسان لأخيه الإنسان أمرًا قبيحًا في عيون وقلوب أتباعه والناس جميعًا،  ثم قرر لهم من الوسائل والآليات العملية ما ينقل به تلك الألوف المؤلفة من العبيد والإماء من ضيق العبودية إلى فضاء الحرية .. وسيظل التاريخ الإنساني شاهدًا على أكبر حركة تحرير للبشر قام بها الإسلام على يد النبي وأتباعه الصادقين،  ولم يسبقه إليها دين من الأديان .

وإذا كانت أمريكا تعلن بين بلاد العالم بكل فخر أنها أول من ألغى الرق والعبودية في عام 1860 م،  وذلك على يد الرئيس الأمريكي «إبراهام لنكون»،  وله الشكر في هذا الإعلان .. فالحق أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يستحق الفخر بمثل هذا الإعلان .. لأن النبي الأكرم محمدا هو أول من أعلن تحرير الإنسان قبل أن يتم اكتشاف أمريكا وقبل أن تصدر إعلانها هذا بأكثر من عشرة قرون.

إن الإسلام لم يكتف بإصدار إعلان لإلغاء الرق والعبودية،  فما أسهل الإعلانات البراقة حين لا تصاحبها خطة واضحة للتغيير! وما أضعف أثرها في مجال التغيير الاجتماعي لعادات باتت راسخة ومتجذرة في حياة الناس! نعم،  لقد أعلن الإسلام إلغاء الرق من أول يوم،  ونزلت آياته المكية الأولى بالدعوة إلى فك الأسارى وتحرير الرقاب، لكن هذا الدين العظيم قد أردف إعلانه بخطة عملية شاملة وطويلة المدى لتغيير تلك العادة القبيحة،  واقتلاعها من الجذور .. انطلاقًا من مبدأ الحرية الإنسانية والتكريم البشري الذي كفله الله تعالى لبني آدم، كل بني آدم، بغض النظر عن جنسهم أو دينهم أو لونهم أو عرقهم، حيث قال تعالى:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (2)

وبينما كان أهل أوروبا وغيرهم من حضارات الدنيا في الشرق والغرب يتقلبون في أوحال استعباد البشر،  وانتهاك كافة حقوقهم الإنسانية،  ومعاملتهم كالأشياء التي لا قيمة لها في الحياة غير الخدمة والتسخير، كان هناك بصيص نور من أمل يتراءى في قلب الجزيرة العربية على يد الإنسان الكامل والمطهر، والمصطفى .. وكان فجر جديد للحرية والكرامة يبزغ في سماء مكة، بحيث إن هذا النور قد أضاء للعبيد طريق العزة والكرامة في الشرق والغرب فجاؤوا نحوه ملهوفين مجذوبين ليجدوا دينًا لا يقبل فكرة استعباد الإنسان لأخيه الإنسان،  ولا يحل لأتباعه أخذ ثمن إخوانهم في الإنسانية باسم تجارة الرقيق،  ويجعل لكل من آمن به سبيلًا للتقرب إلى الله تعالى بقدر ما يكون سببًا في فك الرقاب وتحرير العبيد والإماء.

واليوم بعد أكثر من أربعة عشر قرنًا من بعثة النبي الخاتم محمد ،  ستظل الدنيا تشهد بالفضل لهذا الدين العظيم في القضاء تمامًا على أسوأ عادة قبيحة شهدتها البشرية وهي استعباد الإنسان لأخيه الإنسان تحت أي مسمى كان .. أما الأصوات الناعقة ضد الإسلام فلن تملك تغيير حقائق التاريخ الثابتة المستقرة،  فقط غاية ما تستطيع هو أن تنفث بعض سمومها بين حين وآخر،  ويبقى وجه الإسلام ناصعَ البياضِ إذ قيض الله له في الزمن الأخير خلافة إسلامية راشدة هي الخلافة الأحمدية لا تألو جهدًا في نفي غلو المغالين فيه، ورد شبهات المبطلين .. فالحمد لله رب العالمين.

الهواش

  1. (البلد: 12-14)
  2. (الإسراء: 71)
Share via
تابعونا على الفايس بوك