الرق تجارة القرن الحادي والعشرين الرائجة!!!

الرق تجارة القرن الحادي والعشرين الرائجة!!!

التحرير

  • العالم المعاصر يعترف بأن الرق ما زال موجودا، ولكن بمظهر مختلف.
  • كيف نافست الحداثة والتقدم التكنولوجى عتاة النخاسين القدامى؟

__

في الثاني من ديسمبر من كل عام يفترض بالعالم أن يحتفل باليوم العالمي لإلغاء الرِّق، وعلى الرغم من أن الإنسانية شهدت في القرون الأخيرة نقلة هائلة في قيم المساواة بين الأفراد والأعراق والشّعوب، إلا أنها ما زالت تُقاسي، وقد كان الرِّق أول قضية حقوق إنسان تثير قلقًا دوليًّا واسع النطاق، ومع انحساره من المشهد العام فإنه لا يزال مستمرًا في الخفاء، بل وباتت هناك ممارسات رق مقنَّع، هي أقبح صورة وأشد فظاعة. ففي شهر مايو 2014، عـيَّن مجلس حقوق الإنسان سيدة كمقررة خاصة معنية بأشكال الرق المعاصرة وأسبابه وعواقبه، في اعتراف ضمني بأمرين اثنين، أولهما أن الرق ما زال حاضرًا على مسرح التعاملات الإنسانية المعاصرة، ولم ينته كما يُزعم على يد الزعيم الأمريكي “أبراهام لنكولن”، فبعد مضي أكثر من قرنين على حظر العبودية بشكل رسمي، لا يزال نحو 29.8 مليون شخص على مستوى العالم يتعرضون لأشكال جديدة ومتنوعة من العبودية، بحسب مؤشر شمل 162 دولة. وحتى الاتفاقية الخاصة بمنع الرق التى وُقّعت فى جنيف فى سبتمبر 1926 والتي قِيل أنها وضعت الضمانات الكاملة للقضاء الكامل على الرق بجميع صوره وعلى الاتجار بالرقيق، ثبت فشلها الذريع، فما زال الرق كائنًا، وفي ازدياد مقلق، وتنوع أكثر إقلاقًا.

من كان ليتصور أن الحداثة والتقدم التكنولوجي سوف ينافسان عتاة النخاسين القدامى، إنه سوق وادي السليكون للاتجار بالبشر على سوق الإنترنت، والتي توصل إليها محركات البحث، بل تكون متوفرة عبر صفحات التواصل الافتراضي أيضًا، مفسحة المجال أمام سوق سوداء للعبيد على الإنترنت من خلال توفير تطبيقات تُستخدم لبيع وشراء خادمات في الأعمال المنزلية، وأعمال أخرى، في سوق عابرة للحدود والقارات.

ولقضية الرق جذور ممتدة في أعماق تربة التاريخ، حين كانت هذه الظاهرة نشاطًا اقتصاديًّا متعارفًا عليه لدى كل شعوب الأرض قاطبة، لذا لن يكون من العدل تناول الرق في ممارساته الأولى بالانتقاد، ولكن سنتطرق إلى الموضوع بداية من العصر الحديث، والذي نصطلح على تحديد بدايته بالكشوف الجغرافية الأوربية، وبداية بالحقبة الاستعمارية، عندما أَخضع الحكمُ الاستعماري تقريبًا القارّة الإفريقية، بأكملها  وقيّدَ أهلها من الرأس إلى القدمين في سلاسل العبودية السياسية، لم يكن عليهم أن ينتظروا طويلاً حتى تم تقييدهم يدًا وقدمًا في سلاسل العبودية الاقتصادية أيضًا. فالتوسعات الاستعمارية لا معنى لها دون إخضاع الشعوب اقتصاديًا. ولم  يمض على مجيء اللوردات السياسيين والاقتصاديين زمنٌ طويل، حتى لحق بهم الكهنة المسيحيون لابسين مُسوح التواضع والتضحية بالنفس. وقد بدا أن هدفهم من زيارة أفريقيا كان مُعارِضًا تمامًا لهدف طلائعهم السياسية والاقتصادية. “لم يأتوا ليستعبدوا”، هكذا قالوا، بل ليحرِّروا روحَ أفريقيا. ومن المدهش أن الأفارقة لم يتساءلوا عن هذا القصد النبيل المزعوم. لماذا لم يطلبوا، وباحترام، من قادة الكنيسة الأخيار المحِبين للبشرية، أن يجيبوهم على أنه: لماذا كان عليهم أن يُشفِقوا على أرواحهم.. أرواحهم وحدها؟! ألم يروا كيف أن أجسادهم قد استُعبدت دون شفقة أو رحمة؟! ألم يروا كيف سرقوا منهم حريتهم السياسية، بمتعةٍ وفرحٍ لا  يعير أيّ اعتبار للعدالة ولا لأحاسيس الشعوب ومشاعرها؟! ألم يروا كيف تم تقييدهم في سلاسل العبودية الاقتصادية؟! لماذا لم تأخذهم الرحمة والشفقة على حالاتهم الجسدية في الأسر؟! ولماذا كانوا فقط مهتمين بتحرير أرواح شعب مستعبَد؟! إن التناقض الكامن هنا واضح، ولكن واحسرتاه لم يكن الأمر واضحًا جدًّا لأولئك الذين سقطوا ضحية المخططات المسيحية؟! فبدا جليًّا أن الإرساليات التنصيرية قامت بهذا الدور خدمة لأهداف استعمارية واضحة، حتى أن مقولة الزعيم الأفريقي “جومو كينياتا” مؤسس كينيا الحديثة تعبر أبلغ تعبير عن ذلك الواقع، حيث قال: “حين جاء المبشرّون إلى أرضنا، كانوا يحملون بأيديهم الكتاب المقدس، ونحن كنا نملك الأرض، مرت سنوات، علمونا خلالها كيف نصلي بأعين مغلقة، وعندما فتحنا أعيننا، كنا نحمل الكتاب المقدس، بينما استولوا هم على الأرض”.

ويعبر مصطلح “العبودية الرقمية” عن طبيعة العلاقة التي أصبحت تربط الإنسان بالتكنولوجيا بشكل عام.

بالطبع إننا نؤمن يقينا ببراءة القيم المسيحية الأصيلة التي جاء بها السيد المسيح الناصري من كل ما لحق بها على أيدي المسيحيين المتأخرين الذين سقطوا هم بدورهم عبيدًا للقيم المادية في عصر الآلة.. نعم، إنه عصر الآلة الـمُصنعة الذي جعل من الإنسان سلعة، وعواطفه ومشاعره باتت شَرَكًا يُستَدرَج من خلالها، وإذا كان نخاسو الأمس بشرًا يجوبون الأسواق المتناثرة بقوافل الرقيق، فإن نخاسي اليوم يدخلون كل بيت بسوقهم السوداء، فيعرضون على مرأى منا ومسمع ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، لنشتري في الظاهر، ولكن في الحقيقة نكون نحن السلعة المشتراة.

وقد أخذ يظهر في الآونة الأخيرة مصطلح جديد، هو “العبودية الرقمية”، وهو مصطلح ذو مفهوم لا زال في بداية تشكله، وذلك لأن التكنولوجيا الرقمية لم تأخذ في الانتشار إلا في العقد الأخير من القرن الماضي. ويعبر مصطلح “العبودية الرقمية” عن طبيعة العلاقة التي أصبحت تربط الإنسان بالتكنولوجيا بشكل عام.

قراء التقوى الأعزاء، نهدي إليكم عدد هذا الشهر من مجلتكم “التقوى” الغرَّاء مُسلطًا الضوء على قضييتين متصلتين، الثانوية منهما مسألة الرق بشكل عام بتاريخه القديم والحديث، والثانية وهي أساس العدد، قضية استعباد وسائل الإعلام الحديثة لعقول الأحداث والبالغين على حد سواء، ونستنير بهذا الصدد بخطبة من خطب حضرة أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) يذكر فيها جوانب من سيرة حضرة عمر الفاروق ، ويتطرق من خلالها إلى أن استشهاده ألقى ضوءًا ساطعًا على حقيقة ريادة الإسلام في تحرير العبيد.

ولأن تقوانا ينبغي أن تبنى على أساس علمي سليم، نأمل أن يعزز تصحيح معلومات التاريخ فينا وفيكم غرس التقوى، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك