إلا من أبى.. وإن عدتم عدنا

إلا من أبى.. وإن عدتم عدنا

التحرير

  • فأي درس يمكن تعلمه من تكرار حادث حرق المسجد الأقصى؟
  • وهل للتشابه الزمني دلالة ما بهذا الصدد؟

___

كلا، إنها ليست صدفة..

أن يقع حريق بيت المقدس ثلاث مرات، كلها في شهر أغسطس (آب)

الحريق الأول: على يد نبوخذ نصر البابلي..

والثاني: على يد “تيتوس” الروماني بعد حادث الصلب بما يقرب من ٤٠ عاما.. وتحديدا في العاشر من أغسطس سنة 70م. وقد كان الإمبراطور “تيتوس” الروماني بحسب رواية المؤرخ “يوسيفوس” ينوي في بادئ الأمر أن يبقي على الهيكل كعمل معماري رائع يحفظ ذكرى انتصاره. وعندما هددت ألسنة النيران قدس الأقداس، شق طريقه بصعوبة بين اللهيب والدخان، فوق جُثث القتلى، وتلك التي كانت بين الحياة والموت حتى ما يحصر النيران. لكن جنوده كانوا في حالة هياج هستيري نتيجة المقاومة العنيدة التي أبداها اليهود، والطمع في كنوز الهيكل الذهبية فلم يكن في الإمكان إيقافهم عن أعمال التخريب، كانت الأروقة المحيطة بالهيكل هي أول ما احترق منه. ثم ما لبث أن طرحت كتلة نارية عبر البوابة الذهبية. وعندما تصاعدت ألسنة اللهب أطلق اليهود صرخات هستيرية مفزعة، وحاولوا إخماد النار بينما وجد آخرون عزاءهم وهم يتعلقون بآخِر أمل في خلاص المسيح بأن يروجوا نبوءة مكذوبة مفادها أن الله وسط حريق الهيكل وسيعطي علامة الخلاص لشعبه، تنافس الجنود الرومان في إذكاء ألسنة النيران، وسرعان ما تحول كل البناء الضخم إلى شعلة نارية أضاءت السماء..

أما الحريق الثالث فعلى يد المستوطنين اليهود عام 1969.. ففي صباح 21/8/1969 وعند الساعة السادسة وعشرين دقيقة صباحا، أشعل شاب يهودي يدعى “وليم روهان” النار في المسجد الأقصى، واستمر اشتعال النيران في المسجد حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، مما أدى إلى حرق وتدمير منبر صلاح الدين، وحرق وإتلاف معظم خشب السقف الجنوبي منه، وأوشكت النار أن تطال قبته. وفي ذلك اليوم قامت سلطات الاحتلال بقطع المياه عن منطقة الحرم فور اندلاع الحريق، وحاولت منع المواطنين العرب وسيارات الإطفاء التي هرعت من البلديات العربية من القيام بإطفائه، وكاد الحريق يأتي على قبة المسجد لولا استماتة المواطنين العرب (مسلمين ومسيحيين). فقد اندفعوا عبر النطاق الذي ضربته قوات شرطة الاحتلال، وتمكنوا من إطفاء الحريق. وادعت السلطات في البداية أن تماساً كهربائياً كان السبب في الحريق. ولكن تقارير المهندسين العرب أوضحت بجلاء أن الحريق كان بفعل أيدٍ مجرمة مع سبق الإصرار والتصميم، الأمر الذي اضطر الحكومة إلى الادعاء بأنها قبضت على الفاعل وهو شاب يهودي استرالي يدعى «دنيس» كان دخل فلسطين المحتلة قبل أربعة أشهر من وقوع الحريق، وأنها ستقدمه للمحاكمة. ولكن لم يمض وقت طويل حتى أعلنت أن دنيس هذا شخص معتوه وأطلقت سراحه. (1)

ولدى الأخذ في الاعتبار أن وراء كل الظواهر المتكررة في هذا الكون سرا ندرك أن وراءه تكمن حقائق الأشياء..

فما السر المخفي وراء وقوع حريق القدس في شهر أغسطس (آب) ثلاث مرات متفرقة عبر التاريخ؟!!

إنه الإباء! وليتنا ننتبه إلى الجناس بين لفظة «إباء» مصدرا للفعل «أبى» ولفظة «آب» اسمَ فاعل مشتقا منه.. فيا له من جناس لافت للنظر!

فشهر أغسطس/ آب هو مجرد إشارة رمزية إلى الإباء العربي والاعتزاز المشيخي المعهود الذي يأبى تصلفا أن يقبل المسيح الموعود ، فيحق عليه القول: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ . (4)

سنحاول هذه المرة الوقوف في صف القائلين بعنصر المصادفة، ولن نلح على فكرة القول بالارتباط بين تكرر المأساة في نفس الشهر على مدار ثلاثة أوقات تاريخية متفرقة لأمتين اثنتين ادعت كلتاهما أنها شعب الله المختار، كبرا وعلوا!

ومن جماليات الأسلوب القرآني أن يرد الفعل «أبى» عشر مرات خلال النص القرآني، مرة واحدة في حق الله، فهو الأجدر بالتكبر والإباء، وهو صاحب الحسنى من الأسماء، تعالى شأنه وجلت قدرته، أما التسع الباقيات فوردت في حق المعرضين المستكبرين.

قال حضرة خاتم النبيين   :

«كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»(2).

فنحن الآن بإزاء حقيقة روحانية مفادها أن الكسر عاقبة كل الأباة عبر التاريخ قديما وحديثا، وهذه الحقيقة جارية مجرى السنن، وقد لفت المسيح الموعود أنظارنا إليها في معرض نظمه في نعت القرآن المبين وحضرة خاتم النبيين حيث قال(3)

سراة الحي جاءوا نادمينا

فرحم المصطفى بحر الحنان

.

وأما الجاهلون فما أطاعوا

فأعدمهم فؤوس الاحتفان

.

سقوا كأس المنايا ثم سيقوا

إلى نار تلوح وجه جان

.

فهذا أجر جهل الجاهلينا

من الرحمن عند الاستنان

.

وما كان الرحيم مذل قوم

ولكن بعد ظلم وافتنان

.

وهل حدثت من أنباء أمم

رأوا قبحا بأفعال حسان؟!

فشهر أغسطس/ آب هو مجرد إشارة رمزية إلى الإباء العربي والاعتزاز المشيخي المعهود الذي يأبى تصلفا أن يقبل المسيح الموعود ، فيحق عليه القول:

ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ . (4)

عزيزي قارئ التقوى، نهدي لك هذا الشهر باقة من المواد المتنوعة ما بين مقالات تاريخية وفقهية وخواطر أدبية، وكل من تلك المواد يأخذ من تلك الحقيقة المذكورة أعلاه. فنسأله تعالى أن تكون كلمات هذا العدد محل قبول، آمين.

الهوامش:

  1. نقلا عن وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا).
  2. صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.
  3. حضرة مرزا غلام أحمد القادياني، الخزائن الروحانية، مجلد 8، نور الحق، قصيدة «إلى الدنيا أوى حزب الأجاني».
  4. (الدخان: 50)
Share via
تابعونا على الفايس بوك