دعاء المتقين وسيلة النجاة الأخيرة لإنقاذ العالم

دعاء المتقين وسيلة النجاة الأخيرة لإنقاذ العالم

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • أي شروط تجب لكي يعمل دعاء المتقين عمله بحق المدعو لهم؟
  • هل لدعاء الصلحاء وأمنياتهم علاقة بسلام العالم؟

 ___

تنويه: العنوان الرئيسي والعناوين الجانبية من إضافة أسرة التقوى

خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي بتاريخ 14/10/2022م

في بيت الرحمن، في ميري لاند، بالولايات المتحدة

بعد التشهد والتعوذ وقراءة سورة الفاتحة استهل حضره الخطبة

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يوْم الدِّين * إيَّاكَ نعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ ، آمين.

من لا يشكر الناس لا يشكر الله

إنها منّة الله الكبيرة عليكم، وفضله العظيم على الجماعة الأحمدية، وعلى الذين وصلوا إلى هذا البلد، أنه  وفقهم للمجيء إلى هذا البلد المتطور، وخاصة أولئك الذين جاؤوا إلى هنا خلال السنوات القليلة الماضية من باكستان وما زالوا يأتون، فإنهم هاجروا من باكستان لأن ظروف الأحمديين هناك تزداد صعوبة وشدة، وبالتالي أصبح من الصعب العيش هناك. ومن هذا المنطلق يجب على الأحمديين أن يكونوا شاكرين لهذه الحكومات التي هيأت لهؤلاء المظلومين مكانًا للعيش هنا.

الظن لا يغني من الحق شيئا

ولكن أعظم منة من الله تعالى علينا -نحن الأحمديين- هي أنه وفقنا للإيمان بإمام الزمان وبالمحب الصادق للنبي . فمهما شكرنا الله تعالى على هذه المنة لا نستطيع أداء حق شكره. أما الشكر لله تعالى فهو أن نعمل وفق أوامره تعالى، ونؤدي حق عبادته وحقوق خلقه، ولن يتأتى ذلك إلا إذا أدينا حق بيعتنا للمسيح الموعود لأنه هو الإمام الذي  أقامنا في هذا العصر على تعاليم الإسلام الحقيقية وفق نبوءة سيدنا محمد رسول الله . ينبغي على كل أحمدي أن يضع هذا الأمر نصب عينيه أي أننا لا نستطيع أن نتلقى تعليم الإسلام الحقيقي إلا عن طريق المسيح الموعود ، لأنه ذلك الشخص الذي حباه الله تعالى في هذا العصر علوم القرآن الكريم ومعارفه،  ووهب له  علم الإسلام الحقيقي، فإنه ذلك هو المحب الصادق لمحمد رسول الله ، ويريد أن يربينا وفق تعليم النبي وسنته. ولابد لنا أن نتطلع إلى المسيح الموعود من أجل أن نكون مسلمين حقيقيين ونجعل حياتنا وفق الطرق التي علمناها، ونقوّي إيماننا، ونكمله ويقيننا ببعثة حضرته واعتباره حكمًا عدلا ولا بد لنا أن نكون على يقين تام بأنه لا يسع المرء العمل بتعليم الإسلام الحقيقي إلا من خلال اتباع الطريق الذي علمه حضرته . يقول حضرة المسيح الموعود   ناصحا مبايعيه بالتحلي باليقين الكامل والإيمان الخالص:

«الذي يؤمن ينبغي أن يتقدم بعد الإيمان إلى اليقين والعرفان، (أي لا يكفي الإيمان وحده، بل ينبغي أن يتولد لديه يقين ومعرفة أيضا ليعرف لماذا بايعنا) بدلا من أن يكون عرضة للظنون بعد ذلك. (أي ينبغي ألا ينشأ في قلبه سوء الظن بعد ذلك بحيث يتساءل لماذا حدث هذا ولماذا حدث ذلك، أي يجب ألا تنشأ لديه أسئلة حول إيمانه. اعلموا أن الظن لا يفيد، يقول الله تعالى:

إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (1).

ومن شأن اليقين أن يجعل الإنسان ناجحا، ولا يتم شيء بغير اليقين. وإذا أساء الإنسان الظن في كل شيء فلن يقدر على العيش في هذا العالم لحظة واحدة، بل لعله لن يشرب الماء أيضا، إذ قد يخطر بباله أن أحدا يكون قد دسّ السم فيه، ولن يأكل شيئا من السوق ظنا منه أنه قد يكون مدسوسا فيه شيءٌ قاتل، فكيف سيعيش؟      هذا مثل بسيط، ولكن الإنسان يستطيع أن يستفيد منه في الأمور الروحانية. فكروا الآن وقرروا في أنفسكم أنكم بايعتم على يدي وآمنتم بي حَكَما عدْلا، فحين يتكدر قلبكم أو يضيق صدركم بعد هذا الإيمان بسبب حُكم من أحكامي وفعل من أفعالي فعليكم أن تنتهبوا إلى كيفية إيمانكم. الإيمان الذي تشوبه شوائب الشبهات والأوهام لن يسفر عن نتيجة حسنة. ولكن إذا آمنتم بصدق القلب أن المسيح الموعود حَكَم فعلا فعليكم أن تستسلموا أمام حُكمه وفعله، واحترموا قراراته لتكونوا من الذين يُكرمون ويعظّمون كلام النبي المقدسَ. إن في شهادة النبي كفاية، فقد طمأن أن المسيح الموعود سيكون إمامكم منكم ويكون حَكَما عدلا. وإن لم تطمئّنوا بذلك فمتى وكيف تطمئنون؟ هذا الأسلوب ليس محمودا قط ولن يكون مباركا أن تؤمنوا ثم تكنِّوا ظنونا سيئة أيضا في زوايا قلوبكم. (أي إذا كنتم تظهرون إيمانكم وإلى جانب ذلك تنشأ في داخلكم ظنون سيئة تجاه بعض الأمور فلن يكون إيمانكم مباركا). يقول حضرته: الذين أنكروني والذين يعترضون عليَّ ما عرفوني، والذي آمن بي ثم ييعترض أيضا فهو أشقى من غيره لأنه عمِيَ بعد البصيرة.»

فهذا هو مستوى الإيمان المطلوب الذي ينبغي أن نتحلى به جميعًا.

أحسنوا الظن بالخلافة

لقد أخبرنا المسيح الموعود عن بدء الخلافة بعده، وليس ذلك فحسب بل قد أنبأ النبي أيضا  باستمرار الخلافة إلى يوم القيامة بعد مجيء المسيح والمهدي، فإن الخلافة الأحمدية لهي نظام يمثل استمرارًا لطريق المسيح الموعود ، وإنه لنظام لاستمرار قرارات ذلك الحكم العدل. كل أحمدي يتعهد بالارتباط بالخلافة وطاعتها، بالتالي أصبح من واجب كل أحمدي الارتباط بالخلافة وتحقيق عهد الطاعة معها وإلا فستبقى بيعته ناقصة. فعلى كل أحمدي أن يسعى دومًا لزيادة إيمانه ويقينه من هذا المنطلق أيضا.

ثم يقول المسيح الموعود وهو ينصح جماعته بالتدبر في القرآن الكريم وفهمه:

«أؤكد مرارا للذين هم على صلة بي أن الله قد أقام هذه الجماعة لكشف الحقائق لأنه لا ينشأ نور في الحياة العملية بدونها. وأريد أن يَظهر للعالم حُسن الإسلام بصدق العمل، وقد أمرني الله بالقيام بهذه المهمة. لذا فاقرؤوا القرآن الكريم بكثرة، لا باعتباره مجرد قصص، بل باعتباره فلسفة وعلما حقيقيا“.

فعلى الجميع أن يحاسبوا أنفسهم ويروا ما إذا كانوا قد انغمسوا في الأشغال الدنيوية ونسوا الهدف من بيعتهم أم لا. لقد قال المسيح الموعود  أن الله تعالى بعثه لإفهام علوم القرآن الكريم ومعارفه وأحكامه والعمل بها، فعلى الداخلين في سلسلة بيعته أن يدركوا أهمية هذا الأمر وليتدبروا علوم القرآن ومعارفه، وليسعوا جاهدين لفهم معانيه وتفسيره، ولن يتحقق ذلك بدون سعينا لمطالعة الخزائن الروحانية وفهم الكتابات التي أعطاناها المسيح الموعود . لقد قال حضرته بأن القرآن الكريم ليس قصصًا وحكايات بل هو خطة عمل للحياة ومن واجب المسلم الأحمدي العمل بها. فإن نسينا هذا الهدف بعد وصولنا إلى هذه البلاد وانغمسنا في مشاغل الدنيا، ولم نسع لتحويل أجواء بيوتنا وفق تعاليم القرآن الكريم فإن أولادنا وذرارينا ستبتعد عن الدين، الأمر الذي سيعد نكرانًا لأفضال الله تعالى بدلا من شكره عليها.

«الذي يؤمن ينبغي أن يتقدم بعد الإيمان إلى اليقين والعرفان، (أي لا يكفي الإيمان وحده، بل ينبغي أن يتولد لديه يقين ومعرفة أيضا ليعرف لماذا بايعنا) بدلا من أن يكون عرضة للظنون بعد ذلك. (أي ينبغي ألا ينشأ في قلبه سوء الظن بعد ذلك بحيث يتساءل لماذا حدث هذا ولماذا حدث ذلك، أي يجب ألا تنشأ لديه أسئلة حول إيمانه. اعلموا أن الظن لا يفيد، يقول الله تعالى: إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (1).

إذن، نحن بحاجة ماسة إلى التأمل والتدبر. يجب على كل أحمدي سواءأكان من الأحمديين القدامى أم  من المولودين هنا أو ممن جاؤوا إلى هنا مهاجرين، أن يكون نوال قرب الله تعالى وأداء حق عبادته وتلاوة كتابه العزيز وفهمه والعمل به نصب أعينهم دائما، عندها فقط نستطيع أن نؤدي حق بيعتنا. الذين جاؤوا إلى هنا مهاجرين فقد وصلوا هنا ناجين من معارضة الناس، ولكن لو لم يعملوا بأوامر الدين ولم يسعوا جاهدين لفهم القرآن لن يرثوا أفضال الله تعالى. كذلك يجب أن يعرف الذين بايعوا حديثا أو الذين يسكنون هنا منذ مدة أن البيعة وحدها لا تحقق المقصود، وإنما سيتحقق الهدف المنشود عندما نتلو كتاب الله ونفهمه بشكل جيد.

يقول سيدنا المسيح الموعود : «أقول صدقا وحقا إن الله تعالى قد هيأ هذه الفرصة المواتية لسعداء الحظ. فمباركون أولئك الذين يغتنمونها كما ينبغي. فيا من أنشأتم علاقتكم بي، لا تغترّوا ظانين أنكم قد نلتم كل مبتغاكم. صحيح أنكم أقرب إلى السعادة من الذين أنكروا وأسخطوا الله تعالى بشدة إنكارهم واستخفافهم. صحيح أنكم أحسنتم الظن وبذلتم قصارى جهدكم لإنقاذ أنفسكم من غضب الله، ولكن الواقع أنكم اقتربتم من النبع الذي فجَّره الله تعالى للحياة الأبدية، ولكن بقي أن تشربوا منه. فاسألوا الله تعالى فضلَه حتى يُرويكم من هذا النبع، إذ لا يتم شيء بدون فضل الله . أعلم يقينا أن الذي يشرب من هذا النبع لن يهلك، لأن ماءه يهب الحياة وينقذ من الهلاك ويحمي من هجمات الشيطان. ولكن ما السبيل للارتواء من هذا النبع؟ إنما سبيله أن تؤدوا الحقَّينِ اللذَين أوجبهما الله عليكم أحسن أداء، أحدهما حق الله وثانيهما حق الخَلق. آمِنوا بربكم واحدا لا شريك له كما تقرون من خلال الشهادة: أشهد ألا إله إلا الله، أي لا محبوب لي ولا مطلوب ولا مطاع سوى الله. ما أجمل هذه الجملة ! لو عُلِّمها اليهود والنصارى أو غيرهم من المشركين وعبدة الأوثان وفهموها لما هلكوا قط. ولعدم وجود هذه الشهادة حلّ بهم الدمار والمصيبة حتى هلك قومهم.

البيعة باللسان فقط لا تكفي

انظروا كيف طمأن المسيح الموعود وقدم ضمانا أنكم اقتربتم إلى النبع وبايعتم، فلو شربتم من هذا النبع لنلتم البركات، وإلا ستكون بيعتكم مجرد قول بأفواهكم فقط. أما إذا عملتم بما أقررتم فلكم ضمان أنكم لن تهلكوا روحانيا. من الواضح أن المسيح الموعود جاء لتنفيذ أوامر الله تعالى، فقال، اعلموا جيدا أن البيعة وحدها لا تكفي، بل الله يريد العمل. والذي يكسب الأعمال لا يُحرم من أفضال الله تعالى ولا يهلك. والعمل لن يتسنى  ما لم تصدر شهادة «لا إله إلا الله» باللسان ومن الجَنان، وحين لا تحبون أحدا أكثر مما تحبون الله، ولا تتمنون شيئا سوى رضا الله تعالى وتطيعون أوامر الله تعالى طاعة كاملة. والآن كل واحد يستطيع أن يفحص نفسه هل فعلا نحب الله تعالى أكثر من كل شيء آخر عندما نشهد بـ لا إله إلا الله؟ وهل نوال رضا الله تعالى هو غايتنا الحقيقية، وهل نطيع أوامر الله تعالى حق الطاعة أم لا؟ إذا كنا غير ملتزمين بالصلاة ولا نحضرها فورا ملبين دعوة الله وتاركين أعمالنا الدنيوية، ففي هذه  الحال نحن نردد الشهادة باللسان فقط بينما الشرك كامن في قلوبنا. وإن أعمالنا الدنيوية حائلة بيننا وبين الله. أما المؤمن الحقيقي فيكون ثابتا على يقين أن    تجارته وأعماله تُبارَك بفضل الله تعالى فقط. فإذا كان الأمر كذلك، وهو هكذا فعلا، فكيف يمكن أن تحول أعماله بينه وبين الله؟! وإذا كانت الحال على هذا المنوال فهذا يعني أننا لم ندرك حقيقة الشهادة، بل  نرددها باللسان فقط بينما لا تُصدقها أعمالُنا. لقد اقتربنا من نبع الماء ولكننا لا نمد يدنا للشرب منه. فيقول إذا كانت الحال هكذا فنحن لم نؤد حق البيعة. إن كلمة الشهادة لا توجهنا وتلفت أنظارنا إلى أداء حق الله فقط بل توجهنا أيضا إلى أداء حقوق العباد كما أمرنا الله تعالى. وعندما يؤدي المرء هذه الحقوق عندها يصبح مؤمنا حقيقيا وعندها فقط يكون الأحمدي أي المسلم الحقيقي قد أدى حق البيعة.

الصالح يكون سببا في نجاة من حوله

يقول ناصحا مبايعيه:

«البيعة على يدي تتطلب منكم موتًا لكي تحظَوا بولادة جديدة في الحياة الجديدة. (أي يجب أن تنالوا حياة جديدة بعد البيعة، وإن لم تنالوا تلك الحياة الروحانية وتبقى الرغبات والأولويات الدنيوية قائمة على حالها فلا فائدة من البيعة) إذا لم تكن البيعة من القلب فلا فائدة منها. إن الله تعالى يريد إقرار القلب من خلال بيعتي. فالذي يقبلني بقلب صادق ويتوب عن ذنوبه توبةً نصوحًا يغفر له الله الرحيم الكريم بإذنه تعالى، ويصبح وكأنه خرج من بطن أمه، فتحميه الملائكة. فإذا كان هناك شخص واحد صالح في قرية فسوف ينقذ الله القرية كلها من الدمار من أجل ذلك الصالح. ولكن عندما يحل الدمار يصيب الجميع، ولكن الله تعالى مع ذلك ينقذ عباده الصالحين بطريقة ما. وإن من سنة الله أنه إذا كان هناك صالح واحد يُنقذ بسببه الآخرون أيضا.»

إذن، يجب أن تتذكروا قبل كل شيء أن الله تعالى يقبل فقط أدعية عباده المخلصين وأعمالهم. فيجب أن نسعى جاهدين لأن تكون أعمالنا مستحقة لرضوان الله تعالى.

لاحظوا، الآن تعملون أعمالا دنيوية وترحمون أنفسكم وأهليكم (أي تهتمون بحاجاتهم) وترحمون أولادكم، وكما أنكم ترحمونهم (من الناحية المادية) كذلك هناك أسلوب آخر أيضا، ذلك بأن تدعوا لهم في الصلاة. ادعوا في الركوع وفي السجود أن يرفع الله هذا البلاء وينقذ من العذاب. والذي يدعو لا يُحرم ولا يمكن أبدا أن يهلك كغافل نجس

واجب الصلحاء وسلام العالم

الظروف السائدة في العالم حاليا توحي بأن دمارا شاملا يحلق فوق رؤوسنا. لقد أدلى الرئيس الأميركي بالأمس ببيان قال فيه أنه إذا استخدم الرئيس الروسي أسلحة نووية فستظهر ردة الفعل من الجانب الآخر أيضا. ونتيجة لهذه الحرب العالمية النووية سيحل الدمار في العالم كله. فلا يظننّ الساكنون في هذه البلاد ممن جاؤوا إلى هنا مهاجرين أنهم في مأمن، بل الحق أنه ليس هناك مكان آمن في العالم.

حين تثور ثائرة قادة هذه القوى العظيمة لا يبالون بشيء، ففي هذه الظروف من واجب الأحمديين أن يدعوا ويخلصوا عباداتهم لله لأن الله تعالى يُنقذ الآخرين أيضا من أجل عباده الصالحين المخلصين له كما قال المسيح الموعود ، وهذا ما نعلمه من كتاب الله القرآن الكريم. فلا يظنن أحد أننا بسبب مجيئنا هنا أصبحنا آمنين وصار مستقبل أولادنا مأمنا، كلا، بل نمر بظرف خطير للغاية ولا يستطيع أن يحمينا  فيه إلا الله تعالى، لذا يجب أن تخضعوا لله أنتم وأولادكم أيضا، حتى تتمكنوا من حماية أنفسكم وذرياتكم، لن تحمينا هذه الدنيا ولن تؤمّن مستقبلنا ولا مستقبل أولادنا بل إذا كنا من الذين يؤدون حق الشهادتين فسوف يحمي الله تعالى هذه الدنيا بسبب أدعيتنا المتواضعة وأعمالنا الصالحة، لذا عليكم أن تكثروا من الأدعية في الظروف الحالية قبل أن تتأزم ظروف العالم أكثر.

قانون الوصول إلى الله

الحسنة هي ما تُكسَب قبل الأوان، وإذا كسبها المرء بعد فوات الأوان فلا فائدة منها. إن الله تعالى لا يقبل الحسنة التي تنبع من حماس طبعي. عندما توشك السفينة على الغرق يبكي الجميع، ولكن البكاء عندها يكون ناتجا عن مقتضى الطبيعة، لذا لا يفيد، بل كان مفيدا إذا كان قبل ذلك أي في حال الأمن. اعلموا يقينا أن هذا هو قانون الوصول إلى الله. فالذي يكون متنبِّها ومتيقّظا كما لو أن برقا هابطًا عليه، فلا يهبط عليه البرق قط، أما مَن يصرخ عند رؤيته هابطا فسيهبط عليه حتما ويهلكه لأنه يخاف البرق ولا يخاف الله. (2)

إذن، فقد نبهنا المسيح الموعود  صراحة إلى أننا إذا أردنا التعلق بالله فيجب أن نتعلق به عز وجل الآن، لأن غيوم المخاطر ارتفعت قليلا أو لا يزال ممكنا ضبطها، ولكنها يمكن أن تحيط بنا في أي وقت، لذا فإنه إيمان الأحمديين وتعلقهم بالله وأدعيتهم هي التي يمكن أن تُنجي العالم من الدمار، فادعوا الله تعالى  واضعين مواساة الخلق في قلوبكم، وفهموا الناسَ، كل في دائرته، أنهم إذا لم يتوجهوا لأداء حقوق الله وحقوق العباد فيمكن أن تتحول هذه الدنيا الجميلة إلى خراب، وعلى كل أحمدي أن يؤدي واجبه مع هذا التفكير.

أهمية الدعاء

قال المسيح الموعود وهو يوجهنا إلى المزيد من العكوف على الأدعية:

لاحظوا، إنكم تُعِدّون المزرعة بشيء من الجهد وتتوقعون فائدة، كذلك إن أيام الأمن هي للجهد والمشقة، فإذا ذكرتم الله في هذا الوقت استفدتم. مع أن الحضور للصلوات يبدو صعبا مقارنة بالأشغال الدنيوية، والنهوض للتهجد أصعب، ولكن إذا عوّدتم أنفسكم عليها منذ الآن فلن تشعروا بأية صعوبة… فإذا استمررتم في الدعاء فسيمنّ عليكم الله الرحيم الكريم. قال : لاحظوا، الآن تعملون أعمالا دنيوية وترحمون أنفسكم وأهليكم (أي تهتمون بحاجاتهم) وترحمون أولادكم، وكما أنكم ترحمونهم (من الناحية المادية) كذلك هناك أسلوب آخر أيضا، ذلك بأن تدعوا لهم في الصلاة. ادعوا في الركوع وفي السجود أن يرفع الله هذا البلاء وينقذ من العذاب. والذي يدعو لا يُحرم ولا يمكن أبدا أن يهلك كغافل نجس. ولو لم يكن الأمر كذلك لما عُرف الله أبدا. إنه يميز بين عباده الصادقين وغيرهم، فيُبطش بأحد ويُنقَذ آخر. فحاوِلوا أن ينشأ فيكم إخلاص صادق بالكمال. (3)

قال المسيح الموعود هذا الكلام في زمن تفشي الطاعون، ولكن اليوم أيضا تُرى آثار للدمار العالمي كما قلتُ، لذا من الضروري أن نسجد أمام الله تعالى، وهذا هو الطريق الوحيد لحماية أنفسنا ولحماية الدنيا. ثم أوصى المسيح الموعود جماعته بالتحلي بالأخلاق الحسنة بوجه خاص لأن التحلي بالأخلاق الحسنة أيضا من أوامر الله تعالى.

الشعرة الدقيقة بين خُلُقي اللين والغضب من أصل الدين

إن مهمة تحسين الأخلاق صعبة للغاية ولا تنجح ما لم يواظب الإنسان على محاسبة نفسه. (أي عليكم أن تفحصوا أنفسكم ماذا تقولون طول النهار وماذا تفعلون؟ وما هي الحسنات أو السيئات التي صدرت منكم أو من لسانكم، فما لم تحاسبوا أنفسكم لن تتمكنوا من  إصلاحها) إن التحدث بلسان سيئ يؤدي إلى وقوع العداوة بين الناس. لذلك يجب على المرء ضبط لسانه دوما. لا يمكن لأحد أن يعادي مَن يحسبه ناصحا أمينا له. فما أغبى الذي لا يرحم نفسه بل يلقي نفسه في الأخطار إذ لا يستخدم قواه كما يجب ولا يربي قواه الأخلاقية!  (أي من مقتضى العقل أن القوى والكفاءات التي أودع الله تعالى في الإنسان عليه أن يربيها ويستخدمها بحيث تظهر في كل أعماله الحسنة، وإذا أظهر سوء الخلق على أتفه الأمور لأوقع نفسه في مشاكل جمَّة) يجب على المرء أن يعامل الجميع باللين والدماثة وحسن الخلق. (يجب أن نتذكر أن الإسلام حيث يعلّمنا في الأمور الشخصية أن نتحلى بالصبر والضبط والتحمل ونظهر الأخلاق العالية ونجتنب الشجار والنزاع، كذلك يوجهنا إلى إظهار الغيرة الدينية ضمن حدود القانون). قال المسيح الموعود موجها إلى إظهار الغيرة الدينية: أما الذي يمرق عن الجماعة الجليلة أي من حظيرة الإسلام علنا ويشتم ويناصب عداوة شرسة فأمره مختلف. كما واجه الصحابة المصائب وسمعوا إهانة الإسلام من بعض أقاربهم فاضطروا ليؤثروا الإسلام على الرغم من علاقاتهم المتينة… (مع أنهم كانوا أقرباء وأعزاء) قال : إذا كان أحد عدوا للإسلام ويشتم رسول الله فهو جدير بأن يتبرأ منه الإنسان ويكرهه. أما إذا كان أحد كسولا بعمله فيستحق العفو عن تقصيره ويجب ألا يضرّ سلوكه هذا بعلاقاته. (4)

أي إذا كان أحد لا يعارض فعاملوه معاملة حسنة، ولكن إذا كان يعارض علنا ويشتم الإسلام والنبي ولا يكف بالرغم من إفهامه فهناك لا بد من إظهار الغيرة الدينية، وكذلك على كل أحمدي أن يظهر الغيرة من أجل المسيح الموعود أيضا، والذي لا يمتنع عن بذاءة لسانه عن المسيح الموعود بالرغم من إفهامه فلا يمكن أن نمد إليه يد الصداقة، ولا تتحمل ذلك غيرة أي أحمدي.

الكثيرون منكم قد أتوا من باكستان، فهم يعرفون ما أشنع الكلمات التي يستخدمها المشايخ هناك ضد سيدنا المسيح الموعود ، فإذا قيل لنا أن نحبهم أو نكف عن الدعاء عليهم بأن يردّ الله شرورهم إليهم، فلا تقبل ذلك غيرتُنا، فالمبدأ نفسه سينطبق هنا أيضا. إلا أننا كما بين المسيح الموعود لا نأخذ القانون أيضا بأيدينا ضد هؤلاء، لأن الإسلام علَّمنا ألا نأخذ القانون بأيدينا في أي حال.

إن أكرمكم عند الله أتقاكم

ثم بين سيدنا المسيح الموعود ميزة أخرى يجب أن يتميز بها الأحمديون بعد البيعة، وهي التآخي والتحابُّ، فقال ناصحا بذلك:

لن تزدهر جماعتنا ما لم يواس بعضهم بعضًا مواساة صادقة، فمن أعطي له قوة فليحب ضعيفا، (أي وظِّفوا كل ما أُعطيتم من قوى ومواهب لحب الضعفاء ولا تُبدوا لهم الكراهية أو البراءة). إنني أسمع أن أحدكم حين يرى من أخيه زلة فلا يعامله بالخُلق الحسن بل ينفر منه ويزدريه، فهذا الطريق ليس صحيحا.

إنما تتكون جماعةٌ حين يستر بعض أفرادها بعضا، وتكون معاملة بعضهم بعضا كأشقَّاء.

فقد قال بكل ألم وحرقة أن وجود الفُرقة في الجماعة عيب. لقد تحابَّ صحابة النبي وتآخَوا أيضا فصاروا جماعة. فكان حضرته يريد من جماعته أن تقوم فيهم علاقةُ الأخوة كالصحابة، فقال: لقد أقام الله هذه الجماعة على شاكلة جماعة الصحابة، وسوف يقيم الأخوة مثلهم هنا أيضا. إن آمالي على الله تعالى لكبيرة. إن الشكوى من الآخرين وجرح مشاعرهم وإيذاءهم وإيلام قلوبهم بفظاظة اللسان وتحقير الضعفاء والعجزة لإثم كبير.

إذن، من الأخلاق السامية أن يحترم المرء عواطف غيره، وإذا تحقق ذلك فعندئد يمكن أن نحقق ما توقعه منا المسيح الموعود وعندها فقط يمكن أن نرث الإنعامات التي وعده بها بحق جماعته، وعندها فقط يمكن أن ننال أفضال الله

ففي زمن المسيح الموعود انضم إلى جماعته أناس من شتى القبائل والشعوب في الهند، أما الآن فقد أدخل الله في الجماعة أناسا من شتى أقوام العالم وقبائله ومن كل لون وعرق بحسب وعْده مع عبده المسيح الموعود ولا يزال يأتي بهم. فمن منة الله على أفراد شتى القبائل والأمم والألوان والشعوب أنه وفقهم للانضمام إلى جماعة الخادم البار لرسول لله وجعَلهم جماعةً واحدة. فقد لفت حضرته انتباهنا إلى أنكم إخوة، فقال: صحيح أنكم من آباء مختلفين، غير أن أباكم الروحاني واحدٌ، وأنتم أغصان شجرة واحدة.

إذن فبغضِّ النظر عن كوننا من شعب ما، أو هل نحن بِيض أو أمريكان أفارقة، أو باكستانيين أو هنودا أو من الإسبان، قد أصبحنا بعد الانضمام إلى الجماعة الأحمدية أولادَ الأب الروحاني الواحد. ولا فضل لأحدكم بسبب عرقه أو قومه أو لونه، لأن أبانا الروحاني واحد. وهذا ما أعلنه النبيُّ في خطبته الأخيرة. فعندما نفهم هذا ونعمل متوحدين، ونحترم مشاعر بعضنا بعضا فسوف يكرمنا الله بالترقيات دوما، إن شاء.

يقول سيدنا المسيح الموعود : يريد الله أن يجعل جماعتنا أسوة للآخرين، وهل يمكن أن يصبح الإنسان أسوة بأمور سطحية فقط، دون عمل عميق. فأن يكون المرء أسوة للآخرين يتطلب منه جهادا كبيرا وجهدا شاقا، ولا بد لنا أيضا أن نتحمل هذا الجهد الشاق. علينا أن نفحص أنفسنا، هل نترك هذه الأسوة برفع معايير عبادتنا، وتحسين أخلاقنا، وإنشاء علاقات التآخي والتحاب أيضا أم لا؟

فقد قال سيدنا المسيح الموعود لافتا أنظارنا إلى رفع معاييرنا أكثر:

إنّ الله تعالى يحبّ المتّقي، فينبغي أن تظلّوا جميعا خائفين بتذكّر عظمة الله. أي ينبغي أن تخلقوا في قلوبكم خوف الله وخشيته، واعلموا أنّ الجميع خلقُ الله عزّ وجلّ، فلا تَظلموا أحدا، ولا تغضبوا عليه، ولا تزدروا أحدا. إذا كان في الجماعة شخص سيّئ واحد فإنه يسيء إلى الجميع. فقال إن القيم السامية والأخلاق الفاضلة لا تنشأ إلا إذا كان القلب عامرا بالتقوى. ثم قال عن ذلك ناصحا أبناء الجماعة:

إن جماعتنا بحاجة إلى التقوى بوجه خاص، ولا سيما أنهم ينتمون إلى إنسان قد بايعوه حسب دعواه على أنه مأمور من الله، لكي ينجو الناسُ من جميع الآفات التي كانوا مبتلين بها من البغض والحقد والشرك، وميلهم الشديد إلى الدنيا.

ثم قال: يجب أن يكون أكبر هَمِّ أبناء جماعتنا تأكدهم هل في قلوبهم التقوى أم لا.

إذن إنْ كنا نريد أن نؤدي حق بيعتنا ونشكر الله على مننه، فعلينا أن نفحص أنفسنا كل حين وآن. وفَّقَنا الله أن نعيش بحسب ما تمنى المسيح الموعود مؤْثرين الدين على الدنيا، وأن نخلق في نفوسنا خشيته، ونؤدي حق شهادة أن لا إله إلا الله، في الحقيقة، وننضم إلى جماعة الآخرين الذين كان الله بشَّر بهم رسولَه . آمين.

قبل قليل عندما كنت قادمًا إلى هنا أخبرني أمير الجماعة، أنه قبل ثمانية وعشرين عاما من اليوم في التاريخ نفسه أي في 14 أكتوبر كان قد تم افتتاح هذا المسجد. فقد مضى على ذلك ثمانية وعشرون عاما، يجب أن يفحص الأحمديون القدامى المقيمون هنا والجدد أيضا لأي مدى أحرزوا التقدم في الروحانية. ولأي حد بذلوا المساعي لأداء حق هذا المسجد؟ نسأل الله أن يبقي هذا المسجد عامرا بالمصلين لعقود وقرون، ويبقى محفوظا من كل آفة مادية. تذكَّروا أننا لن نتمكن من أداء حقه إلا ببذل الجهود لعمرانه دوما، وفقنا الله لذلك أيضا.

الهوامش:

  1. (يونس: 37)
  2. (الملفوظات ج3)
  3. (الملفوظات ج3)
  4. (الملفوظات ج3)
Share via
تابعونا على الفايس بوك