خداع النظام المصرفي الحديث.. أحد مظاهر الدجال

خداع النظام المصرفي الحديث.. أحد مظاهر الدجال

أحمد دانيال عارف

  • ما حقيقة ذلك الدجال اللعين؟
  • ما أدواته التي يسيطر بها على العالم؟

___

لا يزال مفهوم المسيح الدجال لدى غالبية المسلمين ظاهرة غامضة ذات أبعاد أسطورية، إذا ما فُسرت النبوءات المتعلقة به تفسيراً حرفياً. إذ يوصف الدجال في بعض تلك النبوءات برجل ضخم أعور العين اليمنى بينما عينه اليسرى ثاقبة ويركب حماراً.

غير أن النبوءة المتعلقة بالدجال مثلها كمثل جميع النبوءات الأخرى التي تخضع للتأويل، وقد أوضح ميرزا غلام أحمد ، المسيح الموعود والمهدي المنتظر، مفهوم الدجال إيضاحاً جميلاً في ضوء ما قاله القرآن الكريم النبي محمد الصادق الأمين . وبيّن أن كلمة «دجال» مشتقة من الجذر العربي «دجَل» التي تعني الخداع وأوضح أن مفهوم الدجال ليس أمرا ملموسا ويصف «مجموعة تدعم الباطل وتعمل بمكر وخداع.» (1)  

وإذا تعمقنا قليلاً، وجدنا جذراً آخر مثيراً للاهتمام لمفهوم الدجال يأتي من «الدُّجال» الذي يشير إلى الذهب أو ماء الذهب (2) والطلي بماء الذهب يعني ببساطة تغطية سطح شيء ما بمادة تشبه الذهب.

وتأكيداً على ذلك، قال المسيح الموعود : «والدجّال من الدجْل. ومعنى الدجل هو أن يكون الشيء جيدا في ظاهره مع كونه رديئا في الحقيقة، ومثاله النحاس المذهَّب. والدجل موجود منذ بدء الخليقة، ولم يخْلُ عصر من المكر والزيف، فماذا يعمل الصاغة سوى الدجل.” (3)   

الجملة الأخيرة من هذا المقتبس جملة مهمة. فما نرى في الصاغة إلا أنهم المحرك الأساسي وتجسيد للنظام المصرفي الحديث كما نراه اليوم.

لفهم ذلك، لنعد بالزمن ثلاثة قرون ونصف تقريبا في لندن. في ذلك الوقت، صكّت العملة من المعادن الثمينة (الذهب والفضة بشكل رئيس). ومع ذلك، سرعان ما أظهر الذهب مساوئه فحمله يشكل خطراً على صاحبه وهو غير عملي بسبب ثقله. لذلك عرض الصاغة الحفاظ على الذهب آمنا في خزائنهم. في المقابل، تلقى المودعون إيصالاً ورقياً حيث وعد الصائغ بإعادة المبلغ المسجل بالذهب عند الطلب. أدرك الجميع أن هذه القطع الورقية كانت مريحة، حتى صارت في نهاية المطاف تستخدم بدلاً من الذهب في عمليات الشراء اليومية.

فبعد أن عرفنا أن المنطق المصرفي الحديث ولد من خيانة الصاغة لثقة مودعي الذهب، ألا يشكل هذا الخداع أحد مظاهر الدجال؟ ألا يقدم الإسلام أفضل حل لهذه الكارثة بالقضاء على الفائدة (التي هي سبب وجود البنوك) بجميع أشكالها وطرد التجار والمقرضين عديمي الرحمة  من حياتنا وإلى الأبد؟(إن أبقينا شايلوك فنحتاج حاشية أنه شخصية مسرحية من تأليف شكسبير وكان تاجرا يهوديا جشعا في البندقية يقرض بالربا…)

لكن سرعان ما اكتشف الصاغة اكتشافاً كان سيؤثر على البشرية لقرون. إذ تعلموا بالتجربة أن كل الذهب الموكل إليهم تقريباً ظل على حاله في خزائنهم. فمنذ بدأ مالكو الذهب باستخدام الإيصالات الورقية في تبادلاتهم التجارية، بالكاد جاء واحد من كل عشرة للمطالبة بالذهب.

هذه كانت لحظة حرجة في التاريخ لأن الصاغة غيروا نمط عملهم التجاري. فقد أدركوا أن ما يجب فعله بالاحتياطي الخامل من الذهب هو إقراضه للأشخاص ذوي السعة الذين يرغبون في الاقتراض، وبفرض فائدة على القروض (وقد فُتِح المجال في قوانين الربا في إنجلترا لتصل معدلات الفائدة ذروة بلغت 5 في المائة) تمكن الصاغة من تحقيق عائدات جيدة ومضاعفة من هذه الخدمة دون أي جهد تقريباً. واحتفظوا في الوقت نفسه بكميات كافية من الاحتياطي لتلبية طلبات المودعين الكثيرة لاستعادة ذهبهم.

اتضح للصاغة من فكرة الإقراض تلك أنه ما من حاجة في الواقع لإقراض الذهب المادي الذي في خزائنهم لأن عامة الناس كانوا يعتبرون إيصالاتهم مالاً. ولذلك بدأوا في إنتاج المزيد من الإيصالات (دون ما يعادلها من الذهب الحقيقي) وتم إقراضها كبدل للذهب. (راجع «دجْل»: التذهيب)

وهكذا تحول الصاغة من خلال إقراض مبالغ تزيد عن احتياطياتهم من الذهب مع فرض فائدة على الإيصالات الورقية إلى مصرفيين بالمعنى الحديث للمصطلح: لقد صنعوا المال من لا شيء بجرة قلم، ولكن الأهم من ذلك هو أنهم حولوا الذهب إلى ورق حرفيا.

ومع مرور السنين، تطورت الصناعة المصرفية أكثر من الناحية التكنولوجية وأصبحت الثقة في المصرفيين مطلقة. غير أن التقدم التكنولوجي هو مجرد وجه آخر للنظام الأصلي للصاغة ولعملية خلق الأموال، فلم يتغير جوهره.

الفرق الوحيد هو أن الذهب استبدل بما يسمى «النقود الأساسية» أو «نقود البنك المركزي». ويتم إنشاء هذه الأموال فقط من قبل البنوك المركزية. واستبدلت الإيصالات الورقية بـ «النقود المصرفية» أو «النقود الكتابية» التي لا تنتجها إلا البنوك التجارية (باركليز، HSBC، إلخ). وإن نقود البنك المركزي تفوق أهمية النقود المصرفية.

اتضح للصاغة من فكرة الإقراض تلك أنه ما من حاجة في الواقع لإقراض الذهب المادي الذي في خزائنهم لأن عامة الناس كانوا يعتبرون إيصالاتهم مالاً. ولذلك بدأوا في إنتاج المزيد من الإيصالات (دون ما يعادلها من الذهب الحقيقي) وتم إقراضها كبدل للذهب. (راجع «دجْل»: التذهيب)

يجسد رقم الحسابات المصرفية التجارية إقراراً من البنك إلى صاحب الحساب بالدين (IOU: أنا مدين لك). وإن عبارة «بنك إنجلترا – أتعهد بأن أدفع لحاملها عند الطلب مبلغ x جنيه» الموجودة على كل ورقة نقد إسترليني تمثل على وجه التحديد اعترافاً من البنك المركزي أن عليه دينًا لصاحب المبلغ.

إن المال في معظمه اليوم على شكل ودائع مصرفية. غير أن كيفية إنشاء هذه الودائع المصرفية غالباً ما تكون غير مفهومة: الوسيلة الرئيسة هي من خلال البنوك التجارية التي تقدم القروض. فكلما قدم البنك قرضاً، فإنه ينشئ في نفس الوقت وديعة مطابقة في الحساب المصرفي للمقترض، وبالتالي يخلق أموالاً جديدة. بعبارة أخرى: يقوم البنك من خلال عملية بسيطة بإيداع حساب العميل الذي يجد نفسه في حوزته كمية إضافية من المال.

ويشيع الفهم الخاطئ بأن دور البنوك هو كوسيط ببساطة، فتقرض الودائع التي يضعها المدخرون لديها. وعلى العكس من ذلك، يقال أن الإقراض يخلق ودائع. إن القوانين تحد نظرياً من كمية الأموال التي يمكن للبنوك التجارية خلقها ومع ذلك فإن الأموال التي يتم إقراضها للعملاء يتم إنشاؤها من فراغ بعد بضع ضغطات على لوحة مفاتيح الحاسب ليس إلا.

اليوم لا تمثل النقود المعدنية والورقية في البنك المركزي سوى جزء صغير جداً من الأموال المتداولة.

أما الادخار المالي غير النقدي فيعادل 97٪ (4) ويتم تداوله بعملية بسيطة في الحساب المصرفي من خلال وسائل الدفع المختلفة كالبطاقات المصرفية أو التحويلات أو الخصم الفوري من الحساب أو الشيكات. ونذّكر بأن أول من خلق الأموال غير النقدية هي البنوك التجارية. هذا يعني أن كل الأموال المتداولة وغير المتداولة قد أوجدت كقروض بفائدة لصالح النظام المصرفي في العالم ومن المستحيل تجنب الربا (أو الفائدة) تماماً كما تنبأ نبينا الحبيب محمد .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ‏”‏لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ أَكَلَ الرِّبَا فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَصَابَهُ مِنْ بُخَارِهِ ‏”‏‏.‏‏ (5)

فبعد أن عرفنا أن المنطق المصرفي الحديث ولد من خيانة الصاغة لثقة مودعي الذهب، ألا يشكل هذا الخداع أحد مظاهر الدجال؟ ألا يقدم الإسلام أفضل حل لهذه الكارثة بالقضاء على الفائدة (التي هي سبب وجود البنوك) بجميع أشكالها وطرد التجار والمقرضين عديمي الرحمة  من حياتنا وإلى الأبد؟(إن أبقينا شايلوك فنحتاج حاشية أنه شخصية مسرحية من تأليف شكسبير وكان تاجرا يهوديا جشعا في البندقية يقرض بالربا…)

الهوامش:

1. مرزا غلام أحمد ، حقيقة الوحي، الشركة الإسلامية المحدودة، 2018ص393.

2. إدوارد ويليام لين، معجم عربي-إنجليزي – دجل:

3. ميرزا غلام أحمد ، ملفوظات، المجلد الثاني، الشركة الإسلامية المحدودة، 2019، ص. 161.

4. بنك إنجلترا، «خلق النقود في الاقتصاد الحديث»، النشرة الفصلية، 2014:

5. (سنن أبي داود، كتاب البيوع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك