اللهم أنت السلام ومنك السلام..

اللهم أنت السلام ومنك السلام..

التحرير

  • أتباع النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقيين يحملون على عاتقهم استعادة السلام وإيصاله للبشرية
  • الحرية الدينية مبدأ من مباد الشريعة الإسلامية
__
والله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (يونس:26)

عندما تغادر التقوى القلوبَ الحجريةَ وتبتعد منها بُعد الثريا عن الأرض، يغيب السلام الروحي والمادي ويحل مكانهما مشاعر الأنانية والشحناء والبغض وهكذا تُوأدُ المحبة والمودة والأمان ويحُرم المجتمع الإنساني من أهم ركائز استقراره. وفي مثل هذه الأوقات العصيبة يبعث أرحم الراحمين الأنبياء لمواساة المعذبين والمحرومين واليائسين من ظلمة الزمان لترتقي عقولهم وترتوي نفوسهم بالتقوى لتخضَرّ بساتين القلوب بعد جفافها، ويثمر السلام ثمراته الطيبات، ويُسْفِر صُبْحُ الدِّين، وتتجلى صفات رب الكائنات. وبالتحديد فإن هذه هي مقاصد البعثة المحمدية العظمى باعتبارها تجليا عظيما من الله المنان لكي يعرف الناس دين الله القويم، ويميلوا كل الميل إلى ربهم الرحيم ويتركوا سبل الشيطان الرجيم، الذي أشاع بين أنصاره الفتن والمفاسد، فجفّفّ في قلوبهم ينابيع السلام، فحان للباب أن يُفْتَحْ ويأتي الرَّب الرَّحيم بماء مَعِين يسقي كلّ من في الأرض. فكانت شريعته الغرَّاء الأخيرة على النبي سفينة النجاة لإنقاذ الدنيا من هذا الفساد. لقد علمنا تعليمه طرق تأدية حقوق الله تعالى وحقوق العباد التي قد نسيها حتى أتباع الكتب المقدسة والشرائع السابقة بما لوثته أيديهم النجسة التي تجلت فيها بصمات الأحبار والرهبان بما تقشعر له الأبدان بتعاليم جائرة لا ترتضيها فطرة نوع الإنسان وليست من عند رب العالمين ولا من صفاته عز وجل مطلقا. فشتّان بين تعليم القرآن الكريم الذي قد بيَّن لنا كل نوعٍ من الأحكام المنصبغة بالتقوى والسلام ونوازع الخير وعلّمنا كيفية تأدية كل الحقوق، ولفت أنظارنا إلى ذلك الأمر الهام.. وبين ما عبثت به الأيادي غير الأمينة في الكتب المقدسة قليلا كان ذلك أم كثيرا!!

لقد أعطى تعليم الإسلام الأمل بأن الإنسان يمكن أن يكون مظهرًا لصفات الله تعالى ثم يعكسها على الإنسانية المتعطشة لنور الحضرة الإلهية فيحل السلام على كل من هب ودبّ. فالتقوى واحة السلام وبذرة أشجاره المخضرة، وأثماره اليانعة، وأزهاره المُنوَّرَة. كما أن التقوى هي الأساس لكل أبواب السلام وهي الحصن الحصين لحماية الإنسان من كل سيئة وأذى. واليوم نفس التعليم القرآني هو الذي يمكنه أن يخرج الإنسانية من الظلمات إلى النور.. ونفس التعليم يمكن أن يقضي على فساد العالم الذي لم تفلح هيئاته ولا منظماته الدولية من إحلال السلام فيه بين الشعوب ونزع فتيل الحروب والدمار، فما يحدث على مرئىً ومسمعٍ من الجميع.. يدل على خيبة تلك المؤسسات وفشلها، وهذه الخيبة والإخفاق سببها قِلَّة التقوى فيها والبعد عن واهب السلام، إذ كيف لمن استولت عليه نزعة التفاضل المادي والقومي والتكبر والغرور وادعاء العزة والسيادة أن يتعرف على السلام الذي هو من صفات الله تعالى.. وكيف بمن ظن نفسه أعلى من باقي الشعوب الفقيرة الضعيفة وكانت نظرته نظرة الأسياد للعبيد وصارت علاقاته وفق هذا المقياس الظالم أن يتعرف على السلام أو ينعم به أو ينجح في نشره.

فما لم يتصف أهل الأديان بالتقوى وما لم يستبدلوا لغة التحريض بلغة الحوار مع الآخر نحو مقاصد عليا في تنـزيه الله…..  ونهيه عن مبدأ  الإكراه في الدين وحرية الاعتقاد كمبدأ عام يسري على كل المعتقدات…

إن السلام لا يستتب مع غياب التقوى.. ولا يمكن أن  يسود عالميا إذا كان الأمر على النحو  الذي  نراه اليوم. وهذا الاضطراب في العالم لن يُقضى عليه ما لم نقض على الشعور بالتكبر والأفضلية والتفاخر.. ولا يمكن أن يستتب الأمن والسلام في العالم ما لم يترسخ في قلوب كل الأمم أنها على حد سواء من ذرية “آدم” وأن عليها التعرف على واهب السلام الحق الذي بعث المصطفى رحمة للعالمين.

ومن أجل إقرار هذا السلام أرسل الله تعالى العاشق الصادق للرسول .. المسيح الموعود .. ليعم السلام الأرض ثانية بتعاليم المصطفى الحقيقية. واليوم نرى أن الذين قد آمنوا بالمسيح الموعود ويعملون بالتعليم الصحيح للإسلام قد ألقي على عاتقهم استعادة السلام وإيصاله للبشرية. إن مسئولية المسلمين الأحمديين في كل مكان هي أن ينشروا رسالة السلام هذه في كل الأنحاء وأن يرسخوها في قلوب الجميع.. ويثبتوا أن الإسلام ليس دين العنف؛ بل هو دين الأمن والسلام ويردوا على تلك الفرية الظالمة التي يرددها خصوم الإسلام.. ويثبتوا لهم أن تعاليم الإسلام تقدم على جميع المستويات الضمان للأمن والسلام بكافة أنواعه. والسلام الديني هو أحد أنواع هذا  السلام المفتقد بين الديانات. فما لم يعلم رجال الدين أن التعاليم من مقاصدها السلام وسعادة الإنسان ووصال الله الخالق فلن تنتهي الاضطرابات والفتن الطائفية والأحقاد الدفينة، فما لم يتصف أهل الأديان بالتقوى وما لم يستبدلوا لغة التحريض بلغة الحوار مع الآخر نحو مقاصد عليا في تنـزيه الله عن كل نقص وعيب وتنـزيه تعاليمه من كل وحشية أو دناءة الأخلاق في أنبيائه  فلن يحل السلام والوئام. وقد سعت تعاليم القرآن إلى هذا التنـزيه ودفع كل شبهة عن الله ورسله، وبدعوته أهل الكتاب إلى كلمة سواء بالحسنى، ونهيه عن مبدأ  الإكراه في الدين وحرية الاعتقاد كمبدأ عام يسري على كل المعتقدات، فالإسلام على المستوى العملي أثبت للشعوب التي قبلته جدارته وقدَّم التعليم تلو التعليم بصورة لا تنافسه فيها أي ديانة أو فلسفة.

وخير ما نختم به كلمتنا دعاء المصطفى .. اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.وصلى اللهم على سيدنـا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك