إدمان سلوكي وسموم فكرِية
  • كيف أثرت وسائل التواصل الاجتماعي سلبا على المجتمع؟
  • كيف أثرت وسائل التواصل الاجتماعي سلبا على الفرد بشكل مباشر؟
  • ما الإدمان؟ وما أنواعه؟ وما مضار كل نوع؟ وكيف يتخلص من الإنسان؟
  • السموم الفكرية ليست بأقل خطرا من السموم المادية، بل إنها أدهى وأمر.
  • أليس من الظلم القول بأن السموم كلها مكروهة على إطلاقها مع أنها تنفع في العلاج أحيانا؟!

__

تحت عنوان «وسائل التباعد الاجتماعي» وفي مقال افتتاحي سابق تطرقنا إلى خطورة الإفراط في استخدام منصات التواصل الاجتماعي الإلكترونية الشائعة في هذا العصر، وتأثيرها السلبي على بنية الأسرة، التي هي أصغر وحدة بنائية للمجتمع الإنساني. ومما بات معلوما أن لهدم أي مجتمع، ما عليك إلا أن تفك أواصر الأسرة فيه، وهذا ما يحدث حرفيا الآن، فأواصر القربى الطبيعية داخل الأسرة الواحدة تتفكك شيئا فشيئا ويوما فيوما، وبينما كان أفراد الأسرة الواحدة خلال العقدين الماضيين يمكثون وقتا أطول معا كل يوم على موائد الطعام المُحَضَّر منزليا، وحول شاشات التلفاز لمتابعة برنامج واحد مشترك، أمسى الآن اجتماع هؤلاء على طعام واحد يحدث على سبيل الندرة في مناسبات خاصة، لتفضيل معظمهم الأطعمة الجاهزة السريعة أثناء العمل والدراسة خارج البيت، كما أن تلاقيهم الذي كان مألوفا فيما مضى حول شاشات التلفاز القديمة بات شبه منعدم الآن، نظرا إلى السيل الجارف من القنوات التلفزيونية التي توفر لكل فرد بغيته الشخصية، سواء على شاشات التلفاز، أو الإنترنت، أو حتى الساعات المدمجة، فالآن لا توجد لاجتماع الأسرة أي دواعٍ كما كان في الماضي، وهنا مكمن الخلل.

وفي افتتاحيتنا لهذا الشهر نبرز جانبا آخر من التأثيرات السلبية، ولعله أشد بأسا وخطورة، لكونه يؤثر على كل الأفراد، بشكل مباشر وسريع، وهذا التأثير يتمثل في عجز من يقع في سجن تلك المنصات والعوالم الافتراضية عن الفكاك منها مهما حاول وسعى إلى ذلك. الأمر شبيه إلى حد كبير بعجز متعاطي العقاقير المادية المخدرة عن الإقلاع عنها، غير أن مدمن استخدام منصات التواصل الاجتماعي يكون واقعا تحت طائلة نوع آخر من الإدمان، وهو ما يسمى بالإدمان السلوكي، الذي يعرف بأنه شكل من أشكال الإدمان الذي يقع فيه المدمن بإفراطه في ممارسة سلوك يعتمد على المكافأة غير المادية، غاضا الطرف عن كل النتائج السلبية البدنية أو العقلية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. فالمدمن السلوكي ينساق تجاه تدمير كيانه النفسي والروحي بنفس السرعة والأسلوب اللذَين ينساق بهما المدمن العقاقيري تجاه تدمير كيانه العقلي والجسدي.

والسموم الفكرية ليست بأقل خطرا من السموم المادية، بل إنها أدهى وأمر، فبينما تقتل السموم المادية الأفراد، تُهلك السموم الروحانية والفكرية الأسر والمجتمعات.

ومن باب حدث ولا حرج نجد قاسمين مشتركين بين الفريقين المدمنين.. كلاهما مدمن وكلاهما يندفع نحو هوة الهلاك لا إراديا ولا شعوريا، ومما لا شك فيه أن مسألة عدم الشعور بخطورة الموقف والوضع تعد كارثة فتاكة بحد ذاتها.

ولأن السموم مكروهة على إطلاقها، بحيث لا يمكن لعاقل واعٍ الإقدام على تناولها إلا جاهلا أو مُكرَهًا، أصبح لزاما علينا توعية من يجهلون مدى سُمِّيَّة بعض الأفكار والمعتقدات، فالأفكار والمعتقدات الفاسدة هي منشأ كل الأدواء الروحانية منذ القدم، الأمر الذي بات متفَقًا عليه الآن لدى علماء النفس السلوكي والاجتماعي والتربوي، وأيضا علماء الدين المتنورين.

ولا شك أن من السموم ما قد ينفع أحيانا، ولكن مهلا!! إن السم الناجع حين نستخدمه فيما ينفع فإن وصفه بالسم لا يكون وصفا حكيما، بل إن وصفه بالترياق أحكم وأولى.وإثراء لقراء العربية الأعزاء، وإيماء إلى ما لفكرة الافتتاحية من خطورة، نقتطف من الشجرة الطيبة، أي الخلافة، كلمة لسيدنا أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز، تبين أن من السموم ما هو عقائدي، ينمو نمو الجراثيم السامة في بيئات الأفكار القذرة، تماما كما تنمو وتتكاثر الجراثيم المجهرية في بيئة الهواء الفاسد. والسموم الفكرية ليست بأقل خطرا من السموم المادية، بل إنها أدهى وأمر، فبينما تقتل السموم المادية الأفراد، تُهلك السموم الروحانية والفكرية الأسر والمجتمعات. هذه الدقيقة المعرفية طالما أومأ إليها سيدنا المسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام) الذي هو مبعوث العناية الإلهية لشفاء الإنسانية من أسقامها الروحانية في هذا العصر، وهو نفسه القائل:

وَقَدِ اِقْتَضَتْ زَفْرَاتُ مَرْضَى مَقْدَمِيفَـحَـضَـرْتُ حَمَّـالاً كُـؤُوسَ شِفَــاءِ

وتتلخص مهمة المسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام) في إعادة الإيمان المفقود، وتعليمنا دقائق التقوى، فعِلمٌ دون إيمان، كعمل بلا تقوى، كلاهما سم زعاف، والعينة بينة، وبهذا تشهد وقائع عصر الحداثة الذي نعيشه، فكم من مخترعات ومبتكرات كان يُرجى منها الرفاه وسهولة الحياة، ولكنها الآن وبال على الإنسانية، وسم زعاف تتجرعه ولا تكاد تسيغه!هذا وإلى جانب كلمة سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز)، يُتاح لقارئ التقوى الكريم تناول جرعة معرفية إضافية حول مفهوم الإدمان ومنشئه، وصوره، ومضارّه، وتداعياته، وسبل وخيارات الشفاء منه، وذلك إدراكا لحقيقته أولا، ثم عقدا للعزم على الفكاك من براثنه. فالأصل في كل عمل يُرجى من ورائه نفع حقيقي أن يكون قائما على التقوى، فليبن المسلمون ما يبنون من مساجد ضخمة فخمة! لن ينفعهم سوى مسجد أُسس على التقوى من أول يوم، وفي هذا المضمار نرى جماعة الآخرين في هذا العصر تسابق نفسها، ومؤخرا افتتح سيدنا أمير المؤمنين المسجد المبارك في إسلام آباد تلفورد- بريطانيا، ليكون صفحة جديدة في تاريخ سلوك هذه الجماعة المباركة على درب التقوى.. كما قد أعطى حضرته إشارة البدء بإطلاق موقع مجلة التقوى الرسمي، ليكون منبرا ناطقا باسم الجماعة الإسلامية الأحمدية وناشرا رسالتها التثقيفية الدعوية.

ندعو الله القدير أن يجعل للمسجد المبارك وموقع التقوى نصيبا موفورا من اسميهما، ليكونا اسمين على مسميهما. كما نسأل الله القدير أن يوفق الإنسانية جمعاء لإدراك كنه الأخطار المحدقة بها، ويهديها إلى اتباع طبيبها المعيَّن من قِبَله ، إذ لا شفاء يُرجى دون اتباع وصفة الطبيب الحق، وواهمٌ مَن ابتغى شفاءه بغير ذلك السبيل.

Share via
تابعونا على الفايس بوك