خير الناسِ أنفعهم للناسِ!

خير الناسِ أنفعهم للناسِ!

التحرير

  • المادية وأثرها في بزوغ الخبائث الاجتماعية
  • النموذج النبوي كعلاج ناجع
  • التنافس في مجال الخيرات وخدمة الخلق

__

لا شك أن النوازع المادية قد بلغت ذروتها في عصرنا الحالي حيث تهافت الناس إلى تسلّق كل ما يُدَاعِبُ خيالهم ووجدانهم سعيا نحو الشهرة والمكاسب المادية والتسيُّد على الآخرين. فعمدت شريحة كبيرة لتلبية نوازع النفس وأمانيها دون أي اعتبار للقيم والمبادئ، فتأصلت في المجتمعات نوازع الأنانية وحب الذّات واحتقار الآخر والتكالب على المصالح الشخصية.. ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد بل إن هذه الظاهرة تطورت إلى شكل من أشكال العنصرية والانتهازية وأوجدت أمراضا اجتماعية وأخلاقية عديدة..

ولطالما ظلم الإنسان أخاه الإنسان نتيجة سعيه إلى تحقيق نـزعاته تحت غطاء مسميات شتى، إذ يروي لنا التاريخ القديم والحديث كيف سادت قبيلة على قبيلة وأمة على أمة تحت هذه المسميات وكيف باع الإنسان أقرب الناس إليه وأبعدهم لا لشيء إلا لتحقيق مصالح تحت شعار “النجاح بأي وسيلة”. وهكذا فقدت المصطلحات دلالاتها فضاعت روح الكلمة وضاع معها ذمم الناس وشرفهم.

لقد بُعث الرسول الأكرم محمد المصطفى ليعالج هذه الأسقام وهداية البشرية جمعاء إلى سبيل تحصيل الهدى والخير والرقي بما ينفع كل الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وأجناسهم. ولقد كان شخصه الطاهر وتعليمه نموذجا ومثالا يُقتدى به، حيث كان أنفع للناس قبل النبوة وبعدها.. يعمل لصالحهم ويفض منازعاتهم ويرأف بكبيرهم وصغيرهم، وعرف عنه قومه كل سلوك سَوي وموقف عظيم، حتى لقبوه بالصادق الأمين.. كما تصدع في الأفق شهادة زوجه خديجة رضي الله عنها لدى بشائر نبوته بعبارات نورانية تُعرفنا بخدمته للخلق: والله ما يُخزيك الله أبدا. إنك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتحمِلُ الكَلَّ وتَكْسِبُ المعدومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ على نوائب الحقّ…

إن حب خدمة الخلق والرفق بالناس التي تفيض من سلوك الرسول نابعة من الرأفة والرحمة العظيمة تجاه خلق الله تعالى كافة. إنها محبة تهتم اهتماما مخلصا باليائسين والبائسين والمحرومين والمظلومين. كما أنها خالية من حب الظهور والشهرة والرياء مما تعارف عليه الناس في سعيهم إلى التسيّد أو احتلال مناصب ذات درجات اجتماعية عالية. ولقد باتت هذه السمة مميزة إياه عن كل بني قومه. وما انفكت مفاسد قومه تقلقه حيث كان الطمع والأنانية والمظالم سمة عصره التي لا تلقي بالا إلا للأنانية والمصلحة الشخصية والعصبية القبلية، وهذا من بين الأسباب التي جعلته ينأى بنفسه عن المشاركة في تلك المفاسد ويأوي بنفسه إلى ركن شديد في غار حراء يتعبّد فيه بعيدا عن قومه، حيث كانت نفسه الشريفة تكره الفساد والأنانية الشائعة في مكة، وتنفر من الآثام وسوء الأعمال، وكان عليه الصلاة والسلام حين تعبّده يفيض ألما لما آل إليه البر والبحر من مفاسد الإنسان وقسوته وأنانيته وبُعده عن الله تعالى.. وكان الله عليما بصيرا حينها بهذا العبد الذي هجر عالما يعجّ بالفساد والظلم والانشغال بالمتع والملذات فأخرجه الله مما هو فيه من كرب وحزن حينما بلغ الأربعين ليصطفيه برسالته حيث أُمِرَ أن يبلغ دعوة ربّه إلى العالمين!

وفي هذا المقام لا يسعنا إلا أن ندعو الله عز وجل أن ينقذ الأمة من براثن الدعاة الذين يدعون بغير هدي النبي ، فلا أمل منهم ومن أعمالهم التي نتاجها خرابٌ على خرابٍ.

ومن ضمن تعليمه لأتباعه الاهتمام بالآخرين وخدمتهم والإيثار ونكران الذات.. والشواهد على هذا كثيرة جدا إذ يضيق المجال لعرضها وسردها هنا بالتفصيل، وبوسع كل باحث أن يجد هذه النماذج من مواقف وسلوك الرسول الكريم وصحبه في كتب السيرة المطهرة أو سير الصحابة الكرام الأمر الذي يؤكد على عظمة خُلقه على لسان الخالق مرة وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم وعلى لسان المخلوق أخرى “كان خُلقه القرآن”. لقد كانت تعاليمه تتسم بهذه السمة حيث حثّ على أن يحب المؤمن لأخيه ما يحبه لنفسه، كما شجع على التسابق في ميادين الخيرات، وهذا ما يجعل الإنسان يملك في نفسه القدرة على مقاومة وتخطي الميول المادية من حب الذات والتدني إلى الدنيا الدنية ليتحول من إنسان أرضي أناني إلى كائن روحي سماوي يُحلق في فضاء الروحانية.

وهكذا جعل الله أمة محمد خير أمة أُخرجت للناس، إذ أن الأمة المحمدية لم تؤسس على عنصر قومي أو عرقي أو جغرافي ولكن على أساس رِيَادَتِهَا في عمل المعروف، وهو كل عمل صالح خيّر لصالح الناس، والتناهي عن كل عمل منكر، وهو كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الإضرار بالناس..!

فحري بنا معشر المسلمين الأحمديين أن نخدم خلق الله تعالى ابتغاء وجه الله الكريم ونكون مصداق ما أخبر به سيدنا ومولانا محمد المصطفى .. خـير النّاس أنفعـهم للنـاس، ونصبح تجسدا لـ”سيّد القوم خادمهم”.

وفي هذا المقام لا يسعنا إلا أن ندعو الله عز وجل أن ينقذ الأمة من براثن الدعاة الذين يدعون بغير هدي النبي ، فلا أمل منهم ومن أعمالهم التي نتاجها خرابٌ على خرابٍ.

وفقنا الله وإياكم أن نكون من الجند الروحانيين للمصطفى . وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك