المرأَة مرآة المجتمعِ ومدرسته
  • من صاحب الفضل في إنصاف المرأة تاريخيا؟!
  • هل هناك مجتمعات آبائية وأخرى أمومية؟!
  • ما هي صورة المرأة في الفكر الجمعي الأوربي طوال فترة العصور الوسطى؟
  • ومن أين اصفت بتلك الصورة؟
  • الشجرة تعرف بثمارها.. كيف ينعكس هذا القول على حقيقة وضع المرأة المسلمة في عصور الازدهار؟
  • جامعات العالم تدين بالفضل لامرأتين مسلمتين، من هما؟! وكيف؟!

__

يبقى وضوع شخصية المرأة محل جدل واسع، فبدءا من صاحب الفضل في إنصاف المرأة تاريخيا، مرورا بواقعها في القرنين العشرين والحادي والعشرين، وحتى فكرة النسوية التي أخذت في الشيوع مؤخرا، تكاد كافة النقاشات الدائرة حول القوارير الرقيقة تندرج تحت أحد هذه العناوين الرئيسة. ولا شك في أن الشيء يكتسب قيمته من قدرته على أداء المهمة التي من أجلها وُجِد، وإلا جرت عليه سنة الاستبدال، ولا شك أيضا في أن كل مجتمع يكتسب شيئا من صفاته تبعا للعنصر المؤثر فيه، فالمجتمعات الذكورية الآبائية تعلو قيمة الذكر فيها على قيمة الأنثى، بل والذكر الأكبر سنا يسود سائر الذكور، كون الذكور، في تلك المجتمعات، يحملون العبء الأكبر، أو لأن دورهم يتم تضخيمه بشكل ما، الحال نفسها بالنسبة إلى المجتمعات الأمومية. قد يثير استغراب البعض مصطلح «المجتمع الأمومي» لا سيما إذا ما كان هذا المصطلح يطرق مسامعهم للوهلة الأولى. فليكن معلوما أن المجتمعات التي كانت تسودها الإناث وتفوق قيمتهن فيها قيمة الذكور ظاهرة شائعة في سجل البشرية العام، قديما وحديثا، وقد نقل لنا الرحالة الشهير «ابن بطوطة» صورا واقعية نحسبها أمينة لمجتمعات مزدهرة تسودها الإناث، وقبل أن تلتفت الشعوب المتحضرة المعاصرة إلى فكرة صلاحية المرأة للقيادة وصنع القرار السياسي، كان القرآن المجيد قد أعلن هذا الأمر منذ أربعة عشر قرنا، حين تحدث عن ملكة سبأ وحصافة رأيها وعظمة ملكها وامتلاكها ناصية أمور رعيتها من الجنسين. ولا يكتفي القرآن العظيم بطرح نموذج ملكة سبأ الواقعي، بل يضرب المثل للناس جميعا، مؤمنين وكافرين، بأربع نساء. فضرب للمؤمنين المثل بامرأتين مؤمنتين، هما مريم وآسيا (عليهما السلام). وضرب المثل للكافرين بامرأتين كذلك وهما امرأة نوح وامرأة لوط (عليهما السلام)..

ويبدو بضرب المثل للناس جميعا بأولئك النسوة الأربع أنه يحمل معنى عظيما، وهو أن المرأة خليقة بأن تكون المدرسة الأولى للنشء، كذلك فالنفس الإنسانية، حتى وإن كانت ذكرا، يدخل عنصر الأنوثة في تكوينها، وكيف لا والأشياء تكتسب صفاتها من مكوناتها الطبيعية؟! بل لقد ثبت أن الإنسان، يدخل في تركيبه الهرموني هرمون الأنوثة (الإستروجين) أيضا، وبانخفاض منسوب ذلك الهرمون لدى الذكور عن معدله الطبيعي قد يتسبب في خلل هرموني لا تحمد عقباه. ويبدو أننا أطلنا الحديث شيئا ما في قضية باتت من مسلَّمات العصر. فالآن نلقي الضوء على مساحة مضيئة بطبيعتها من التاريخ، غير أنها نُعتت بالعصور المظلمة لدى الأكاديميين الغربيين، وقد نلتمس لهؤلاء الأكاديميين العذر، إذ كان أسلافهم يغطون في نوم عميق في ظلام دامس دام قرونا تزامن مع ازدهار الحضارة الإسلامية بمعالمها وعلمائها على الجانب الشرقي من الكوكب. ولنا أن نتخيل وضع المرأة في الفكر الأوروبي طوال فترة العصور الوسطى، فالصورة التي صدَّرها الكتاب المقدس للمرأة كونها صاحبة اليد الأولى والطولى في الخطيئة الأصلية المزعومة لصورة غنية عن الوصف، فمن المتوقع أن تنعكس هذه القصة على الاعتقاد العام بأن النساء أقل شأنًا من الرجال، وأنهن أضعف أخلاقيًا ومن المحتمل أن يقدن الرجال إلى الخطيئة. لقد تجلت هذه النظرة في فنون العصور الوسطى التي غالبًا ما كان يتم التأكيد فيها على دور النساء في هذه «الخطيئة الأصلية» من خلال المئات من اللوحات التي تبدو فيها حية برأس امرأة تغوي آدم بعصيان الله. بالطبع إننا كمسلمين نشهد يقينا بأن تلك الصورة المشوهة للمرأة مغايرة تماما لتعاليم السيد المسيح الأصلية، بل وتعاليم رُسل الله بوجه عام، وإنما نذكر تلك الصورة المشوهة لبيان سنة ربانية جارية في العالم الروحاني وذات صلة وثيقة بالمرأة، وهي أن الأمم إذا ابتعدت عن تعاليم النبيين فإن ذلك الابتعاد ينعكس سلبا على قيمة الإنسان فيها، ذكرا كان أم أنثى، وذلك بحسب قول البعض بأن الفئات المهمشة أو التي تئن تحت وطأة الإقصاء وشظف العيش تضطر إلى نقل أنينها ذاته إلى فئات أخرى حولها، فكانت المرأة الأوربية قديمة، ثم الشرقية إلى وقت قريب، عرضة لظلم اجتماعي بيِّن، فكما نسعى لتبرئة ساحة السيد المسيح الناصري من الحكم الجائر على المرأة الذي أصدره مُنَظِّرو المسيحية المتأخرون، كان لزاما علينا كذلك إظهار حقيقة الإسلام الناصعة التي تطرقنا إلى الحديث عنها آنفا، واضعين في الاعتبار أن الشجرة تعرف بأثمارها، ومن سمع بشجرة الإسلام دون أن يراها فلعله تذوق من ثمارها الناضجة، ولا زال يتذوق، فالنتاج الحضاري الإنساني المنسوب إلى المرأة المسلمة منذ بزوغ فجر الإسلام نتاج يفوق الحصر عددا، ويفوق التقدير قيمةً، فأرقى جامعات العالم اليوم تدين بالفضل للشقيقتين المسلمتين فاطمة الفهرية ومريم الفهرية ابنتي محمد الفهري القرشي، وحفيدتي عقبة بن نافع الفهري القرشي فاتح شمال إفريقيا، وهما اللتان يرجع إليهما فضل إنشاء أولى جامعات العالم (جامعة القرويين)، والتي لا تزال قائمة حتى اليوم، ولا زالت عاملة إلى الآن بدون انقطاع بحسب تقارير منظمة اليونسكو وموسوعة غينيس للأرقام القياسية، وبشهادة العديد من المؤرخين من الشرق والغرب. فإن كانت صورة المرأة في المجتمع الإسلامي مؤخرا قد لحقها بعض التشويه، فهذا أيضا راجع إلى السنة الربانية الجارية آنفة الذكر، وتعاليم الإسلام الحقيقية منزهة عن هذا التشويه والظلم، بل وليس في تلك التعاليم الرائعة ما يعيق تقدم أي إنسان ذكرا أو أنثى، وما يروجه الإعلام الغربي المعاصر من قضايا ازدراء لحجاب المرأة المسلمة لهو محض افتراء واضح، تشهد عليه اختراعات جيل الحداثة التي أنتجتها نساء مسلمات وهن بحجابهن، الأمر الذي سنشير إليه في مقال مستقل داخل العدد..وفي فلك هذا الموضوع الواسع تقدم مجلة التقوى في هذا الشهر باقة من المواضيع ذات الصلة، اخترناها لكم مواكبة لخطاب سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) الخليفة الخامس للمسيح الموعود في مقر الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (اليونسكو) في باريس بفرنسا في الثامن من أكتوبر الفائت، سلط فيه الضوء على حقيقة صورة المرأة التي قدمها الإسلام بألوان زاهية بديعة، وكيف أنها، على عكس السائد في عقلية العامة الغربيين، صاحبة الفضل بحجابها على الإنسانية المعاصرة بوجه عام. وإلى جانب المواد ذات الصلة بالمرأة المسلمة هناك الباقة المنوعة والأبواب الثابتة، وكذلك مساحة شعرية نأمل أن تحوز إعجاب قارئ التقوى العزيز، ونرجو من الله تعالى أن يحقق الغرض المرجو مما يُكتب ويُنشر على هذه الصفحات، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك