سيرة المهدي - الجزء 2 الحلقة 41

سيرة المهدي – الجزء 2 الحلقة 41

مرزا بشير أحمد

  • ليس الخبر كالمعاينة..بون شامع بين  من حظي برؤية المسيح الموعود في تعرف على ملامح المسيح الموعود وهندامه

__

وجهه المبارك

كان وجهه كتابا أي مائلاً إلى الطول. ومع أن عمره كان ما بين السبعين والثمانين عامًا إلا أن وجهه كان خاليًا من التجاعيد، كما خليتْ جبهته من التضاريس التي تظهر عمومًا عند من يعتاد التفكير الكثير ويعبس كثيرًا عند السخط والغضب. وكان الناظر إليه يرى على محياه علامات السكينة والتبسم والسرور إذ كان يخلو من آثار الحزن والتفكير والهموم والغموم.

كان سواد عينيه ميالا إلى البني الفاتح وكانت عيناه كبيرتين وشبه مغمضتين تلقائيًا لثقل الجفنة العليا، وتظلّان في حالة غض البصر ما لم يفتحهما قصدًا، وكانتا خافضتين حتى أثناء خطابه للناس. وإذا شرّف مجالس الرجال ظل أيضا خافض العينين، وبسبب صفته هذه كثيرًا ما لم يكن يعلم أثناء مكوثه في البيت عن الآخرين الموجودين فيه.

والجدير بالذكر هنا أنه لم يستخدم النظارات قط. لم تكن عيناه تكل وتتعب من كثرة العمل. لقد كان الله تعالى وعده بحفظ عينينه وبموجبه بقيت عيناه محميتين من المرض والتعب إلى آخر حياته، إلا أنه كان يقول بأنني لا أستطيع رؤية الهلال في يومه الأول.

كان أنفه جميلاً جدًّا وكانت قصبة أنفه طويلة ومرتفعة في استواء، بحيث لم يكن أفطس ولا منتفخًا.

كانت أذناه متوسطتين أو أطول بقليل ولكنهما لم تكونا معوجّتين نحو الخارج ولا ملتصقتين بالرأس بل كانتا مثل قطعة المانجو كبيرتين من الأعلى وصغيرتين من الأسفل. وظل سمعه بفضل الله تعالى جيدًا إلى آخر حياته.

كانت وجنتاه جميلتين لا ممتلئتين ولا غائرتين، لم يكن عظم خديه بارزًا. ولم يكن حضرته مقرونَ الحاجبين.

جبهته وهامته المباركة

كان جبينه واسعًا سهلا وعاليًا يترشح منه ذكاءٌ حادٌّ وفراسة عظيمة. وبحسب علم القياس والعرافة إن مثل هذه الجبهة نموذج للصفات العليا والأخلاق الطيبة لصاحبها، أي تلك الجبهة التي لا تكون بارزة نحو الأمام ولا غائرة بل فيها سهولة وهي مرتفعة وواسعة. بعض الجباه تكون مرتفعة إلا أنها ضيقة غير واسعة، أما حضرته فكان يجمع فيه بين الصفات الثلاثة، بالإضافة إلى ميزة أنه قلما كانت تظهر عليها التضاريس.

كان ضخيم الهامة، وكانت هذه الضخامة تزيده جمالا، وكان متوازنا من جميع الجهات أي كان يتسم بالتوازن طولا وعرضًا وارتفاعًا وسطحًا. كان معظم رأسه سهلا ومن الخلف أيضا كان مدوّرًا رائعًا. كان واسع الصدغين مما كان يدل على كمال عقله وفراسته.

شفتاه المباركتان

لم تكن شفتاه رقيقتين ولا غليظتين جدًّا حتى تبدو قبيحتين. وكان ثغره متوسطًا، ولم يكن يبقى مفتوحًا عند سكوته. وكان معتادًا على تغطية فمه بطرف عمامته حين يكون جالسًا لا يتحدث. أما أسنانه المباركة فقد تسوست بعضها في آخر عمره مما كان يسبب له الأذى أحيانا، فمرةً صار رأس أحد أضراسه حادًّا جدًّا بحيث كان يجرح لسانه فطلب تسويته بالمبرد إلا أنه لم يخلع سنّه قط. كان حضرته كثير التسوّك.

كانت عقبة قدميه تتشقق أحيانًا في الصيف. كان حضرته يلبس ثيابًا دافئة شتاء وصيفًا على حد سواء، وكانت تسبب له التعرق الكثير صيفًا إلا أنه لم تكن في تعرقه أية روائح أيًّا كان الموسم ومهما تأخر في تغيير قميصه.

عنقه المبارك

كانت رقبته متوازنة من حيث الطول والسماكة. كان يهتم بهندامه الظاهري إلى حد ما اتباعًا لمطاعه النبي الكريم دون المغالاة فيه، فكان يهتم بالغسل يوم الجمعة ويحلق شعره ويصبّغه، ويستخدم بطريق مسنون السواك والزيت والعطر والمشط والمرآة أيضا إلا أن الانهماك في هذه الأمور كان بعيدًا من طبيعته.

لباسه

يجدر بالذكر أولا أنه لم يكن يحب نوعًا خاصًّا من الملابس. كانت الملابس الجاهزة تُهدى له في آخر عمره ولا سيما الصدرية والسراويل والقمصان التي كان يأتي بها «شيخ رحمة الله» اللاهوري عند كل عيد تقريبًا هدية له، وكان حضرته يلبسها عمومًا. كما كان يطلب أحيانًا تفصيل القمصان لنفسه. وفي معظم الأحيان كان يشتري العمامة بنفسه. كانت ملابسه تُعدّ بالكثرة وتُبذل أيضا بالكثرة نفسها وذلك لأن الناس كانوا يطلبونها تبركًا ويبلغ هذا الأمر درجة بحيث كان يعطي شيئًا من لباسه لأحد تبركًا ويضطر لإعداد مثله فورًا ليلبسه بدلا منه. وبعض الإخوة المتفهمين كانوا يُهدون لحضرته بعض الملابس ثم يطلبون منه أن يعطيهم قميصه المستخدم تبركًا لهم.

كانت هذه جملة معترضة، والآن اسمعوا كيف كان مظهر لباسه. كان حضرته يلبس ما يلي بشكل عام: القميص والسروال والصدرية والمعطف والعمامة. وإضافة إلى ذلك كان يحتفظ عنده بمنديل أيضا، ويلبس الجوارب في الشتاء.

كانت السمة البارزة لملابسه أنها تكون فضفاضة وواسعة. ومع أن المعاطف التي كان يأتي بها «شيخ رحمة الله» تكون من الطراز الإنجليزي إلا أنها أيضا تكون واسعة وفضفاضة وطويلة تبلغ إلى ما تحت الركبتين. أما الجبب أو القمصان التي كان يلبسها حضرته فكانت أيضا طويلة تبلغ بعضها كعبيه، كذلك كانت قمصانه وصدريته أيضا واسعة.

لم يكن حضرته يلبس السترة الداخلية بل كان يضيق ذرعًا لضيقه، أما القميص الدافئ الذي كان يلبسه شتاء فكان يترك زره العلوي مفتوحًا، كذلك يترك أزرار الصدرية والسترة الخارجية وأكمامها مفتوحة دومًا، وكان عمله هذا يتوافق مع وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ يحيث كان يخالف مزاجه التقيد بالقيود المصطنعة غير الضرورية شرعا. لم يكن يهتم بجودة اللباس ولا بتفريشه (لإزالة الغبار وما شابه عنه)، وهل كان جميع الأزرار في ثقابها أم لا، بل كان يتوخى من اللباس الغرض الحقيقي فحسب وهو ستر العورة. لقد رؤي مرارا أنه أدخل الزر في غير ثقبه، بل رؤيت أحيانًا أزرار الصدرية أُدخلت في ثقاب السترة. كان جلّ اهتمامه منصبًّا كل حين وآن على مهمته العظيمة وكان منشغلا بإصلاح الأمة لدرجة لم يكن يهتم بإصلاح ملابسه.

كان لباسه دافئًا في بضع السنوات الأخيرة من حياته. أي كان بسبب اعتلال صحته يلبس المعطف والصدرية والسروال الدافئ في الصيف أيضا. لم يكن البرد يوافق طبعه لذلك كان يلبس عمومًا الملابس الدافئة إلا أنه كان يلبس صيفًا تحت المعطف قميصًا من القطن الرقيق. كان سرواله من السراويل المحتشمة والمعروفة آنذاك. (كان يلبس سروالا فضفاضًا في البداية ولكنه تركه في آخر عمره.) وفي بعض أيام الصيف كان يلبس إزارًا في البيت نهارًا وينام أيضا أحيانًا لابسًا ذلك الإزار.

كان حضرته يلبس الصدرية عمومًا في البيت ولا يلبس المعطف إلا عند خروجه منه وفي أيام البرد القارس كان يلبس أحيانا معطفين بالإضافة إلى سترة من الجلد.

كان حضرته يحمل منديلا في جيب الصدرية أو المعطف، وكان منديله كبيرًا نوعًا ما، ولم يكن يستخدم منديلا صغيرًا عمّ استخدامه الآن كموضة. كان حضرته يربط في أطرافه المسك أو بعض الأدوية التي كان يستخدمها بالإضافة إلى بعض الرسائل الهامة وبعض النقود التي يقدمها بعض الناس هديةً له في المسجد. كان يضع عنده ساعة أيضا ولكنه كان ينسى شحنها لذلك كان توقيتها خاطئًا عمومًا. وبما أن ساعته تخرج دائما من جيبه عند إخراج أي شيء آخر منه لذلك كان يربطها في منديله، وكان يضع عنده الساعة لمعرفة الوقت وليس للزينة.

لم يكن الناظر إليه يشعر ولو للحظة واحدة أن هناك تكلفًا في حياته أو في ملابسه أو أنه مشغوف بالزينة والجمال الظاهري، غير أنه عملا بـ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ كان يحبّ دائمًا النظافة في كل شيء ويكره القذارة والوسخ، وكان يهتم بالنظافة إلى هذه الدرجة أنه عند عدم وجود أي خادم في البيت كان بنفسه يقوم بوضع المواد لتنظيف المرحاض وقتل الجراثيم.

كانت عمامته من قماش رقيق من القطن وكان طول ثوبها قرابة عشرة أمتار. كان حضرته يترك جانبها – الذي كان يبلغ خاصره – متدليًا على ظهره، وأحيانًا يأخذ بطرفها هذا ويغطي به فمه عندما كان يسود الصمت على المجلس.

كان يلبس تحت العمامة طربوشًا ناعمًا. وكان يظل لابسًا هذا الطربوش في البيت عند خلعه العمامة وكان هذا الطربوش ناعمًا ولم يكن من نوع غليظ صلب.

كان حضرته يستخدم الجوارب في الشتاء ويمسح عليها أيضا عند الوضوء. وعند اشتداد البرد كان يلبس أحيانًا زوجين من الجوارب، إلا أنه لم يكن  يستوي الجراب أحيانًا على قدمه بحيث كان جزء منه يتدلى من طرف أصابع القدم أو أحيانًا كان يظهر كعب الجراب على ظهر القدم، وأحيانًا أخرى كان أحد الجوربين مقلوبًا والآخر سليما. كان يمسح على الجوربين حتى ولو تمزق أحد الجوربين قليلا من مكان ما، وكان يقول بأن أصحاب رسول الله كانوا يمسحون على الخفّين تخرج منهما أصابع أقدامهم أحيانًا.

كان يستخدم حذاء تقليديًا أيًّا كان نوعه سواء كان بوتوهاريًا أو لاهوريا أو لدهيانويًا أو سليم شاهيًا بشرط أن يكون واسعًا نوعًا ما، لم يلبس بوطًا إنجليزيًا قط، كما لم أر حضرته لابسًا نوعًا من الحذاء التقليدي المعروف باسم «غرغابي».

إذا كان الحذاء ضيقًا فكان حضرته يطوي خلفيته ولكنه لم يكن يخرج إلى الخارج بمثل هذا الحذاء.

أذكر شيئا آخر مع اللباس وهو أنه كان يحمل العصا. لم يكن يستعمله في البيت ولا عند ذهابه إلى المسجد المبارك إلا أنه كان يحمله عند خروجه إلى المسجد الأقصى أو إلى التنـزّه. كان يحب أن يكون خشب العصا متينًا وسميكًا نوعًا ما إلا أنه لم يكن يتوكأ عليها كما يفعله العجائز.

في الشتاء كان حضرته يأتي المسجد مرتديًا رداءً سميكًا من الصوف على كتفيه عمومًا، وكان يبسطه على المصلى أمامه، وعند جلوسه كان يغطي به قدميه.

أما الاهتمام الظاهري بالملابس فكان يخلع معطفه وصدريته وعمامته ويضعها مكان وسادته. إن الناس الحذرين يعلقون مثل هذه الملابس على العلّاقة وقاية للتجاعيد والوسخ إلا أنه إذا كانت مثل هذه الملابس تُفرك على السرير تحت الرأس والجسد  فلا بد أنها تؤول صباحًا إلى حالة لو رآها من يهوى الموضة ويعادي التجاعيد لأمسك متأسفًا رأسه بيديه الكلتين.

كان حضرته يخلع ملابسه العادية ويلبس الإزار التقليدي في نهار الصيف عمومًا وفي لياليه في معظم الأحيان. وكان يخلع قميصه أحيانًا للطفح الجلدي بسبب الحرارة المرتفعة. كان إزاره يصل إلى نصف ساقه في معظم الأحيان، ولم أذكر قط أنه  انكشف  ما فوق ركبته في هذه الحالة.

كان يحمل بعض المفاتيح التي كان يربطها في منديله أو مع إزاره. لم یعتد حضرته على ارتداء سترة من الصوف، كما لم يكن يخرج مرتديًا لحافًا من الصوف. إنما كان يستخدم رداء صوفيًا أو حرامًا، ولكنه لم يكن يرتديه على رأسه بل يضعه على رقبته وكتفيه. لم يكن حضرته معتادًا على استخدام الوشاح أو القفازات.

كان سريره يحتوي على وسادة ولحاف به خمسة أو ستة كيلوات من القطن وكان طول السریر  وعرضه لا بأس به، وكان يستخدم فراشًا دافئًا صيفًا وشتاء بسبب عدم ملاءمة طبعه مع البرد. كان كثيرًا ما ينجز جلّ أعماله المتعلقة بالكتابة والتأليف على السرير فكان القلم والدواة والكتب وغيرها تظل موجودة على السرير لأن هذا المكان بالنسبة له كان يمثّل كرسيًا وطاولة ومكتبة أيضا. وكان هذا المكان أيضا يقدم بشكل واضح مشهد الآية: وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ .

نسيت أن أذكر أمرًا آخر وهو أنه لم يكن يغير ملابسه يوميًا كما هي عادة الأثرياء، بل كان يغيرها عندما كان يطرأ أي تغير على نظافتها.

Share via
تابعونا على الفايس بوك