سيرة المهدي - الجزء 2 الحلقة 7
  • حياة المسيح الموعود خلو من التكلف
  • حب ومداعبته للأطفال
  • من خصاله الحميدة درءًا للضغينة
  • عشق المسيح الموعود لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم.
  • إنذاره بزلزال وشيك
  • بعض علاماته الشخصية
  • لقطة من إيثار المسيح الموعود عليه السلام
  • تفضيل صلاة أحدهم على نفسه
  • النور يميزه لكن قد يتعثر فيه البعض.

__

331- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني الدكتور مير محمد إسماعيل وقال: سنحت لي فرصة الاطلاع عن كثب على ما اعتاد  وعلى صفاته وشمائله طيلة خمسة وعشرين عامًا في البيت وخارجه أيضا. لم أر في حياتي كلها شخصًا مثل المسيح الموعود يخلو كلّيا من التصنّع والتكلف. لم أشعر قط بشائبة من التصنّع في أي من قوله أو فعله، وفي حركته أو سكنته.

332- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني الدكتور مير محمد إسماعيل وقال: كان حضرته يداعب أطفالَه أحيانًا حبًّا بهم كأنْ يمسك بيد أحدهم دون أن يتكلم بشيء، أو إذا كان أحدهم مضطجعًا فكان يمسك بقدمه ويمرّر يده على أخمصِها.

أقول: لقد أحيتْ هذه الرواية في قلبي ذكرى السرور والامتنان المفيضة بآلام عجيبة إذ حدثت معي أيضا مرارًا أن حضرته أمسك بيدي دون أن يتكلم بشيء. (وحدث هذا مع هذا العبد الضعيف الذي ليس جديرًا بأن ينفض الغبار عن حذاء مسيح الله المقدس1) وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وإلا فكما يقال (بالأردية ما تعريبه): أين نحن من مجالس ذلك الحبيب.

333- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني الدكتور مير محمد إسماعيل وقال: في أوائل الأيام أرسل والدي (أي جدّي لأمي مير ناصر نواب) بيد إحدى الخادمات معطفه الصوفي المستعمل هديةً لابن خالتِنا السيد محمد سعيد -الذي كان مقيمًا في قاديان في تلك الأيام- كي يتقي به البرد، ولكن محمد سعيد رد المعطف مستنكفًا قائلا: إنه لا يلبس الثياب القديمة المستعملة، ولما كانت هذه الخادمة عائدة بالمعطف اتفق أن رآها المسيح الموعود فسألها عما تحمله؟ فقالت: لقد أرسل مير ناصر نواب هذا المعطف إلى محمد سعيد إلا أنه ردّه قائلا إنه لا يلبس ثوبًا مستعملا، فقال حضرته: لا تعيدي هذا المعطف إلى مير صاحب فإنه سيمتعض من ذلك بل أعطيني إياه، فإنني سألبسه، وقولي لمير ناصر نواب بأنني أخذته.

334- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني الدكتور مير محمد إسماعيل وقال: كان المولوي عبد الكريم يقول: دخلت المسجد المبارك مرة وقت الظهيرة فإذا بالمسيح الموعود يمشى فيه وحده ويقرأ البيت التالي لحسان بن ثابت رضي الله عنه:

كنت السواد لناظري فعمي عليك الناظر

من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر

فلما سمع وقع أقدامي أنزل يده التي كان قد وضع بها المنديل على وجهه فرأيت عينيه تذرفان الدموع.

أقول: كان حسان صحابيًا وشاعرًا في بلاط النبي ، وكان قد كتب هذا البيت عند وفاة النبي  ومعناه: كنتَ، يا رسول الله، حدقة عيني، فقد عميتْ عيني بموتك، فليمت الآن مَن شاء فإنما كنت أخشى موتك فقط.

ليس سهلا تقدير حبّ صاحب هذا البيت، ولكن مَن يسعه سبر أغوار بحر المحبة لشخص يقرأ هذا البيت بعد وفاة النبي بـ 1300 عامٍ في الوحدة -التي لا يراه فيها إلا الله- فتنهمر عيناه بالدموع الغزيرة؟! وإنه ليس من أولئك الذين يذرفون الدموع على كل صغيرة وكبيرة بل إنه ذلك الشخص الذي انهالت عليه جبال المصائب، وعصفت به عواصف الآلام والهموم، إلا أن عينَيه لم تعبّرا قطّ عن مشاعر قلبه.

أخبرني “بير سراج الحق” خطيًّا وقال: لقد قرأ المسيح الموعود أمامي أيضا هذا البيت: كنت السواد لناظري… وبعد أن أسمعني إياه قال: ليتني كنت صاحبَ هذا البيت وليت حسان يأخذ جميع أبياتي ويعطيني هذا البيت، قال ذلك وفاضت عيناه بالدموع، وقد ردّد حضرته هذا البيت مرارًا.

أقول: ما قاله المسيح الموعود لبير سراج الحق عن بيت شعر لحسان بن ثابت، يفصح عن حالة قلبية خاصة كانت سائدة على قلب المسيح الموعود ، وإلا فإنه يتجلى في كلام المسيح الموعود للنبي حبٌّ ليس له نظير في أي مكان آخر، ولا نجد في كلام أحدٍ آخر ذلك المستوى العالي للحب الذي نجده في كلامه تجاه النبي .

335- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني “ماستر محمد نذير أحمد خان” القاطن في منطقة “نادون” في محافظة “كانغره” وقال: بعد إكمال دراسة البكالوريا اشتغلت مؤقتًا مساعدًا للمحاسب في مكتب نائب المحافظ في منطقة “دهرم ساله”. في أحد الأيام كنت جالسًا في مكتبي وكان بيدي عدد من مجلة “ريفيو أوف ريليجنـز”، وإذ جاء مولا رام وهو سكرتير رئيس مكتب مجلس الإدارة في “دهرم ساله” لشغل ما في مكتب المحافظة، وما إن وقع نظره على مجلة “ريفيو أوف ريليجنـز” حتى سألني متعجبًا: هل أنت أيضا أحمدي؟ قلت: نعم أنا أحمدي. قال: إذًا سأخبرك بتجربتي الخاصة مع السيد مرزا، ثم سرد قائلا: إنني امرؤٌ أتبنى أفكارًا دينية، ولما كان المرزا ذائع الصيت في الأمور الدينية بدأت مراسلته في بعض القضايا الدينية. وكتبت إليه مرة رسالة تتضمن اعتراضات شتى. لقد وصلتني من المرزا  رسالة كتب فيها ردودًا على بعض الاعتراضات ثم كتب: أيها البانديت المحترم! إنك متخبط في مثل هذه الأمور في حين أنني أرى أن غضب الله تعالى متأجج في السماء، وإن عذابه نازل على الأرض ليس في السنين، ولا في الشهور ولا في الأيام ولا في الساعات ولا في الدقائق بل في الثواني.

لقد تأثرت جدًّا عند قراءة هذه الكلمات، وقلت في قلبي إن المرزا  رجل صالح ولا يمكن أن يذهب كلامه هذا سُدًى. فظللت منتظرًا في كل لحظة لأرى ما سيحدث في القريب العاجل، ولأجل ذلك وضعت رسالته هذه تحت وسادتي عند النوم ليلا، فلما أصبحت وبدأت أستعد للغسل كالمعتاد وأرسلت خادمي إلى السوق لجلب اللبن الرائب، وبينما كنت أتمشى في باحة داري إذ شعرت بهزّة عنيفة من الزلزال ثم توالت هزات كثيرة وانهدمت أمام أنظاري في لمح البصر جميعُ مباني “دهرم ساله” وتحولت إلى أنقاض، وفي ذلك الوقت برز لي محتوى رسالة حضرة المرزا فأصبحت أقول بمنتهى العفوية: الواقع إنه ليس عذاب الأيام ولا الساعات ولا الدقائق بل هو عذاب الثواني الذي حوّل المدينة كلّها إلى حطامٍ وخرابٍ في لمح البصر. وبعد ذلك صرت أكنّ للسيد المرزا  تقديرًا كبيرًا وأصبحت أؤمن بأنه مصلحٌ وعارف بالله.

يقول ماستر نذير خان: عندما ذكر”مولا رام” هذه القصة اعترض عليه كاتب هندوسي في مكتب المحافظة وقال: ألا تعرف أن المرزا قد أُدين وحُكِم بالغرامة عقابًا على إحدى الجرائم، فسبقني “مولا رام” في الردّ عليه قائلا: نعم لقد غَرَّمه أحدُ الحمقى بيد أنه بُرّئت ساحته في الاستئناف.

أقول: إنها تلك الزلزلة التي وقعت في 4/4/1905 والتي ذكرها المسيح الموعود في كتاباته. كانت هذه الزلزلة عديمة النظير في تاريخ الهند، فلقد قرأت في الموسوعة أنه إضافة إلى خسائر ملايين الروبيات قد راح ضحيتها 15000 نسمة.

336- بسم الله الرحمن الرحيم. أنبأني “قاضي محمد يوسف البيشاوري” خطّيًا وقال: كانت في لسان المسيح الموعود رُتَّة وحبسة يسيرة بحيث كان يلفظ كلمة “برناله” بناله بدون راء، وأثناء الحماس أحيانًا كان يضرب فخذَه بيدِه.

أقول: رواية قاضي محمد يوسف صحيحة إلا أن الرُّتَّة المذكورة لم تكن تظهر إلا عند تلفّظه لكلمة معينة وإلا فإن لسانه بشكل عام كان واضحًا وصافيًا، أما ضربُه فخذَه بيده فالمراد منه أن يده -من شدة حماسه في كلامه- كانت ترتفع ثم تسقط على فخذه.

337- بسم الله الرحمن الرحيم. أنبأني “قاضي محمد يوسف البيشاوري” خطّيًا وقال: كنت وعبد الرحيم خان ابن المولوي غلام حسن خان البيشاوري في المسجد المبارك ذات مرة نتناول الطعام الذي كان قد أتى من بيت حضرته ، إذ وقع نظري على ذبابة في الطعام، فتركته -لكراهتي الذباب- فجاءت خادمة من بيت حضرته وأخذت الطعام إلى البيت. اتفق أن حضرته كان يتناول الطعام داخل بيته، وعند مرور الخادمة من قرب حضرته ذكرتْ له ما جرى، فسلّم إليها حضرته فورًا طعامَه الذي كان يأكله وأمرها بإيصاله إلينا، وقد أسرع في ذلك لدرجة أنه ترك في الصحن اللقمة التي كانت بيده، فجاءت الخادمة بهذا الطعام إلينا فرحة وهي تقول: تفضلوا، فقد أعطاكم حضرته تبرّكَه. كان معنا في المسجد “سيد عبد الجبار” -الذي ظلّ حاكِمًا لإقليم “سوات” لفترة قصيرة في الأيام الماضية –  فشاركَنا هذا الطعام.

338- بسم الله الرحمن الرحيم. أنبأني “قاضي محمد يوسف البيشاوري” خطّيًا وقال: كان المسيح الموعود في عام 1904م يقيم في غورداسبور لمتابعة إحدى القضايا في المحكمة. وفي أحد الأيام هطلت الأمطار ليلا بينما كان حضرته على سطح البيت الذي كان فيه غرفة صغيرة عبارة عن ملاذ عند هطول الأمطار، فأراد حضرته دخول هذه الغرفة إلا أنه وجد في بابها المولوي عبد الله القاطن في “حضرو” بمحافظة “كيمبل بور” الذي كان يصلي التهجد آنذاك، فوقف خارج الباب وانتظر إلى أن أنهى المولوي عبد الله صلاته ثم دخل تلك الغرفة.

339- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني مير عنايت علي اللدهيانوي وقال: سافر المسيح الموعود إلى لدهيانه في أوائل أيام إعلانه المجددية. ولم يكن أحد يعرف حضرته سوى مير عباس علي الذي كان عمي وحمي أيضا، وكان يرافق حضرته في هذا السفر ثلاثة أشخاص وهم: المولوي جان محمد، الحافظ حامد علي و”لاله ملاوا مل”. كان مير عباس علي ومعه عدد من الناس دخلوا محطة القطار بعد شرائهم تذاكر الدخول من أجل استقبال حضرته وأخذوا يبحثون عن حضرته في القطار إلا أنهم لم يجدوه، وذلك لأن حضرته نزل من القطار فور وصوله وخرج من المحطة سريعًا ووقف عند الباب الرئيس لها. من حسن حظي أنني كنت واقفا عند ذلك الباب لأنه قد غلب على ظني أن حضرته سيخرج منه. لم أكن أعرف حضرته إلى هذا الحين ولكن لما وقع بصري على وجهه النوراني همس لي قلبي أنه حضرته، فتقدمت إليه وصافحته وقبّلت يده. ثم جاء مير عباس علي وغيره، وكان قد حشد هناك لزيارةِ حضرته جمعٌ كبير من بينهم “نواب علي محمد” رئيس “جهجهر” الذي قال لمير عباس علي: إن داري قريبة ويحيطها بستان كبير يتسع لكثرة الناس الذين سيأتون للقاء حضرته، لذلك إذا سمحت لي التمست من حضرته ليقيم في دارنا. قال مير عباس علي: دع هذه الأقدام المباركة تقع في داري هذه الليلة، أما الغد فلك ما تريد. فقال حضرة النواب: نعم هذا جيد. باختصار، لقد جيء بحضرته في عربة قاضي خواجه علي إلى بيت السيد “أمير علي” الواقع في حارة “الصوفيان”، فلما حان موعد صلاة العصر توضأ حضرته ومسح على جواربه، وكان المولوي محمد موسى وابنه المولوي عبد القادر حاضرَين فسألا حضرته عن جواز المسح على الجوارب فقال نعم هذا جائز. ثم التمس المولوي محمد موسى من حضرته أن يصلّي بهم إمامًا فقال حضرته للمولوي عبد القادر أن يؤم الصلاة، وبعد ذلك ظل المولوي عبد القادر يؤم الصلاة في الأيام التالية. أقام حضرته ثلاثة أيام في لدهيانه كثر له فيها الوافدون الزائرون، وكلما خرج حضرته للتمشّي والتنـزّه احتشد الناس حوله.

أقول: لعل حضرته قام بهذا السفر في 1884 تقريبًا. مير عباس علي المذكور في هذه الرواية كان من المعارف القدماء للمسيح الموعود إلا أنه مع الأسف الشديد تعثر عند إعلان حضرته عن كونه مسيحًا موعودًا فانضم إلى حزب المعارضين، ثم لم يلبث أن رحل من هذا العالم. أما نواب علي محمد رئيس “جهجهر” فكان يسكن في لدهيانه ويكن إخلاصًا وتقديرًا كبيرَين لحضرته، إلا أنه توفي في أوائل تلك الأيام. وكان قاضي خواجه علي من أقدم أصحاب حضرته وأخلصهم وقد توفي هو الآخر، ومنذ فترة قريبة توفي المولوي عبد القادر الذي كان والد الحكيم محمد عمر، أما المولوي محمد موسى والد المولوي عبد القادر فكان قد توفي في أوائل الأيام. أما المولوي جان محمد الذي رافق حضرته في هذا السفر إلى لدهيانه فكان من سكان قاديان وكان خادمًا مخلصًا لحضرته ولعل كثيرًا من الإخوة يعرفون ابنه المعروف باسم “ميان بغّا”. وإن “ميان غفارا” سائق عربة الحصان الذي توفي منذ فترة يسيرة كان أخًا للمولوي جان محمد.

1  ما بين القوسين كلام مؤلف سيرة المهدي مرزا بشير أحمد . (المترجم)

Share via
تابعونا على الفايس بوك