سيرة المهدي - الجزء 1 الحلقة 43
  • صفات إمام الزمان عليه السلام

__

281- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني شيخ يعقوب علي العرفاني وقال: مرة كان المسيح الموعود على سفر وكان يتوضأ في مسجد قريب لمحطة القطار في لاهور إذ جاء “ليكهرام” للقاء حضرته وسلّم عليه، لكن حضرته لم يرد عليه، ظن “ليكهرام” أن حضرته لم يسمع قوله فحيّاه ثانيةً مغيّرًا اتجاهه، لكن حضرته لم يردّ عليه. وبعد ذهابه قال أحد: سيدي، كان “ليكهرام” يسلم عليكم. فقال : يسبّ سيدنا ويسلّم علينا؟

أقول: كان حضرته يُكِنُّ للنبي حبًّا لا نظير له.

282- بسم الله الرحمن الرحيم. لقد نشرت كثير من الجرائد الهندوسية والمسيحية مقالات عن المسيح الموعود عند وفاته، وأقتبس كنموذج مما نشرته جريدة “باينير” الإنجليزية الشهيرة في الهند الصادرة في “إله آباد”، مع العلم أن محرر هذه الجريدة ومديرها ومالكها كلهم مسيحيون من الإنجليز. فقد ورد في هذه الجريدة:

لو رجع نبي من أنبياء بني إسرائيل الكرمليين*  الذين خلوا من قبل إلى هذا العالم، وأراد ان يستأنف دعوته بين الناس، فلن يكون عجيبًا في محيطه أكثر من ميرزا غلام أحمد القادياني في القرن العشرين. (أي أن ظروف حضرة المرزا كانت تتشابه كثيرًا مع أنبياء بني إسرائيل. المؤلف)… لسنا مؤهلين بأن نبدي رأينا عن كفاءته العلمية… لم يشكّ المرزا المحترم في دعواه قط، بل كان يوقن بكل صدق وإخلاص أن كلام الله كان ينـزل عليه، وأنه وُهب قوة خارقة للعادة… فمرة تحدى القمص ويلدن (تحدِّيًا أثار دهشته) أن يبارزه في إراءة الآية، وكان هذا التحدي يشابه تحدي إيليا لأنبياء البعل، وقد قال المرزا المحترم أن نتيجة هذه المبارزة ستقرر أيّ الديانتين صادقة. وكان المرزا المحترم جاهزًا لهذه المبارزة وأعطى للقمص حرية تامة ليطمئن من جميع النواحي أنه لن يُستخدم أي خداع أو احتيال في إراءة الآية.

إن الذين يبعثون الحياة في العالم من الناحية الدينية يتشابهون كثيرًا مع مرزا غلام أحمد خان. لو كان “أرنست رين” (كاتب فرنسي شهير – من المؤلف) في الهند قبل عشرين سنة على منصب كمنصب زعيم القساوسة في إنجلترا في هذا العصر لذهب إلى السيد المرزا ودرس أحواله، وأسفر ذلك عن تسليط ضوء جديد على ظروف عجيبة لأنبياء بني إسرائيل. باختصار، إن نبي قاديان كان من أولئك الذين لا يجود بهم الدهر مرارًا.

283- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني المولوي شير علي أن المسيح الموعود   كان يقول: كان عمري 16 عامًا فقط عندما وُلد سلطان أحمد.

أقول: كل ما قاله حضرته عن عمره إنما هو من قبيل التقدير والتخمين ولم يبن ذلك على علم يقيني. فإذا كان هناك مصدر موثوق ومعتمد عليه فهو أن نتدبر هذا الأمر من زوايا مختلفة وجِهات متنوعة ثم نتبنى رأيًا بحسب النتيجة الإجمالية الشاملة، لأنه من الصعب جدًّا حل هذه المسألة من خلال التمسكِ بخيط واحدٍ أو عروة واحدة من هذه السلسلة، وذلك لأن بعض عبارات حضرته أيضا متناقضة بهذا الخصوص، لأنها لا ترتكز إلى علم يقيني، إنما هي من قبيل التخمين والتقدير الذي قدمه حضرته بنفسه كما صرّح بذلك حضرته في الجزء الخامس من البراهين الأحمدية. أما بحسب البحث الذي أجريته بهذا الخصوص فتاريخ ميلاد حضرته هو 1252 هـ، والله أعلم.

284- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني الخليفة الثاني أنه جاء قاديان مرةً أحدُ أقارب الخليفة الأول رضي الله عنه وكان مدمنًا على المخدرات ومتعودًا على ارتكاب المنكرات، فأثيرت شبهات حوله أنه قد جاء إلى قاديان بنية فاسدة. فلما وصل تقرير ذلك إلى حضرته أمر الخليفة الأول بترحيله فورًا من قاديان. فلمّا أمره الخليفة الأول بمغادرة قاديان اغتنم هذه الفرصة ليتقاضى من الخليفة الأول مبلغًا من المال مقابل مغادرته قاديان.

يقول الخليفة الثاني: لم يكن عند الخليفة الأول المبلغ الذي كان يطالبه به هذا الرجل، فعرض عليه مبلغًا أقل إلا أنه لم يقبله وهكذا في هذه المفاوضات تأخر خروجه. فلما بلغ حضرته أنه لم يغادر بعد ولا يزال موجودًا في قاديان، أرسل إلى الخليفة الأول: إما أن ترحّله فورًا من قاديان أو تغادر أنتَ معه أيضا. فلما وصلت هذه الكلمات المولوي نور الدين اقترض من أحد فورًا وأعطاه المبلغ المطلوب وأخرجه من قاديان.

أقول: إن أنبياء الله تعالى يمثلون نموذجًا عاليًا للمحبة والإحسان والمروءة كما أنهم يكونون مظهرًا لصفة الله الاستغناء. كان القريب المذكور للخليفة الأول ابن شقيقه وكان اسمه عبد الرحمن، وكان من الأوغاد والأوباش الشرسين. وأثيرت شبهة حوله بأنه قد يسبب إثارة فتنة عظيمة في قاديان.

285- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني المولوي شير علي وقال: جاء مرة شخص غير أحمدي من مدينة “راولبندي” وكان ثريًّا جدًّا، والتمس من حضرته أن يرسل معه المولوي نور الدين لعلاج أحد أقاربه الذي كان مريضًا. قال حضرته: إنني على يقين بأنني إذا قلت للمولوي صاحب أن يقتحم النار أو يقفز في الماء فلن يكون لديه أدنى عذر أو مانع، ولكن علينا أيضا أن نراعي راحة المولوي صاحب، إنه ينتظر في بيته مولودًا جديدًا هذه الأيام، فلا يسعني أن أقول له بالذهاب إلى راولبندي.

يقول المولوي شير علي: أتذكر أن حضرة المولوي نور الدين كان يذكر هذه الجملة لحضرته ، وكان يسر كثيرًا لأن حضرته قد أظهر ثقته العالية فيه.

286- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني شودري حاكم علي وقال: ذات مرة كان يلقي محاضرة أو خطبة في المسجد الكبير، فاقتحم المسجدَ أحدُ السيخ ووقف أمامه وأخذ يسبه وجماعتَه سبًّا فاحشًا من دون توقُّف. وظل يسمع سبّه صامتًا. فثار بعض منا لدرجة أنه لو كان هناك إذنٌ مِن حضرته لقُطِّعَ الرجل إربًا، ولكن الجميع التزموا الصمت احترامًا لحضرته . ولما تجاوز سبُّه الفاحش الحدود كلها قال : ليُخْرِجْه اثنان من المسجد برفقٍ ومن دون أن يتعرضا له بسوء، وإذا لم يذهب من هنا فليسلّماه إلى “حاكم علي” الشرطي.

أقول: في تلك الفترة كان أحد عناصر الشرطة يظل موجودًا في قاديان من قبل الحكومة الإنجليزية، و”حاكم علي” هو اسم الشرطي الموجود هناك في تلك الأيام.

287- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني المولوي شير علي أن حضرته قال مرة: أحيانًا أتكلف لأبدو غاضبًا، وإلا فإن طبعي لا ينشأ فيه الغضب من تلقائه.

288- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني المولوي شير علي وقال: كان المولوي محمد علي يستحم مرة على حافة مستنقع لمياه الأمطار فانزلقتْ قدمه فدخل في الماء الغائر وأخذ يغرق لأنه لم يكن يجيد السباحة. قفز عدد من الناس إلى الماء لإنقاذه إلا أنه كلما قرب إليه أحد تمسّك به المولوي صاحب بشدة حتى يكاد المنقذ أن يغرق، وخلال ذلك كان المولوي صاحب يبتلع الماء مرات عديدة، وأخيرًا غطس القاضي أمير حسين وأخذ يدفعه من الأسفل نحو الحافة إلى أن خرج. فلما التقى المولوي صاحب بالمسيح الموعود بعد هذا الحادث قال له حضرته مبتسمًا: لا تذهب بعد الآن إلى مستنقع المياه بل يمكنك أن تستحم بماء الجرة. ثم قال: كنتُ كثير السباحة في الصغر، وكنت أسبح دورة كاملة حول قاديان كلها.

أقول: كانت المياه الكثيرة تجتمع حول قاديان في موسم الأمطار وتتحول قاديان إلى جزيرة.

289- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: كيف كانت معاملة المسيح الموعود مع أهله؟ لتسليط الضوء عليه أنقل فيما يلي مقتبسات من تأليف المولوي عبد الكريم بعنوان: سيرة المسيح الموعود :

منذ ما يقارب خمسة عشر عاما تحمَّل حضرته بأمر من الله المسئولية الجسيمة والحساسة للعشرة الزوجية، ولم يحدث قط خلال هذه المدة أن اشتعلت في البيت نار الحرب الداخلية… جدير بالتدبر ذلك القلب الحليم والفردوسي الذي لم تمسسه نارُ أيِّ نوعٍ من الحزن ونغص العيش خلال هذه المدة الطويلة… وهذا الأمر تدركه جيدا في البيت الخادمات اللواتي هن من العامة واللاتي لا يملكن -أي نوع من التكلف والتصنع ولا الفراسة ولا قوة الاستنباط- سوى الطبع البسيط وصفات بشرية عامة، فإنهن ينظرن بتعجب، وحين يجدن هنا تصرفًا مختلفًا تماما لما هو سائد في العصر والمحيط ولما هو معروف في الأعراف والسلوك، يقلن بمنتهى الاستغراب -ولقد سمعتُهن يقلن مرارا بمنتهى العجب والحيرة-: “إن مرزا يستجيب لزوجته كثيرا”.

…ولقد ظل -بعد سماعه عن المزاج القاسي لأحد- يتكلم طويلا عن حسن العشرة مع النساء وفي النهاية قال:

أما أنا فذات مرة رفعتُ صوتي على زوجتي وكنتُ أحسّ أن هذا الصوت العالي كان مشوبًا بمرارة قلبية، ولم يكن في كلامي أية كلمة قاسية جارحة، مع ذلك ظللتُ بعده أستغفر الله لمدة طويلة، وصليت النوافل بغاية الخشوع والخضوع، وأخرجت صدقة؛ إيمانا مني بأن هذه القسوة في الكلام مع الزوجة نتيجة لمعصية خفيّة صدرت مني…

ولقد دعت زوجة حضرته مرارا باكية لتحقيق نبوءة حضرته المتعلقة بالزواج الثاني، وقالت مرارا مقسمة بالله على أنها بطبعها النسائي تكره الزوجة الثانية، لكنها بصدق القلب وانشراح الصدر تحب أن يتحقق كلام الله… وذات يوم كانت تدعو الله … فسألها حضرته: ماذا كنت تدعين بهذه الضراعة؟ فقالت: “كنت أدعو الله أن يحقق هذه النبوءة بفضله وقدرته” فقال لها حضرته: كيف تحبين أن تأتي ضرتك في هذا البيت، فقالت: مهما يكن من أمر، فأنا لا أبالي بما يصيبني بسبب ذلك، إنما يهمني أن تتحقق النبوءة التي خرجت من فمك.”

 290- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: كان المسيح الموعود يظل منشغلا بأموره الدينية بنشاط واستغراق مثير للعجب، ويمكن أن يُفهم وضعه بمثال بسيط لصاحب محل عادي يعمل وحيدًا في محلّه، وكان متاعه منتشرًا في زوايا شتى من محله الواسع، ويصادف أن يأتي زبائن كثيرون لشراء الحاجيات ويجتمعون عند محله ويعرضون طلباتهم فإن صاحب المحل اليقظ والمتفهم سوف يصبح مشغولا جدًّا مع زبائنه بحيث لن يجد فرصة للانتباه إلى شيء آخر، كانت هذه حالة المسيح الموعود على نطاق أوسع. وكان يقضي أوقاته يوميًا من الصباح إلى المساء، ومن المساء إلى الصباح في مثل هذه المحوية والانشغال. وكانت حالته تشابه حالة المسافر الذي لديه وقت يسير وعليه قطع مسافة طويلة فيسرع بشكل غير عادي في تحركاته. أحيانًا كان يقضي ليلة كاملة منشغلا في أعمال التأليف، ونراه في الصباح أيضا يقف مستعدًا لخدمة الدين كالجندي النشيط والنبهان. وقد حدث مرارًا أن المساعدين له كانوا يتناوبون للعمل معه إلا أنهم مع كل ذلك يتعبون واحدٌ بعد الآخر، فيجلسون مرهقين، أما عبد الله هذا فلم يكن يتعب ولا يتقاعس عن خدمة سيده.

291- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: كتب المولوي عبد الكريم السيالكوتي في كتابه: سيرة المسيح الموعود :

لقد رأيتُ حضرته يكتب مقالا لطيفا جدًّا – كما كتب الكتب العربية الفصيحة منقطعة النظير أيضا- وحدث أن أثار الأولاد غير المؤدبين ضجة كبيرة وشغبًا كبيرًا بقربه، كما كانت النساء البسيطات يتخاصمن ويثرن الشغب ويصرخن حتى إنَّ بعضهن كنّ يتشاجرن ويقمن بتصرفات النساء المعروفة، لكن حضرته كان يظل منهمكًا في عمله ويستمر في أعمال التأليف وكأنه جالس على انفراد، فقد ألف هذه الكتب عديمة المثال كلها باللغة العربية والأردية والفارسية، في مثل هذه الأماكن المذكورة، ولقد سألته مرة: ألا تتشوش أفكارك أو ألا تشعر بانزعاج فكري بهذا الصراخ والشغب؟ فقال مبتسما: أنا لا أسمعه فكيف يشوِّش ذلك أفكاري.

Share via
تابعونا على الفايس بوك