سيرة المهدي - الجزء 1 الحلقة 30

سيرة المهدي – الجزء 1 الحلقة 30

مرزا بشير أحمد

  • أسباب سعي المبعوثين لتحقيق نبوءاتهم رغم الوعود الإلهية بتحقيقها
  • هدف النبوءة عن محمدي بيغم
  • أشكال القدرة الإلهية في جوانب النبوءة
  • زوج محمدي بيغم يتكلم عن المسيح الموعود

__

  1. بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني ميان عبد الله السنوري وقال: مرةً أقام حضرته شهرًا تقريبًا في مدينة “جالندهر”، وخلال ذلك حاول خال محمدي بيغم تزويجها من حضرته إلا أنه لم ينجح في ذلك. كان مرزا أحمد بيك الهوشياربوري أيضا على قيد الحياة يومها ولم يُعقد قران محمدي بيغم من مرزا سلطان محمد إلى ذلك الحين. كان هذا الخال لمحمدي بيغم يتنقل على عربة حصان بين مدينتي “جالندهر” و”هوشياربور” وكان يبغي إكرامية من حضرته . ولما كانت عقدة نكاح محمدي بيغم في يده أيضا فقد وعده حضرته بإعطائه شيئا.

أقول: كان هذا الشخص يريد أن يستدرّ من حضرته بعض المال بحيلته غير أن نيته كانت سيئة إذ أنه وبعض أصحابه كانوا سببا في تزويج البنت من شخص آخر لاحقًا. وعلمت من والدتي أن حضرته قد اتخذ بعض الاحتياطات الحكيمة لإعطائه المال. أخبرتني والدتي أيضا أن الأخ الأكبر لمحمدي بيغم أيضا كان مشتركا مع خالها في عمله المذكور.

أقول: يعترض البعض أنه إذا كانت هناك نبوءات مؤكدة من الله تعالى فلماذا كان حضرته يسعى لتحقيقها، ولكنه اعتراض ينمّ عن الجهل تمامًا. ما خلا نبي لم يبذل سعيه بكل طريق مشروع لتحقيق نبوءاته رغم الوعود الإلهية. ليس المراد من بذل السعي لتحقيق إرادة الله أنه يحتاج إلى مساعدة من الناس- والعياذ بالله – بل يراد به أمور أخرى كثيرة منها على سبيل المثال:

الأول: لو جلس المرء واضعًا إحدى يديه على الأخرى دون أن يحرك ساكنًا رغم القدرة على فعل شيء وظنّ أن هناك وعدًا من الله لا بد أن يتحقق؛ فإن هذه الحالة تثير صفة استغناء الله تعالى، وهو مقامٌ يخافه حتى الأنبياء.

الثاني: من الدواعي الطبيعية للحب أن يسعى الإنسان جاهدًا لتحقيق إرادات محبوبه. وتكون عاطفة الحب قوية لدرجة أنه لا يسع العاشق الولهان أن يجلس عاطلا دون أن يحرك ساكنا مع علمه أن الله تعالى ليس بحاجة إلى النصرة البشرية.

الثالث: ولما كانت جميع إرادات الله تعالى تهدف إلى غلبة دينه، لذلك لا يسع نبيًّا – نظرًا إلى واجبات منصبه- الامتناعُ عن بذل الجهود المسهمة في تلك الغلبة.

الرابع: من سنة الله تعالى مراعاةُ استخدام الأسباب في أعماله، اللهم إلا في بعض الظروف الاستثنائية، وعليه فإن سعي النبي أيضا سببٌ من هذه الأسباب.

وغير ذلك من أمور أخرى. (ولكن ينبغي أن نضع في البال أن مثل هذه المحاولة وبذل الجهد يقتصر على نبوءات الرحمة فقط، أما النبوءات المتعلقة بالعذاب فمن سنة الأنبياء أنهم – ما عدا بعض الظروف الخاصة- يفوّضون أمرهم إلى الله.)

هذه كانت النبوءة الأصلية التي نُبئ عنها في ذلك الوقت. وبُيِّن أن الغرض الحقيقي لهذه النبوءة هو إراءة آية بعد المطالبة المتكررة بها من قِبل والد محمدي بيغم وأخوالِه، ولم يكن لها غرض آخر. وواضح أيضا أن هذه النبوءة كانت إظهارًا للقدرة الإلهية ولم تكن لإظهار العلم الإلهي، وذلك لأن النبوءة كانت تحتوي بكل وضوح على أنكم إذا آمنتم وقبلتم فستنالون كذا وإذا رفضتم وأنكرتم فسيحدث كذا،

أقول أيضا: لقد أثار المعارضون ضجة شعواء حول نبوءة الزواج من محمدي بيغم، في حين أن القضية لم تكن صعبة لو تدبروا سنة الله تعالى. فأولا ينبغي أن نفصّل في أمر وهو الغرض الذي لأجله صدرتْ النبوءة والظروف التي صدرت فيها؛ إذ لا يسعنَا فهمُ النبوءة ما لم نفصل في الأمر المذكور.

فاعلموا أنه من المضحك الظنّ بأن المسيح الموعود كان يتوخى مكانةً وعظمة من ًهذا الزواج، لأن عائلة مرزا أحمد بيك لم تكن تساوي عائلة المسيح الموعود حسبًا ونسبًا وجاهًا وعظمةً دنيوية وثراءً، وهو أمر بيّنٌ لسنا بحاجة إلى أن نأتي بأدلة لإثباته. وعليه فلا يمكن أن يكون هذا هو سبب هذا الزواج.

أما الظنّ بأن محمدي بيغم كانت تمتاز بجاذبية خاصة دفعتْ حضرتَه إلى أن يفكر في الزواج منها، فيعلم العالمون أنه باطل أيضا. إضافة إلى ذلك استعرِضوا سيرة حياة المسيح الموعود ثم قولوا مراعين الإنصاف هل يمكن أن يُنسب إليه شيء من رغبات النفس؟ أما العدو العاري من العقل والمعاند الأعمى فلا علاج له عندنا. ولكن الذي يملك شيئا من العقل والانصاف لا بد أن يسلّم أن السيرة الطيبة للمسيح الموعود وأخلاقه العظيمة تتضمن ردًّا كافيا على الظنّ بأنه كان خاضعًا للرغبات النفسانية.

إذا كان الأمر كذلك ينشأ السؤال التالي: فما هو الهدف الحقيقي لهذه النبوءة يا ترى؟ وجوابه: هو ما ذكره المسيح الموعود في كتبه، وهو أن بعض أقارب المسيح الموعود أي أخوال محمدي بيغم وخالتَها وعمتَها ووالدَها وغيرهم كانوا ملحدين كبارًا. ولم يكن يهمهم الدين والتديّن بل كانوا يستهزئون بأمور الدين. وكان خال البنت زعيمَهم في ذلك، وكان والدُها مرزا أحمد بيك تابعًا له ويتحرك بإشاراته. كان هؤلاء – على دأب منكري الحق – يطالبون المسيح الموعود بإراءة آية، ويستهزئون به على إعلانه بأنه يتلقى وحيًا من الله. واتفق في هذه الأثناء أن ابن عم حضرته “مرزا غلام حسين” قد عُدّ بحكم الميت لكونه مفقودَ الخبر، فأثير سؤال عن تقسيم تركته. وكانت أرملة مرزا غلام حسين “إمام بي بي” أختًا لمرزا أحمد بيك، لذلك حاول مرزا أحمد بيك بالتشاور مع أخته “إمام بي بي” ومرزا نظام الدين ومرزا إمام الدين وغيرهم أن يسجل تركة مرزا غلام حسين باسم ابنه محمد بيك أي الأخ الأكبر لمحمدي بيغم. وكان ذلك مستحيلا دون رضى المسيح الموعود ، لذلك فقد توجّه مرزا أحمد بيك بكل عجز وتواضع إلى المسيح الموعود والتمس منه أن يسمح له بذلك. وكاد حضرته أن يستعد لذلك تقريبًا إلا أنه ارتأى أن يستخير فيه الاستخارة المسنونة فأحجم عنه ووعد بإعطاء الرد بعد الاستخارة. فلما استخار تلقى تلك الإلهامات التي تمثل اللبنة الأساسية للنبوءة عن محمدي بيغم، أي وكأن موعد إراءتهم آية الله قد حان. فقد قال الله تعالى ما معناه:

اطلبْ يد ابنة هذا الشخص الكبرى، فإن قبلوا ذلك فسيكون هذا الزواج آية رحمة لهم، وأنهم سينالون من الله بركات ورحمات لا حصر لها؛ أما إذا رفضوا فإن الله تعالى يريهم آية عذابه، وتنهال عليهم آفات ومصائب شتى. فلو زوّجها بعد ذلك والدُها من شخص آخر فسيموت الوالد خلال ثلاث سنين، وسيموت الذي يتزوجها خلال سنتين ونصف بعد الزواج منها. (انظروا أيضا الرواية رقم 127)

هذه كانت النبوءة الأصلية التي نُبئ عنها في ذلك الوقت. وبُيِّن أن الغرض الحقيقي لهذه النبوءة هو إراءة آية بعد المطالبة المتكررة بها من قِبل والد محمدي بيغم وأخوالِه، ولم يكن لها غرض آخر. وواضح أيضا أن هذه النبوءة كانت إظهارًا للقدرة الإلهية ولم تكن لإظهار العلم الإلهي، وذلك لأن النبوءة كانت تحتوي بكل وضوح على أنكم إذا آمنتم وقبلتم فستنالون كذا وإذا رفضتم وأنكرتم فسيحدث كذا، وكأن الله تعالى كان يريد أن يُري قدرته، وكان يريد أن يُري أنّ من يرتبط بالمسيح الموعود بأواصر الاحترام والتقدير فسينال الرحمة والبركة من الله. ومن يهبّ لمعاداته فسيكون موردًا للعذاب. فقد أُعلن عن هذه النبوءة وشهِد العالم ما رأت هذه العائلة من آيات قهر الله وغضبه بعد مخالفتها لمشيئة الله.

لقد أصيب مرزا أحمد بيك بالحمى الشديدة بعد شهور من تاريخ زواج ابنته وغادر هذا العالم في إحدى المشافي في هوشيار بور، وأصبحت والدة محمدي بيغم أرملة يثقل كاهلها عبء إعالة خمسة أولاد أو ستة، وهكذا قُضي على الأفراح كلها. إضافة إلى موت مرزا أحمد بيك فقد توفي عدد من أفراد هذه العائلة وحلّت ببعضهم مصائب أخرى.

أما ما ظهر من ناحية ثانية من تجلي العذاب الإلهي على أخوال محمدي بيغم فهو قصة عبرة عظيمة. كان أخوالُها إخوةً ثلاثةً، وكان بيتُهم نموذجًا مثاليًا للسعادة العائلية والبحبوحة الأسرية. ولكن بعد ذلك دارتْ عليهم رحى الله فتعرضوا لأنواع الضيق وصنوف المصائب، وأخذ بيتهم يخلو من أهله حتى جاء وقت لم يبق في ذلك البيت إلا ولد يتيم، أما الآخرون فجميعهم غادروا هذا العالم بعد رؤيتهم دمارًا كاسحًا لعائلتهم وازدهارًا ما بعده ازدهار لأسرة المسيح الموعود . أليست هذه المشاهد تجلياتٌ براقة لإظهار قدرات الله تعالى؟ وزيدوا على ذلك أن الولد اليتيم الذي خُلّف في بيتهم الواسع يَعُدّ نفسه من أتباع المسيح الموعود ، وهذه هي التميمة التي أنقذته من الدمار.

أما السؤال: لماذا لم يمت مرزا سلطان محمد زوج محمدي بيغم خلال المدة المذكورة في النبوءة ولا يزال على قيد الحياة؛ فاعلموا أن القدرة الإلهية التي أهلكت مرزا أحمد بيك هي نفسها سببت إنقاذ مرزا سلطان محمد.

إن أوضاع عائلة محمدي بيغم عند زواجها وقبله كانت تقتضي أن تظهر القدرة الإلهية في صورة عذاب الله. ولكن لما مات مرزا أحمد بيك نتيجة هذه النبوءة، وهزّ موته المفاجئ عائلةَ مرزا سلطان محمد – وثاب هؤلاء إلى المسيح الموعود بكل تواضع خاضعين وأخذوا يلتمسون منه الدعاء – ارتبط إظهار قدرة الله بإنقاذ مرزا سلطان محمد دون هلاكه وفق سنة الله تعالى: وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (الأَنْفال: 34).

وبعد موت مرزا أحمد بيك ظلت إلى الآن علاقة مرزا سلطان محمد مع المسيح الموعود علاقة إخلاص، وأظهر احترامه وإخلاصه لحضرته في مناسبات شتى. ومع أن أعداء المسيح الموعود قد طمّعوه بشتى الطرق وحاولوا إثارته وتأليبه إلا أنه لم تخرج من لسانه كلمة معادية لحضرته ، بل إذا خرجت كلمةٌ فقد خرجت لتأييده والثناء عليه. فهل يجوّز العقل أن يكون إظهار قدرة الله لمثل هذا الشخص في صورة العذاب؟ إن أظلم الناس لا يحمل سيفه على العدو المرتمي أمامه، فهل يهاجم أرحم الراحمين ذلك الشخص الذي يخرّ أمامه ويدخل في حماه؟

فإن قلتم: لو كان الله تعالى يعلم أن أقارب مرزا سلطان محمد سيخضعون لحضرته بكل احترام وتواضع ويرجون منه الدعاء والرحمة، وأن مرزا سلطان محمد أيضا سيكون مخلصًا للمسيح الموعود فلماذا إذًا أنبأ عن هلاكه خلال سنتين ونصف؟

والرد على ذلك أن هذه الشبهة نشأت بسبب عدم فهم الغرض من هذه النبوءة. لم يكن الغرض من النبوءة – كما ذكرنا أعلاه – أن يُظهر الله تعالى علمَه الأزلي بل كان الهدف منها إظهار القدرة الإلهية كما يتضح ذلك من كلمات النبوءة وظروف هذه العائلة. فلو كان الغرض إظهار علم الله الأزلي لأُخبر عن أمرٍ كان سيقع أخيرًا دون ذكر الشروط. ولكن لم يحدث ذلك بل كانت كلمات النبوءة تعني أنه لو قبل هؤلاء الأمر لكان ذلك آية رحمة لهم ولكنهم إذا رفضوا فسيكون ذلك آية عذاب لهم. ويتضح منه جليا أنه لم يكن غرضها إظهار العلم الأزلي لله بل كان الهدف إظهار القدرة الإلهية.

وبعد هذا نرى أنه كانت ثمة أربعة احتمالات تالية:

الأول: كان ينبغي أن يُخبَر عما سيقع أخيرًا فقط بخصوص مرزا أحمد بيك دون التعرض للأمور الأخرى، وذلك ليوقن الناس بتحقق النبوءة عند حدوث الأمر وفق النبوءة وليستفيدوا بها.

الثاني: إذا صدرت النبوءة عن هلاك مرزا سلطان محمد خلال سنتين ونصف فكان ينبغي لها أن تتحقق مهما تغيرت الظروف، أو كان ينبغي أن لا يدع التصرف الإلهي الظروفَ تتغير لكي يتم إنقاذ الناس من العثار.

الثالث: لو كان حكم النبوءة متغيرًا مع تغير الظروف لكان ينبغي أن يتم الإخبار عنه سلفا. أي يمكن أن تتضمن النبوءة كلمات على سبيل المثال: شريطة عدم الرجوع إلى الحق أو ما شابهها من كلمات أخرى حتى لا يعتبرها الناس نبوءة قطعية.

الرابع: كان ينبغي أن يصدر الحكم على الظروف السائدة آنذاك ثم إذا ظلت الظروف هي هي وقع الحكم المذكور، أما إذا تغيرت وقع الحكم الموافق للظروف المتغيرة.

هذه هي الطرق الأربعة التي كان بالإمكان اتباعها. ولكن لكل عاقل أن يتدبر ليرى أن الطريق الأول والثاني ينافيان مشيئة الله في إظهار القدرة، وذلك لأنه ما دام صدور النبوءة مبنيا على حالة التمرد للفريق المخالف، فإن تجاهل الظروف والأوضاع يخرج النبوءة من إطار إظهار القدرة في هذه الحالة.

ولكن لو لم يكن بناؤها على طبيعة حالة الفريق الثاني لكان من الممكن تجاهل الظروف والأوضاع وتغيّرها، ولكن لن تعُود النبوءة في هذه الحالة لإظهار القدرة بل كانت ستخضع لإظهار العلم الأزلي وبالتالي فيفوت الغرض الحقيقي للنبوءة.

وإذا اُختير الطريق الثاني لكان ذلك مدعاة للاعتراض الشديد على ذات الله المقدسة وسنته إضافة إلى منافاته لكماله في إظهار القدرة، وفي هذه الحالة أيضا بطل الغرض الحقيقي من هذه النبوءة.

وهكذا لا بد أن يقتصر تركيزنا على الطريقين الأخيرين من أجل إثبات أن الغرض من النبوءة كان إظهار القدرة. وإنهما طريقان ثابتان في سنة الله تعالى. أما الطريق الثالث فلا يحتاج إلى أي نقاش. أما الرابع فيمكن أن يُعتَرض عليه أنه لماذا لم يتم توضيح شرط النبوءة كما هو في الطريق الثالث ولماذا أُخفي هذا الجانب.

والرد على ذلك هو أن هذا الشرط مذكور كأصل ثابت في النص الصريح القرآني؛ حيث إنه كلما تغيرت الظروف تغيرت صورة ظهور النبوءات الاقتدارية، وهو ما يفتي به العقل الإنساني وإلا يبطل الغرض الحقيقي من النبوءات، ويؤدي هذا الأمر إلى إنكار بعض صفات الله تعالى. فما دام الأمر كذلك فليس ضروريا أن يُذكر مثل هذا الشرط صراحةً مع كل نبوءة، ولا سيما إذا كنا نرى أن من سنة الله في سبيل الإيمان أن يكون هناك شيء من الخفاء، ولا تتجلى حالة المشهود في المدارج الابتدائية للإيمان، أما هنا فإن كلمات النبوءة تظهر بجلاء أنها كانت شرطية.

الخلاصة أن هذا الاعتراض نشأ نتيجة عدم فهم النبوءة، لأنه مع الأسف قد ظُنَّ أنه لم يكن الغرض من النبوءة إلا زواج محمدي بيغم من حضرته وفق العلم الإلهي، في حين لم يكن الأمر كذلك، بل كان الغرض أن يتم إراءة آية اقتدارية لأقارب حضرته ، أما موت مرزا أحمد بيك ومرزا سلطان محمد ونكاح محمدي بيغم من حضرته ، كلها فكانت علامات لإظهار هذه القدرة وفق الظروف السائدة آنذاك، ولم تكن مقصودة بذاتها.

وإذا أثيرت هنا شبهة أنه قد ورد في بعض إلهامات حضرته أن محمدي بيغم ستردّ إليك في النهاية وتُزال جميع أنواع العقبات وغيرها، وقد قيل أنه تقدير مبرم. فالرد على ذلك كالآتي:

أولا: يجب إثبات أن كل هذه الإلهامات كانت متعلقة بحضرته ومحمدي بيغم إثباتا قاطعا.

ثانيا: إذا أُثبتَ أن هذه الإلهامات متعلقة بمحمدي بيغم وبحضرته فمع ذلك يكون من السذاجة والجهل اعتبار كل واحد منها مستقلا ومنفصلا عن غيره. الحقيقة أن جميع هذه الإلهامات هي بقية الإلهامات الابتدائية بهذا الخصوص وهي تابعة لها. ولا بد من اتخاذ رأي بعد استعراضها والنظر فيها ولا بد من اعتبار الوحي الأول هو الأصل في القضية وبقية الوحي فرعًا وتابعًا له.

لو تدبرنا النبوءة بعد مراعاة هذا الأصل لاتضح لنا أن حضرته قد أُمر بطلب الزواج من محمدي بيغم، فإن قبلوا طلبه كانت آيةَ رحمةٍ لهم وإن زوّجوها من شخص آخر كانت آية عذاب لهم، وفي هذه الحالة كان مقدّرا أن يموت والد البنت خلال ثلاثة أعوام وزوجها في عامين ونصف، ثم ستردّ البنت إلى حضرته في النهاية. وإزالة العقبات تتعلق بموت مرزا سلطان محمد، وكلُّ هذه الأمور تابعة للنبوءة وليست مستقلة، وهذا يعني أنه لما صدرت النبوءة عن موت مرزا سلطان محمد بحسب الظروف السائدة وذُكر إظهار القدرة في صورة موته، ذُكرت بعض الأمور التي كانت ستظهر نتيجة لموته، وهي أن مرزا سلطان محمد سيموت وهكذا ستزال العقبات الموجودة بسبب حياته والعقبات الأخرى أيضا ثم تُردّ البنت إلى حضرته . أي أن هذه الأمور كلها ذُكرت نظرًا لجزئية النبوءة المتعلقة بموت مرزا سلطان محمد. وكما أخفيت جزئية نجاته من الموت أخفي أيضا كل ما يترتب عليها. أي ذُكر الجانب المتعلق بموته وذُكرت نتائجه، وأخفي الجانب المتعلق بنجاته وأخفيت نتائجه. ومن الجهل والظلم أن نظنّ أن النبوءة عن ردّ البنت إلى حضرته نتيجةٌ لجانبَي الموت والنجاة كليهما، لأنه ما دام الجانب المتعلق بالنجاة غير مذكور فلا يمكن أن تكون نتيجته مذكورة. ولا بدّ من اعتبار النتيجة المذكورة ملحقةً بالجزئية المذكورة لأنها حلقة من تلك السلسلة، أما السلسلة الثانية فهي مخفية كلها. فلما أظهرت الأحداث جانب نجاة مرزا سلطان محمد إظهارًا للقدرة (والذي لم يكن مذكورًا لفظًا) برزت نتائج هذا الجانب أيضا. فكيف يمكن أن تكون ظاهرةً نتائجُ جانبٍ لم يظهر أصلا؟ إذا فات الشرط فات المشروط. وهذا هو معنى القدر المبرم أن حضرته لم يعطَ علمًا إلا عن جانب الموت، أما الذي كان سيحدث حقيقة فكان في علم الله. وكان ذلك قدرًا مبرما بالنسبة إلى حضرته . والبديهي أن المتكلم أحيانًا يتكلم بكلام نظرًا إلى علم المخاطَب ولا يمكن أن يقال مثله نظرًا إلى علم المتكلِّم.

إضافة إلى ذلك يمكن أن يكون المراد من القدر المبرم في هذه الظروف الخاصة أنه القدر المبرم غير المطلق نتيجةً للجزئية المذكورة من النبوءة، أي إذا تحققت الجزئية المتعلقة بموت زوجها فإنه قدر مبرم أنها ستردّ إليك. ولما أُخفيت الجزئية الأخرى لذلك ليس محلاًّ للاعتراض تسميته بالقدر المبرم نظرًا إلى الجزئية المذكورة.

الخلاصة أنّ الإلهامات المتعلقة بزواج محمدي بيغم من حضرته كلها فرع للإلهامات الأولى ولا تمثل نبوءات مستقلة، وكلها مبنية على هلاك مرزا سلطان محمد بعد تعرضه للعذاب. فبسبب تغير الظروف لم يعُد موت مرزا سلطان محمد ذريعة لإظهار القدرة، بل أصبح زوال العذاب آيةً لإظهار القدرة، وبالتالي أُلغيتْ جميع النتائج التي كانت ستترتب على نزول العذاب، وظهر الجانب الخفي لعدم العذاب مع نتائجه الخفية كلها. فكان هناك جانبان اثنان لهذه النبوءة بخصوص مرزا سلطان محمد؛ الأول: موته بالعذاب وما ينتج عنه، أي ترمّل محمدي بيغم وزواجها من حضرته وغير ذلك، ولم يُذكر في النبوءة إلا هذا الجانب.

الثاني: إظهار القدرة في صورة زوال العذاب وعدم موت مرزا سلطان محمد بسبب تغير الظروف، ونتائجه هي بقاء محمدي بيغم عند مرزا سلطان محمد وغير ذلك من أمور. وقد أخفي في النبوءة هذا الجانب الثاني. لقد نسخ الله تعالى الجانب الظاهر والمذكور في النبوءة بحسب سنته وأظهر الجانب الخفي منها.

الجانب المذكور في النبوءة قد ذُكرَ كله، والجانب المخفي منها أُخفي كله أيضا.

وانخدع الناس من أنهم اعتبروا الزواج من محمدي بيغم هو الغرض الحقيقي من النبوءة في حين أنه خلافٌ للأمر الواقع، لأن الغرض الحقيقي منها هو إراءة القدرة بناء على طلب الأقارب، ولم يكن موت مرزا أحمد بيك ومرزا سلطان محمد وزواج حضرته من محمدي بيغم إلا علامات لإراءة القدرة وفق الظروف السائدة آنذاك. فلما غَيّر الموت الفجائي لأحمد بيك جميعَ الظروف تغيرتْ علاماتُ إراءة القدرة أيضا. هذا هو الحق فاقبلوه إن شئتم.

ولو نهج مرزا سلطان محمد سبيل التمرد في حياة المسيح الموعود لوقع الجانب الثاني للنبوءة بتمامه. فقد قال المسيح الموعود في كتبه مرارًا لمعارضيه أنه إذا كنتم في شك في هذه النبوءة فحاولوا أن ينشر مرزا سلطان محمد أي إعلان معارض ثم انظروا ماذا يريكم الله، ولكن رغم الجهود المستميتة للمعارضين وتأليبهم له باسم الغيرة وتطميعِه لم يُبد مرزا سلطان محمد بحقّ المسيح الموعود غير التقدير والاحترام والإخلاص. فكيف يمكن أن تظهر –والحال هذه- تلك النتائج التي كانت مقدرة للظهور عند معارضته. ليس ملكوت الله عالم عشوائي بحيث نزرع المانجو ونحصد الحنظل بل هي تتبع القاعدة التالية:

القمح لا ينتج إلا قمحًا والشعير شعيرا، فلا تكن غافلا عما تكافِئك به أعمالك. (ترجمة بيت فارسي)

ولكن لما مات مرزا أحمد بيك نتيجة هذه النبوءة، وهزّ موته المفاجئ عائلةَ مرزا سلطان محمد – وثاب هؤلاء إلى المسيح الموعود بكل تواضع خاضعين وأخذوا يلتمسون منه الدعاء – ارتبط إظهار قدرة الله بإنقاذ مرزا سلطان محمد دون هلاكه وفق سنة الله تعالى: وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

كانت شجرة زواج محمدي بيغم من حضرته ستَنبُت في أرض هلاك مرزا سلطان محمد، وكانت أرض الهلاك ستسوّى بواسطة زلزال العذاب الإلهي الذي كان وقوعه منوطًا بتمرد مرزا سلطان محمد. وحيث إنه لم يتمرد فلا وجه لحدوث زلزال العذاب، وما دام الزلزال لم يقع فلا وجه لهلاكه. فردّدوا كما شئتم عدم تحقق النبوءة عن زواج محمدي بيغم من حضرته ، فقد أظهر الله تعالى تجليًّا لقدرته، وبذلك قد تحققت النبوءة.

وبقيت الآن شبهة واحدة وهي: لا شك أن صورة إظهار القدرة تتغير بتغير الظروف، ولكن يجب أن يكون التغير مفيدًا، مثلا إذا كانت هناك نبوءة عن تعرض معاند غير مسلم للعذاب فيجب أن يزول العذاب في صورة توبته وإسلامه، وإذا كان مسلمًا غير أحمدي فيصبح أحمديا، وينبغي ألا ينجو من العذاب بإحداث شيء من التغيير والبقاء على دينه لأنه يجعل الأمر مشتبهًا.

والرد على ذلك هو أن هذه الشبهة ناشئة عن الجهل، ولا يثيرها إلا الجاهل بموجبات العذاب. الحقيقة أنه لا ينـزل العذاب في هذه الدنيا لمجرد رفض الناس الإيمان بنبي، وإنما ينـزل نتيجة الفساد والتمرد والبغي ضده، أما الرفض المجرد فله عقاب في الآخرة، بينما عذاب هذه الدنيا فليس إلا نتيجة البغي والتمرد. وإن المشاهدة خيرُ دليل على إثبات هذا الأمر. فلو عُلم هذا الأمر لما بقي أي اعتراض. فمن استحق العذاب في هذه الدنيا بسبب غيّه وتمرده، زال عنه العذاب إذا غيّر حالته المتمردة ولو بقي منكرًا، لأنه سيُسأل عن إنكاره يوم الآخرة. فإذا زال سبب العذاب في هذه الدنيا زال عذاب الدنيا أيضا. أما الإنكار المجرد وعدم الإيمان فلا عذاب له في هذه الدنيا بل يُسأل عنه الإنسان في الآخرة. فمن الجهل القول إن زوال العذاب يجب أن يكون منوطًا بإسلام غير المسلم وبأحمدية غير الأحمدي. لما كان عدم إسلام غير المسلم وعدم انضمام غير الأحمدي إلى الأحمدية ليس موجبًا للعذاب في هذه الدنيا وليست ثمة نبوءة لعذابه بسبب هذا الأمر، فإن مثل هذا الاعتراض باطل وواه. أما لو ذكر عدم إسلامهم أو عدم انضمامهم إلى الأحمدية سببًا لعذابهم لكان ينبغي في هذه الحالة ألا يزول عنهم العذاب ما لم يسلموا أو ينضموا للأحمدية. ولكن حيث إنه ليس سبب العذاب، ولا يمكن أن يكون كذلك، بل السبب في العذاب هو الفساد في الأرض والتمرد؛ فمن الجهل حسبان الإيمان شرطًا لزوال العذاب.

وإن قيل أن مرزا سلطان محمد قد أظهر الإخلاص والتقدير ولم يتمرد ظاهرًا، غير أنه ظل زوجًا لمحمدي بيغم وهكذا تمرّد بعمله؛ فإن هذا الأمر أكثر جهالة من الأمر الفائت. لأنه إذا ثبت أنه لم يكن الغرض الحقيقي من النبوءة هو الزواج من محمدي بيغم بل كان الغرض الحقيقي هو إراءة آية اقتدارية لهؤلاء الأقارب المتمردين، ففي هذه الحالة من الجهل القول إن مرزا سلطان محمد لم يتمرد ظاهرًا ولكنّ إبقاءه محمدي بيغم في زوجيّته تمردٌ بعينه وكان ينبغي ألا يزول عنه العذاب! فلو كان الغرض من النبوءة هو زواج محمدي بيغم من حضرته ما أفاد عدم تمرد مرزا سلطان محمد ما لم يفصل عنه محمدي بيغم، ولكن لا يَثبت من النبوءة أنها كانت تهدف إلى ذلك، ففي هذه الحالة اشتراطُ انفصال مرزا سلطان محمد عن محمدي بيغم لِزوال العذاب عنه منطقٌ غريب جدًّا يصعب علينا استيعابه. الحقيقة أن جميع هذه الاعتراضات قد نشأت بسبب عدم التدبر في الغرض الحقيقي من النبوءة، وإلا فلم يكن الأمر صعبًا.

أما الشبهة بأنه إن لم ينـزل العذاب في هذه الدنيا بالإنكار المجرد للنبي فلماذا إذًا اعتبر المسيح الموعود وجوده سببًا لحلول أنواع من العذاب في هذا العصر! نشأت هذه الشبهة بسبب الانخداع. لقد نسب حضرته إلى نفسه ما يحلّ ببعض بقاع العالم من عذابات شتى لأنها تنـزل لتنبيه الناس وإيقاظهم. أي إنها تهدف إلى أن يفيق الناس من سبات غفلتهم ويبدأوا بالبحث عن الحق وتلين قلوبهم لقبول الحق، فإنه عذاب من نوع آخر ولا علاقة له بالعذاب المذكور أولا. تنـزل هذه العذابات على المستوى القومي لإيقاظ الناس وتنبيههم. أي من سنة الله تعالى أنه كلما بُعث نبي نبّه الله إليه قومَه من خلال صولات العذاب. فإن مثل هذه العذابات على مستوى القوم اعتُبرت آية على بعثة رسولٍ فيهم، وإلا فمثل هذه العذابات تصيب أحيانًا أناسًا لم تبلغهم دعوة الرسول، وبالتالي لم يصدر منهم إنكار هذا الرسول ناهيك عن التمرّد ضده، فمن الجهل الخلط بين هذه العذابات وذلك العذاب الخاص، إذ إننا بصدد البحث في العذاب الخاص الذي يصيب أولئك الذين يهبّون ضد الأنبياء، ولا ينـزل مثله على الإنكار المجرد، بل ينـزل نتيجة الفساد في الأرض والغي والتمرد.

يقول البعض أن حضرته سعى من أجل هذا الزواج وكتب بهذا الخصوص رسائل إلى بعض أقاربه وبذل قصارى جهده لتحقيق ذلك، وهذا دليل على أن الغرض الحقيقي من النبوءة هو الزواج من محمدي بيغم.

إنه أمر باطل، فلا يثبت هذا الغرض من كلمات النبوءة. وما دام مكتوبًا بكل وضوح في كتابات حضرته أن الغرض الحقيقي من النبوءة لم يكن الزواج وإنما كان إراءة القدرة الإلهية، وهو الأمر الذي بينه حضرته ليس مرة بل مرارًا، وذكره قبل تزويج محمدي بيغم من مرزا سلطان محمد وبعده أيضا، أي منذ ذلك الوقت الذي لم تتزوج فيه محمدي بيغم بعد وبالتالي لم يتم أي اعتراض على النبوءة، فإن حضرته لا يفتأ يذكر أنه ليس الغرض من النبوءة هو الزواجُ من محمدي بيغم بل هو إراءة آية القدرة الإلهية، فكيف إذًا يمكن أن يُستنبط من خلال سعي حضرته للزواج وكتابة الرسائل إلى الأقارب أن الزواج كان الغرض الحقيقي من النبوءة. هل يجوز ردّ النصوص الصريحة من خلال مثل هذه الاستدلالات الركيكة؟ إنما كان سعيه للزواج وطلب المساعدة من الأقارب قبل زواجها من مرزا سلطان محمد لينال أقاربه هؤلاء نصيبًا من رحمة الله وبركته بنكاحها، وتتحقق آية الله ويتجلى صدقه ، فلا يمكن أن يستنتج منه أن الزواج هو الغرض من النبوءة.

وهنا جدير بالذكر أن زواج محمدي بيغم من حضرته كان آية رحمة للأقارب قبل زواجها من مرزا سلطان محمد، ولكن لما تمرّد أقارب حضرته وزوّجوها من مرزا سلطان محمد أصبح رجوعها إلى حضرته منوطًا بتعرض مرزا سلطان محمد للعذاب، أي أن يموت مرزا سلطان محمد بالعذاب وبالتالي تردّ محمدي بيغم إلى حضرته . فلقد ظل حضرته يبذل قصارى جهده للزواج من محمدي بيغم مادام زواجها منه يمثل آية رحمة للأقارب، وسعيه هذا دليل عظيم على أخلاقه الفاضلة. ولكن لما أصبح ردّها إلى حضرته آية عذاب لأقاربه -إذ زوجوها من شخص آخر- فقد ترك حضرته هذا الأمر على الله. فمن الباطل الاستدلال عن غرض النبوءة بناء على ما بذله حضرته من سعي للزواج. إنما بذل هذا السعي في وقت كان زواجه منها يمثل آية لإظهار القدرة وفق الظروف السائدة آنذاك، فسعى حضرته لتحقيق الآية ليتحقق الغرض الحقيقي من النبوءة وهو إراءة القدرة الإلهية، وسعى لذلك خصيصًا لأن زواجه من محمدي بيغم في تلك الظروف كان مدعاة للرحمة والبركة لأقاربه. وعليه فإن هذا السعي يمثل دليلا على صدق حضرته وعلى أخلاقه الفاضلة والرحمة والشفقة بالأقارب، ولا يمثل اعتراضًا عليه.

خلاصة القول، لم تكن هذه النبوءة لإظهار علم الله الأزلي حتى تتحقق بكلماتها الظاهرية، بل كانت لإظهار قدرة الله الكاملة، وبالتالي احتوت نوع القدرة الإلهية التي كانت تقتضيها الظروف السائدة آنذاك، وبعد تغير الظروف ظهرت القدرة الإلهية وفق مقتضى الظروف المتغيرة لإظهار القدرة، وذلك للدلالة على أن الله تعالى ليس بالآلة التي إذا تحركت عجلتها فلا بد أن تسحق كل من يأتي مقابلها دون التفريق بين قريب وبعيد، ولأنه ينافي القدرة الكاملة، بل الله قدير يعرّض للعذاب عندما يستحق أحدٌ العذاب فلا ينقذه أحد من بطشه ، وعندما يزيل موجبات العذاب يزيل عنه عذابه أيضا فلا يمكن تعريض ذلك الشخص للعذاب، هذه هي القدرة الكاملة.

أما القول بأن حضرته تلقى إلهامات كثيرة عن زواجه من محمدي بيغم فقد مرّ جوابه وهو أن النبوءة عن الزواج من محمدي بيغم لم تكن نبوءة مستقلة بل هي فرع من تلك الآية التي قُدّر إراءتها للأقارب. وهو أمر أظهر من الشمس في كتابات حضرته بل في هذه الإلهامات نفسها أيضا، ومن يدعي خلاف ذلك فهو المطالَب بالدليل على ادعائه.

فلما ثبت أن النبوءة عن الزواج لم تكن مستقلة بل هي فرع وجزء من النبوءة كلها فلا وجه للاعتراض. لأن النبوءة كانت تتلخص في أن زواج حضرته من محمدي بيغم سيتم عند تعرض مرزا سلطان محمد لعذاب الموت، ولن يحول شيء دون ردّ محمدي بيغم إلى حضرته في حالة تعرض مرزا سلطان محمد لعذاب الموت، ولكن بعد تغير الظروف لما غيّرت المصلحةُ الإلهية صورة العذاب من أجل تحقق المشيئة الإلهية في إراءة القدرة، ألغي الزواج أيضا الذي كان نتيجة لتعرض مرزا سلطان محمد للعذاب. فالغرض الحقيقي هو إراءة القدرة، أما الأمور الأخرى فكانت علاماتها بحسب الظروف السائدة والمتغيرة.

هذا الشرط مذكور كأصل ثابت في النص الصريح القرآني؛ حيث إنه كلما تغيرت الظروف تغيرت صورة ظهور النبوءات الاقتدارية، وهو ما يفتي به العقل الإنساني وإلا يبطل الغرض الحقيقي من النبوءات، ويؤدي هذا الأمر إلى إنكار بعض صفات الله تعالى.

فنقول بناء على ما سبق أنه بسبب تغير الظروف لما بدأ الصدام بين الغرض الحقيقي من النبوءة وبين علاماتها أُخذ بالغرض الأصلي وتُركت العلامات. وهو سبيل الحكمة بعينه.

وإن قلتم: لماذا لم تُحدَّد العلامات التي كانت ستظل سائدة إلى الأخير، فقد سبق الرد عليه أيضا وهو أن هذه النبوءة لم تكن لإظهار العلم الأزلي وإنما كانت لإظهار القدرة، لذا لم يكن تجاهل الظروف ممكنا، لأنه لو حصل ذلك لفات الغرض الحقيقي من النبوءة وهو إراءة القدرة، ولتحولت إلى نبوءة لإظهار العلم الأزلي، وهو أمر لم يكن مقصودًا.

تدبروا جيدًا واعلموا أن إظهار القدرة الكاملة يستحيل دون مراعاة الظروف لأن هذه الصورة لا تخلو من نتيجتين؛ إما اعتبار الله تعالى آلة لا إرادة له أو اعتباره ظالمًا وسفاكًا، وهما أمران ينافيان مفهوم القدرة الكاملة. وما علينا إلا البلاغ.

جدير بالذكر هنا أن الأمر لا يقتصر على هذه الأصول التي ذكرتها للنبوءات، أي ينبغي ألا يظن أحد أن هذه هي أصول النبوءات التي ذكرت هنا، لأنني لم أذكر منها إلا التي كانت تناسب هذا المكان ولم أتمكن إلا من ذكر أهمها فحسب، وإلا فهناك  أصول أخرى كثيرة، بل هناك جوانب كثيرة أخرى للأصول المذكورة ولكنها لم تُذكر في هذا السياق، إذ لست في معرض ذكر أصول النبوءات وإنما في معرض سرد سيرة المسيح الموعود وأخـلاقه.

  1. بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: زار الحافظ جمال أحمد داعية الجماعة في منطقة “بتي” والتقى بمرزا سلطان محمد، ونشر عن هذا اللقاء في جريدة الفضل الصادرة في قاديان بتاريخ 9-13/6/1921، يقول:

سألت مرزا سلطان محمد عند اللقاء: أريد أن أسألك عن نبوءة مرزا صاحب المتعلقة بالزواج إن لم يكن لديك مانع. فقال: يمكنك أن تسأل بكل سرور وحرية ما تشاء، ثم قال: إن حمي مرزا أحمد بيك قد توفي وفق النبوءة تمامًا، ولكن الله تعالى غفور ورحيم فإنه يستجيب دعوات عباده ويرحمهم. وكان يعني بذلك أن الله تعالى قد استجاب لتضرعاته ودعواته وبالتالي أزال عنه عذابه.

ثم سألته: هل لك أي اعتراض على نبوءة حضرته ؟ أو هل شككت في هذه النبوءة؟ فقال ردًّا عليه: أقول بكل ثقة إنه لم يكن عندي فيها أي شبهة قطّ.

سألته: إن لم يكن لك اعتراض على حضرته بخصوص النبوءة ولا الشبهة فيها، فهل لك اعتراض على دعواه ما جعلك ممتنعًا عن بيعته إلى الآن؟

فأجاب مُشهدًا اللهَ تعالى على قوله: ليس لي أي اعتراض عليه، بل لما كنت في معسكر الجيش في “أنباله” سألني أحد أقاربنا من الأحمديين عن رأيي في حضرة المرزا، ولقد كتبت له ردًّا خطيًّا حول هذه القضية. (أقول: لقد نُشر هذا الرد في مجلة تشحيذ الأذهان).

الخلاصة أن هذا الاعتراض نشأ نتيجة عدم فهم النبوءة، لأنه مع الأسف قد ظُنَّ أنه لم يكن الغرض من النبوءة إلا زواج محمدي بيغم من حضرته وفق العلم الإلهي، في حين لم يكن الأمر كذلك، بل كان الغرض أن يتم إراءة آية اقتدارية لأقارب حضرته ، أما موت مرزا أحمد بيك ومرزا سلطان محمد ونكاح محمدي بيغم من حضرته ، كلها فكانت علامات لإظهار هذه القدرة وفق الظروف السائدة آنذاك، ولم تكن مقصودة بذاتها.

سألته: إن لم يكن لديك أي اعتراض فلماذا لا تبايع؟

قال: له أسباب أخرى، وأرى ذكرها الآن مخالفا للحكمة. كم كنت أريد زيارة قاديان، لأنني أريد لقاء حضرة ميان صاحب  وأودّ أن أحضر عنده وأذكر له جميع هذه الأمور ولن يكون لي أي اعتراض على نشر هذه التفاصيل. أما حالتي القلبية فيمكنك أن تتصورها من أن الآريا بسبب موت ليكهرام الهندوسي، والمسيحيون بسبب النبأ عن القس عبد الله آتهم، أرادوا أن يقدموا لي مائة ألف روبية لكي أرفع قضية ضد حضرة المرزا المحترم، ولكنني رفضت طلبهم. ولو أخذت هذا المبلغ لصرت من الأغنياء والأثرياء، ولكن إيماني بمرزا المحترم، واعتقادي به، أجبرني أن أتجنب هذا العمل.

سألته: لقد سمعت أن زوجتك (محمدي بيغم) قد رأت رؤيا أيضا.

أجاب: لم تذكر لي ذلك ولكن يمكنك أن تسألها بواسطة أحمد بيك (المحاسب الأحمدي). فدعاها أحمد بيك الأحمدي في بيته فردتْ على سؤالي هذا قائلة: لما وصلني خبر إصابته (أي مرزا سلطان محمد) بالرصاص في فرنسا قلقتُ قلقًا شديدًا واضطرب قلبي جدًّا، فرأيت في تلك الليلة السيد مرزا في الرؤيا، كان يحمل قدحًا مليئًا بالحليب، فقال لي: خذيه يا محمدي بيغم واشربي هذا الحليب، ولا تقلقي لأن رداء رأسك سليم. فاطمأننت على صحة زوجي.

أقول: سألت مرزا أحمد بيك الأحمدي عن هذه الواقعة فأكد على صحتها.

Share via
تابعونا على الفايس بوك