كنتم خير أمة أخرجت للناس
التاريخ: 2014-10-31

كنتم خير أمة أخرجت للناس

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • الخيرة في العطاء لا الاستعلاء
  • سبب فساد معظم المسلمين
  • واجبات المسلم الحق نحور العالم
  • تحدي إبراز الخير وحقيقة مواجهته
  • التحدي المنوط بالجماعة الإسلامية الأحمدية
  • مواساة الخلق جميعا رغم عداوتهم
  • بذر بذور التبليغ للإسلام الأصيل

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

يقول الله : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (آل عمران: 111) أي أنتم الذين قد خُلقتم لمنفعة الناس وفائدتهم. فالمهمة الجليلة من مهمات المسلمين، أن ينفعوا سكان العالم، أو ينصحوا لهم ويسعوا ليصيبوهم بخير لا أن يصيبهم شرٌّ منهم. لكننا حين نلقي نظرة على الأوضاع السائدة في العالم نرى أن الحكومات أو الفئات أو المنظمات الإسلامية قد نشرت في العالم فسادا لدرجة يخاف العالم من اسم الإسلام والمسلمين. فالطبيعي أنهم إذا كانوا يخافون المسلمين فكيف يمكن أن يستمعوا إلى كلامهم أو يتوقعوا أن يصيبهم الخيرُ منهم. فالذين يتقاتلون فيما بينهم ويضرب بعضهم رقاب بعض من المسلمين، ويقتلون الأبرياء والنساء والأطفال والشيوخ دون أي تمييز، ويستعبدون -بغير حق وبلا مبرر- أولئك الذين لا يتبعون نظرياتهم، كيف يرجى منهم أن يطلبوا خيرا ومنفعة لغير المسلمين؟ فإن أعمالهم وتصرفاتِهم تؤدي حتما إلى أن يخاف العالم المسلمين كما نلاحظ على أرض الواقع. لكنا نحن الأحمديين نخجل ونحزن ونتألم حتما حين نرى أعمال هؤلاء الذين ينتسبون إلى نبينا الحبيب الذي أُرسل رحمةً للعالمين. فهم يسيئون إلى دين الإسلام ويقدمون أسوة النبي أيضا للعالم مشوهةً، إلا أننا بصفتنا أحمديين لسنا يائسين وقانطين بسبب هذا الأمر.

أي أنتم الذين قد خُلقتم لمنفعة الناس وفائدتهم. فالمهمة الجليلة من مهمات المسلمين، أن ينفعوا سكان العالم، أو ينصحوا لهم ويسعوا ليصيبوهم بخير لا أن يصيبهم شرٌّ منهم. لكننا حين نلقي نظرة على الأوضاع السائدة في العالم نرى أن الحكومات أو الفئات أو المنظمات الإسلامية قد نشرت في العالم فسادا لدرجة يخاف العالم من اسم الإسلام والمسلمين.

أشرح لغير المسلمين عادةً أن أعمال المسلمين هذه هي دليل على صدق النبي والإسلام لأنه كان قد تنبأ بأنه سيأتي زمن تكون فيه حالة المسلمين هكذا، بل قد بيَّن العصر والمدة أيضا، أن حالة انحطاطهم العملي ستبدأ بعد كذا من الزمن، وأن عصر الظلام سيستمر إلى كذا، وبعده سيُبعث المسيح الموعود الذي سينشر التعليم الحقيقي والجميل للإسلام في العالم. ذلك التعليم الذي هو موجود في القرآن الكريم في حالته الأصلية، والذي نجده مطبَّقا حرفيا في سيرة النبي . ونحن الأحمديون نوقن بأن ذلك المسيح الموعود والمهدي المعهود قد ظهر في العصر المليء بالفساد بحسب نبوءة النبي . فهو لم يدَّع فقط، بل قد تحققت الآيات الأرضية والسماوية التي كان قد تنبأ بها القرآن الكريم والنبيُّ أيضا. فهذا المسيح والمهدي عرَّفنا بالتعليم الجميل للإسلام، ونوَّر قلوبنا. وإن الجماعة الإسلامية الأحمدية اليوم تعمل بهذا التعليم الجميل. فحين أُخبرهم بهذه الأمور وأشرحها لهم يتأثرون بها ويقتنعون بأن الإسلام ليس خاطئا، بل أعمال هؤلاء الذين ينشرون الفساد في العالم باسم الإسلام هي الخاطئة. فيجب أن يتذكر كل أحمدي أن دعوة العالم إلى الخير، وطلب الخير لهم من واجب كل أحمدي. لأن الله قد وفَّقنا بفضله ومِنته للإيمان بالمسيح الموعود . فلا تنحصر مهمتنا في العيش مسالمين، ولا في اجتناب السيئة والابتعاد عن كل أنواع الفساد، بل إنّ إقامة السلام في العالم وبذل الجهود الحثيثة في سبيل ذلك أيضا من واجبنا، وبذل المساعي لنهْي العالم عن السيئات أيضا من واجبنا، وبذل المساعي لإبعاد العالم من الفتن وحمايته منها أيضا من واجبنا. لأن هذا العمل من مهمات المسيح الموعود . فقد أُرسل لتجديد أعمال الخير والنصح في ضوء تعليم الإسلام.

فإنّ نصْحَ العالم وبيعتَنا للمسيح الموعود وأمْر الله يقتضي منا أن نتقدم، ونبذل الجهود كلها لنصح العالم وإزالة الشر. نحن نواسي المسلمين ونتمنى لهم الخير، وننصح غير المسلمين أيضا ونتمنى لهم الخير، ونحن نواسي النصارى واليهود والهندوس وأتباع الأديان الأخرى بل الملحدين أيضا، لأننا نريد أن نريهم جميعا السبيل الذي يقربهم إلى الله. وليس ذلك فحسب بل ننصح المتورطين في كل أنـواع الجرائم، واللـصوص وقطاع الطرق، والظاـلمين كـلهم، ذلـك لأنهم عباد رب العـالمين. ونحن نـنصح جميعَ عباـد الله وعلـينا أن نريهـم سبل الحسـنات ونجنِّبهم سبل السيئات.

وننصح غير المسلمين أيضا ونتمنى لهم الخير، ونحن نواسي النصارى واليهود والهندوس وأتباع الأديان الأخرى بل الملحدين أيضا، لأننا نريد أن نريهم جميعا السبيل الذي يقربهم إلى الله.

لقد وسَّع الله نطاق أعمالنا كثيرا بقوله أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ . فعلينا أن نُري العالم السبل الصحيحة للوصول إلى الله نصحا لهم ومواساة لهم. علينا أن نوجِّههم للاستجابة لأوامر الله، علينا أن نخبرهم أن هذه الحياة ستنتهي يوما، ثم كل واحد سينال جزاءه من الثواب أو العقاب بحسب أعماله، فأنشِئوا العلاقة بالله لكي تكون عاقبتكم حسنة. لكننا لا نستطيع أن نشرح هذه الأمور لأحد، ما لم ننظر نحن أيضا إلى عاقبتنا، فهذه مهمة عظيمة علينا أن ننجزها باهتمام وخوف فاحصين أعمالنا. وسنُضطر أثناء إنجاز هذه المهمة لمواجهة المشكلات أيضا كما نواجه على أرض الواقع سلفا، وإن تاريخ الجماعة يفيد أننا واجهنا هذه المعارضة والمشكلات عند كل خطوة. وهذا الأمر لا يخصنا نحن فقط بل كلما بُعث نبي واجه هو وجماعته المعارضة دوما. لكنهم لما كانوا قد بُعثوا إلى منطقة محدودة، وأمم محدودة كانت معارضتهم أيضا محدودة. أما النبي فقد كان قد بُعث إلى العالم بأسره، لذا نلاحظ أن العالم كلَّه عارضه ولا يزال يعارضه. وللمسيح الموعود المهمة نفسها ونطاق العمل نفسه أيضا لكونه تابعا له . لذا قد عارضه أيضا أتباعُ كل دين وأمة عندما أعلن دعواه ولا يزالون يعارضونه. وهذه المعارضة متفاوتة في البلاد المختلفة، وهي ستستمر، ولن تنقطع.

صحيح أن بعض الناس في العالم يمدحون مساعي الجماعة لإقامة السلام، لكنه عندما ستُحرز الجماعة تقدما دينيا هائلا فسوف نواجه معارضة من الشعوب كلهم، وسوف نواجه معارضة في البلاد الغربية أيضا، أو على الأقل نواجه معارضة من قبل المتدينين المزعومين من الملل الأخرى، لذا فلا تظننّ أن أهل هذه البلاد المثقفة سوف يردّون على خيرنا بخير، فهناك كنائس يعارضنا قُسسها معارضة رسمية، ولا تريد إدارتها الجلوس معنا، فعندما عقدنا مؤتمر الأديان في شباط الماضي، وجهنا إلى الكنيسة البريطانية الدعوة لحضورها، ولكنها لم تجب على دعوتنا ولم يحضر ممثل لها. إن مجموعات من أبناء جماعتنا تقوم بحملات دعوية هنا وفي بلاد أخرى، وكانت إدارة بعض الكنائس في أماكن قليلة السكان سمحت لهم بإقامة ندوات دعوية في كنائسها مرة أو مرتين، ولكنها لما رأت أن الناس بدأوا يتأثرون من كلامنا شرعت في معارضتنا. ثم هناك كتّاب ملحدون يعارضون الإسلام بشراسة، وعندما ترد عليهم جماعتنا يكتبون ضدنا.

فكلما ازدادت جماعتنا عددًا ازدادت معارضتها شدةً. ولكن الأنبياء يكونون على يقين أن الغلبة لهم في نهاية المطاف، والله تعالى قد وهب لهم هذا اليقين، وكان المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام أيضا موقنا بغلبته إذ صرح الله تعالى له بأن الغلبة له، ومن أجل ذلك إننا على يقين أن الغلبة له بإذن الله تعالى، لأنه تعالى لا يعد وعدًا كاذبا، كما أن شهادات الله الفعلية التي لا حصر لها تؤكد لنا أن الله معه، لذا فليس هناك مبرر لنا للاستهانة بدعوى المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام أو إساءة الظن بالله تعالى. لقد أتت على جماعتنا ظروف مخيفة جدا حتى ظن العدو في كل مرة أنها ستنهار الآن، ولكن ما حصل هو أن العدو مني بفشل ذريع مع كل ما كان يملك من قوة، وخرجت جماعتنا من تلك الأزمات مرفوعة الرأس بفضل الله تعالى. فلتفعلْ الدنيا بنا ما يحلو لها، فهذا شأنها، فإن التأييدات الإلهية تحالفنا، وسوف نظل موقنين دوما بأننا قادرون على العمل بأحكام الله تعالى، ولذا سوف نعمل بحكم الله هذا أيضا، فنمضي قدما باستمرار ناوين الخير للناس. يجب أن نكن للإنسانية كلها مشاعر نصح وخير. ولا شك أننا ناصحون للعالم، ولن نقصر في أداء واجبنا وإن آذانا، لأن مهمة إنقاذه منوطة بنا. ما دام الله قد سمانا خير أمة، فلن نتوانى في توزيع الخير، وهذا الخير هو نشر رسالة الإسلام ودعوة الناس إلى الله تعالى. وهل هناك خير أكبر من هذا؟ لم يحدث قط أن انتشر الشر والنجاسة واتباع أهواء النفس والسخرية بأحكام الله تعالى كما انتشر اليوم، حتى إن الحكومات ووسائل الإعلام أيضا تعمل على نشرها. لعل الشيطان لم يشن هجمات قوية كهذه من قبل، حيث تصل الصور والقصص والأصوات القذرة من أقصى الأرض إلى أقصاها في لمح البصر. عندما نرفع صوت الخير فلا تستجيب له الأكثرية، ولكن حين يرتفع صوت السيئة فيرى له أثر كبير في الناس. أما الذين يعيرون صوتنا اهتماما فأكثرُهم يتعاملون معنا كما يتعامل الكبار مع الأطفال الصغار، حيث يشيدون بعملنا بأفواههم فقط، ثم يعرضون ويعودون إلى سيئاتهم التي تبعدهم عن الخير باستمرار.

لذا فعلينا أن ندرك جيدا أن هدفنا ليس أن نفرح كالأطفال مغترّين بمدح قليل من الناس ثم نجلس عاطلين، ونظن بعد تبليغ الدعوة إلى حفنة من الناس أننا قمنا بإنجاز كبير، كلا، بل يجب ألا ندخر وسعًا في إيصال الخير إلى الدنيا ومحوِ السيئات، ولا نألو جهدًا في إزالة كل عائق وكل معارضة من طريقنا كما تزيل الريح العاصفة القشة من طريقها، سواء أكان هذا العائق من قبل المسلمين الآخرين أو من غير المسلمين أو من الملحدين.

يمكنكم أن تدركوا من هذا مدى حاجتنا الماسة إلى جهود شاملة وجادة ومركزة، وكم بالحري بكل مسلم أحمدي أن يسهم في هذه الجهود بكل ما أوتيه من قوة وكفاءة. إن مهمة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام إنما هي تبليغ رسالة الإسلام إلى العالم كله وتوزيع هذا الخير على الناس كافة، وهي نفسها مهمتنا أيضا. يجب ألا يهمنا بأن الدنيا لا تصغي لصوتنا ولا تهتم به ولا تستجيب له وأننا ندعو الناس إلى الخير فيزدادون شرا وسوء، وأن هذه الشرور ترفع رأسها ضدنا من كل طرف وصوب، ولاسيما من قبل المسلمين حيث تجاوزت معارضتهم للجماعة الإسلامية الأحمدية الحدود كلها في هذه الأيام. لا شك أن أناسا من بينهم بدأوا يرفعون الآن أصواتهم بحقنا إلى حد ما، كما يوجد بينهم من يرون الحق حقًا ويقبلون الأحمدية باعتبارها الإسلام الحقيقي رغم أنواع المعارضة، ولكنه قد بدا بكل جلاء أن عدد الفتانين المفسدين كثير جدا، أو أن شرفاء القوم لا يقدرون على الاحتجاج على تصرفاتهم خوفا منهم، بينما يخرج المفسدون ويفعلون ما يشاءون.

ولكن هل نتوقف عن أعمالنا بسبب هذه المعارضة، ونمتنع عن العمل بأمر الله بنشر الخير خوفًا من أهل الدنيا؟ لقد قلت آنفا، يوجد في الدنيا أناس يقبلون الأحمدية رغم كل هذه المعارضات والعراقيل الشيطانية، وبعض منهم يقصون علينا قصص انضمامهم إلى الأحمدية فيقولون إن المعارضة التي تواجهها الأحمدية هي التي ساعدتهم على قبولها. ففي خطبة الجمعة المنصرمة، كنت قصصت عليكم حكاية شاعر ذكرها الخليفة الثاني رضي الله عنه بأنه بدأ بمطالعة كتب المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ولا سيما مجموعة شعره الفارسي “در ثمين” بحثا عن الاعتراضات، ولكن هذه المطالعة نفسها دفعت به إلى قبول الأحمدية، إذ اتضح له كوضح النهار أنه ليس هناك مَن هو أشدّ حبًّا وعشقًا لرسول الله من مرزا غلام أحمد القادياني .

إننا على يقين تام بأننا إذا أوصلنا الخير مقابل الشر فلا بد أن يخرج من هؤلاء من يفيضون حبًّا ويدخلون في خدام المسيح المحمدي. لقد علّمنا المسيح الموعود أن ندعو للأعداء أيضا ونتمنى لهم الخير ونوصله إليهم. وتعرفون هذا الحدث أيضا الذي يعبر عن الآلام القلبية للمسيح الموعود وقد ذكرته في الخطبة الماضية أيضا وهو أنه مع أن الله تعالى أرسل الطاعون آية على صدقه إلا أنه عندما بدأ الناس يموتون أخذ يفكر فيما إذا مات هؤلاء فمن سيعبد الله ومن سيؤمن به؟ فدعا لإزالة هذا العذاب دعاء مؤلمًا لدرجة يقول من سمعه بأنه كان يتضرع وكأن امرأة تعاني آلام المخاض. فهذا هو مستوى إيصال الخير إلى أهل الدنيا والقدوة التي تركها لنا المحبُ المخلص للنبي في هذا العصر. فهو قد أراد نصح العالم بدلا من هلاكه إيمانا منه بأن الله صاحب القدرات كلها فهو قادر على أن يغير حالة قلوبهم دون هلاكهم. فيجب أن نركز نحن أيضا متأسين بأسوة المسيح الموعود وسيدِه المطاع النبي على أن ينجو الناس من الهلاك بأي طريقة ممكنة، لكي ينضموا إلينا إخوةً. فنحن بحاجة ماسة إلى الدعاء لذلك بحرقة قلبية، والسعي له. فنحن نريد أن نحسِّن دنيا سكان العـالم وعقباهم بإرشادهم إلى الطـرق الصحـيحة.

هنا أود أن أوضِّح أيضا أننا سنسيِّر العالم على السبل الصحيحة بإرشادهم روحانيا حتما، لكنه قد عُهدت إلينا مساعدتهم المادية وإيصال الخير المادي أيضا. ففي القرآن الكريم أوامر بخصوص ذلك. فلن نُسدي الخير للمسلمين فقط ولن نسعى لإزالة جوع المسلمين وعورتهم وأمراضهم فقط بل يجب أن نسعى لخير الأغيار أيضا، وكل ذي حاجة. إن الموضوع الذي أبينه الآن له علاقة بالخير الروحاني لكنه رُفع إلي أمرٌ وأودّ أن أتناوله هنا. في الآونة الأخيرة ذهب أحمدي من هنا إلى تركيا ولبنان لتفقد أوضاع المهاجرين اللاجئين من البلد العربي المجاور، لأن أوضاعهم بائيسة جدا، حيث قلة المواد الغذائية والحاجيات الأخرى أيضا مثل الملابس، كما تتأثر دراسة الأولاد أيضا. على كل حال هناك جمعيات خيرية مختلفة تسعى لسد حاجاتهم، مع ذلك هناك نقص شديد. وقد اعترض أحد الأحمديين هناك أنه لماذا تقدِّم الجماعة المساعدة للأوروبيين، إذ يجب أن تساعدنا نحن فقط. ولعله كان يشير إلى المبالغ التي ندفعها للجمعيات الخيرية المختلفة هنا في أوروبا. فأردّ عليه أيضا بحسب الأمر القرآني وأقول إن من واجبنا أن نساعد الجميع روحانيا وماديا دون أي تمييز. إذ حين أمر الله بإطعام الجائع فلم يقل أطعِموا الجائع الأحمدي أو غيره من المسلمين فقط بل قال أطعموا كل جائع، وسدُّوا حاجة كل مسكين وذي حاجة، فمن واجبنا أن نسد حاجة كل مسكين وذي حاجة. علينا أن نؤدي كل هذه الواجبات. فلا يليق بالمؤمن الاعتراض لماذا أعطي فلانٌ ولم يعطَ فلان، بل من واجبات المؤمن أن يخدم الجميع دون أي تمييز. وثانيا حين نقيم المسيرات التطوعية لجمع التبرعات فهؤلاء يساهمون في ذلك بعدد كبير، وهذه المبالغ المجموعة تعطى للجمعيات الخيرية، وهم أيضا يساعدون جمعيتنا الخيرية. ومن هذا المنطلق من حق الجمعيات الخيرية المحلية أن نساعدها على خدمة الإنسانية. إنما نجد في أسوة النبي أنه قال حتى بعد النبوة ما مفاده: لو دعاني اليوم أحد إلى نصرة ذوي الحاجة للبّيتُ نداءه، وكانت إشارتُه إلى حلف الفضول، حيث كان بعض سكان مكة شكَّلوا منظمة لمساعدة الفقراء وذوي الحاجة قبل بعثة النبي وكان عضوا فيها.

فكما قلتُ من قبل أنه يجب علينا أن نوسع دائرة خيرنا باستمرار ولا نضيّقها أبدا. لا نريد أجرا على ما نقدم للناس من المساعدة المادية، ولا نطلب جزاء على توزيعنا الخير الروحاني. إذا كان في قلوبنا ألم أو حرقة فهي لهدف واحد أن يعرف العالم ربهم الذي خلقهم. وإنّ أجرنا على الله تعالى، ولا نرجو جزاء من أحد. هذا ما ردّ به الأنبياء دائما على إثر توزيعهم الخير وطلبهم الخير للعالم كما جرت عادتهم دائما. فهذا يجب أن يكون جواب جماعات الأنبياء دائما. وإلى جانب ذلك يجب أن تتذكروا أيضا أنه كلما قال الأنبياء- بعد إيصال الخير إلى الناس- أجرُنا على الله، ازداد عدد لا بأس به منهم معارضةً للأنبياء. فعلينا أن نفهم جيدا أنه يجب أن يجزينا أعداؤنا ذوو الفطرة السيئة أجرَ إيصال الخير إليهم بصورة الضرر والعداوة، وهذا ما يحدث أيضا على صعيد الواقع. بعض الناس ينظرون إلينا كما ينظر الأسد إلى الشاة ويفرح أن الصيد واقع في مخالبه. إن مَثلنا كمثل الذي يربّي أسدا أو نمرا ويُفكّ حبلُه صدفة، فيسعى صاحبه أن يسيطر عليه حتى لا يتضرر أو يفيده في المستقبل ولكن النمر يسعى ليمزّق صاحبه إربا.

وكما قلتُ من قبل بأن تقدم الجماعة سيدفع بالبلاد الغربية والبلاد التي تحت نفوذها إلى التخطيط ضد تقدم الجماعة الإسلامية الأحمدية، وذلك ظنا منهم أن الأحمدية تهدف إلى السيطرة على حكوماتهم، مع أن انتشار الأحمدية لا يهدف إلى السيطرة على الحُكم والسلطة بل سيكون سببا لإقامة الأمن والسلام فيهم بصورة أفضل من ذي قبل.

فهناك أناس في باكستان وبعض البلاد الأخرى، بل المشايخ كلهم ومَن على شاكلتهم ينسبون الكذب إلينا ويريدون أن يمزّقونا تمزيقا. ولكننا بدورنا نسعى جاهدين أن يجتنبوا ويأمنوا بطش الله. إن معارضتهم لنا ليست لأسباب شخصية. كل يوم يتلقى الأحمديون في أماكن مختلفة تهديدات يقول أصحابها بأننا سوف نفعل بكم كذا وكذا لذا من الأفضل لكم أن تتوبوا عن الأحمدية وتنضموا إلينا. الحق أنهم يعادون الأحمدية ولا يعادون شخصا معينا، وإذا عادَوه فبسبب انضمامه إلى الأحمدية فقط. إنهم يرون بوضوح أن تقدم الأحمدية يعني زوال منافعهم الشخصية وعدم إقبال الناس إليهم.

كلما تقدم الأحمديون أو تقدمت الأحمدية واجه هؤلاء الناس انحطاطا وإدبارا. إنهم يرون بأن الأحمدية بتقدمها السريع سوف تسيطر عليهم في مستقبل قريب. وكما قلتُ من قبل بأن تقدم الجماعة سيدفع بالبلاد الغربية والبلاد التي تحت نفوذها إلى التخطيط ضد تقدم الجماعة الإسلامية الأحمدية، وذلك ظنا منهم أن الأحمدية تهدف إلى السيطرة على حكوماتهم، مع أن انتشار الأحمدية لا يهدف إلى السيطرة على الحُكم والسلطة بل سيكون سببا لإقامة الأمن والسلام فيهم بصورة أفضل من ذي قبل. فحين ننصح المسلمين في البلاد الأخرى أيضا لتوطيد العلاقة مع الخادم الصادق للنبي نفعل ذلك لإزالة مصائبهم ومفاسدهم الدنيوية ولتحسين عاقبتهم، وكذلك لإنقاذ أتباع الأديان الأخرى من غضب الله تعالى.

لم يتمنَّ المسيح الموعود غلبته لإخضاع العالم لسلطته، ولم يدعُ لهذا النوع من الغلبة. ولا تسعى الجماعة الإسلامية الأحمدية للغلبة، تحت مظلة الخلافة، من أجل السيطرة على الحكومات أو لإخضاع العالم لسيطرتها بل هدفها هو إقامة ملكوت الله على الأرض ونشر التعليم الطاهر للنبي في العالم. يجب أن نركّز دائما على دراسة حياة النبي وتاريخ الإسلام لنرى كيف أُشعلت ضده وضد أصحابه نيران المعارضة والعداوة على الرغم من أنه جاء برسالة الخير والنصح لهم. لقد فُرضت الحروب على النبي ، ولكنه مع ذلك تمنّى لقومه الرحمة والهداية دائما، وسعى جاهدا أن يصل العالَم منه خيرٌ فقط. كلما خاض النبي الحروب كان في حالة الاضطرار وتحاشيا للمظالم ودفاعا ومن أجل الإصلاح فقط. وذلك أيضا كان لصالح هؤلاء الناس لينالوا خيرا في نهاية المطاف، مثلا نجد في التوراة ذكر معارضة بني إسحاق لإسماعيل عليهما السلام. وعلى النهج نفسه عارض اليهود والنصارى سيدَنا رسول الله في عصره على الرغم من المعارضة المريرة بين اليهود والنصارى أنفسهم، فكانوا يجتمعون في معارضة النبي كما يجتمعون الآن أيضا. وبناء على ذلك التعليم آذى اليهودُ النبيَّ إيذاء كثيرا في المدينة ولكن النبي أبدى تجاههم عواطف الخير والمواساة دائما، إلا إذا اضطر أحيانا لمعاقبة أحد تنفيذا لقانون الدولة، وذلك أيضا كان بُغية إيصال الخير إلى الآخرين.

علينا أن نتذكر أن المسيح الموعود قد أُرسل في هذا العصر نائبا للنبي ، وهناك علاقة خاصة بينهما، فسيواجه المسيح الموعود أيضا المصائب والعداوة على المنوال نفسه. وكان ضروريا أن يكون الأمر كذلك، وهو كذلك فعلا.

فلا بد أن نواجه- نحن الذين بايعنا المسيح الموعود – المعارضة، كما نواجهها على صعيد الواقع. ولكن مع كل ذلك يجب أن نتمنى للعالم خيرا ونواسيهم متأسين بأسوة النبي .

قد تتطرق هنا إلى بعض الأذهان فكرة بسماع هذا الكلام كأن المعارضة ستلازمنا دائما، ولكن هذا ليس صحيحا. لقد قلت من قبل أيضا أن المسيح الموعود قد أُعطي وعودا للغلبة التي ستتأتّى بفضل الله تعالى وإذنه فقط، وليس نتيجة الاتكال على أسباب دنيوية. فلا نستطيع أن ننجز شيئا بالتوكل على أهل الدنيا. وأنّى لنا أن نتوكل على أهل الدنيا ونحن الذين سُمِّينا “خير أمة”؛ فنحن الذين يجب أن نوزّع الخير عليهم. فكما قلتُ بأن هذه الغلبة سوف تُنال بفضل الله تعالى فقط، وهذا يوجب علينا أن نبذل قصارى جهودنا للحصول على فضل الله تعالى. ولهذا الغرض يجب أن ننجز على خير ما يرام المهمة التي كلّفنا الله بها. فعلينا أن ننجز كل ذلك معتمدين على مساعينا حائزين على أفضال الله تعالى. إن اعتمادنا على الآخرين أو الاعتداد بالقوى الدنيوية يعني دمارنا. وليكن معلوما أن الجماعات الربانية لا تستعين بالقوى الدنيوية. ما المراد من مساعينا التي بها نستطيع أن نحرز النجاح؟ إنها تكمن في رسالة الخير التي ذكرتُها قبل قليل، والتي يجب أن يبلّغها الأحمديون من كل فئة إلى كل فئة، وهذه حاجة ملحة. فعلى كل أحمدي أن ينخرط في مهمة تبليغ الدعوة، سواء كان أجيرا أو تاجرا أو طبيبا أو محاميا أو عالما أو أستاذا أو فلاحا، وأن يبلّغ بالحكمة رسالةَ النصح والمواساة هذه في مجاله وإلى الشريحة من المجمتع التي تحيط به، ليطّلع العالم على الأحمدية والإسلام الحقيقي. وهذا سيؤدي إلى ترسيخ جذورنا في مناطق العالم المختلفة قبل أن تُبذر وتنمو فيها بذور معارضة الجماعة. ويجب أن يسيطر على تلك المناطق تعليم الإسلام الجميل المبني على الخير والمواساة قبل أن يتنشط حزب الشيطان.

إن اعتمادنا على الآخرين أو الاعتداد بالقوى الدنيوية يعني دمارنا. وليكن معلوما أن الجماعات الربانية لا تستعين بالقوى الدنيوية. ما المراد من مساعينا التي بها نستطيع أن نحرز النجاح؟ إنها تكمن في رسالة الخير التي ذكرتُها قبل قليل، والتي يجب أن يبلّغها الأحمديون من كل فئة إلى كل فئة، وهذه حاجة ملحة.

فمن واجب خدام المسيح المحمدي اليوم أن يرسخوا تعليم الإسلام المبني على الخير والمواساة في كل قلب بالحكمة والجهد المتواصل حائزين على أفضال الله تعالى، وليبذلوا لهذا الغرض كل ما كان في وسعهم. هناك حاجة لازدياد عدد الدعاة وتنشيطهم في كل مكـان. ندعو الله تعالى أن يوفـق أفـراد الجمـاعة وإدارتها أيـضا للانـتباه إلى هـذا الأمـر بكل جـدية وجـهد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك