سيرة المهدي الجزء 1 القسط 13

سيرة المهدي الجزء 1 القسط 13

مرزا بشير أحمد

  • قصة الزواج الثاني لعبد الله السنوري
  • المقابلة الأولى بين المسيح الموعود والمولوي نور الدين
  • المولوي نور الدين في ظل المسيح الموعود

__

  1. بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني ميان عبد الله السنوري وقال: لما أتيت إلى قاديان للمرة الأولى في عام 1882م كان عمري آنذاك سبعة عشر أو ثمانية عشر عاما. كنت قد تزوجت حينها من واحدة وأفكر بالثانية بناء على رؤى رأيتها ثم ذكرتُها في أحد الأيام عند المسيح الموعود فقال: إنها تتعلق بزواجك الثاني، وقال: إنني أيضا تلقيتُ وحيًا عن زواجي الثاني، فسنرى هل تتزوج قبلنا أم نتزوج قبلك. قلت له مراعاةً للأدب أن زواجه سيتم أولا.

بعد ذلك ارتأيت أن أتزوج من ابنة خالي محمد إسماعيل، فجئت إلى قاديان وذكرت ذلك للمسيح الموعود – وقد سبق أن جاء خالي معي إلى قاديان مرة واحدة – فقال لي : لماذا لم تخبرني عندما جاء إسماعيل إلى هنا حتى نتكلم معه؟ ثم كتب رسالة إلى خالي محمد يوسف – الذي كان يُكِنّ لحضرته احترامًا وتقديرًا عظيمين والذي بواسطته تعرفتُ على حضرته – وكتب فيها أن يأخذ رسالته الخاصة لإسماعيل ويذهب إليه ويحثه على قبول الأمر. بالإضافة إلى ذلك أرسل ضمن ظرف تلك الرسالة رسائلَ خاصة إلى والدي وجدّي وحمي أيضا، ولأهمية الموضوع ختم على كل واحدة منها بخاتم “أليس الله بكاف عبده”، وكتب فيها لهم بأن ميان عبد الله يريد أن يتزوج زواجًا ثانيًا لمقاصد دينية وألا يمنعوه من ذلك وأن يرضوا به.

يقول ميان عبد الله: كان قد كتب ذلك نظرًا لما ذكرت له بأنني لم أتكلم مع والدي وجدّي حول هذا الأمر بكل صراحة لذلك أخشى أن يحولوا دون هذا الزواج لأن الناس في ذلك الوقت كانوا يعدّون الزواج الثاني أمرًا سيئًا. بدأ الدعاء لي مع إرساله الرسائل، وكان مشغولا في الدعاء لهذا الأمر بناء على طلبي وإذ تلقى وحيًا معناه: “الفشل”، ثم دعا فتلقى وحيًا آخر بالفارسية معناه: “كم من أمان ماتت وصارت ترابًا”، ثم تلقى الوحي التالي: “فصبر جميل.”

أخبرني حضرته بكل هذا الوحي. كان “مير عباس علي” أيضا موجودًا هناك في تلك الأيام فذكر له هذا الوحي وقال: إن علاقة “ميان عبد الله” معنا تتسم بميزة خاصة جدًّا بحيث ما أن أنتهي من الدعاء له إلا وأتلقى جوابًا من الله تعالى. بعد بضعة أيام وصل من ميان محمد يوسف الرد على رسالة المسيح الموعود قال فيه: رضي والد عبد الله وجدّه وحموه أيضا ولكن محمد إسماعيل يرفض هذا الزواج. فقال بأننا سنحدثه في الأمر. قلت له: لقد ورد في الوحي أنه الفشل ومن جانب آخر يرفض إسماعيل هذا الزواج، فهل يمكن بعد كل هذا أن يكون هناك أمل في النجاح؟ قال: ورد في القرآن الكريم: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ (الرحمن: 30) لذلك يجب ألا يترك الإنسان سعيه، فقد يكون المراد من وحي الله هذا أن الطريق المتبع حاليًا يؤدي إلى الفشل، ولعل النجاح قد قُدّر في متابعة طريق آخر.

بعد ذلك ظللت أفكر في هذا الأمر وأطلب منه الدعاء. كان إسماعيل يعمل جابيًا للضرائب على الأراضي الزراعية قرب منطقة “سرهند” التي كان حشمت علي خان – أحد أقارب الدكتور عبد الحكيم خان – رئيس المديرية فيها، وكان قد أخذ من حضرته وعدًا بأن يشرفه بزيارته في “سرهند”. فلما قصد السفر إلى “أنباله” أمرني أن أكتب إلى حشمت علي خان بأننا سنـنزل عنده في “سرهند” أثناء سفرنا إلى “أنباله”، وقال لي أيضا: سنـزور ضريح مجدد الألف الثاني في “سرهند” أيضا، بالإضافة إلى ذلك سننتهز هذه الفرصة للتكلم مع إسماعيل عن أمر زواجك. فسافر وأقام عند حشمت علي في بيته في المديرية. فلما فرغ من الطعام وصلاة العشاء استلقى على سريره وقال لحشمت علي خان: يا رئيس المديرية! يمكنك الآن أن ترتاح لأننا نريد أن نتكلم مع “ميان إسماعيل” على انفراد. فقام هو وأصدقاؤه، كما انصرفت أنا أيضا. كان “إسماعيل” يدلك قدمي المسيح الموعود في ذلك الوقت، فتكلم معه بخصوص زواجي ولكنه رفض، وقدّم أعذارًا كثيرة منها أن خصومات شتى تنشأ دوما بين الزوجتين، كما أن راتب عبد الله قليل جدًّا، (كان راتبي آنذاك أربع روبيات ونصف روبية) فكيف يمكن أن يعيل أسرته؟ وحمو عبد الله من أقربائي فلا بد أنه سيتألم من فعلي هذا، وما إلى ذلك من أعذار أخرى. قال : إنني أتكفل بجميع هذه الأمور. ولكنه مع كل ذلك لم يرض وقال: لن تقبله زوجتي. كان يقول بعد ذلك: كنت قد قدمتُ أمامه حكمَ الله ورسوله وقدمتُ من عندي ضمانًا أيضا إلا أنه رفض وكأن زوجته أصبحت إلهه ورسوله ومرشده أيضا، لأنه كان يقول بأنني سأنفذ ما ستقوله لي زوجتي.

يقول ميان عبد الله: كان يقول: قبل بدء الحديث مع إسماعيل رأيت في الكشف بأنه تغوط على يدي اليسرى، كما رأيت في الكشف أن سبّابته اليمنى مبتورة، ففهمت أنه سيردّ عليّ في هذا الأمر بردود قذرة ومقرفة. وكان يقول: نفَرَ منه قلبي لدى سماعي لردوده حتى وددت أن يقوم من عندي حالاً ولا يقابلني طول حياته.

يقول ميان عبد الله: بعد هذا زوّج إسماعيل بنته في مكان آخر مما سبب لي صدمة كبيرة، وأطْلَع َوالدي المسيحَ الموعود عن حالتي برسالة فكتب لي : تعال إليّ لتغيير الجو والأفكار.

لقد تعرض إسماعيل لمصائب كثيرة بعد تزويجه ابنته حيث توفي ابنان شابان له كما توفيت زوجته فتندم إسماعيل كثيرًا على فعله، وعندما تزوجتُ من أخت “ماستر قادر بخش” قال لي أن ألتمس من حضرته عفوًا له، فكتبت إلى حضرته فقبل بيعته، ولكن لم يتسنّ لإسماعيل بعد ذلك لقاء المسيح الموعود .

كان ميان عبد الله يقول: لقد كتب المسيح الموعود عني في بعض كتبه عند سرده آيات على صدقه فقال: أُريتُ أن ميان عبد الله سيواجه الفشل في قضية معينة وقد تحقق ذلك.

كان يشير بكلماته هذه إلى هذه الواقعة المذكورة.

أقول: لقد أشار إلى هذا الفشل لميان عبد الله في كتابه: “حقيقة الوحي” الآية رقم 55.

يقول ميان عبد الله: لما زوّج خالي إسماعيل ابنتَه من شخص آخر، قررت أن أتزوج أنا أيضا أن أتزوج ورتبت جميع أموري وكتبت إلى حضرته مصرّحًا بالعائلة التي أرغب الزواج فيها، وأخبرته بأنني رتبت جميع الأمور واتفقنا على موعد لإعلان النكاح، وأني أستشيره الآن تبركًا. جاء ردّه بألا أستعجل في الأمر، بل يجب أخذ الحيطة الكثيرة، ثم أكد عليّ بأن أرى البنت أولا، ثم كتب مرة أخرى بعد أن أنهى رسالته: يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أمري هذا.

فقصدت قرية البنت لأراها وفق أمره  ، وما إن رأيتها حتى تولدت في قلبي كراهية تجاهها وأخذ طبعي يميل إلى حالة الغثيان من شدة الكراهية دون أن تكون صورة البنت مقرفة. ثم اُقتُرح عليّ الزواج من إحدى المعلمات في “لدهيانه” ولكن حضرته لم يحبذ ذلك. بعد ذلك ذكرتُ له عن أخت “ماستر قادر بخش”، فقال هذه مناسبة لك فيمكنك أن تتزوجها، فرجوته أن يتكلم معه بهذا الشأن فتكلم مع “ماستر قادر بخش” الذي قبل دون أي عذر على علمه بمرتبي الذي ما كان يتجاوز أربع روبيات ونصف روبية بالإضافة إلى أنني متزوج ولي أولاد. بعد أن رضي “ماستر قادر بخش” قال للمسيح الموعود : إن والدي يعارضني جدًّا إلا أنه لا يستطيع أن يحرك ساكنا دون رضاي. فسأبذل جهدي حتى أرضيه بهذا الزواج أو أزوّجها بعد وفاته. سُرّ بذلك وأخذني إلى ناحية حديقته وأخبرني بردّه هذا، وضحكَ لما ذَكر قول ماستر قادر بخش المتعلق بوفاة أبيه.

يقول ميان عبد الله: بعد هذا تعرض “ماستر قادر بخش” لإيذاء كثير من قبل والده إلا أنه ظل يمانع زواج أخته من شخص آخر، وفي النهاية زوجها مني سرًّا.  قلت له عند إعلان النكاح يمكنك أن تطلب مني شروطًا حتى أكتبها لك. قال: ما هذه الشروط التي تتكلم عنها؟ إن شروطي كلها هي حضرته (أي الالتزام التام بالمسيح الموعود وطاعته) . ثم لما سألته عن مبلغ المهر قال: ثلاثون روبية وربع فقط. قلت: بل يجب أن يكون مئة روبية. ولكنه أصر على رأيه، ثم رضي به لما قلت له بأنني رأيت في الرؤيا أنني حددت مبلغ المهر في الزواج الثاني مئة روبية.

وروى ميان عبد الله بأن المسيح الموعود أثناء رحلته المذكورة إلى “سرهند” توقف قلـيلا في “سنور” أيضا.

  1. بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: كان الخليفة الأول للمسيح الموعود يقول: لما أتيت إلى قاديان للمرة الأولى نزلت من عربة الحصان عند تقاطع الطرق عند المسجد الصغير. ثم سألت صاحب العربة أو أحد المارة: أين مكان السيد مرزا؟ قال سيكون ( ) هناك مشيرًا إلى مرزا إمام الدين ومرزا نظام الدين اللذين كانا يجلسان مع بعض الناس في باحة دارهما على الأسِرّة. فلما أجلت النظر في هذا المكان هبط قلبي، وقلت لصاحب العربة أن يتريّث قليلا لعلي أضطر للعودة حالا. ثم تقدمت إلى مجلسهما ولكن بسبب الانطباع الذي أخذته للوهلة الأولى جلست على أحد الأسرة دون إلقاء السلام. سألني مرزا إمام الدين أو ربما قال مرزا نظام الدين عن اسمي، فلما أخبرته قال: لعلك أتيت لمقابلة السيد مرزا؟ يقول المولوي نور الدين: لما سمعت هذه الجملة ارتحتُ وقلت إذًا هناك مرزا آخر غيرهما أيضا. فأرسلَ معي شخصًا أوصلني إلى المسجد الصغير. كان في ذلك الوقت داخل البيت فأُخبر بذلك فقال: سآتي وقت صلاة الظهر، فلما أتى قابلته.

أقول: كان المولوي نور الدين قد أتى المسيح الموعود لما كان يؤلف البراهين الأحمدية. وكان المولوي شير علي يقول بأنه كتب في أحد كتبه بأنني كنت أدعو الله تعالى أن يهبني أحدًا كما وُهبَ موسى هارون. فلما أتى المولوي المحترم عرفته فورًا وقلت: هذا دعائي.

(أقول: لقد ذكر المسيح الموعود دعاءه هذا في كتاب “مرآة كمالات الإسلام” ولكنه لم يذكر هناك مثال موسى وهارون.

ومن العجيب جدًّا أن المولوي نور الدين هو الآخر كان يبحث عن عبد كامل يواجه فتن هذا العصر المظلم ويجعل الإسلام غالبًا على الدين كله، كما يتضح ذلك من كلام المولوي نور الدين المذكور في “كرامات الصادقين”.)

  1. 103. بسم الله الرحمن الرحيم. كان الخليفة الأول (للمسيح الموعود ) يقول: لما انتهيتُ من وظيفتي في “جامون” وعُدت إلى “بهيره” شرعت في إنشاء بيت كبير لي فيها وسافرت إلى لاهور لشراء بعض المعدات للبناء، فلما وصلت إلى لاهور خطر ببالي أن أزور قاديان ليوم واحد فحسب، فلما أتيت إلى هناك وقابلت المسيح الموعود قال لي: أيها المولوي، لقد تفرغتَ الآن من الوظيفة فآمل أن تقيم هنا بعض الأيام. فقلت: نعم سيدي سأمكث بضعة أيام. وبعد بضعة أيام قال لي: لعلك تواجه مشكلة بسبب بُعدك على أهلك فادعوهم إلى هنا أيضا. فكتبتُ رسالة إلى أهلي في “بهيره” أن يوقفوا العمل بإنشاء البيت ويأتوا إلى هنا. ثم قال لي في إحدى المرات: أيها المولوي، يجب ألا يخطر ببالك الآن العودة إلى وطنك السابق “بهيرة”. يقول المولوي المحترم: لقد خشيت في داخلي وقلت: يمكنني ألا أرجع قط إلى هناك ولكن كيف لي ألا تخطر “بهيره” ببالي؟ ولكنه كان يقول: لقد منّ الله تعالى عليّ كثيرًا إذ لم يخطر ببالي قط أن “بهيره” كانت وطني أيضا.

(أقول: لقد فرغ المولوي المحترم من وظيفته في جامون على الأغلب في 1891 أو 1892 وانتقل إلى قاديان في 1892 أو 1893.)

  1. بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني المولوي شير علي أن المسيح الموعود كان يقول: إن كتاباتي كلها مصطبغة بصبغة الوحي لأنها كُتبت بتأييد خاص من الله تعالى. كان يقول: في بعض الأحيان أكتب بعض الكلمات والجمل ولكني لا أعرف معناها إلا عندما أرجع إلى القواميس بعد كتابتها.

كان المولوي المذكور يقول: كان يرسل كتبه العربية ومسوداتها إلى الخليفة الأول والمولوي محمد أحسن، وكان يوصيهما أن يحسّنوا إذا كان هناك ما يحتاج إلى التحسين. كان الخليفة الأول يقرأ المسودة ويرسلها كما هي ولكن المولوي محمد أحسن كان يبذل جهدًا كبيرًا فيغير في بعض الأماكن كلمات بقصد التحسين. كان المولوي شير علي يقول: قال المسيح الموعود في إحدى المرات: إن المولوي محمد أحسن يقوم بالإصلاح والتحسين من ناحيته ولكني أرى أن كلمتي التي كتبتها هي المناسبة وفي محلها وهي الأفصح، أما ما كتبه المولوي المحترم فهو ضعيف، ولكني أبقي أحيانًا ما كتبه المولوي المحترم حتى لا يصاب بالإحباط بشطبي جميع كلماته المقترحة.

أقول: كان دأب المسيح الموعود أنه كان يرسل كراسات كتبه والتجارب الطباعية إلى العلماء مع هذه الوصية أن يحسنوا إذا وجدوا ما يحتاج إلى التحسين، وكان الغرض من ذلك أن يقرأ العلماء كتبه ويكونوا مطلعين على تعاليم الجماعة. هذا رأيي الشخصي وليس مبنيًا على رواية ما.

Share via
تابعونا على الفايس بوك