سيرة المهدي - الجزء 1 الحلقة 42
  • صفات إمام الزمان عليه السلام.

__

277- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: أنقل فيما يلي بعض فقرات المولوي محمد حسين البطالوي مدير مجلة إشاعة السنة من تقريظه على مؤلف المسيح الموعود “البراهين الأحمدية”.

“في رأينا- حين نضع هذا العصر وأحواله في الاعتبار-  لم يُنشر لهذا الكتاب مثيل منذ بدء الإسلام إلى هذا اليوم (أي البراهين الأحمدية الجزء الأول والثاني والثالث والرابع من تأليف المسيح الموعود )، أما إذا حدث شيء آخر في المستقبل فلا نعلمه، لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرا. (يقول العبد الفقير بشير وقد صدق الله قول هذا المولوي وأحدث بعد ذلك أمرًا عظيمًا إذ جعل مصنّف هذا الكتاب المسيحَ الموعود والمهدي المعهود وجعله إمامًا عدلا الذي ملأ الأرض قسطًا بعدما مُلئت جورًا وإثمًا، ونال الإيمان من الثريا وكسر الصليب وحارب الدجال فقتله ولكن يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) وإن مؤلف هذا الكتاب أيضا قد أثبت أنه رجل مثابر في خدمة الإسلام، بالقلم واللسان، والحال والمال، وغير ذلك. حتى إنه من النادر أن تجد له مثيلا بين المسلمين. ومن يعتبر قولنا هذا مبالغة تمشيًا مع أسلوب أهل آسيا  فعليه أن يدلنا على كتاب واحد على الأقل تصدَّى لجميع فرق أعداء الإسلام، وخاصة من الآرياسماج والبراهموسماج، بكل قوة وبرهان، وعليه أن يقدم لنا أسماء ثلاثة أو أربعة ممن قدموا للإسلام خدمات مثلما قدم هذا الرجل، وعليه أن يبرهن لنا أنهم لم يخدموا الإسلام بأقلامهم وألسنتهم وأموالهم فحسب بل وبأنفسهم أيضا، والذين تحدّوا أعداء الإسلام ومنكري الوحي والإلهام مبيّنين أن الذي يرتاب في نزول الوحي اليوم فليتقدم إلينا ليشاهد ما يرتاب فيه ويجرب ذلك بنفسه بل وإنهم أذاقوا الملل الأخرى طعم التجربة والمشاهدة أيضا.

إن مؤلف البراهين مواطن لنا، وزميلنا منذ أيام الطفولة (حيث كنا سويا ندرس”القطبي” و”شرح ملا جامي”)، ومنذ ذلك الزمن إلى يومنا هذا يستمر بيننا التواصل عن طريق المراسلة واللقاء دونما انقطاع، لذلك لا يمكن اعتبار قولنا هذا مبالغةً لأننا أكثر من يعرفون أحوال مؤلف”براهين أحمدية” وأفكاره.

إن مؤلف البراهين الأحمدية قد صان شرفَ المسلمين، وتحدى أعداء الإسلام بقوة وبراعة، وأعلن للعالم أجمع أن مَن لديه أدنى شك في صدق الإسلام، فعليه أن يأتي إليه.

يارب، ويا هاديَ الباحثين عنك، ارحَمْه أكثر من نفسه ومن آبائه، وأكثر من الراحمين في العالم كله، وانفُخ حُبَّ هذا الكتاب في قلوب الناس، وأشبعهم ببركاته. وارزقني أنا العبد المتواضع النادم والمذنب – بوسيلة أحد عبادك الصالحين – بفيوضك وإنعاماتك وبأخص بركات هذا الكتاب، آمين. وللأرض من كأس الكرام نصيب.”

أي: عندما يشرب كبار الناس يسقط شيءٌ من كأسهم على الأرض أيضا لأنهم لكثرة شربهم لا يكترثون بما يقع على الأرض منه ويضيع. فاللهم هب لنا مما أعطيتَه لحضرة المرزا من شرابٍ نصيبًا على الأقل بقدر ما يقع على الأرض عند الشرب ويضيع. العبد المتواضع: المؤلف. (انظروا إشاعة السنة المجلد 6)

أقول: لقد ذكر المسيح الموعود تقريظ المولوي محمد حسين في أبياته الشعرية بالعربية المذكورة في البراهين الأحمدية الجزء الخامس، فقال:

278- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: لقد ألف المسيح الموعود في أواخر عام 1890 كتابه “فتح الإسلام” ونشره في أوائل عام 1891 في لدهيانه. وهذا هو الكتيب الأول الذي ذكر فيه حضرته وفاة المسيح الناصري وأنه المثيل له. أي أن هذا هو الإعلان الأول لادعائه بأنه المسيح الموعود. ويذكر البعض أن المسيح الموعود قد نشر إعلانًا عن دعواه هذه قبل نشره هذا الكتاب، وهذا خطأ بحسب بحث أجريته. والصحيح أن الإعلان الأول قد تمّ من خلال “فتح الإسلام”، أما الإعلان بعنوان: “ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة” فقد نُشر بعد نشر الكتاب “فتح الإسلام”، بل إنه نُشِر بعد نشر “توضيح المرام” وهو الجزء الثاني من فتح الإسلام، كما يظهر ذلك من خلال قراءة هذا الإعلان نفسه. فإن اعتبار هذا الإعلان إعلانًا أولا عن دعواه أنه هو المسيح الموعود خطأ صريح كما أورده بير سراج الحق في كتابه “تذكرة المهدي” ولعل الخليفة الثاني للمسيح الموعود أيضا أخذ من هناك ونشر ذلك في كتيبه بعنوان: سيرة المسيح الموعود .

الحق أن الإعلان الأول العام عن دعوى المسيح الموعود قد تمّ من خلال كتاب “فتح الإسلام”، ثم نُشر كتاب “توضيح المرام”، ثم نشرتْ بعض الإعلانات وبعد ذلك نُشر كتاب “إزالة الأوهام”.

وجدير بالذكر أنه لم يُذكر صراحةً في كتاب “فتح الإسلام” عقيدة وفاة المسيح وإعلان كونه المسيح الموعود، كما أنه لم يتم إعلان يتسم بصبغة الانقلاب بحيث يفهم منه وكأنه يُعلن عن بداية عهد جديد، بل ذُكر هذا الأمر بين السطور. فلم تُذكر هذه الأمور بصراحة تامة ولم يرافقها تحدٍّ ولا أدلة. ولقد ذكر الأمرُ بوضوح أكثر في كتاب “توضيح المرام”، ثم في النهاية ذُكرتْ هذه الأمور بكل قوة مع الأدلة في كتاب “إزالة الأوهام”. لقد بحثت كثيرًا لأجد إعلانًا يذكر فيه حضرتُه عن اكتشافٍ جديد أو يعلن فيه بأن الله تعالى أخبره أن المسيح الناصري قد توفي وأنه هو المسيح الموعود المزمَع مجيئه -أقصد أيّ إعلان يشير بصورة واضحة إلى بداية عهدٍ جديد- إلا أنني لم أجد شيئًا كهذا، بل ثبت الإعلان الأوّل عن ذلك من كتيب فتح الإسلام، وبعد الاطلاع عليه وجدتُه كما ذكرتُ أعلاه، أي ذُكرتْ فيه هذه الأمور بشكلٍ لا يوحي أنه قد بدأ عهدٌ جديد، وليس هناك إعلان عن شيءٍ جديد، بل ذَكَر حضرتُه هذه الأمور أثناء الكلام عن منصب المجددية الذي أعطاه الله تعالى. ولعل السبب في ذلك هو أن حضرتَه كان يتلقى الوحي عن كونه المسيح الموعود منذ البداية إلا أنه لم يتم شرحه إلا الآن.

279- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: لما أعلن عن كونه مسيحًا موعودًا وعن وفاة المسيح الناصري حدث في البلد طوفان عظيم للمعارضة. كان يلقى المعارضة قبل هذا أيضا من فئة معينة من المسلمين إلا أنها كانت في نطاق محدود، كما أنها لم تكن شديدة ومليئة بالحماس المفرط؟ أما بعد هذا الإعلان الأخير فكأنه قد حدثت ثورة عظيمة في العالم الإسلامي كله فاضطر حضرته للخوض في المناظرات، أولاً في لدهيانه، ثم في دلهي، وأخيرًا في لاهور. فلما رأى المشايخ أنه لا يرتعب من المشايخ بل يتأثر كثيرٌ من الناس بكلامه بهذا الطريق لجأوا إلى طريقٍ آخر وأولُهم المولوي محمد حسين البطالوي الذي أعدّ استفتاءً طلب فيه من العلماء فتوى التكفير ضد المسيح الموعود ، فقد حصل على هذه الفتوى من شيخِه سيد نذير حسين الدهلوي أولا. ولما كان المولوي نذير حسين ذائع الصيت في الهند كلها وكان إمامًا لأهل الحديث وكان يسمّى بشيخ الكل، فبعد فتواه -ولا سيما إذا كان المستفتي هو أيضا المولوي محمد حسين البطالوي الذي كان شيخًا شهيرًا أيضا- أخذ المشايخ الآخرون يطبعون بخواتمهم على هذه الوثيقة التكفيرية، وقد أصدرت هذه الفتوى في 1892 بتوقيع 200 شيخ، وبذلك تحققت النبوءة التي تقول بأنه ستصدر ضد المسيح الموعود فتوى التكفير.

280- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: لقد أخذتُ -من تأليف شيخ يعقوب علي العرفاني “حياة نبي”- روايةَ المولوي مير حسن السيالكوتي عن إقامة المسيح الموعود في سيالكوت في فترة شبابه، وأوردتُها في هذا الكتاب على رقم 150.

لقد كتبتُ رسالةً إلى المولوي المذكور عن هذه الرواية، فصدّقَها وأجازني بنشر هذه الرواية، وإضافة إلى ذلك أرسل لي المولوي المذكور بعض الأحوال الأخرى لحضرته من تلك الأيام التي أوردها فيما يلي:

يقول المولوي المحترم:

حضرة نجل المخدوم صاحب السمو والمعالي زاد ألطافكم!

بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أقول لحضرتكم بأنه قد حصل التأخير في تنفيذ أمركم بسبب بعض العوائق والموانع، وأرجو أن تعفو عني هذا التقصير.

بما أن حقبة طويلة من الزمن قد مرّت على هذه الأمور التي لم تكن لحينها تحظى بهذه العناية والالتفات الخاص إليها لذلك انمحت معظمها من الذاكرة ولم أعدْ أذكرها. وملخصها أن التدبر القليل في شخصية حضرته كان يكشف للرائي أنه كان مميزًا عن غيره في جميع أقواله وأفعاله.

الراقم

المخلص لكم

مير حسن 26 نوفمبر 1922

– سأرجع مجلد السيرة خلال أيام قليلة قادمة. فقط

(المراد من هذا المجلد هو الكتاب المذكور لشيخ يعقوب علي، وكنت قد بعثته إلى المولوي المحترم. لقد صدّق المولوي مير حسن في رسالته الثانية روايتَه الواردة في هذا المجلد، كما كتب في رسالته الثانية بعض أحوال المسيح الموعود على النحو التالي:)

“كان حضرة المرزا المحترم يقيم في بيتٍ قد استأجره في حيّ الكشامرة من المدعو “عمرا”، وكان قريبًا جدًّا من بيتي المتواضع. وكلما رجع حضرته من عمله في المحكمة انشغل بتلاوة القرآن الكريم؛ فكان يتلو القرآن قاعدًا وقائمًا وماشيًا ببكاء شديد، كان يتلو القرآن الكريم بخشوع يندر له نظير. وكما هو معروف وسائد أن أصحاب الحاجات يتوجهون لقضائها إلى أصحاب المناصب والوظائف، فكانوا يأتون إلى حضرته أيضا، فكان حضرته يدعو فضل دين -الأخ الأكبر لصاحب البيت “عمرا”، الذي كان شخصية محترمة في الحيّ- فكان يقول له حضرته: يا ميان فضل دين! أفهِمْ هؤلاء ألا يأتوا إلى هنا، ولا يضيعوا وقتهم ولا وقتي أنا، فإنني لا أستطيع أن أفعل شيئا لهم. لست بحاكمٍ، كل ما يفوّض إليّ من أعمالٍ أُنجزها في المحكمة وأعود. وكان فضل دين يفهّم هؤلاء ويُرجعهم.

كان المولوي عبد الكريم قد ولد في هذا الحيّ نفسِه وشبّ فيه وأخيرًا عُدَّ من أخص مقرّبي حضرة المرزا.

بعد ذلك أقام حضرته في غرفةٍ مقابل المسجد الجامع مع السيد “منصب علي حكيم” الذي كان يعمل كاتبا في المحكمة. وكان قرب هذه الغرفة محلٌّ لعجوز يُدعى “فضل دين” الذي كان يبيت في المحل نفسه. وكان معظم معارفه وأصدقائه يأتون إلى محله مساء ويجلسون عنده. ولما كان فضل دين رجلا صالحًا وتقيًّا لذلك فإن جميع مرتاديه كانوا شخصيات جيدة. وكان حضرة المرزا أيضا يأتيه أحيانًا، كما أن مسيحيًا يُدعى “نصر الله” أيضا كان يزوره أحيانًا وكان مديرًا في مدرسة مسيحية. وكثيرًا ما كان النقاش يدور بين حضرة المرزا ومدير المدرسة في الأمور الدينية وكان الحضور يستفيدون بكلام حضرة المرزا.

كان المولوي محبوب عالم شخصًا صالحًا وتقيًّا يقوم بالمجاهدات الروحية. وكان حضرة المرزا يزوره أيضا، كما كان يوصي “لاله بهيم سين” أيضا أن يحضر عند المولوي المذكور، فكان هو الآخر يزور المولوي محبوب عالم أحيانًا.

كلما ذُكرتْ بيعةُ أحد أو جرى ذكر المشيخة أو التلمذة قال حضرة المرزا: ينبغي على الإنسان أن يسعى بنفسه ويجاهد، يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت: 70)، وكان المولوي محبوب علي يعارض هذه الفكرة وكان يقول: لا يمكن أن يهتدي أحد سبيلا بدون البيعة للشيخ.

إن تفوّق حضرة المرزا في مجال علوم الدين كان واضحًا جليًّا للجميع بل إن تفوّقه في القوى الجسدية ولا سيما في الجري قد ثبت لمن كان موجودًا هناك في ذلك الوقت. وتفصيل ذلك كالآتي: في أحد الأيام لما أراد الموظفون العودة إلى بيوتهم بعد انتهاء الدوام في المحكمة جرى ذكرُ الجَري والعدْو صدفةً، وأخذ كل واحد يدّعي أنه يعدو بسرعة أكثر من غيره إلى أنْ قال شخصٌ يُدعى “بِلاّ سنغ”: سأسبق الجميع في العدو. قال له حضرة المرزا: إذا سابقتَني في العدْو فسيثبتْ للجميع مَن الأسرع. فعيِّن “شيخ إله داد” حكمًا بينهما وتقرّر أن يجريا حافيَين من مكانهما إلى الجسر الفاصل بين المحكمة والمدينة. حمل أحدٌ حذائيهما، وأُرسِلَ شخص إلى الجسر ليشهد مَن يسبق الآخر أو يصل إلى الجسر قبل غيره، ثم جرى حضرة المرزا و”بلا سنغ” معًا في وقت واحد ومشى الناس الآخرون بسرعة عادية نحو الجسر، فلما وصلوا إلى الجسر عرفوا أن حضرة المرزا كان قد أحرز قصب السبق وتأخر عنه “بلا سنغ” في هذا السباق.”

أقول: تظهر الغيرة الدينية أحيانًا في الأمور الدنيوية أيضا. فهناك قصة مشهورة عن المولوي محمد إسماعيل الشهيد أن أحدًا أبلغه أن جنديًا سيخيا يدّعي بأنه لا يسع أحدًا أن يجاريه في السباحة. فأخذت المولوي محمد إسماعيل الغيرةُ الدينية وبدأ فورًا ممارسة السباحة إلى أن كسب خبرة كبيرة بحيث كان يستطيع أن يسبح ساعات طويلة، وبعد ذلك قال: فليأت الآن ذلك السيخي ليبارزني في السباحة. فكأنه لم يقبل أن يتفوق غير مسلم على المسلمين في السباحة أيضا، مع أنه أمر دنيوي عادي جدًّا.

ويبدو أن الحديث قد جرى على هذا النحو فأخذت المسيح الموعود الغيرة الدينية التي شجعتْه على مبارزة “بلا سنغ”، وكان حضرته في ذلك الوقت في عنفوان شبابه أيضا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك