سيرة المهدي - الجزء 1 الحلقة 21
  • تغير أخلاق الصحابة يشهد بصدق المسيح الموعود
  • كيف ترك الصحابي منشي أحمد جان العمل بالمسمرية اتباعا لحضرة المسيح الموعود ع؟!

__

  1. بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: كان أبناء الجماعة يتأذون على أيدي أهل قاديان كثيرا وخاصة في أوائل عهد حضرته. وكان الناس وخاصة السيخ مستعدين دائما للإيذاء بتحريض من مرزا إمام دين ومرزا نظام دين. وما كان الأمر يقتصر على الإيذاء بالكلام الجارح فقط بل كان يتعدى إلى المشادات والضرب والشجار على صعيد الواقع. وإذا ذهب أحد من الأحمديين المهاجرين1 إلى حقل أحدهم لقضاء حاجته، كان هؤلاء الأشقياء يُكرهونه على أن يحمل برازه في يديه. وفي كثير من الأحيان كانوا يضربون بعض الأشراف من الأحمديين. وإذا أخذ أحدهم كمية من التراب من أرض غير مملوكة قرب القرية كان السيخ يصادرون السلال والمعاول من الأُجَراء ويطردونهم من هناك. ولو تكلم أحد أمامهم كالوا له شتائم بذيئة وفاحشة واستعدوا لضربهم أيضا. وكانت مثل هذه الشكاوى تصل إلى حضرته – عليه السلام – بين حين وآخر باستمرار، ولكنه كان ينصحهم بالصبر دائما. كان بعض الأحمديين المتحمسين يأتونه ليأذن لهم بالتصدي لهم ثم سيتداركون الوضع بأنفسهم. فكان يقول لهم: لا، بل يجب أن تصبروا. فذات مرة ذكر السيد أحمد نور الكابولي معاناته واستأذنه لمواجهتهم، فقال : إذا كنتَ تستطيع أن تقيم هنا بالأمن والصبر فبها ونعم، أما إذا كنت تريد المواجهة والمخاصمة ولا تقدر على الصبر فارجع إلى كابول. فكانت نتيجة تعليمه أن بعض الأشراف الأحمديين أصبحوا يتحملون الإيذاء والمعاناة والإساءة على أيدي أراذل الناس دون أن ينبسوا ببنت شفة2 مع أنهم قبل أحمديتِهم لم يكونوا يتحملون إساءة بسيطة في حقهم. فقد حدث مرة أن شخصا فقيرا أحمديا أخذ كمية من التراب لبيته من أرض غير مملوكة لأحد قرب القرية فجاء لفيف من السيخ متسلحين بالهراوى وهاجموا بيته. تحاشى الأحمديون الشجار بداية ولكن عندما بدؤوا يضربون الأحمديين الأبرياء وأضروا بالبيت أيضا تصدى لهم بعض الأحمديين مما أدى إلى جرح البعض من الطرفين حتى اضطر المهاجمون للفرار. فهذه كانت المرة الأولى حين علم أهل قاديان عمليا أن الأحمديين لا يخافونهم بل يتفادون مجابهتهم. ثم بدأت الشرطة بتحرّي الأحداث. ولأن الأحمديين كانوا مظلومين تماما وكان غيرهم قد هاجموا بيتهم بغير حق مع فئة كبيرة مسلحة لذا اضطرت الشرطة لتسجيل القضية ضد الجائرين مع معارضتها للأحمديين. وحين استيقن هؤلاء القوم بأنهم سيُصفَّدون قريبا أسرَعَ بعضُهم إلى المسيح الموعود وقالوا: كنا مخطئين، فنرجو أن تعفو عنا، فعفا عنهم جميعا.

كانت هذه هي الصدمة الأولى التي أصابت غير الأحمديين في قاديان، وقد حدث ذلك في عام 1906م، بعد ذلك أيضا استمرت أعمالهم الشريرة هذه ولا تزال مستمرة ولكن الآن فقد كثُر عدد الأحمديين في قاديان، وبطبيعة الحال هذا ما يمنع غير الأحمديين من الاعتداء علينا.

إضافة إلى ذلك بعد وفاة حضرته قد تطور الأمر إلى الشجار أحيانًا بسبب بعض الأعمال الشريرة لغير الأحمديين إلا أنهم ظلوا يلاقون الذلة والهوان كل مرة، لذلك فقد تحولت الآن أعمالهم الشريرة إلى المكائد العميقة التي أصبحوا يكيدون بها متذرعين ببعض القوانين.

(أقول عند نشر الطبعة الثانية لهذا الكتاب: لم يُذكر في تعليقي المذكور تلك الحالة التي حدثت في قاديان ضد الجماعة منذ فترة قريبة بسبب فتن “الأحرار” وتواطؤ بعض الحكام.)

  1. بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني ميان عبد الله السنوري فقال: حين تلقى حضرته إلهام: “وسِّعْ مكانك” قال لي: إننا لا نملك الدراهم لبناء البيوت ويمكن أن نستجيب لهذا الأمر الإلهي بحيث نبني سقيفتين أو ثلاث3، فأرسلني حضرته لأداء هذه المهمة إلى الحكيم محمد شريف في أمرتسر -الذي كان صديقه القديم وكان حضرته يقيم عنده أثناء زيارته إلى أمرتسر في أغلب الأحيان – لكي أشتري عن طريقه لوازم السقيفة وأُحضر من ينصبها. فذهبت إلى أمرتسر وأحضرتُ خبيرًا مع اللوازم. طلب منه حضرته بناء ثلاث سقائف في بيته. بقيت هذه السقائف لعدة أعوام ثم انهدمت.

أقول: ذكر ميان عبد الله أن ذلك حصل قبل إعلان حضرته أنه المسيح المنتظر.

وأقول أيضا: إن المراد من توسيع المكان كثرة الضيوف وتقدُّم قاديان وازدهارها أيضا.

  1. بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني المولوي شير علي وقال: لقد جاء المولوي ثناء الله إلى قاديان بعد تأليف حضرته كتاب “الإعجاز الأحمدي”، ثم تمت المراسلة بينه وبين حضرته، وبعد ذلك في إحدى المرات أرسل رجلاً إلى حضرته للاستفسار عن أمر ما. كان حضرته قد قام من المسجد المبارك وكان ذاهبًا إلى بيته عند وصول هذا الشخص، فسألَ حضرتَه شيئًا وردّ عليه حضرته. فطرح عليه سؤالا آخر فحواه: من سيقوم بهذا العمل أو الأمر؟ يقول الراوي: نسيت السؤال إلا أن حضرته ردّ عليه قائلا: “أنت”. يقول الراوي: لم أسمع قط من فم المسيح الموعود أنه خاطب أحدًا بكلمة “أنت” غير هذه المرة الوحيدة، بل كان حضرته يخاطب الجميع بكل محبة بـ”أنتم” سواء كان مخالفًا أم موافقًا له، فقيرًا معدمًا كان أم صغيرًا. وفي هذه المرة الوحيدة تلفظ لهذا الشخص بكلمة “أنت” خلافًا للمعتاد، وقد تفطّنا إلى ذلك وتعجبنا منه.

(أقول: إن لم يكن هناك أي خطأ في سماع المولوي شير علي وفهمه لهذه الكلمة فلعل حضرته استخدمها لحكمة ما، أو من الممكن أنها خرجت سهوا في العجلة.)

  1. بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني المولوي سيد محمد سَرْوَر شاه وقال: عندما التقى منشي أحمد جان اللدهيانوي للمرة الأول مع المسيح الموعود سأله حضرته: ما هي الميزة الخاصة لهذا الطريق الذي تتبعه. قال منشي أحمد جان: إذا ألقيت على أحد تركيزًا خاصًا فإنه يسقط على الأرض مغشيا. قال حضرته: فما النتيجة إذًا؟ كان منشي المذكور يتسم بطبع سعيد وفطين جدًّا، وانكشفت عليه الحقيقة من خلال تفكيره في هذه النقطة فقط، فترك طريقته وأصبح يكنّ لحضرته تقديرًا عظيمًا.

أقول: بعد القرون الأولى لاقى علم التركيز رواجًا كثيرًا في الصوفيين، وعدّ ذلك جزءًا من الروحانيات في حين أنه علم من علوم الدنيا ولا علاقة له بالروحانية ولا بالإسلام، يمكن للجميع سواء كان مسلمًا أم غير مسلم الحصول عليه حسب استعداداته من خلال الممارسة والتمارين، ولا يتعلق بحال من الأحوال بالعلاقة بالله ولا بإصلاح النفس. ولكن بما أن الصلحاء كانوا يوقعون في قلوب الآخرين تأثيرًا طيبًا من خلال تركيزهم القلبي فكانوا يشعرون بلذة مؤقتة أحيانًا مما جعل البعض يعتبرونه جزءا من الروحانية. ولما كانت قد تلاشت في زمن الفيج الأعوج التقوى الحقيقية والطهارة وإصلاح النفس والعلاقة بالله، كما أن الناس لا يزالون جاهلين بفلسفة إلقاء التركيز على أحد من الناحية العلمية لذلك راجت هذه الأمور في فئة الصوفيين ثم أخذ تأثيرها في التوسع والانتشار بحيث جعل الناس يعدّون هذه الأشياء من الكمالات الروحانية، واختفت عن الأنظار وانمحت من القلوب تلك الروح التي من أجل الحفاظ عليها لجأ الناس إلى تلك الأمور في البداية. ولكن انكشفت حقيقة هذه الأمور في زمن المسيح الموعود الذي هو زمن آخرين منهم ، لذا قال المسيح الموعود لمنشي المذكور بأنك إذا أسقطت أحدًا من خلال إلقاء التركيز عليه فماذا كانت النتيجة أو الفائدة من هذا العمل أي بماذا أفاد هذا التركيز من الناحية الروحانية؟ لأنه بإمكان ملحد أن يكتسب مثل هذه القوة من خلال الممارسة. كان ذلك يكفي لفتح عينَي منشي المذكور فعرف أنه مهما تقدّم وأحرز الكمال في علم إلقاء التركيز فإنه لن يستفيد روحانيًا ما لم يحقق مرتبة عليا في التقوى الحقيقية والطهارة والعلاقة بالله. لا شك أن منهاج النبوة التي أقيم عليه المسيح الموعود قد أطلع شمس الروحانية، ولا يمكن أن يستقر أمامه مثلُ هذا الضوء الضبابي المكدّر والمؤقت الذي يمكن أن يستخدمه أحيانًا لصّ في أعماله السوداء بنية سرقة ثروة الإيمان والإسلام من قلوب الناس.

وأقول أيضا: كان منشي أحمد جان اللدهيانوي يتسم بطبع صوفي مميز، وكان مرشدًا شهيرًا وخليفة وارثًا لهذا المنصب، ولكن مع الأسف الشديد توفي قبل إعلان حضرته أنه المسيح المنتظر. كان يكنّ للمسيح الموعود تقديرًا عظيمًا لدرجة قال له مرة في بيت شعر معناه:

نتطلع إليك نحن المرضى ونتوسل إليك لله أن تكون مسيحا لنا.

تزوج الخليفة الأول من بنت منشي المذكور، وولد منها جميع أولاده الذكور. كان لمنشي أحمد جان ابنان اثنان هاجر كلاهما إلى قاديان، كما انضم معظم أتباعه -بل كلهم- إلى الأحمدية.

أقول: لم يلتق المولوي سيد سرور شاه بمنشي أحمد جان فلا بد أنه سمع هذه الواقعة من أحد.

  1. بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني ميان عبد الله السنوري وقال: دعا المسيح الموعود بعض الضيوف إلى مأدبة وأمر أهله بتحضير الطعام لهم ولكن لما حان وقت الطعام جاء ضيوف آخرون بكثرة بحيث امتلأ المسجد المبارك بهم. أرسل حضرته رسالة إلى أهله: لقد جاء ضيوف آخرون أيضا فأرسلوا مزيدًا من الطعام، فدعت حرمُه حضرتَه وقالت: إن الطعام قليل، لأنه قد أُعدّ لبضعة ضيوف فحسب. ولعله بالإمكان تأمين مزيد من الطعام، إلا أن هناك كمية قليلة جدًّا من الأرز الحلو، فماذا عسى أن نفعل به؟ فأرى ألا أرسل الأرز الحلو وأبعث بقية الطعام. قال حضرته: لا يبدو ذلك مناسبًا. أدني إليّ إناء الأرز الحلو، فلما جيء به غطّاه حضرته بالمنديل ثم أدخل أصابع يده في الأرز من تحت المنديل، ثم قال: وزّعي الآن على الجميع وسيبارك الله تعالى فيه. يقول ميان عبد الله: لقد وُزع الأرز الحلو على الجميع وأكلوه بل بقيت منه كمية لا بأس بها.

أقول: كان المولوي عبد المغني جالسًا عندي لما روى لي ميان عبد الله هذه الرواية فقال: لقد روى سيد فضل شاه أيضا هذه الرواية. قال ميان عبد الله: هكذا تمت المصادقة على هذه الرواية، لعل سيد فضل شاه أيضا كان موجودًا في تلك المناسبة.

أقول: حدثني ميان عبد الله في اليوم التالي وأخبرني بأنه سأل سيد فضل شاه فأخبره بأنه أيضا كان موجودًا في تلك المناسبة ويذكر هذا الأمر جيدًا.

وقال ميان عبد الله: أخبرني حضرته بنفسه ما جرى في داخل بيته.

أقول: لما سمعت هذه الرواية سألت والدتي إذا كانت تتذكر هذه الواقعة فقالت: لا أتذكر هذه الواقعة بشكل خاص ولكن لا بد أنها حصلت هكذا لأن مثل هذه الأحداث كانت تحصل كثيرًا. سألتها: كيف ذلك؟

قالت: كأنْ يكون الطعامُ قد أُعِدَّ بكمية قليلة ولكن حضر كثير من الضيوف، مثلا أُعِدَّ الطعام لخمسين شخصًا وحضر مئة، ولكن ببركة وجود حضرته كان يكفي لهم.

ثم روت لي حضرة الوالدة حدثًا فقالت: جاء أحد بدِيكٍ لحضرته، فطبخت لحضرته الأرز بلحم الديك. كنت قد طبخته لحضرته فقط ولكن حصل أنّ نواب محمد علي خان قد دخّن بيته لطرد البعوض والحشرات فانتقل مع أهله وعياله إلى بيتنا، وأمرني حضرته بتقديم الطعام لهم. قلت له بأن الأرز قليل جدًّا لأنني طبخته لك فقط. قال حضرته: أين الأرز؟ ثم اقترب إلى الأرز وقرأ عليه شيئا ثم قال: وزّعيه الآن. تقول والدتي: لقد بورك في الأرز لدرجة أكلت عائلة نواب المحترم وأُرسِل منه شيء إلى المولوي نور الدين والمولوي عبد الكريم أيضا، كما أعطي منه لبعض الناس في قاديان أيضا. وبما أنه اشتهر باسم “الأرز المبارك” فقد حضر الكثيرون إلى البيت وطلبوا الأرز وأعطيناه للجميع وكفى الجميعَ.

Share via
تابعونا على الفايس بوك