السباحة ضد تيار نهر التاريخ الجبار
  • آتت الثقافة الإسلامية الممتزجة بالاسرائيليات أكلها المر .
  • في فترة انهيار محاكم التفتيش لدى الغرب كان العرب يقيمون محاكم تفتيشهم.
  • نتج عن التعصب والانحراف الفكري في الدين جماعات تكفيرية كالوهابية.
  • عاد المسلمون للجاهلية الأولى يقتتلون ليوسعون رقعة البلاد قاطعين رؤوس العباد.
  • كل ما يجري يؤسس بحكمة إلهية لحرية دينية ووعي باحث عن الحقيقة.

__

بينما كان الله يقضي على محاكم التفتيش في العالم على اتساعه كان عالم العرب ينشيء محاكم تفتيش تقتل على العقيدة وتستعمل سلاح التكفير بشكل دموي. كانوا خارج التاريخ لا يدرون شيئا عن روح الإسلام الحق، ولا عن تاريخ العلاقة بين الله والعباد، وفي غمرة السهو انطلقوا يقدمون غذاء جديدا لأعداء الإسلام يبررون به اتهاماتهم. والماكرون من جهابذة التنصير عندما اطلعوا ووعوا حقيقة ما يجري، بعد مرور قرن على ظهور هذا التيار، درسوا جدواه وعرفوا ضرره وأسعدهم وجوده، واصطفوه للعون وعملوا على ضخ ماء الحياة فيه، وأوصى من استطاع منهم أصدقاءه من الساسة والمحاربين أن يساعدوا هذا التيار، ضمانا لبقاء تخلف المسلمين وضعفهم وتخلي الله عنهم وبقاء صورتهم وصورة دينهم مشوهة.

عالم جديد يتشكل

في القرن الثامن عشر الميلادي كان ركام التراث الإسلامي يعمل في بلاد العرب والمسلمين عمله، وأوجد جماعات تستعمله بعنف، وهو التراث المشوب بالإسرائيليات والأخطاء، ولم يكن يمكنه أن ينتج سوى كيانات مستبدة تكرر تاريخ العباسيين في أتعس عصورهم، حيث يستحل القهر الفكري والاضطهاد الديني وتبرير الكبت والحرمان من الحرية. غافلين جاهلين أنه في نفس الوقت كان الله ينشر الحرية رويدًا رويدًا، ويغدو الإكراه في الدين شيئا من الماضي، وحركة الاستقلال الأمريكية بسبيلها لدولة لها دستور يؤسس للحرية الدينية، وخميرة الثورة الفرنسية تنمو لتنفجر، مؤسِّسة لمجموعة من إعلانات الحقوق، ستتطور في فرنسا خلال جمهوريات عدة حتى تنضج.

ولكن العجيب أنه بينما كان سلطان الكنيسة وحكوماتها تنهار في الغرب كان هناك مسلمون يعيدون بناء محاكم التفتيش في بلاد الإسلام.

كانت الكنيسة بين جناحين

1. جناح بروتستانتي يتعصب ككل المتعصبين في التاريخ وقد استهواه تفسير جنوني لسفر الرؤيا ليوحنا اللاهوتي، يرتكز على انتظار نزول المسيح كإله ليحكم في ألفية، وتخيلوا في التفسير أشرارا منهم المسلمون ونصبوا من انفسهم أخيارا وجندا للمسيح الرب المعبود، وراجت نظرية الألفية فصار لها فلاسفة وأتباع خاصة في الأطراف والأرياف..

2. وجناح يتلقى الضربات لينزوي على نفسها في مباني الكنائس تاركة الشأن العام لتدابير العقلانية.

وكان العلم يتقدم ومعه الفلسفة الآلية، وحمي وطيس البحث عن مبدأ مختلف للسلوك وتفسير الحياة، وانتشر نقد علمي الطابع للكتاب المقدس، وكانت الثورة الفرنسية كامنة ونارها تحت الرماد تتوقد، وصار للإلحاد زبائن وفلاسفة، وصارت الحرية في العقيدة والفكر تدريجيا مقدسة، ونما بينهم احتقار الآخرين غيرهم لأنهم ليسوا مثلهم.بالطبع كان تنامي أفكار الحرية والفردية بالتوازي هو الشرط الطبيعي لحدوث انقلاب في العالم، فسيسمح القدر الرباني بموجبه لإنجليزي أو لفرنسي أن يعلن إسلامه، ومن حكمة الله تعالى أن الإلحاد الذي انتشر بعد انهيار مكانة الكنيسة أعقبه إمكان تحول بطيء نحو البحث النزيه في الإسلام. ولو تخيلنا أن الإلحاد أو اللاأدرية تشبه نقطة الصفر الحرارية والإسلام هو درجات ما فوق الصفر والعداوة له هي درجات التجمد تحت الصفر، فإن صعود درجة الحرارة المتجمدة نحو درجة السخونة والغليان سيمر بدرجة الصفر حتما، مما يعني إمكانية المرور بالتيه والحيرة الإلحادية قبل التوجه نحو الإيمان من منطقة العداوة لهذا الإيمان.

لم يكن في العقائد السائدة في الغرب شيء صحيح، واختفت معرفة الله الواحد بالكمال والجمال كما يقدمه القرآن الكريم، الذي يراه كذلك المطهرون من لوثة الانحياز والتعصب وبغي البحث، واتسعت الفجوة بين الناس وربهم، وهذا البعد عن الله تعالى في الغرب كان لا يخلف نعيما روحانيا، وظن غالبية الناس الساحقة أن بضاعة السرور المادي هي التي تشفي الروح (الروح التي لا تدري أنها مخلوقة لله كي تبحث عنه وتجده ويشبعها لقاؤه)، وتضاءل الأمل في جنة الله تعالى، وانتشر الأدب المعبر عن تحقيق جنة الدنيا بالتقدم العلمي وبالسيطرة على الطبيعة والصناعة والطب والإنتاج.

واستمرت أمراض سوء الظن بالله تعالى تنخر في رجال الدين، وقدموا أسوأ قدوة، وتجرأ الناس عليهم والملوك، وارتفع صوت القومية وغلبت سلطة الدول القومية سلطة البابا العامة الروحية. ولكن العجيب أنه بينما كان سلطان الكنيسة وحكوماتها تنهار في الغرب كان هناك مسلمون يعيدون بناء محاكم التفتيش في بلاد الإسلام.

في القرن الثامن عشر كان الانهيار الأكبر للكنيسة ووجد الفلاسفة في العقل أساسا لأخلاقيات تم ترويجها.وكانت الثقافة الإسلامية المختلطة بثقافة الإسرائيليات تؤتي أكلها المر في بلاد الإسلام.

في القرن الثامن عشر كان الانهيار الأكبر للكنيسة ووجد الفلاسفة في العقل أساسا لأخلاقيات تم ترويجها.وكانت الثقافة الإسلامية المختلطة بثقافة الإسرائيليات تؤتي أكلها المر في بلاد الإسلام.

لم تكن آثار الفهم الخاطىء لدين الله تنتج في بلاد الهند غير نفس الإنتاج، وهو البعد عن الله والاهتمام بالدنيا وخمود الروح والإبداع. وفي مصر والشام كانت ممارسات الانكشارية والمماليك ونظم الجباية والجهل العام في ظل السلطة العثمانية وفقدان الأمن والعدل قد أنتج شعوبا ضائعة، وكانت تقاليد الجمود عند العلماء قد قضت على روح البحث في التوحيد، وسيطرت طبائع الببغاء والتقليد، وكان هناك بعض العلماء النابهين من المجددين المتناثرين، ينيرون حولهم هالة سرعان ما تضعف، ولكن غول الجمود والتفسير الحرفي وقدسية التقليد كان مخيفا.

كان هناك كاتب من أعلام التفسير الحرفي، وهو الشيخ ابن تيمية، في بعض كتاباته يكفر ويوصي بسفك الدم مسرفا، وفي بعضها ينعى على الناس بعض البدع وكان في بعض هذا البعض مصيبا، ولكنه كان من جهة أخرى تلميذا للتيار الثقافي الذي يفسر بظاهر النص، ولايهتم بأن يقدم الإسلام في صورة تتحدى أسمى العقول وأرقاها، ولا يجهد نفسه في البحث عن تعمق كلام الله، ولا يهتم بعمق قوله تعالى: لا يمسه إلا المطهرون، وتبلورت الثمار المرة في المذهب الوهابي الذي أسسه محمد ابن عبد الوهاب. ففي الجزيرة العربية عند منتصف القرن ظهر أخطر أثر للتفسير الحرفي للقرآن والحديث.

الجزيرة العربية… كانت شبه الجزيرة مقسمة بين منطقة تخضع لسلطان مكة والمدينة، وبقيتها ممزقة تخضع لسلطان القبائل في أنحائها، لكل قبيلة منطقة نفوذ وأحلاف، تماما كعهد الجاهلية. وكانوا يقتتلون جميعا، وتخوض كل قبيلة حربا لتوسيع الرقعة التي تملكها، ثم وجدت قبيلة آل سعود أفقا جديدا وأساسا جديدا للتوسع، في شكل التعاون بين القبيلة وبين أحد العلماء وتلاميذه. وفي هذا التعاون يتم تكفير القرى والقبائل التي لا تقبل الخضوع لهم، ومن ثم يتم استحلال دمهم ومالهم وعرضهم، ويقتسم الطرفان الغنائم، وتطور الصراع بين الأحلاف وبين بقية الجزيرة إلى توسع سلطان الحركة.

كتبت الكتب التي تبرر وتدافع عما فعلوا على أنه الإسلام المحمدي، والمثل الذي يحتذى من قبل الإنسان الشرقي والغربي، وكانت فرصة ذهبية تقبل الاستثمار، وسيتم استثمارها بعد ذلك على يد الدجال الذي يكره الإسلام.

هذا هو ما فعلته الوهابية: من افتراض نفسها أنها الطرف الفاهم والداعي للإسلام واليد العليا وأن الباقي هم اليد السفلى وهو المدعوون أن يبايعوا، ووضع مقياس السلام أنه بيعة على توحيد الألوهية لقادة الحركة، سلما أو بالقوة، ويتصورون أنهم بذلك يستردون المسلوب، وهو حق الله في أن يعبد، ويسلمون حق الله المهضوم إليه تعالى طوعا وكرها.

الوهابية

الوهابية محاولة محلية قاسية للبقاء على أساس يجمع بين القبلية وبين الدولة، وتتخذ القتال والقتل وسيلة للتوسع، تبحث عن فكرة تغتر بها وتتصور بها تميزا رهيبا، ويتم بها تكفير القبيلة المجاورة المخالفة أو الشعب المجاور لغزوه.

تستعين بتلفيقة من الكلمات لتبرير القتل الذي بدونه لا يتحقق غرضهم، ويهملون ما فيهم من أشكال المحرمات كالكذب والرياء وحب الدنيا، وتستغل عيوب الناس ومخالفاتهم وما يتصل بها من نصوص التحذير من الكفر والشرك كفرصة لاتخاذها وكالة عن الله للحكم بها باعتبار ذلك حكما بما أنزل الله، وتتهم من ليس معها بالكفر، وتستمد من التراث ما يقول أن الكافر مستحق للقتل لمجرد الكفر، والقاتل طبعا هو من معه القوة، والمقتول هو القبيلة التي تقع على حدود التوسع، والتي ترفض بيعتهم على ما هم عليه.

وله كتاب بعنوان: مختصر سيرة الرسول، فيه يعيد صياغة السيرة النبوية في صورة لا تمت للنبي بصلة، ، وتصور أهل الجزيرة في عصره بل وكل من لا يتبع المذهب أنهم إما كفار كأهل مكة، يجوز قتلهم بسبب كفرهم الفكري، أو مرتدون كأهل الردة يوم خلافة أبي بكر، فيقتلون على الردة. وفي نظرهم سكان الجزيرة من غيرهم أعراب لا يتعدى إقرارهم بالإسلام والتوحيد إقرار أهل مكة بربوبية الله. والربوبية جزء من التوحيد لا كله، وإقرار الربوبية هذا رفضه النبي وقاتلهم على بقية التوحيد.

ويستدل بأنك لو استفسرت عن التوحيد عاميا أو حتى عالما من غير الوهابية فسيجيب بأن ربنا الله خالقنا ومالكنا ومدبر أمرنا وشافينا ورازقنا .. ويقول بأنه مجرد جواب مطابق لجواب الكفار لو سألتهم من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون الله. ويصور ابن عبد الوهاب ما فعله معهم من قتل على أنه عين ما فعله رسول الله مع المشركين. وما فعله أبو بكر، رضي الله عنه.

وقدمت هذه التصورات المهينة للإسلام على أنها رحمة الإسلام؟! هذا ما فعلته الوهابية: من افتراض نفسها أنها الطرف الفاهم والداعي للإسلام واليد العليا وأن الباقي هم اليد السفلى وهم المدعوون أن يبايعوا، ووضع مقياس السلام أنه بيعة على توحيد الألوهية لقادة الحركة، سلما أو بالقوة، ويتصورون أنهم بذلك يستردون المسلوب، وهو حق الله في أن يعبد، ويسلمون حق الله المهضوم إليه تعالى طوعا وكرها.كان تلفيقا مقصودا به الكسب المادي واستحلال قتل المسلمين وحكمهم والتوسع في بلادهم. تلفيق تم حياكته كثوب يقصه ويخيطه حائك بمواصفات محددة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك