جمع القرآن الكريم معجزة الإسلام
  • إن مشاعر الغيرة على كتاب الله تعالى أثمرت جهودًا جبارة.
  • لو لم يرع الله تعالى جمع القرآن الكريم لاختل الختم النبوي.
  • يسر الله تعالى منذ نزول القرآن الكريم حفظه بكل توثيق شفهي  وكتابي.
  • يحث الله تعالى على رعاية كتابه يوميًّا.
  • الخلافة  الراشدة نائبة عن الرسول في أعماله.

__

في 23 أسبوع الدولة المسلمة تقوم بجمع القرآن بين دفتين كتتويج لما تم خلال 23 سنة. إنه عمل تتجمع فيه كل ملامح الجمال. وعندما تمسك مصحفا بخط فني رائع فأنت تمسك بحيوط من أروع روائع الوجود. كل حرف في المصحف يتبختر مختالا في رسمه المحكم الأبعاد وكل كلمة فيه هي عجيبة المعنى وتعمل في جملة هي الحكمة الصافية. وكأن الله يقول: وما جُمع ولكن الله جمع “إن علينا جمعه وقرآنه” لو لم يرع الله عملية الجمع لاختل الختم النبوي.وعليه كأن الله يقول: وما حاربتَ المرتدين ولكن الله حارب.. وما حفظت القرآن بجمعه والله هو الذي جمعه.. وأبلاك منه بلاء حسنا ليرفع ذكرك ويقال قد قاتل دفعا وجمع جمعا.

روعة قرار جمع القرآن

1- كان معنى ختم النبوة كفاية الله للناس كلهم بمحمد.. وبالتالي تعين تأمين وجود أوحياة هذه العصبة الحاملة للكتاب شرطا أول لبقاء العبادة في الأرض وللتمكين لهذا الدين في الوجود.

2- وجمع القرآن في كتاب موثق بين دفتين كان شرطا ثانيا لتمكين دينها الذي ارتضاه لها… وقد أرشد الله أبا بكر لقرار الحرب وقرار الجمع.. القرار الأول كان هدية لأبي بكر ولبيان مكانته عند الله ..والثاني كان بركة لعمر لطاعته في القرار الأول وتقديره.فالخلافة قد استخدمها الله لتنفيذ ختم النبوة بالنص حفظا والعمل قياما..

3- الختم النبوي يعلله السلفية دائما بحفظ الله للنص القرآني ، وعندهم أن به نستغني عن كل نبي بعده.. ولكن الحقيقة أن ختم النبوة يتم أيضا بوجود الخلافة، أي العمل بالقرآن، وهي هذه الخلافة التي قامت هي نفسها بمهام حفظ القرآن من خلال جهود الجمع والحفظ والنسخ والتعميم.

وبعد انتشار المسلمين والقرآن معهم بنسخة الدولة والتي هي النسخة العثمانية الرسم، ونشاط الكتاتيب في التغلب على لهجات القبائل وتخريج دفعات من قراء ذوي لهجة موحدة للقراءة، وبعد أن عرف العالم الخبر، وانغرست مشاعر الغيرة على النص القرآني في النفوس المسلمة بشكل جبار، وتم تداول القرآن بشكل يجعل التحريف محالا، كان الدين قد تمكن، أي وجد كظاهرة طبيعية كعين أو نهر أو جبل…

والصالحون صاروا معروفين لمن يذهب لفهم القرآن.

والقرآن صار متمكنا في ساحة الوجود عصيا على محاولة التحريف.وبما صنعه عثمان رضي الله عنه وعنهم جميعا تم ترسيخ القرآن في تربة الأرض وأفلت القرآن من إمكانية التحريف نصا.

مهمة الجمع بدت ثقيلة جدا ولكن الله كان قد يسرها بشكل عظيم

كانت مهمة زيد في الظاهر ثقيلة، لكنها كانت ثقيلة فقط بالنسبة لطاقة رجل واحد. ولكن نظرا لتدخل الله تعالى تيسر الصعب. فجمع القرآن عمل لا يُـترك لزيد وحده رضي الله عنه، بل عمل فيه جبريل شخصياً مع ملائكة الوحي أجمعين..

كان الله قد عملت قواته على جعل كل شيء متاحا لزيد وكان زيد يجمع الغلة وينال الثواب مجانا مع حفل تهنئة..

كان هناك نسخة للقرآن في بيوت أزواج النبي . وجاء كل بما عنده من مكتوب ليتلوه أمام شهود. وفي عصر الطبع لا يصلون اليوم لدقة العمل الذي تم في عصر أبي بكر، لأن هناك ملائكة كانت تعمل عملا يشبه عمل القوانين الكونية الماضية.. ولا يغرنك ذكر ألواح الحجر والعسب والرقاق.

أمور القرآن كلها كانت في دقة أعمال الملائكة في دفتر قوانين الفيزياء والكيمياء.. إن جاز خلل في رسوخ الجبل يحدث خلل في قرار حفظ وجمع القرآن. الذاكرات بوركت وعوامل الحب والحفظ أشعلت وعملت.. وكل ما هو من مناخات الحفظ واليسر نشرت وعطرت. وكان ما كان مما لست أذكره.. فظن خيرا ولا تسأل عن الخبركان الدين محفوظا برسول الله كنسخة حية حافظة ومنفذة.. لقد كان الحافظ المثالي هو رسول الله .. ولم يكن يعتمد في حفظه على المكتوب فلم يكن ينسى، ولقد كانت الكتابة لتذكير الآخرين وكانت للمستقبل. وكان الصحابة مرآة لرسولهم حفظا والاعتماد الأكبر على المحفوظ شفاهة.. كانوا نسخا حية حافظة منفذة وتامة العمل. كان عمر رضي الله عنه وغيره يرون النسخ الحية كثيرة وتعطي ضمانا ولكن القتل الشديد فيهم جعله يلجأ لاقتراح علنية الجمع بين دفتين للدولة (الخلافة) كي تساند النسخة الورقية النسخة الحية.. لكن النسخة الحية كانت ولا زالت هي الأصل.. ولذلك وضعت النسخة المعتمدة في بيت عند عائشة فحفصة دون أن يرجع الراجعون إلى النسخة كل يوم، بل ظلت مرجعا عند الحاجة والأزمة، عندما يكون الاعتماد على نسخ الناس غير المحققة. وقد حدث في عهد عثمان محاولة لكتابة مصاحف خاصة بلهجات القبائل الغريبة عن لغة قريش. فتم الحسم وتم نسخ المصحف المجموع سلفا وتم التوزيع في العالم وتم حرق النسخ المخالفة.

منذ نزل القرآن يسر الله حفظه بكل توثيق شفهي وكتابي؛ فيسَّرَ الرواةَ والقرطاس والرق واللوح والحروف وعلم الكتابة ويسر الحب والجمال والروعة للنص.. ويسر التلاوة.. كل شي يسره ليحفظ.هذا جزء مما كان الله قد صنع لزيد وأبي بكر وعمر والمستقبل..

كان الله قد كفل لكلامه الحلاوة واللذة والروعة كي يكون محبوبا لدى من يؤمن به، فيصير حفظه سهلاً والحرص عليه مكتوبا يسيراً.. وكانت السور القرآنية قد نالت النصيب الأكمل من العناية بسر جمالها لتكون مهمة زيد رضي الله عنه سهلة.

والرجل المعد لتنزل عليه السور كانت حكايته حكاية جمال.. وعندما تتنزل القطعة القرآنية أو عندما تنزل السورة تتلى ويصلى بها ويتلوها كل المؤمنين، والله حلاّهَا وتقال حسب المناسبة الحالية، ويختلف حولها الناس في مكة ويرد الله.. وهناك ضمان لذاكرة النبي بعدم النسيان.. وهناك للعرب ذاكرة شفهية.

ثم تكتب الآيات في الموعد المناسب قبل نزول نص آخر.. ويحدد مكانها بين نصوص سابقة لو كانت تتوسط نصا نزل.. حيث له كقرآن صورة نهائية محددة له سلفا.. وهكذا يرتسم القرآن كلوحة تظهر ملامحها بعد تجمع ضربات الفرشاة المتتالية وتزداد الملامح وضوحا مع كل ضربة فرشاة وفي النهاية تكتمل الصورة الشاملة والمسلمون يشاهدون تطور النص.. ورغم كل ذلك الجمال واليسر كان يتنزل كل عام ما يقارب جزء وثلث بل أقل أو أكثر أي 21 صفحة كل صفحة 15 سطرا.. يعني كمية محدودة فيمكن متابعة الصورة المضارعة للقرآن أولا بأول.. أي كل شهر من صفحة وثلث إلى صفحة ونصف. (ثلاثون يوما في حفظ صفحة وثلث أو صفحة ونصف)

والخلافة مسئولة عن الجمع (بإذن الله ورعايته) ومسئولة عن قدوة العمل، وعن القرارات الحامية للإسلام والمرعية بعين الله.. فالخلافة نائبة عن الرسول في كل أعماله.

حفظ سري التفاصيل

تدابير حفظ القرآن الكريم كانت كتدابير صنع حبل ينجدل من فولاذ لا يصدأ.. يصدر منبثقا -ويتكون تدريجيا ويلتف حول بعضه رويدا ليدفن في تربة الأرض لمن يريد التمسك به بعد الحفر والحصول عليه.

دور الذاكرة والكتابة نفهمه، ولكن الأمر في حفظ القرآن هو أشمل وأعمق.. وكان هناك أدوار لجند لم نرها، وكما حفظ الله الميراث الجيني وكتاب الشكل الإنساني حفظ الله القرآن. الكمال واضح جداً في شئون الحفظ الإلهي.. كان جبريل يراجع كل عام القرآن مع سيدنا محمد والصحابة يعشقون القرآن ويحفظونه.. وأبوبكر يجمع القرآن.. وعثمان يوحد الخط المكتوب به القرآن.. وآلاف الكتب تـقـتبس من القرآن آيات عديدة (لقد أصبح من المستحيل تحريف حرف واحد من نص القرآن الكريم) إن حفظ الله لكلامه كحفظ الشمس والقمر.. من العبث اللعب بهما..من يستطيع الوصول لسر الكلمات الإلهية؟

إن القيام الطويل.. وروعة التحقق بالمعنى القرآني ومكافآة نجوم القرآن المتتالية ودور الرسول في موالاتهم بما يجدّ أولا بأول، جعلت الكل مضطرا لمتابعة العرض النهائي.

لقد جعل الله القرآن يلخص الكون ويطرح الأسئلة ويثير الفكر بعاصفة ويتلقى الإنكار ويقذف بالردود على شبه العدو.. إن مشروع حفظ القرآن كان معدا كله منذ القدم بإعجاز.. وهو ملحمة كاملة معدة سلفا. بل إن منذ خلق الله الكلام فينا وحفظ العربية السليقية ورعى تطورها البلاغي المعجز، ثم علم الله الكتابة. ومنذ جعل الله فن الكتابة يزحف نحو بلاد العرب لتعود بضاعتنا إلينا كان الله يمهد لجمع القرآن ومنذ جعل الله محمداً أميا إنما هو أمر من الله لامن جهد نبيه.. لقد أعلن الله بقصة التنزيل والحفظ أن الله هو الذي رعى كل بما يتم على يد الأمي حتى صار الأمي راعي العلوم وتمحورت الحياة حول رعيته من الكلمات..

وما أروع دقة القراءة والتصحيح والكتابة والنسخ، وتحرير الأسرى مقابل تعليم الكتابة، وصار الكتاب محور الحياة.. كان القرآن دعوة لعالم جديد وكان توجيها معنوياً ،ونشرة تنبؤات أخبار، وكان القرآن نشرة أخبار الحوادث وكان تحليل الأخبار، وكان الوقائع الدولية للقوانين، وكان منهجا علاجياً تربوياً، وكان مشتركًا في التحديات ،ومقالات في مجلات صحفية عن كشوف علمية، وسجلاً تاريخيًا مساعدًا في البرهنة. كم من آيات يمجد الله فيها الكتاب ويشجع فيها على رعايته يومياً صلاة وتلاوة فكر (ليدبروا آياته).

جعل الله للكلام شوكة تضمن له الإقبال عليه قلباً وحفظه قالباُ.. وفي قلب زيد بن ثابت كانت النسخة القرآنية موجودة مكتوبة مشكلة… نعم.. كان زيد يحفظ النص القرآني كاملاً.. وكان أبوبكر من الحفاظ أيضاً.. وكان عمر منهم.وكان الحفاظ المقتولون يقرأون ويؤمون بعضهم دون نكير. وكان يمكن لزيد كتابة المصحف بنفسه.. لكن كان هناك حاجة لعمل علني في الظهيرة.. وها نحن نجمع القرآن علناً .. ها نحن نتوج العروس بعد تمام تجهيزها لعرسها.. هذا حفل جمع الثمار.. فليأت كل بما عنده من نص مكتوب وليتل بنفسه ما هو عنده علناً (ولكن هذا لا يعني أن زيدًا لم يكن حافظا للقرآن، فالقاضي لا يحكم بعلمه بل بأدلة يراها الكل).

ليس ذلك فحسب بل كان هناك نسخة النبي في بيوت أزواجه .. قد وجد القرآن كله عند كثيرين، وسمع زيد كل شيء، وكتب القرآن بين دفتين والكل شاهد، ولا أحد يمكنه أن ينكر.

والخلافة مسئولة عن الجمع (بإذن الله ورعايته) ومسئولة عن قدوة العمل، وعن القرارات الحامية للإسلام والمرعية بعين الله.. فالخلافة نائبة عن الرسول في كل أعماله. وبعد ثبات النص وتمكين الدين كانت السلطة السياسية (والرأي العام معها) ترعى النسخ الصحيح للقرآن، وكانت الخلافة الروحية مسئولة عن المعنى والعمل والعلم والعمق، وتمارس مسئوليتها عن فرع الحفظ الثاني، تاركة أمور الدنيا من مجاري ورصف شوارع لأناس آخرين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك