- صفات إمام الزمان عليه السلام
__
258- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني المولوي سيد سرور شاه أن خلافًا حصل بين مير ناصر نواب والمولوي محمد علي حول قضية ما، غضب مير ناصر نواب ودخل على حضرته وأبلغه الأمر. فلما علم المولوي محمد علي بذلك قال لحضرته : لقد أتينا إلى هنا من أجل حضرتكم حتى نغتنم فرصة خدمة الدين من خلال البقاء عندكم، ولكن إذا وصلتكم شكاوى عنا -فإنكم بشر أيضا – فلعله ينشأ شيء في قلبكم ، في هذه الحالة نتضرر بمجيئنا إلى قاديان بدلا من الاستفادة. قال حضرته: لا شك أن “مير صاحب” قال لي شيئا ولكنني كنت غارقًا في تفكيري لدرجة أقول حلفًا بالله إنني لا أعرف ماذا قال مير صاحب. ثم قال: منذ بضعة أيام يخطر ببالي خاطرة بشدة لدرجة جعلتني مشغولا بها عن كل شيء. وهذه الفكرة تكون أمامي دومًا كل حين وآن قيامًا وقعودًا. عندما أجلس في الخارج مع الناس يأتيني شخص ويتحدث إليّ إلا أن تلك الفكرة نفسها تدور في ذهني، لعل هذا الشخص يظن أنني أستمع لحديثه في حين أنني أكون غارقا في فكرتي هذه. باختصار إن هذه الفكرة تسيطر على ذهني في هذه الأيام بشدة لدرجة ليس هناك مجال للتفكير في أمر آخر.
ماذا كانت تلك الفكرة؟ هي أن الغرض الحقيقي من بعثتي أن تنشأ جماعة مؤمنة صادقة تؤمن بالله إيمانًا حقيقيًا، وتنشئ معه علاقة خالصة وتجعل الإسلام شعارا لها وتتمسك بالأسوة الحسنة للنبي وتسلك سبل الإصلاح والتقوى وتقيم نموذجًا عاليا للأخلاق وذلك حتى يهتدي العالم عن طريق هذه الجماعة وتتحقق مشيئة الله.
فبدون تحقيق هذه الغاية لو حققنا الغلبة على العدو بالأدلة والبراهين وهزمناه هزيمة كاملة فلن يكون هذا الانتصار انتصارًا يُذكر لأنه لو لم يتحقق الغرض الحقيقي من بعثتنا فكأنّ عملَنا كله قد ذهب هدرًا.
أرى أن آيات الغلبة بالأدلة والبراهين بدأت تظهر الآن وأخذ العدو يشعر بضعفه ولكن لا يزال هناك نقص كبير في الجماعة تجاه الغرض الحقيقي لبعثتنا وهناك حاجة ماسة للانتباه إلى ذلك. فهذه هي الفكرة التي تقلقني هذه الأيام وهي تسيطر عليّ لدرجة لا تفارقني حينًا من الأحيان.
259- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: لما بلغ حضرته خبر استشهاد المولوي عبد اللطيف أصيب بصدمة شديدة لأن صديقًا مخلصا فارقه، ولكن من ناحية أخرى كان فرحًا كثيرًا لأن أحدا من أتباعه أرى هذا النموذج العالي للإيمان والإخلاص إذ تحمل أشد أنواع الآلام والمصائب إلى أن لفظ أنفاسه دون أن يتخلى عن الإيمان.
260- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني المولوي شير علي أنه لما غادر المولوي عبد اللطيف إلى كابول قال: “يخبرني قلبي أنني لن أبقى على قيد الحياة الآن، بل حان موعد وفاتي، وكان يعدّ لقاءه مع حضرته آخر لقاء. فلما غادر رافقه حضرتُه إلى مسافة قصيرة، وخلال ذلك سقط المولوي عبد اللطيف على قدمي حضرته وأخذ يبكي بشدة. أمره حضرته بالقيام وقال ينبغي ألا يفعل المرء هكذا، إلا أنه ظل مرتميًا على قدمي حضرته إلى أن قال حضرته: الأمر فوق الأدب، فقام وفارق حضرته بكل تحسر.
(أقول: لم يكن القطار يأتي قاديان في تلك الأيام، وكان المسافرون يستخدمون الطريق غير المعبَّد بين بطالة وقاديان، وكان حضرته يصحب بعض الأصدقاء الخواص لتوديعهم إلى منعطف هذا الطريق أو إلى النهر أحيانًا).
261- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: كتب شيخ يعقوب علي العرفاني أن حضرته كتب إلى والده الرسالة التالية بالفارسية ما معناه:
والدي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد أداء واجب الطاعة والفداء أقول:
لما أرى بأم عيني من أوبئة تتفشى كل سنة في البلاد والأمصار فتفصل الأصدقاء عن الأصدقاء والأعزاء عن الأعزاء، ولا تمر سنة إلا وتُحدث مثل هذه النار العظيمة أو الحادثة الأليمة ضجةَ القيامة. بعد رؤية هذه المشاهد مال قلبي عن حب الدنيا واصفر لون الوجه خوفًا على نفسي. وأكثر ما أتذكر هذين الشطرين لمصلح الدين السعدي رحمه الله وأذرف دموع التحسر ومعناهما:
لا تَثِقْ بالحياة الفانية، ولا تأمَنْ صروفَ الدهر.
وأتذكر هذين الشطرين من ديوان فرخ القادياني أيضا يرشان ملحًا على جروح القلب ومعناهما:
أيها الفتى، لا تربط قلبك بهذه الدنيا الدنية لأن موعد الموت سيفاجئك.
وعليه فإنني أريد أن أعتزل وأقضي حياتي الباقية في الخلوة وأنشغل بذكر الله سبحانه لأطلب العفو عما مضى وأتدارك ما فات، وأقول:
لقد مضى عمري كله ولم يبق منه إلا أيام قليلة، فالأفضل أن أقضي بعض لياليها في ذكر أحد (أي الله تعالى.
وذلك لأن أساس الدنيا ليس بثابت ولا اعتبار للحياة. وأيِسَ من خاف على نفسه من آفة غيره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أقول: سألت شيخ يعقوب علي عن مصدر هذه الرواية فقال: أعطاني مرزا سلطان أحمد بعض الأوراق القديمة التي خرجت منها هذه العبارة مكتوبة بخط يد حضرته. وأرى أنه لو عثر على عبارة كتبها حضرته فلا يمكن الاستدلال به أن حضرته قد قدّم هذه الرسالة لوالده أيضا، وعدم ورود التوقيع والتاريخ تحت هذه الرسالة يقوّي هذا الاحتمال.