شهادة الفطرة
  • الإنسان مفطور على وحدانية الله تعالى.
  • على المدعي إبراز الأدلة على اعتقاداته.
  • يجأر الكافرون لله تعالى عند تعرضهم للمهالك.
  • يقين الكفار بآلهتم المزعومة هش ومتبدل بحسب حالة أمانهم.
  • الافتراء ذنب يستحق العقوبة والحساب.
__
وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (54)

شرح الكلمات:

نِعمة: هي الصنيعةُ والمنّة؛ ما أُنعِمَ به عليك من رزق ومال وغيره؛ المسرّةُ؛ اليدُ البيضاء الصالحة. وفي الكليات: النِّعمةُ في أصل وضْعها الحالةُ التي يستلذُّ بها الإنسانُ، وهذا مبني على ما اشتهر عندهم من أن الفِعلة بالكسر للحالة وبالفتح للمرة. نعمةُ الله: ما أعطاه الله للعبد مما لا يتمنى غيرَه أن يعطيه إياه، وجمعُها أنعُمٌ ونِعَمٌ. فلان واسع النعمة أي واسعُ المال (الأقرب).الضُّرّ: ضدُّ النفع؛ سوءُ الحال والشدة. وفي الكليات: الضَّرّ بالفتح شائع في كل ضرر، وبالضم خاص بما في النفس كمرض وهُزال (الأقرب).تَجْأَرون: جأَرَ الداعي جأَرًا: رفَع صوتَه بالدعاء. جأَر إلى الله بالدعاء: ضجَّ وتضرَّع واستغاث، ومنه ثم إذا مَسَّكم الضُّرُّ فإليه تجأَرون (الأقرب).

التفسيـر:

لقد ذكر القرآن الكريم هنا تلك الآيات والبراهين الدالة على التوحيد التي تُوجد في نفوس الكفار. يقول: إن كل ما عندكم من نِعم فهو من الله تعالى، لأنها كلها خاضعة لنظام واحد، ومع ذلك تعزُون بعضها إلى آلهة أخرى؛ ولكن إذا أصابتكم آفة شديدة تَنسون آلهتَكم الباطلة هذه وتستغيثون ذلك الإلهَ الذي هو واحد وحق، وهذا يدل على أن قلوبكم غير مطمئنة بالشرك. وحيث إنكم أنفسكم غير مطمئنين بالشرك فلماذا تؤكدون عليه لهذه الدرجة.إنه لمن الحقائق الثابتة أنه عند حلول المصائب الشديدة لا يلجأ الناس إلا إلى الله . فمثلا إن النصارى يؤلِّهون المسيح ، ولكنهم لا يبتهلون إليه بسبب الحرب الدائرة حاليًّا بين إنجلترا وألمانيا، وإنما يدعون الله تعالى لتفريج الكروب. فلو كانوا موقنين بألوهية المسيح حقًّا لما فعلوا هكذا أبدًا. ولم يَدْعُ الكفارُ اللَّاتَ والعُزَّى لما حمي الوطيس في معركة بدر، حتى إن أبا جهل نفسه لم يستصرخ بهذه الآلهة الباطلة، بل دعا الله قائلا: اللّهم إنْ كان هذا هو الحقَّ مِن عندك فأَمْطِرْ علينا حِجارةً من السماء أَوِ ائْتِنا بعذابٍ أَلِيمٍ. وفعلاً استجاب الله لابتهاله فأُمطروا بالحصى ببدر كما حلّ بهم العذاب الأليم بأشكال أخرى (البخاري: كتاب التفسير، سورة الأنفال). فلو كان في قلوبهم يقين راسخ وتأثير عميق لألوهية اللات والعزى لاستغاثوا بهما في ذلك الوقت العصيب، ولكنهم لم يدعوهما، بل دعوا الله تعالى، وهذه هي شهادة الفطرة.

فلو كان في قلوبهم يقين راسخ وتأثير عميق لألوهية اللات والعزى لاستغاثوا بهما في ذلك الوقت العصيب، ولكنهم لم يدعوهما، بل دعوا الله تعالى، وهذه هي شهادة الفطرة.

ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (55)

التفسـير:

وقال القرآن إنهم بربهم يُشركون، فذكَر “الرب” مضافًا إليهم، وذلك تعنيفًا لهم واستثارةً لحميتهم، لأن المرء يغار على ما هو لـه. فكأن المعنى: إن الله ربكم، وليس بينكم وبينه خصومة ولا عداوة تضطركم للإشراك به؛ فما لكم تستغيثونه عند الشدائد، وحين يكشف عنكم الضر تعودون إلى آلهتكم الباطلة ثانية.

لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (56)

التفسـير: واللام في ليكفُروا للعاقبة، والمعنى أن الله تعالى حين يكشف عنهم المصائب والأهوال فإنهم يكفرون بنعمته بدلاً من أن يشكروا لـه، زاعمين بأن ما حدث إنما كان بفضل كذا وكذا من الآلهة؛ ولا يمكن – والحال هذه – أن يستحقوا الفضل الإلهي الدائم. وكأن الله يقول لهم: من الممكن أن نستجيب لتضرعاتكم المؤقتة رحمةً منا ونرفع عنكم الآفات لبعض المرات، ولكن لن نفعل ذلك دائمًا، بل سوف نرفض أدعيتكم في يوم من الأيام، لنحيطكم بالعذاب.

وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَالله لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (57)

شرح الكلمات:

نصيبًا: النصيب: الحظ (الأقرب).

التفسـير: لقد كشف القرآن الكريم هنا عن جانب شنيع آخر للعقيدة الوثنية، وهو أن الوثنيين ينسبون نعم الله إلى كائنات لا دليل عندهم على وجودها؛ وهذا برهان عظيم على بطلان الشرك. لقد اخترع الوثنيون في تأييد الشرك شتى الأمور الفلسفية التي يحتار أمامها ضعاف العقول بعض الشيء، فيصعب عليهم التمييز بين التوحيد والشرك؛ ولكن الدليل الذي ذكره القرآن هنا سهل الفهم جدًّا، ويبلغ من القوة بحيث إنه يُبطل الوساوس الفلسفية كلها. وإليكم بيانه:فَلْنَدَع المبحث الأصلي جانبًا وهو: هل يمكن أن يكون هناك أكثر من إله واحد، لأن احتمال وجود الشيء أمر، وأما وجوده بالفعل فشيء مختلف تمامًا؛ فلنسلِّمْ – جدَلاً – أن وجود أكثر من إله ممكنٌ، ولكن هذه الإمكانية لا تُثبت أن ذلك الإنسان أو الصنم المعيَّن الذي اتخذه الناس إلهًا مع الله تعالى هو بالفعل إله حق، بل لا بد من تقديم الأدلة على كونه من الآلهة الحقة التي افتُرض وجودها. فالله تعالى يتحدى الكفار قائلا: خُذوا أيًّا من آلهتكم وقدِّموا ما في أيديكم من أدلة على كونه إلـهًا بالفعل؛ وحيث إنكم لا تملكون أي دليل على كون أي من آلهتكم إلهًا حقًّا فكيف تستطيعون بالحجج الفلسفية الهروبَ من قبول التوحيد. هذا الدليل يبلغ من القوة بحيث لا يقدر أي من المشركين مقاومتَه. لنفترض أنه من الممكن أن يكون هناك أكثر من إله، ولكن كيف ثبت بذلك أن “كالي” أو “رام” أو “كرشنا” أو المسيح أو غيرهم أيضًا آلهة في الواقع. كلا، بل لا بد من تقديم الأدلة على ذلك الزعم، وهذا ما لن يقدر عليه أي من المشركين أبدًا. إنهم يسوقون دائمًا بعض الأمور الفلسفية أثناء الحوار دعمًا للشرك، ولكنهم لم ولن يستطيعوا أبدًا تقديم أي برهان معقول على كون شركائهم آلهةً بالفعل؛ ذلك لأن تقديم الأدلة الفلسفية على الشرك أمرٌ، وإثباتُ كونِ الشيء الضعيف إلهًا بالبرهان أمرٌ آخر تمامًا.

ولكن هذا الاستدلال ليس بسليم، ولا بأس بهذا التعبير، إذ هو من قبيل التعابير المَلَكية، والغرض منه إظهار الجلال والهيبة؛ فمثلاً يقول الأب لابنه أحيانًا: إن أباك يأمرك بهذا، ولا يُفهم منه أبدًا أنه ينفي كونه أبًا له، وإنما يريد التأكيد والشدة.

والله تعالى قد أوجد بحكمته الكاملة كثيرًا من البراهين الدالة على ضعف كل ما اتُّخذ من دونه إلهًا، وهذه البراهين تبلغ من القوة بحيث إذا سمعها أي مشرك تبخرتْ من رأسه نشوةُ الكبرياء والغطرسة على الفور.لقد ذكرتُ هذا المعنى باعتبار ضمير الجمع للغائب في لما لا يعلَمون عائدًا على المشركين. أما إذا كان الضمير عائدًا على آلهتهم فالمعنى أنه لا علم لهؤلاء الآلهة بما يعزوه إليها المشركون من صفات إلهية. فالأصنام والأنهار والجبال وغيرها من الأشياء التي يؤلّهونها إنما هي جماد لا شعور فيها؛ كذلك هو حال المسيح أو الحسين عليهما السلام، اللذَين ينسب إليهما بعضُ الناس الألوهيةَ قائلين إن المسيح أو الحسين هو الذي وهب لي كذا وكذا من النعم (إنجيل يوحنا 1: 1، وتحفة الاثنا عشرية، النسخة الفارسية ص 93-94)، مع أنه لا علم لهذين البريئَين بما يقال عنهما، إذ لم يدّع أي منهما في حياته بما نُسب إليه بعد وفاته.أما قوله تعالى تاللهِ لتُسئَلُنّ عما كنتم تفتَرون فليس معناه أنهم سوف يُسألون عن الافتراء مجرد سؤال، وإنما المراد أنهم سيحاسَبون ويعاقَبون عليه حتمًا. وهذا التعبير شائع لدى كل قوم وفي كل بلد تقريبًا.لقد قال بعض الجهلة: إن كلمة “تالله” – التي تعني: أحلف بالله – دليل على أن هذا القرآن ليس من عند الله تعالى، لأنه لو كان وحيًا منه لما قال عن نفسه تالله ، وإنما قال: بعزتنا وجلالنا (تفسير القرآن لـِ “ويري”).ولكن هذا الاستدلال ليس بسليم، ولا بأس بهذا التعبير، إذ هو من قبيل التعابير المَلَكية، والغرض منه إظهار الجلال والهيبة؛ فمثلاً يقول الأب لابنه أحيانًا: إن أباك يأمرك بهذا، ولا يُفهم منه أبدًا أنه ينفي كونه أبًا له، وإنما يريد التأكيد والشدة. وكذلك يقول الملك في بعض الأحيان: إن ملككم يأمركم بكذا، ولا يُفهم منه أبدًا أنه ينفي كونه ملكًا وأن الأمر صادر عن ملِك آخر.

Share via
تابعونا على الفايس بوك