عبد الله.. الانسان الكامل
  • من هو ذلك العبد الصالح الوارد ذكره في سورة الكهف؟

__

قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (الكهف 65)

شرح الكلمات:

نَبْغِ: أصلُه نَبغِي مِن بغاه إذا طلَبه (الأقرب).

التفسير:

أي أنهم سيدركون في تلك المرحلة أنهم قد أخطأوا إذ ما برحوا في سفرهم منفردين، مع أنهم قد تركوا مجمع البحرين وراءهم.

فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (الكهف 66)

التفسير:

اعلَمْ أن عبد الله هذا المشار إليه هنا هو سيدنا محمد ، إذ قد وُصف في القرآن المجيد بهذا اللقب في قول الله تعالى وأنه لـمّا قامَ عبدُ الله يدعوه كادوا يكونون عليه لِبَدًا (الجن: 20).. أي أنه حين يقوم للصلاة يزدحم الناس حوله.

بل يقول الصوفية إن مقام العبد هو أعلى المقامات وأرفعها، وأنه لم يبلغ درجة العبدِ الكامل إلا النبيّ الكريم .

كما أن النبيّ هو المقصود أيضًا في قوله تعالى آتيناه رحمةً من عندنا[، حيث يخاطبه الله تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين (الأنبياء: 108).

وهو المقصود أيضًا في قوله تعالى علّمناه من لدنا علمًا[، بدليل قوله تعالى للرسول في موضع آخر وعلَّمك ما لم تكن تعلَم وكان فضل الله عليك عظيمًا (النساء 114)، وهو المقصود أيضًا في قوله تعالى وعُلِّمتم ما لم تعلَموا أنتم ولا آباؤكم (الأنعام: 92).. أي قد أُوتيتم أيها المسلمون بواسطة هذا النبيّ علمًا لم يؤتَه الأولون – والبديهي أن موسى وعيسى عليهما السلام مشمولان في هؤلاء الأولين – وأيضًا في قوله تعالى للنبي وإنك لتُلَقَّى القرآنَ مِن لَدُنْ حكيم عليم (النمل: 7). ثم علّم الله تعالى نبيَّه الدعاءَ لطلب زيادة العلم فقال وقُل رَبِّ زِدْني علمًا .

قَالََ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (الكهف 67)

شرح الكلمات:

رُشدًا: الرُّشدُ الاستقامةُ على طريق الحق مع تصلُّبٍ فيه (الأقرب).

 

التفسير:

تعقد هذه الآية مقارنة لطيفة بين المقام الموسوي والمقام المحمدي حيث بيّنت أن المقام الموسوي تابع للمقام المحمدي، وأن المعارف المحمدية كشفت حقيقة أمور لم تقدِر المعارفُ الموسوية بيانها. وقد جاءت هذه المقارنة اللطيفة على شكل هذا الحوار والمصاحبة بين موسى وعبد الله هذا.

قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (الكهف 68)

 التفسير:

أرى أن مضمون هذه الآية يشير إلى قوله تعالى لموسى : لن تراني حيث بيّن أنه من المستحيل أن تبلغ الكمالاتُ الموسوية سموَّ الكمالات المحمدية، وأن أمة محمد أشد صبرًا وجلدًا من قوم موسى الذين عجزوا عن تحمُّل المحن والشدائد في سبيل الدين كما تحمَّلها المسلمون.

كما تشير هذه الآية إلى أن المسيحيين وإن كانوا تحمَّلوا المصاعب البدنية دهرًا إلا أنهم عجزوا أمام الاختبارات العِلمية، حتى شكا المسيح نفسه من بلادتهم الفكرية قائلاً: لا أحد أدرك مقامَه الروحي حق الإدراك. نقرأ في الإنجيل أنه في العام الأخير من سني حياته الفلسطينية قبيل حادثة الصليب سأَل المسيحُ أقربَ تلاميذه إليه بُطرُسَ: ماذا تقول الناس عني؟ فلما أجاب: أما أنا فأعتقد أنك أنت هو المسيح، فرِح جدًّا من جوابه (متى 16: 13-19). هذا يكشف أن الحواريّين أنفسهم ما كانوا مستعدّين ليصدّقوا أنه هو المسيح المزمع قدومه، بل كانوا يعدّونه كواحد من الأنبياء، لذلك فرِح المسيح من إيمان بُطرس.

كما تكشف لنا هذه الآية البونَ الشاسع بين طبيعة محمد وطبيعة موسى عليهما السلام. ففي حين نجد موسى يستعجل في السؤال، نجد رسول الله يلزم الصمت التامّ حتى يكشف الله عليه كل أمر من عنده.

وهذا الفرق عينه يوجد بين أمّتَي النبيَّين. نقرأ في التوراة أن بني إسرائيل وجّهوا إلى موسى السؤالَ إثر السؤال. أما قوم النبيّ فنجدهم على النقيض من ذلك تمامًا، حيث يقول الصحابة رضي الله عنهم: كنّا ننتظر بفارغ الصبر أن يأتي أعرابي فيسأل رسولَ الله سؤالاً، فنسمع أيضًا جوابه (البخاري: العلم). وكأنهم كانوا يتحلون بالوقار والصبر وضبط النفس لدرجة تمنعهم من توجيه السؤال إليه . وإلى ذلك أشار الله تعالى في قوله أم تريدون أن تسألوا رسولَكم كما سُئل موسى من قبل (البقرة: 109).. أي هل يريد بعض منكم أن يكونوا كثيري السؤال إلى نبيّهم مثل قوم موسى الذين كانوا يدفعونه إلى أن يسأل الله عند كل صغيرة وكبيرة. ولكن الصحابة تحلَّوا بالأدب دائمًا امتثالاً لأمر الله. وأما النبيّ فكان في كل أمر يسمع لما يوحي الله إليه، وإذا لم ينـزل الوحي لم يسأل عن شيء بل تمسك بأهداب الصبر، عملاً بالتوجيه الرباني لـه ولا تَعجَلْ بالقرآن مِن قبل أن يُقضَى إليك وحيُه وقُلْ رَبِّ زِدْني عِلْمًا (طه: 115).. أي دَعْ وحيَ القرآن ينـزل إليك في حينه، ولا تسأل قبل أن يوحى إليك، وادعُ ربك أن يزيدك علمًا.‍

وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (70)

 شرح الكلمات:

لم تُحِطْ به خُبْرًا: يقال أحاط به علمًا أي أحدق علمُه به من جميع جهاته وعرَفه (الأقرب).. فالمعنى: لم تَعلَمْ ذلك الشيءَ من جميع جهاته.

 

التفسير:

هذه الآية إشارةٌ إلى أن إدراك العلوم المحمديَّة يكون صعبًا في الحقيقة على أتباع السلسلة الموسوية، لأن هذا الدين سيأتي بكثير من القضايا الجديدة، والحق أن قبول كل أمرٍ جديد يصعب جدًّا على من يزعم أنه من أهل العلم، ولذلك نجد الكفارَ، الذين كانت قلوبهم بمثابة لوح خال من الكتابة، آمنوا به بسرعةٍ، ولكن اليهود والنصارى، الذين كان عندهم الكتاب، حُرموا من الإيمان؛ لأن كل أمر خالف فيه الإسلامُ شرعَهم تسبب في نفاد صبرهم، فكانوا يقعون في الابتلاء. ولهذا السبب نفسِه حُرمت اليهود من الهدى في عهد المسيح أيضًا، بينما دخلت الأقوام الأخرى في دينه تباعًا.

قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (71)

 التفسير:

يظهر من هذه الآية أيضًا أن هذه الواقعة كشف، لأن موسى نبيّ مستقل، فما كان لـه أن يقول لشخص – أيًّا كان – إنه سيطيعه في الأمور الروحانية.

وفي هذه الآية إشارة إلى أن كلَّ من أدرك عهدَ النبيّ من الأمة الموسوية وجبت عليه طاعته . وإلى هذا يشير الحديث الشريف: «لو كان موسى وعيسى حيَّينِ لما وَسِعَهما إلا اتِّباعي» (تفسير ابن كثير، سورة آل عمران قوله تعالى: وإذ أخذ اللهُ ميثاق النبيين).

قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (72)

 شرح الكلمات:

أُحْدِث: أَحْدَثَه: ابتدَأَه (الأقرب).

 

التفسير:

أي أن ذلك العبد سمَح لموسى بمرافقته في السفر بشرط أن لا يبدأه بالسؤال عن شيء حتى يبيّنه هو بنفسه.

الغريب أن موسى الذي أُخذ منه العهد بعدم السؤال لم ينفك يوجه سؤالاً تلوَ سؤال، ولكن محمدًا رسول الله الذي لم يأخذ منه جبريل عهدًا كهذا، لما تمثل لـه الشيطان والدنيا خلال الإسراء، ونهاه جبريل عن السؤال أطاعه طاعة كاملة ولم يسأله عن شيء (ابن جرير: سورة الإسراء). وهذا أيضًا يكشف لنا البونَ الشاسع بين مكانة النبيَّينِ عليهما السلام.

Share via
تابعونا على الفايس بوك