أين العدل وأين الأمانة فيكم؟
  • حب الدنيا أبرز أسباب الإعراض عن المبعوث السماوي.

 ___

أيها الناس، قد خُلقتم لمعرفة إلهكم الصادق وخالقكم الحقيقي ومعبودكم الحق وحبه وطاعته. فما لم يتجلَّ فيكم هذا الأمر الذي هو الغاية المنشودة مِن خلقكم فأنتم بعيدون كل البُعد عن النجاة الحقيقية. لو أنصفتم لشهدتم على حالتكم الباطنية أن وثنا ضخما لعبادة الدنيا بدلا من عبادة الله ماثل أمام قلوبكم دائما، وتسجدون له آلاف المرات على الدوام. وإن أوقاتكم الثمينة مشغولة في قيل الدنيا وقالها لدرجة لا تجدون فرصة لرفع العين إلى جانب آخر مطلقا.

هل تدبرتم مرة بمآل هذا الكيان المادي؟ أين العدل وأين الأمانة فيكم؟ أين فيكم ذلك الصدق وخشية الله والإخلاص والتواضع الذي يدعوكم القرآن إليه؟ لم تفكروا مرة حتى في السنوات الخالية أيضا أن لكم إلها. لا يخطر ببالكم قط ما حقوقه عليكم. الحق أنكم ما أنشأتم أية صلة أو آصرة بذلك القيوم الحقيقي، بل يتعذر عليكم حتى التفوه باسمه.

قد تخاصمونني في هذا وتقولون إن الأمر ليس كذلك قط، ولكن قانون الله في الطبيعة يجرِّمكم إذ يبيِّن لكم أنه لا توجد فيكم أمارات المؤمنين. إنكم غارقون في أفكار ومشاغل دنيوية وتدّعون الفطنة وصواب الرأي فيها بكل قوة ولكن فطنتكم ومعرفتكم وبُعد نظركم يقتصر على الدنيا فقط، ولا ترون بفطنتكم هذه شيئا من العالَم الآخر الذي خُلقتْ أرواحكم للاستقرار فيه للأبد. قد اطمأننتم بالحياة الدنيا كما يطمئن أحد بشيء يبقى إلى الأبد، ولا تذكرون ولا مرة واحدة في الحياة العالَم الآخر الذي أفراحه دائمة وجديرة بالاطمئنان. أيّة شقاوةٍ هذه أنكم غافلون تماما وأغمضتم عيونكم عن أمر مهم وتركضون ليل نهار بكل قوتكم طمعا في أمور آنيّة ومؤقتة! تعرفون جيدا أنه يوشك أن يأتي عليكم حتما وقت يقضي على حياتكم وكافة أمانيكم دُفعة واحدة، وإنها لشقاوة عجيبة أنكم لا تزالون تهدرون أوقاتكم في طلب الدنيا وحدها وأنتم تعلمون. وإن طلبكم الدنيا لا يقتصر على الوسائل المشروعة فقط بل اعتبرتم جميع الأمور غير المشروعة أيضا بدءًا من الكذب والخديعة إلى القتل بغير حق حلالا. ثم تقولون مع كل هذه الجرائم المخجلة المنتشرة فيكم إنكم لستم بحاجة إلى النور السماوي والسلسلة السماوية بل تعادونهما أيما معاداة.

(فتح الاسلام ص 41 و42)

Share via
تابعونا على الفايس بوك