القرآن الكريم كتاب تصحيح المفاهيم

القرآن الكريم كتاب تصحيح المفاهيم

التحرير

  • بعض أمثلة للمفاهيم الموروثة التي بحاجة إلى تصحيح.
  • كيف تتحول المفاهيم الخاطئة إلى صنم يعبده الناس طيلة قرون؟
  • وكيف نتأسى بسنة النبي الخاتم (ص) في تعاملنا مع كل مفهوم موروث؟

__________

في العرف الإسلامي الحنيف، يُقدَّم القرآن الكريم كمدونة للشريعة الإسلامية القادرة على استيعاب مستجدات العلم ومستحدثات العصر، حتى شاعت العبارة القائلة بأن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، منذ نزولها على خاتم النبيين، نبي الإسلام .

وصحيح تمامًا أن القرآن الكريم ليس كتابًا مختصًا بفرع بعينه من فروع العلوم الإنسانية المعاصرة، من تاريخ وفلك وفلسفة وطب وما إلى ذلك، غير أنه مع كونه كتاب تشريع في المقام الأول، قد مست بركاته سائر الموضوعات الكونية، بِبُعدَيها المادي والروحي، وبشكل إعجازي منقطع النظير في سائر الكتب والشرائع السالفة، فنزل ذلك الكتاب المبين مميطا اللثام عن حقائق العلوم ومبادئها.

والنهل من معارف الوحي المتنزل على أنبياء الله تعالى ومحدَّثيه يضعنا أمام اعتقاد، أو لنقل «فرضية»، مفادها أنه حتى ثوابت المفاهيم عرضة للانحراف بمضي الوقت، ولقد عُنيت كلمات الوحي بتصحيح المفاهيم المغلوطة والسائدة على المستويين المادي والروحاني كليهما.

والمفاهيم الخاطئة في حياة الأمم تتخذ وضعا صنميًّا، بمعنى أن المفهوم الخاطئ حين يطال العقيدة، ويمضي عليه ردح من الزمان، يمسي كصنم يُعبد. لقد كان من سنة النبي العدنان تكسير الأصنام، وقد قال في حديث له مشهور:

«فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»(1)،

وصحيح أن لهذا القول النبوي مناسبة خاصة، إلا أننا لا نجد حرجًا في توسيع معنى ما أراده النبي بلفظ «سنتي»، فسنته هي أسوته العملية التي ظلت معمولا بها في الأمة باستمرار(2). إذن فكما كسَّر حضرته يوم فتح مكة الأصنام المنصوبة في الحرم، فعلينا أن نتأسى به ونحتذي، ونكسر أصنامنا كذلك، وهي أصنام لا من حجر، ولكن من فِكَر. والمؤمنون في أية عقيدة تصيبهم بمرور الوقت آفة عقائدية تتمثل في سوء فهمهم القائل بأن الآيات مجرد معجزات بنات وقتها، تحدث لبيان صدق نبي، وسرعان ما ينقضي خبرها وينصرف المتفرجون، ثم لا يبقى من تلك المعجزة سوى أسطر تتناقلها الأسفار حتى تتحول هي نفسها إلى أساطير، فتمسي دواعي شرك بعد أن كانت دلائل تنزيه وتوحيد لله رب العالمين. بينما الآيات في حقيقتها علامات صدق، والعلامة إنما اكتسبت صفتها من بقائها واستمرار وجودها حينا من الزمان، بحيث تكون حجة سواء على الحاضر المشاهِد، أو الغائب المبلَّغ. من هذا المنطلق ينادي بعض المتدينين من أصحاب التوجه العقلاني بضرورة إعادة النظر في فهم الآيات عن بكرة أبيها ولأننا، كمسلمين أحمديين، وُفقنا بفضل الله ومنته إلى نفض تراب التقليد، والمفاهيم الموروثة، فإن القرآن لا تنقضي عجائبه، بينما هو لدى غيرنا مجرد تراث قديم، فحاشاه! وتكفينا في هذا المقام وصية المسيح الموعود ناصحا إيانا قائلا: «اُتلوا القرآن الكريم بتدبر وتفكر وإمعان نظر. ورد في الحديث الشريف: «رُبَّ قارئ يلعنه القرآن».. أي هناك كثير ممن يقرؤون القرآن ولكن القرآن يلعنهم. الذي يقرأ القرآن ولا يعمل به هو الذي يلعنه القرآن. فإذا مرّ المرء أثناء تلاوة القرآن بآية رحمة فعليه أن يسأل الله من رحمته، وإذا مرّ بآية تذكر نزول عذاب على قوم فعليه أن يستعيذ بالله من عذابه. وينبغي تلاوة القرآن بالتدبر والإمعان، كما يجب العمل به».

إذن فكما كسَّر حضرته يوم فتح مكة الأصنام المنصوبة في الحرم، فعلينا أن نتأسى به ونحتذي، ونكسر أصنامنا كذلك، وهي أصنام لا من حجر، ولكن من فِكَر. والمؤمنون في أية عقيدة تصيبهم بمرور الوقت آفة عقائدية تتمثل في سوء فهمهم القائل بأن الآيات مجرد معجزات بنات وقتها، تحدث لبيان صدق نبي، وسرعان ما ينقضي خبرها وينصرف المتفرجون، ثم لا يبقى من تلك المعجزة سوى أسطر تتناقلها الأسفار حتى تتحول هي نفسها إلى أساطير، فتمسي دواعي شرك بعد أن كانت دلائل تنزيه وتوحيد لله رب العالمين

إن واقع المسلمين المعاصر مازال يتخبط في دوامة المفاهيم الموروثة، ما دام هنالك من مازال يسمى العدوان كفاحًا، والقتل جهادًا، والرأي الآخر ارتدادًا! هكذا سُفّه جوهر الفكر الإسلامي ومبدؤه العقائدي ليصير مبدأ كهنوتيًا منفردًا في عصر تستميل فيه التيارات الفكرية المنافسة والمعادية للإسلام الناس في كل العالم بشعارات الحرية الفكرية والعقائدية واحترام الرأي الآخر. إن فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية يحمل في مضمونه العام حركة إصلاحية فكرية عالمية تسد حاجة العصر بمنهج العلم لا الدعاية، وبأسلوب الإقناع لا الإخضاع، وبالحجج التي يسوغها العقل ويؤيدها المنطق في كل ما يهم ويخص العقيدة الإسلامية وفروعها، وهذا من أفضال الله تعالى. وتحديثا بأنعمه الروحانية الفياضة التي وهبها سبحانه منذ أزيد من قرن لمؤسس جماعتنا حضرة الإمام المهدي   خادم دين سيده وسيدنا محمد المصطفى . إننا في (التقوى) لسان حال الفكر الإسلامي الأحمدي ندعو جميع الفعاليات المثقفة المستنيرة المنادية بإعادة تنقيح الفكر الإسلامي على أسس جديدة وإلى دراسة مضمون فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية من مصدرها الأصلي وذلك وفق مرجعية فكر مؤسسها الذي أوكل الله إليه هذه المهام الإصلاحية العظيمة في الإسلام، ونحن واثقون تمام الثقة أن عصارة فكر الأحمدية وعطاءات خلفائها الأطهار فيها خلاص وأمل للكثيرين وجدوا فيها بغيتهم باعتبارها مناعة للكيان الفكري والروحي للأمة المسلمة، تلك الأمة التي أرهقتها وصفات وتنظيرات المدراس الفكرية بما لا يفيد ولا يقي!

ويأتي عدد مجلة التقوى لهذا الشهر، أكتوبر 2022 حاملا بين دفتيه دفقات من تصحيح المفاهيم العلمية والعقائدية والفكرية، ففي باب تصحيح المفاهيم العقائدية، ثمة مقال في دحض اعتقاد البعض في مسألة مس الجن، ومقال آخر عن الجبرية والإرادة الحرة، والدور الذي تلعبه إرادتنا في تشكيل مصيرنا وفي واسطة عقد العدد، خطبة أمير المؤمنين يعرض فيها حضرته (أيده الله) قبسات من سيرة الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه،  والذي قال في حقه سيدنا المسيح الموعود : وكان  بشوكته سُلَيمـانَ وقتهِ   وجُعلتْ له  جِنُّ  العِدا كالمسخَّرِ(٦)

ليكون هذا العدد ككل عدد، خطوة نحو الأمام في سبيل تصحيح مزيد من المفاهيم، وتحطيم مزيد من الأصنام.

الهوامش:

  1. (صحيح البخاري، كتاب النكاح) 2. انظر: فقه المسيح، ص
  2. المسيح يحيي الموتى لا الأموات، مجلة التقوى، يناير 2018
  3. (جريدة الحكم ج 11، عدد 8، ص 15، 10 مارس 1907)
  4. «قرن جديد ومطالب التجديد»، افتتاحية التقوى ديسمبر 1999م.
  5. مرزا غلام أحمد القادياني، كتاب “سر الخلافة”، القصيدة في مدح أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم.
Share via
تابعونا على الفايس بوك