خواطر مع "الجن"

خواطر مع “الجن”

ضحى أحمد

ضحى أحمد

  • من أولئك الجن الذين وفدوا على النبي (ص) مذعنين؟

__

توضّأ بالطهارة وأولج بالنقاء، واطرق الباب وادخل تاركًا خلفك أثواب البشرية، وانظر ببصيرة غائصًا في أعماق الآيات الكريمة، فالدر مكنون، ونَيْله بالغوص مرهون،.. وإليك  أحوال الجن كما يبينها الله تعالى، إن كنت من الطالبين، وبتطلع حقيقة أمرهم من المفتونين..

فيوضح سبحانه وتعالى أن أصحاب هذه المرتبة الجن كما تقدمهم سورة سُمِّيَت باسمهم، أي سورة الجن، هم صنف من الناس علموا أنّ القرآن الكريم يهدي إلى الرّشد فآمنوا به. وهم لا يشركون بالله الواحد الأحد، والشرك هو عكس التوحيد، وبه يبتعد الإنسان عن باب الرب الواحد المتفرد ويطرق أبواب الآخرين طالبًا منهم قضاء الحوائج، غافلًا عن أن باب الرب يمنح بقوة فردانيته ووحدانيته ما لا يمنحه الآخرون.. والعارفون بحقيقة التوحيد هم فقط من اتخذوا الله تعالى معلمهم الأول ومنبع فيوضهم. وذنب الشرك هو الوحيد الذي لا يُغتفر، لأنه  كالشَّرَك لصاحبه، والشرَك هو الفخ المنصوب، أو ما نسميه «المصيدة»، للإيقاع بالطرائد أو ما شابه. المشرك إذن يجعل نفسه فريسة للشيطان، إذ يقع في مصيدة سوء أعماله، حيث لا يُحمد نتائجها وعواقبها، فتكون مُهلكة بذاتها.

فالتوجه لابد أن يكون خالصًا لوجه الله الواحد ولرسالته الحية وهي كتاب الله تعالى، ولاتباع سبيل من أناب إليه لمن شاء أن يصل ويكون من الموحدين.

والله سبحانه المنزه عن كل صاحبة وزوجة وولد، ويرى الموحدون أن الرب هو المربي الواجب الالتجاء إليه.

وفهموا أن تسليم العقل لمن عداه خطأ فادح، وهو الشرك بعينه، وأن من أشركوه مع الله لم يزدهم إلا إرهاقا، فهو جاهل طائش متعطش للمادة، بعكس الرب الحقيقي، الذي يتولى تربية عباده وتنميتهم وتزكيتهم.

لقد تيقن هؤلاء الجن العقلاء أن من يلجأ إلى غير الرب الواحد ليخلصه من نقصه سيُرهق أكثر.. فصار لجوؤهم إلى الله وحده، منبع علومهم وموضع ثقتهم المطلقة.

والأتباع ومن أشركوهم مع الله يشتركون معا في عدم اليقين بفكرة البعث..البعث هو إحياء كل نفس تقربت لله تعالى فنفخ فيها من روحه وأعاد لها الحياة وبعثها من مرقدها فكانت حية ساعية مستنيرة وصارت مبعثًا للخير والصلاح.

وعلموا أن عوام الناس ودهماءهم سيحاربون الموحدَ الذي لا يشرك مع الله أحدا، أي لا يستقي علومه من الآخرين، بل من المنبع والأصل وهو الله تعالى. هؤلاء هم الموحدون بحق كالأنبياء وأتباعهم الكُمل والمجددون والمقبولون .

ولقد  تبين لهؤلاء الجن العقلاء أن النقاء والصفاء والعلم والرقي متوفر، لا يطاله إلا من طلبه بجهد، وأن الحقيقة موجودة  ولا يمكن إخفاؤها رغم المحاولات، ومن يريدها ويسعى لها سعيها يصل إليها، وتبين لهم أنها محروسة جيدًا لا ينالها كل من هب ودب، وسينال عقابه كل من يحاول تشويهها.

ويتحدث هؤلاء الجن العقلاء عن أنفسهم، وأنهم كانوا من قبل قوما يسترقون السمع، فيتنصتون ويتلصصون على أخبار النبوءات المستقبلية من هنا وهناك، فيظهروا على جانب من الغيب الآن لا يفلح إلا من يستمع جيدًا للمصدر والمنبع والأصل، ويتأدب بآداب الاستماع، فهذا من ستتجلى عليه الحقائق والعلوم.

تيقن الجن العقلاء من أن إعجاز الله لا يظهر وعظمته لا تتجلى للمرء وهو مُخلِد إلى الأرض، فمن أراد الحقائق العليا فليعلُ لها وليترفع عن الدنايا والصغائر.

لقد تيقن الجن من أنهم بعد إيمانهم الحقيقي بالله تعالى لن يؤثر عليهم أحد أو يرهقهم أو يبخسهم حقهم.

لقد أدرك الجن العقلاء ما يميزهم، إنه إيمانهم وتسليمهم لربهم، فقسموا جنس الجن قسمين: المسلمون والقاسطون،  فالجن المسلمون هم من تحروا الحق والرشد والصواب والعلم والتفكير والتدبير ولم يفرطوا في جنب الله تعالى. أما القاسطون فهم حطب نار أوهامهم وأفكارهم.

وعلم الجن العقلاء أن الصبر والاستقامة على الطاعة وإسلام الوجه لله يؤدي بصاحبه إلى الشرب من معين الوحي وتلقي الكشوف الصادقة والرؤى المتحققة ما سيجعله يُدمن على هذا الجمال الذي سيعجبه ويدهشه.

وعلموا أن عوام الناس ودهماءهم سيحاربون الموحدَ الذي لا يشرك مع الله أحدا، أي لا يستقي علومه من الآخرين، بل من المنبع والأصل وهو الله تعالى. هؤلاء هم الموحدون بحق كالأنبياء وأتباعهم الكُمل والمجددون والمقبولون .

وهم عارفون أن الناس سيظهرون على الموحد الحقيقي وسينقسمون إلى صنفين لِبَدا (كثر) صنف معه يقبله ويأخذ عنه ويؤيده، وصنف ضده سيحاولون إسكاته، إن لم نقل قتله… فإما محاولة قتل مادي أو معنوي بوأد أفكاره  أو تشويهها.وفي الواقع يكون كل الصالحين عرضة لمحاولات القتل، سواء كانت محاولات قتل مادية مع سبق الإصرار والترصد، أو قتلا معنويا بطمش الحقائق وتشويهها وتلفيق التهم والافتراءات وإثارة الشبهات.

وتمضي بنا آيات «الجن» لتبين أن الناقل لعلوم الله والحقائق بعد ما جاهد وهُدي إلى السبيل يُعلن هذا المهتدي أنه لا يملك للآخرين إلا أن يبلغهم ما  قال الله تعالى وما آتاه من رسائل منه.. وسيبقى العاصي يتقلب في نار الحمق والجهل والشرك وفي نهاية المطاف سيعلم العاصي لمن تكون العزة والنصر، ومن هو الفائز بتأييد الله.

Share via
تابعونا على الفايس بوك