صفات وأعمال الجن في القرآن الكريم
• التفصيل اللغوي لمعنى الجن
• الملائكة والشياطين والجن عند مختلف الشعوب والثقافات• المفهوم عند المسلمين التقليديين
• رأي الجماعة الإسلامية الأحمدية
• تفصيل مواضع ذكر الجن في القرآن.
__
وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (28)

شرح الكلمـات:

الجانّ: جَنَّ عليه الليلُ يجُنّ جَنًّا وجُنونًا: ستَره وأظلَمَ عليه. جَنَّ الليلُ: أَظلمَ واختلطت ظُلمتُه. وجَنَّ الجنينُ في الرحم: استتر. والجانُّ: اسمُ فاعل؛ واسمُ جمعٍ للجِنّ؛ وحَيّةٌ بيضاءُ كَحْلاءُ العينِ لا تؤذي (الأقرب). والجانّ أبو الجنّ. (التاج).

السَّموم: سَمَّ الطعامَ يسُمّ سَمًّا: جعَل فيه السمَّ. وسَمَّ الأمرَ: سبَره ونظَر غَورَه. وسَمَّتِ الريحُ سُمومًا: أحرقتْ. والسَّمومُ: الريح الحارّة. وقال أبو عبيدة: السَّموم بالنهار وقد تكون بالليل. وقيل: السَّموم: الحر الشديد النافذ في المسامّ (الأقرب). والسموم عند ابن عباس: نار لا دخان لها (البحر المحيط).

بالنظر إلى المعاني المذكورة أعلاه يعني السَّموم: الشيء الذي ينفذ إلى شيء آخر بطريق دقيق ويؤثر فيه، ومنه سُمي السمّ الـذي يسري إلى داخل جسم الضحية عبرَ العروق فيقضي عليها بسرعة، وهناك من السموم ما يؤثر حتى بالشمّ والمسّ.

التفسـير:

وكما سجّلنا آنفًا فإن الجن تعني لغةً: كل شيء يغطي الشيءَ الآخر ويستره أو يُظلِم عليه؛ أو كل شيء مظلم أو مستتر عن الأعين.

وتعني الجن عرفًا: كائن يظل مستترًا عن أعين البشر إلا أن يظهر بنفسه على أحد. والاعتقاد بوجود كائن كهذا سائد في العالم عمومًا. فهناك من الأمم التي تعتقد بأن الملائكة نفسها تصبح شريرة، لذلك فالملائكة عندهم نوعان: نوع خير وهو عام، ونوع شر وهو الجن والشياطين.

يقول الهندوس أن هناك نوعين من الأرواح التي لا تُرى وهما “غندهروا” و”أبسرا”. والأُولى أرواح برية، والثانية أرواح بحرية؛ وباتصال الاثنتين خرج النسل الإنساني في شكل “ياما” وأُخته “يامي” التي خُلقتْ معه توأَمًا، فكانا أول زوج إنساني.

وتقول الفكرة الهندوسية أيضًا أن أرواح “غندهروا” لها أرض منفصلة وخيل خاصة، وأن موطنها هو ما وراء نهر السند، وأن مدينة “تيكسلا” أيضًا تقع في الأراضي الغندهروية. (الموسوعة البريطانية، كلمة: غندهروا وأبسرا)

والفكرة نفسها توجد لدى الزرادشتيين مع شيء من الاختلاف، إذ يعتقدون بوجود إلهين: إله الخير واسمه “أهرمزد”، وإله الشر واسمه “أهرمن”. ولإله الخير جندٌ يمكن تسميته بالملائكة بحسب مصطلحنا، كما لإله الشر أيضًا جندٌ يمكن تسميته بالشياطين وفق مصطلحنا. (المرجع السابق كلمة ديمن)

ونجد عند اليونان أيضًا فكرة وجود الأرواح بنوعين: أرواح الخير وأرواح الشر، حيث كان أتباع فيثاغورس وأفلاطون يعتقدون بوجود كائنات غير مرئية بعضها خيّرٌ وبعضها شرّير.

وأما اليهود فيعترفون بوجود كائنات غير مرئية باسم الملائكة والشياطين والأرواح الشريرة، وهي مذكورة في صحف موسى . فقد جاء ذكر الملائكة في حلم يعقوب حيث قيل: “ورأى حلمًا، وإذا سُلّمٌ منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء، وهو ذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها.” (تكوين 28:12)

وذُكر الشيطان في التوراة في قصة آدم ، حيث قام الشيطان بإغوائه وحوّاء، فأكلا من الشجرة الممنوعة (تكوين 1: 3- 5). علمًا أن التوراة تذكر هنا اسم الحية، ولكنها تعني الشيطان. وإطلاق الحية على الجن أو الأرواح الخبيثة هو من التعابير القديمة حيث تسمَّى الحية في اللغة العربية “الجانّ”. بينما يعتقد الهندوس واليونان أن بعض الحيات تكون من صنف الجن.

وأما الأرواح الشريرة فقد ذكرتها التوراة كما يلي: “ذبحوا لأوثانٍ* ليستِ الله.. لآلهةٍ لم يعرِفوها.. أحداثٍ قد جاءت من قريب لم يرهَبْها آباؤكم”. (تثنية 32: 17)

وليس المراد من الشياطين هنا إلا الأرواح الشريرة، ذلك أن التوراة تعلن بأن هذه الشياطين أحداث.. أي أنها غريبة عن بني إسرائيل، أما الشياطين فكان بنو إسرائيل يعرفونها.

وعلاوة على التوراة، فإن الروايات اليهودية أيضًا قد ركّزت على ذكر الجن خاصّةً. يقول الرِّبِّيّ اليعاذر الشركي بأن الجن يسكنون في المناطق الشمالية. وورد في الميغاتي بأنهم يطيرون كالملائكة. وورد في التلمود “شبات” أن الجن يتصلون بأُناس، وأنهم قادرون على سماع أخبار السماء. (الموسوعة اليهودية تحت Demonology)

وأما المسيحية فتحتل لديها الأرواح الشريرة مكانة خاصة، لأن الأناجيل تعتبر عمليةَ طرد يسوع المسيح للأرواح الشريرة من أهم معجزاته، بل تقول إن الحواريين لم يزالوا يطردون الأرواح الشريرة بعد المسيح أيضًا. ويبدو من بيان الأناجيل وكأن الجن في تلك الفترة ثاروا بشكل غريب، حيث كانوا يستولون على أهل كل قرية ومدينة، وفي بعض الأحيان كانوا يستولون على المئات من البشر. (متى 8: 6 – 28 ومرقس 1: 32 – 34)

وأما المسلمون فيعتقدون عمومًا أن الأرواح غير المرئية ثلاثة أنواع: الأول: الملائكة التي هي أرواح خيّرة كلها، وهناك من يرى أن بعض الملائكة تصبح شريرة مثل هاروت وماروت، ومثل إبليس الذي كان في أول الأمر ملَكًا. والثاني: الشياطين وهي كلها شريرة. والثالث: الجن التي بعضها خير وبعضها شر، وأنها تستحوذ على الناس، وأنه باستخدام بعض الحيل يمكن القبض عليها وتسخيرُها في الأعمال. (معالم التنـزيل: سورة البقرة؛ والقرطبي: سورة الجن؛ وتاج العروس)

وفيما يتعلق بظاهر الكلمات فقد ذكر القرآن الكريم بالفعل كلاًّ من الملائكة والشياطين والجن، وأن بعض الجن خيّر وبعضها شرّير، وذلك كقولهم: منّا الصالحون ومنّا دون ذلك (الجن:12). كما يتضح من القرآن الكريم أنهم يخضعون للبشر ويعملون لهم، حيث ورد عن سيدنا سليمان ومِنَ الجِنِّ مَن يعمَلُ بين يديه بإذنِ ربِّه (سبأ: 13). ويبدو من القرآن أن بعض الجن آمنوا بسيدنا موسى ونبينا الكريم (انظر سورة الأحقاف: 30 – 33).

وورد في الأحاديث أيضًا أن وفدًا من الجن جاء لملاقاة النبي . (مسلم: كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة)كما تذكر الأحاديث أن رسول الله قال: “لا تستنجوا بالرَّوث ولا بالعظام، فإنه زادُ إخوانكم من الجن”. (الترمذي: أبواب الطهارة؛ وأبو داود: كتاب الطهارة)

فالجن: كل شيء أو روح أو إنسان يستر غيره أو يبقى هو بنفسه خفيًّا عن الأعين عمومًا. ولما كان هذا الفعل يصدر عن أشياء وكائنات كثيرة فلذلك أُطلقت هذه التسمية في المصطلح الإسلامي على أكثر من شيء أو كائن.

وقال العلامة السندهي بأن الإمام أبا حنيفة يرى أن ثواب صالح الجنّ هو السلامة من العذاب فحسب، ولكن الإمامَين مالك والبخاري يريان أن ثوابهم السلامة من العذاب مع الفوز بالجَنة. وتحدث ابن العربي عن إجماع المسلمين على أن الجن يأكلون ويشربون وينكحون. (مجمع بحار الأنوار، تحت “جنن”)

وعندي أن كلمة (الجِنّ) قد وردت في القرآن الكريم والحديث الشريف بمدلولات عديدة تدور كلها حول معنى الساتر أو المستتر. فالجن: كل شيء أو روح أو إنسان يستر غيره أو يبقى هو بنفسه خفيًّا عن الأعين عمومًا. ولما كان هذا الفعل يصدر عن أشياء وكائنات كثيرة فلذلك أُطلقت هذه التسمية في المصطلح الإسلامي على أكثر من شيء أو كائن.

لقد ذكر القرآن الكريم الجن بالمواصفات التالية في المواضع الآتية:

أ- لقد خُلق الجنّ من نار السَّموم. (كما ورد في هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها)

ب- لقد خُلقوا من الشعلة ذات اللهب الشديد من النار: وخَلَقَ الجانَّ مِن مارِجٍ مِن نار (الرحمن:16)

ج- قال إبليس لله تعالى: خلقتَني مِن نار وخلقتَه من طين (الأعراف: 13 وص: 77).

د- وقال الله تعالى عن إبليس كان مِن الجن ففسَق عن أمر ربه (الكهف:51).. مما يعني أن كون إبليس ناريَّ الطبع راجع إلى كونه من الجن.

هـ- الجن يملكون قوى شهوانيةً أيضًا حيث قال الله تعالى عن حُور الجَنة: لم يَطْمِثْهنَّ إنْسٌ قبلهم ولا جانٌّ (سورة الرحمن:57).. لم يَطْمِثْهن: أي لم يمسسهن.

و- قال الله في سورة الرحمن لدى الحديث عن الحساب فيومئذ لا يُسأَل عن ذنبه إنسٌ ولا جانّ (الآية: 40).. أي يومئذ لن يُسأل الناس ولا الجن عن ذنوبهم، بل سوف يحيطهم دمار شامل من جراء الذنوب.

ز- لقد خُلقوا من أجل عبادة الله وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدونِ (الذاريات:57)

ح- يقول المشركون بأن للجن قرابة ونَسَبًا مع الله تعالى: وجعلوا بينه وبين الجِنّة نَسَبًا (الصافات:159)

ط- لقد اتخذ المشركون الجنَّ شركاء مع الله سبحانه: وَجَعَلُوا للهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وخَلَقَهم وخَرَقُوا لـه بَنِينَ وبَناتٍ بغير عِلْمٍ (الأنعام: 101). كذلك ورد عنهم أن الله تعالى سوف يسأل الملائكة يوم القيامة: هل كان المشركون يعبدونكم؟ فيجيبون: بل كانوا يعبُدون الجنَّ (سبأ: 42)

ي- تقوم طائفة من الجن بإغواء الناس وتضليلهم: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (الناس: 6-7).

وكذلك قال الله تعالى: وقال الذِينَ كفَروا رَبَّنا أَرِنا الّذَينِ أَضَلّانا مِنَ الْجِنِّ والإنسِ نَجعَلْهما تحتَ أقدامِنا ليكُونا مِن الأسفَلين (فُصِّلتْ:30)

ويخبرنا الله أيضًا: وكذلك جَعَلْنا لكلِّ نبيٍّ عدوًّا شياطِينَ الإِنسِ والجِنِّ يُوحِي بعضُهم إلى بعضٍ زُخْرُفَ القولِ غُرُورًا (الأنعام:113) وكذلك قال الله تعالى يا معشرَ الجِنِّ قدِ استكثَرتم من الإنسِ (الأنعام:129)

ك- يدخل الجنُّ الجحيمَ: قال ادْخُلُوا في أممٍ قد خَلَتْ مِن قبلكم مِن الجِنِّ والإِنسِ في النّار (الأعراف:39)

وقال الله تعالى في موضع آخر: أولئك الذين حَقَّ عليهمُ القولُ في أُمَمٍ قد خَلَتْ مِن قبلهم من الجِنِّ والإنسِ إنهم كانوا خاسرين (الأحقاف:19).. أي أن الكفار أيضًا سينضمون إلى طوائف الناس والجن التي خلت قبلهم وأُقيمت الحجة عليهم فاستحقوا النار، وكانوا من أهل الخسران.

وقال أيضًا: وحَقَّ عليهم القولُ في أُمَمٍ قد خَلَتْ مِن قبلهم مِن الجِنِّ والإنسِ إنهم كانُوا خاسرين (فُصّلت:26)

وقال الله تعالى ولقد ذَرَأْنا لِجهنّمَ كثيرًا مِن الجِنِّ والإِنسِ لهم قلوبٌ لا يفقَهون بها ولهم أعيُنٌ لا يُبصِرون بها ولهم آذانٌ لا يسمَعون بها (الأعراف:180)

ل- يلوذ بعض الناس بالجن: وأنه كان رجالٌ مِن الإِنسِ يعوذُون برجالٍ مِن الجِنِّ فزادوهم رَهَقًا (الجن:7)

م- الجن يعملون لبعض الناس: وحُشِرَ لِسليمانَ جُنودُه مِن الجِنِّ والإنسِ والطَّيرِ (النمل:18)؛ وكذلك قال الله تعالى: ومِن الجِنِّ مَن يعمَل بين يديه بإِذْنِ ربِّه (سبأ:13)؛ وقال أيضًا: قال عِفْريتٌ مِن الجِنِّ أنا آتِيك به قبلَ أَن تقُومَ مِن مَقامِك (النمل:40).. أي آتيك بعرش ملكة سبأ.

ن- ليس بوسع الجن أن يصنعوا كتابًا مثل القرآن الكريم: قُلْ لَئِنِ اجْتمَعتِ الإِنسُ والجِنُّ على أن يأْتُوا بمِثْلِ هذا القرآنِ لا يأْتُون بمثْلِه ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظَهيرًا (الإسراء: 89)

س- حضر الجنُّ مجلسَ النبي وسمعوا القرآن: وإِذْ صَرَفْنا إليك نَفَرًا مِن الجِنِّ يستمِعون القرآنَ فلمّا حضَروه قالوا أَنْصِتوا فلمّا قُضِيَ وَلَّوا إلى قومهم مُنذِرين (الأحقاف:30)، وقال تعالى في موضع آخر: قُلْ أُوحِيَ إليَّ أنهُ اسْتمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فقالوا إِنا سَمِعْنا قرآنًا عَجَبًا (الجن:2)

ع- لقد آمن الجن بالنبي حيث يقول الجن عن القرآن إنه: يَهدِي إلى الرُّشْدِ فآمَنَّا به ولن نُشرِكَ برَبِّنا أَحَدًا (الجن: 3)

هذا ما سجّله القرآن الكريم عن الجن من ص، وهي – عندي – تؤكد أن تسمية الجن قد أُطلقت في القرآن على عدة أشياء: (يتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك