لب فلسفة الدعاء
التاريخ: 2013-03-15

لب فلسفة الدعاء

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • كيف يتحقق جواب الدعاء وما هي مواقيته المناسبة؟
  • الدعاء وقت السراء وضرورته
  • نحن بحاجة إلى الدعاء وليس الله
  • لماذا نحب المسيح الموعود؟!
  • عاقبة من يعادي إمام الزمان
  • الدعاء في مواجهة العداء والمعارضين
  • لا تتخلوا عن اهداب الله أبدًا
  • ضرورة الصبر لاستجابة الدعوات

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (المؤمنون: 106-112)

لقد شرحتُ لكم في مستهل الخطبة الماضية انطلاقا من مقتبس من كلام المسيح الموعود ما هو الدعاء، وكيف نحرز السلوان والطمأنينة بالدعاء، وما هي فلسفة الدعاء وكيف ينبغي أن ندعو، أي ما هو معيار الدعاء الذي يجب أن يتخذه المؤمن.

الحقيقة أن القرآن الكريم نفسه قد تناول فلسفة الدعاء هذه وروحه، وبيَّنها لنا سيدُنا المسيح الموعود بما تلقاه من العلم من الله. وفي هذا الخصوص هناك بعض الأقوال الأخرى لحضرته ، وهي موجزة، إلا أنها تبين الطرق والأساليب للاطلاع على حقيقة الدعاء التي إذا عمل بها الإنسان فاز بالقرب الإلهي وأدرك مغزى الدعاء. فقد قال حضرته في مجلس: إن إجابة الدعاء تتطلب من الإنسان أن يُحدث في نفسه تغييرا طاهرا، فإذا كان لا يستطيع اجتناب السيئات ويتعدى حدود الله فلا يبقى في الدعاء أي تأثير. ثم يقول حضرته في موضع آخر: لإنشاء العلاقة بالله هناك حاجة ماسة للتفاني، ونحن ننصح أبناء جماعتنا مرارا أن يتمسكوا بذلك، لأنه ما لم ينشأ الحماس الطبعي في الطباع والتفاني بعد الانقطاع عن الدنيا وما لم يفتر حبُ الدنيا في القلوب، لا يتحقق الثبات.

فإذا كنا تريد أن توطد صلتنا بالله، وتتحقق أمانينا الطيبة ونرى مشاهد خيبة آمال الأعداء. فلا بد أن نركز على عبادة الله تعالى ونسعى لنكون عابدين حقيقيين له سبحانه.

أي الحماس الطبعي يُنشئ العلاقة بين الله وعبده ويقوّيها، فيجب علينا أن نهتم بهذا الحماس الطبعي والالتفات التام إلى الله، وهذا الحماس الطبعي هو الآخر لا ينشأ إلا بفضل من الله، وبالدعاء. ثم يقول حضرته في موضع آخر:

إذا ركز الإنسان في الدعاء متوجها إلى الله ينشأ فيه تأثير خارق، لكن تذكروا أن الدعاء يتمتع بالإجابة بفضل من الله وحده، وللدعاء وقت معين، فكما يتمتع وقت الصباح بميزة لا تتمتع بها أوقات أخرى، كذلك للدعاء أيضا مواقيت ينشأ فيها له تأثير وقبول. كل عمل ينجزه الإنسان صباحا حين يكون منتعشا، تظهر له نتائجُ رائعة، (وليس كمثل الناس في العصر الحاضر الذين يبيتون الليل كله أو يقضون وقتا طويلا منه جالسين أمام الحاسوب مستخدمين الانترنت أو التلفاز، ويشتغلون في أمور دنيوية، ولا ينامون وقتا كافيا، وحين يستيقظون صباحا كيف يمكن أن يصلّوا ناعسين، وأي بركة تحدث في أعمالهم الأخرى؟ فكل إنسان سواء كان روحانيا أو ماديا يحب أن ينجز أعماله المهمة حين يكون منتعشا لكيلا يفقد التركيز والاهتمام، لتظهر لعمله نتائجُ ممتازة)، فعليكم أيضا أن تبحثوا عن مواقيت ممتازة للدعاء تحدث فيها الكيفية التي يجاب فيها الدعاء.

ثم يقول سيدنا المسيح الموعود في موضع: إن الله يرحم من يخاف في الأمْن خوفَ مَن حلَّت به المصيبة. فالذي لا ينسى الله في الأمن لا ينساه الله في المصيبة، أما الذي يقضي أيام الأمن بترف وحين تحل به الشدائد ينصرف إلى الدعاء فلا تُجاب أدعيتُه. فحين ينزل العذاب الإلهي يغلق باب التوبة، فما أسعده مَن ينشغل في الدعاء قبل نزول العذاب الإلهي، ويُخرج الصدقات، ويعظّم الأوامر الإلهية (أي يسعى ليستجيب لأوامر الله بمنتهى الاحترام والعزة) ويُشفق على خلْق الله، ويتقن أعماله، فهذه هي أمارات السعادة، فالشجرة تُعرف بثمارها وكذلك تسهل معرفة السعيد والشقي أيضا.

أي أن الأعمال الحسنة للسعيد تشبه الثمرة اللذيذة الحلوة، التي بتذوقها يقول الجميع: إن هذه الشجرة تحمل ثمارا حلوة، أما الشقي فلا يؤدي حقوق الله ولا حقوق عباده، فمثله كمثل شجرة تحمل ثمارا مرة ذات رائحة كريهة.

فهذه بعض المقتبسات التي تناولتُها لكي نزداد معرفة بإنشاءِ الصلة بالله، ولكي نتعرف إلى طرق الدعاء وأساليبه، ولكي يحصل لنا الالتفات إلى إصلاح أنفسنا، وننتبه إلى الأعمال الصالحة نتيجة ملاحظة الفرق بين الحسن والسيئ، ونلتفت إلى الدعاء باتخاذ الأسلوب الصحيح له، ولكي نكون من الذين ينالون حظا من حسنات الدنيا والآخرة، ولكي ننال أفضال الله في تحقيق الأهداف على الصعيد الشخصي وعلى صعيد الجماعة.

هذا هو المضمون المهم الذي يجب أن يستوعبه ويعمل بحسبه المسلمُ الذي آمن بالمحب المخلص للنبي ونال سعادة مبايعة إمام الزمان المسيحِ الموعود والإمامِ المهدي، لكي يتبين الفرق بين المؤمن الحقيقي ومدّعي الإيمان، ويتضح علنا مَن هو المؤمن الحقيقي ومن ذا الذي يدّعي الإيمان فقط. علينا أن نستوعب جيدا موضوع الدعاء الذي تناوله القرآن الكريم بالتفصيل في آيات عدة. ولذلك هناك حاجة لننظر إليه بنظرة المسيح الموعود كما قلتُ سابقا، لكي نهتم بالدعاء بعد استيعاب حكمة الدعاء وفلسفته وأسلوبه، وليس ذلك فحسب بل ينبغي أن نسعى لتظهر لأدعيتنا نتائجُ جيدة. أي ينبغي أن نقوم بدعاء يؤدي إلى نتائج، لأن الحياة دون ذلك عديمة الجدوى، فالإنسان بحاجة إلى أدعية مؤثرة لتحسين حياته، فلا يُهم الله أن نعبده أم لا أو نسأله شيئا أم لا. فنحن نحتاج إلى الدعاء المؤدي إلى النتائج بحسب ما أمَرَنا الله . أما الله فليست له أي حاجة إلى أي شيء، فهو الغني، ولذلك أمرَ النبيَّ أن يعلن:

قُلْ مَا يَعْبَؤا بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ (الفرقان: 78).

يقول المسيح الموعود : العابد الكامل هو الذي ينفع الآخرين. وهناك تصريح آخر أيضا في هذه الآية وقد زِيدَ الأمرُ شرحا وأُعلن للناس أن الله لن يبالي بكم لو لم تدعوه. أو يمكن القول بكلمات أخرى أنه تعالى يهتم بالعابدين فقط، ويعبؤا بالذين يدعونه، ويعبدونه. فإذا كنا نريد أن توطَّد صلتنا بالله، وتتحقق أمانينا الطيبة ونرى مشاهد خيبة آمال الأعداء. فلا بد أن نركز على عبادة الله تعالى ونسعى لنكون عابدين حقيقيين له سبحانه. ندعو الله تعالى أن يوفقنا لذلك فنكون عابدين حقيقيين لله تعالى، ويخلق فينا روح العبادة الحقيقية لنرى بأم أعيننا عاقبة الأعداء الوخيمة. إن قلوب الذين يعادون المسيح الموعود – في باكستان وفي بعض المناطق في الهند – مليئة بالبغض والشحناء والعداوة إلى أقصى الحدود ويُظهر الأعداء دناءتهم في بعض القرى الصغيرة في بعض البلاد الأفريقية أيضا، مع أنّ المشايخ المزعومين في باكستان يحتلون رأس القائمة في هذا المجال ولا يتركون فرصة تفلت من أيديهم لارتكاب أعمال منحطة ودنيئة للغاية ضد المسيح الموعود للإساءة إليه وتجريح قلوب المسلمين الأحمديين. الحق أن الأحمديين يحبون المسيح الموعود ويخلصون له لأنه المحب الأعظم للنبي . هذه هي الجريمة الوحيدة التي يرتكبها الأحمديون! السبب الوحيد وراء حبنا للمسيح الموعود وإخلاصنا له هو أنه خلق في قلوبنا في هذا الزمن الحبَّ الحقيقي لسيدنا محمد . ونحب المسيح الموعود لأننا أدركنا حقيقة التوحيد بواسطته هو . فالذين يتجاوزون الحدود في عداوة المسيح الموعود فليعلموا أنهم يبارزون المحب الصادق للنبي الذي ينادي بوحدانية الله تعالى، ويتصدون لعبد يهتم به الله تعالى، وكما يقول المسيح الموعود بأن الله تعالى يهتم بالذي يعبده، ولا يوجد في هذا الزمن عابد لله تعالى أعظم من سيدنا المسيح الموعود . لقد رأينا عاقبة الأعداء في السابق ونراها في هذه الأيام أيضا. تحدث الأحداث من هذا القبيل في باكستان أيضا أن الله تعالى بطش بأسلوبه وطريقته بالذين يستخدمون لسانا بذيئا ضده وكان بطشه هذا عبرة للكثيرين ولا يزال عبرة وسيكون عبرة في المستقبل أيضا. يرى الراءون في بعض الأماكن في باكستان أيضا – ولكنني لن أذكر لحكمة أسماء تلك الأماكن التي حدثت فيها مثل هذه الأحداث- كيف بطش الله تعالى بالذين أطلقوا لسانا بذيئا ضد المسيح الموعود وأساءوا إليه. كان هناك بعض من سليطي اللسان الذين كانوا يُعدّون أتقياء وورعين ظاهريا ولكن بُطِشَ بهم في أثناء ارتكابهم جرائم شنيعة، وقد بطش بهم أولئك الذين كانوا يحسبونهم صالحين كبارا ثم أخرجوهم من مناطقهم بعد أن أهانوهم وأخزَوهم بشدة. وقد أخزى الله تعالى بعضا بأسلوب آخر وأخجل مؤيديهم من ناحية، ومن ناحية أخرى قوّى إيمان الأحمديين. لقد ارتكب بعض الذين يوجهون تهمًا سيئة إلى المسيح الموعود جرائم شنيعة وقاموا بتصرفات منحطة -كما يكتب إلي بعض الإخوة الأحمديين وتُنشر أفعالهم في الجرائد أيضا – لدرجة لا أستطيع أن أذكرها هنا.

قد قال له بعض اللائمين خلال هذه الفترة بأنك عبثًا تذكر يوسف، ولكنه ردّ عليهم بقوله: إني أعلم من الله ما لا تعلمون. لا شك أنه لم يكن يعرف شيئًا عن يوسف مع ذلك قال: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ (يوسف: 95). إنما كان يعلم أن فترة دعواته قد طالت، فلو كان الله تعالى سيحرمه من ثمرات الدعاء لأجابه سريعًا…

إن طرق تفكيرهم منحطة جدا وتصرفاتهم أيضا مشينة جدا، ثم يعادون إمام الزمان! إن أغلبية الناس في باكستان إما فقدوا الشعور نهائيا أو هم خائفون.كذلك يرى بعض الناس هذه الأحداث في بعض المناطق في الهند أيضا ومع ذلك لا يتعلمون درسا أن الخزي والهوان الذي يلاقيه هؤلاء المشايخ المزعومون سببه عائد إلى عداوتهم لمبعوث الله تعالى. ولو تأملوا في ذلك لكان في ذلك عبرة كافية لهم. وفي بعض البلاد الأفريقية، كما قلت آنفا، هناك عداوة متبادلة بين هؤلاء المشايخ، وعندما يرى الناس سلوك مشايخهم المنحط يميلون إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية. لقد انتشرت الجماعة الإسلامية الأحمدية في كثير من المناطق بهذه الطريقة؛ أي عرف الناس الحقيقة بعد مشاهدة تصرفات مشايخهم. إنهم يتعلمون درسًا من تصرفات المشايخ، ويبحثون عن الحق ويتحلون بشجاعة لقبوله. على أية حال، أريد أن أقول للأحمديين ألا يقلقوا نتيجة التصرفات الدنيئة التي يرتكبها هؤلاء المشايخ المزعومون. كتب إلي أحد الإخوة الأحمديين قبل بضعة أيام أن معارضة المسيح الموعود في منطقتهم بلغت الذورة بل تجاوزت الحدود كلها، والعدو عاقد العزم على ارتكاب كل نوع من الإساءة والبذاءة بحق سيدنا المسيح الموعود . إن الأعداء يشوهون صورة المسيح الموعود أو يسيئون إليها وبذلك يجرّحون قلوبنا، ولم نعد قادرين على احتمال ذلك بل عندما نرى هذه الوقاحة تكاد قلوبنا تنخلع. المعارضون يلصقون على الجدران لافتات مسيئة لدرجة أن بعض النبلاء من غير الأحمديين نزعوها من جدارن بيوتهم قائلين بأنها سيئة جدا وأن ملصقيها تجاوزوا كل الحدود في الإساءة والوقاحة. أضاف صاحب الرسالة وقال بأننا حين نرى هذه اللافتات تنهمر الدموع من عيوننا وتصعد صرخاتنا عفويا. كتبتُ إليه أن يصبروا ويركّزوا على الدعاء. لقد عُلِّمنا درسا أن نلجأ إلى الله تعالى دائما كلما ازداد العدو في عداوتنا ومعارضتنا. علينا أن نجعل هذا الدرس نصب أعيننا ونحاول أن نركّز على الدعاء أكثر من ذي قبل. وقد عُلِّمنا درسا للفناء في الله بتوطيد العلاقة معه أكثر فأكثر. إن هؤلاء الناس يجلبون الهلاك والدمار لأنفسهم. من المعلوم أن الذين يسيئون إلى مبعوثي الله تعالى يهلكون ويبادون دائما. وإن لم يرتدعوا عن تصرفاتهم هذه فسوف يسلطُ عليهم أيضا سيف الدعاء بإذن الله كما سُلِّط على ليكهرام من قبل. فعليكم أن تقدموا آلامكم ومعاناتكم وتضرعاتكم أمام الله تعالى ليجعل هؤلاء الأشرار عبرةً. لقد قال المسيح الموعود في مجلس في 19/4/1904م: “بينما كنت أدعو اليوم لجماعتي ولقاديان تلقيت الإلهام التالي: “ابتَعَدوا عن نمط الحياة، فسحقَهم تسحيقا.” قال حضرته: خطر ببالي لماذا نُسب إليّ فعل التسحيق في هذا الإلهام، وبينما أنا كذلك إذ وقع نظري على الدعاء المكتوب على واجهة بيت الدعاء منذ سنة وهو:“يا ربّ فاسمع دعائي ومزّق أعداءك وأعدائي وأَنْجِزْ وعدك وانصر عبدك وأرنا أيامك وشهّر لنا حسامك ولا تذر من الكافرين شريرًا.”المنكرون أنواع وهذا الدعاء يخص الأشرار جدًّا منهم الذين يبلغون الذِروة في شرورهم.قال حضرته: “لما رأيتُ هذا الدعاء فهمتُ من الإلهام أنه قد حان وقت استجابة دعائي.”ثم قال : “لقد جرت سنة الله منذ الأزل أنه يزيح الذين يحاولون عرقلة مبعوثيه. إن هذه الأيام لأيام فضل كبير من الله تعالى ويزداد الإيمان واليقين برؤية تلك الأمور التي يظهرها الله تعالى.”ولا يزال الله تعالى يري جماعة المسيح الموعود هذه المشاهد إلى هذا اليوم أيضا. فمن ناحية هم يسبون ويشتمون ومن ناحية أخرى تزدهر الجماعة وتحقق رقيًا ملحوظًا. لا شك أن كثيرًا من النبلاء أيضا يقطنون البلد وبعضهم كما وصفتُ يزيحون اللافتات المعادية للجماعة من جدران بيوتهم، ولكن نُبلَ معظمِهم أبكم، كما كان الخليفة الثالث رحمه الله يصف نبلَهم بأنه أبكم لا صوت له، ولكن الآن أخذت فئةُ المثقفين منهم الذين يكتبون في الجرائد الإنجليزية ترفع صوتها ضد هذا الظلم الذي تعدّى الحدود كلها. وإننا بحاجة إلى الإكثار من هذا الدعاء الإلهامي للمسيح الموعود حتى يُقضى على الأشرار ويتم إنقاذ البلد من الدمار، ولكي يُعصم من شرور الأشرار سكانُ البلد النبلاء إلى جانب الأحمديين. فهناك حاجة قصوى لكل الأحمديين للتحلي بالصبر والتركيز على الدعاء. لا شك أن هؤلاء الأشرار يكيدون لنا مكائد شتى في مدن ومناطق مختلفة ولكن إلهنا هو خير الماكرين، فإنه يرد مكائدهم في نحورهم، وهو الذي حفظنا من مكائدهم الخطيرة إلى الآن. فعليكم بالتشبث بأهداب الله تعالى دومًا وعدم التخلي عنه أبدًا. ولقد نبّهتُ الجماعة إلى هذا الأمر قبل فترة أيضا إذ قلت لهم إنهم إذا جعلوا أعمالهم متوافقة مع رضى الله تعالى وخضعوا أمامه مجتمعين فيمكن أن يحدث بذلك انقلاب عظيم خلال فترة بسيطة.قال المسيح الموعود بخصوص المثابرة على الدعاء:”في أحيانٍ كثيرة يحل بالإنسان ابتلاءٌ تلو ابتلاءٍ في فترة ما بين الدعاء واستجابته. وفي بعض الأحيان تكون تلك الابتلاءات قاصمة للظهر، ولكن السعيد والصابر على هذه المحنِ والمصاعبِ يشتمُّ في ثناياها أيضا شذى أفضال الله تعالى، ويرى بعين الفِراسة أن النصر آتٍ بعدها حتما. ومن الأسرار الكامنة في الابتلاءات أنها تدفع المرء إلى الدعاء بحماس مفرط، لأنه بقدر ما يزداد الاضطرارُ والاضطرابُ بقدر ما تذوب الروح، الأمر الذي يُعَدُّ من دواعي استجابة الدعاء. إذًا، يجب ألا يقلق الإنسانُ أبدا ولا يسيء الظن بالله تعالى نتيجة القلق وقلة الصبر. يجب ألا يظن أحد أبدا أن دعاءه لا يستجاب، أو لن يستجاب. إن هذا النوع من الوهم يُعدُّ رفضا لصفة الله “مجيب الدعوات”. (الملفوظات، ج4، ص434)أي أن مثل هذه الأقوال وتفكير الإنسان إنما هو بمنـزلة إنكاره لصفة الله مجيب الدعوات بطريقة غير مقصوده. فواجبنا الآن هو الثبات والمثابرة على الدعاء والتركيز عليه وفق شروطه التي ذكرتُ بعضَها من خلال مقتبسات من كلام المسيح الموعود ، وينبغي أن نكون على يقين تام دائمًا بأنه لا يمكن أن يخطئ قول الله تعالى إذ يقول:

أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (البقرة: 187)

أي إذا قمتم بالدعاء بكل شروطه فإنني سأستجيبه، فلا داعي لليأس أبدًا؛ مع العلم أن الله تعالى قد جعل لاستجابة الدعاء وقتًا معينًا. إذا كان كل ابتلاء يؤدي بنا إلى الخضوع أمام الله تعالى فسنرى استجابة الدعوات أيضا بإذن الله تعالى. أقدم الآن مقبتسًا آخر للمسيح الموعود يقول فيه:”تذكروا أنْ لا أحد ينال فيوض الدعاء ما لم يوصل الصبر إلى منتهاه، وما لم يداوم على الدعاء بصبر وينبغي أن لا يسيء الظن بالله أبدا، وأن يؤمن بأنه صاحب كل قدرة وإرادة ثم يواظب على الدعاء بصبر، فسيأتي زمان يسمع الله فيه دعاءه ويجيبه، وإن الذين يستخدمون هذه الوصفة فلن يواجهوا الحرمان والشقاوة، بل سوف يفلحون في مرامهم بالتأكيد. لا حصر لقدرات الله وقواته، فقد سنّ سبحانه وتعالى قانونا لبلوغ الإنسان الكمالَ وهو أن يصبر طويلا، فلا يبدِّل سنته وإن الذي يريد أن يغير الله تعالى قانونه هذا من أجله فكأنه يسيء إلى الذات الإلهي، ويتجاسر عليه. ثم يجب أن تتذكروا أن بعض الناس يتركون الصبر ويريدون أن تتحقق آمالهم مثلما يقوم به المشعوذ، فأقول إن الذي لا يصبر فلن يضر الله شيئا بعجلته، بل سيتضرر هو نفسُه، فليستعجل وليلاحظ أين المفر.”ويقول حضرته: “انظروا، عندما فُرِّق عن يعقوب ابنُه الحبيب يوسفُ عليهما السلام جراء كيدٍ شريرٍ من إخوته، ظلّ يعقوبُ يدعو للقائه طيلة أربعين سنة. فلو كان مستعجِلا لما أسفر دعاؤه عن أية نتيجة تُذكر، إلا أنه ظل يدعو لأربعين سنة مؤمنًا بقدرات الله تعالى إلى أن استجلبت دعواتُ أربعين عامًا يوسفَ إليه. لقد قال له بعض اللائمين خلال هذه الفترة بأنك عبثًا تذكر يوسف، ولكنه ردّ عليهم بقوله: إني أعلم من الله ما لا تعلمون. لا شك أنه لم يكن يعرف شيئًا عن يوسف مع ذلك قال:

إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ (يوسف: 95).

إنما كان يعلم أن فترة دعواته قد طالت، فلو كان الله تعالى سيحرمه من ثمرات الدعاء لأجابه سريعًا، أما الآن فقد طالت فترة الدعاء هذه فلا بد أنه دليل على استجابته، وذلك لأن الكريم لا يحرم السائل إذا جعله ينتظر مدة طويلة، بل لا يمكن لأبخل الناس أن يفعل ذلك، إذ إنه أيضا يعطي السائل شيئًا إذا جعله ينتظر على عتبة بابه مدة.”أما دعاؤنا واضطراب قلوبنا فليس نابعًا عن تعرضنا لعداوة شخصية وإنما تنجرح أفئدتنا وصرنا هدفًا للمظالم لأننا آمنا بإمام هذا الزمان، وصدّقنا بحبيبه الذي بعثه في هذا العصر. فلا شك أننا نتحمل كل هذا الأذى والاضطهاد في سبيل الله تعالى. وما دمنا نتحمله لوجهه سبحانه وتعالى فلا بد أن يستجيب لأدعيتنا بإذنه. إن ازدهار الأحمدية المطرد لدليل قاطع على أن الله معنا. وكما قلت آنفًا، فإن الأعداء كانوا ولا يزالون يمكرون مكرًا كُبّارًا، ولكن الله تعالى كان ولا يزال يحبط مكرهم في مواطن كثيرة. لا نواجه هذه المعارضة في باكستان فقط، بل نواجهها في بلاد كثيرة، ومع ذلك لم يتوقف تقدم جماعتنا. لما ذهبتُ إلى البرلمان الأوروبي سألني ممثل جريدة قائلا: ما هو عددكم مقارنة بالمسلمين الآخرين؟ فخطر ببالي أنه بعد معرفة عددنا سيوجه إلي سؤالا آخر ويقول: ما دام عددكم ضئيلاً لهذه الدرجة فما قيمة جهودكم التي تبذلونها لنشر هذا التعليم الداعي إلى السلام في العالم؟ فتذكرتُ على الفور جوابًا ردَّ به الخليفةُ الثالث رحمه الله على أحد الصحفيين في مؤتمر صحفي في أوروبا، حيث سأله: ما هو عدد المسلمين الأحمديين؟ فأجاب حضرته: إن الشخص الذي كان وحيدًا قبل 93 عامًا قد صار الآن عشرة ملايين تقريبًا، فيمكنك أن تقوم بالحساب لتعرف كم سيكون عددنا بعد 93 عامًا أخرى. فقلت أنا أيضًا لهذا الصحفي: لقد مضتْ على جماعتنا 123 عامًا، وقد وصل عددنا إلى عشرات الملايين، وسترى بعد فترة ليست بطويلة أن لجماعتنا نفوذا وتأثيرا كبيرين في العالم إن شاء الله تعالى. وبعد هذا الجواب قلت له: لعلك كنت تريد أن تسأل هذا، فهل اطمأننت بجوابي؟ قال: نعم، هذا الذي كنت أريد معرفته. غير أن علينا أن نتذكر أن نفوذنا لن يكون من أجل تحقيق المآرب المادية، إنما يكون مِن أجل إرساء حُكم الله في الأرض، ولنشرِ الحبّ والوئام في العالَم. فلا داعيَ أبدًا للقلق أو الخوف بأن اضطهادهم يمكن أن يحول دون إنجاز مهمتنا أو يعيق تقدمنا. كلا، فإن الله تعالى يُرينا مَشاهِدَ التقدُّم الذي تحرزه جماعتنا باستمرار، وليس ذلك فحسب، بل قد أنزل علينا السكينة بإخبارنا في القرآن الكريم بمصير الذين يوالون أحبّته وبمصير الذين يعارضونهم، والآياتُ التي استهللتُ بها خطبتي ترسم لنا مصير الفريقين في الآخرة حيث قال الله تعالى

قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ

فبين الله تعالى أولاً مصير الذين قد ابتعدوا عن نمط الحياة، فأخبرَ أنهم سيقولون عند انكشاف الحقيقة عليهم في الآخرة ربنا قد غلبتْ علينا شقوتنا حتى أدّت بنا إلى هذا المصير، فربنا ارجِعْنا إلى الدنيا فلن نعصيك ثانية أبدًا، وإلا لكنا من الظالمين. فيردّ الله عليهم: هذا ليس من نواميسي، لذا عليكم الآن أن تذوقوا العذاب، وابتعِدوا عني فإن مصيركم النار، فادخلوها، ولن أستمع لصراخكم وعويلكم. فالله تعالى إنما يستجيب لصراخ الصالحين الذين يقومون به في هذه الدنيا، ولكنه لن يستمع لصراخ الظالمين الذين يظلمون المؤمنين في الدنيا ثم يصرخون في الآخرة. هذا هو مصير الذين يعادون مَن يبعثه الله تعالى. فترون كيف أن الله الذي ينتظر كل حين أن يسأله عباده العفو ليعفو عنهم، سوف يرفض طلب هؤلاء الظالمين للعفو عنهم قائلا: لقد ولّى زمن العفو، وقد جئتمونا الآن، ولن تُجزَوا الآن إلا ما كنتم تعملون في الدنيا. لقد جئتمونا بعد أن قطعتم قلوب عبادي تقطيعًا، واضطهدتم عبادي المنيبين إلي والعاملين على إرساء عظمة ديني، وعرقلتم طريق من كانوا يعملون لرفع كلمتي، ولم تعيقوا طريقهم فحسب، بل بلغتم في ظلمهم المنتهى، وضحكتم وسخرتم من عبادي الذين كانوا ينطقون بشهادتي، بل سفكتم دماءهم، فأي عفو تطلبون مني. اليوم لا أسمع لكم، فاذهبوا وادخلوا جهنم التي هي مصيركم. ثم يقول الله تعالى: إن عبادي الذين آمنوا كما أمرتهم ووعدتهم هم الذين يستحقون اليوم أن أرحمهم وأستجيب لهم وأُدخلهم جنات رضواني. إن جزاء ما تعرّضوا له من اضطهاد في الدنيا أن أنظر إليهم نظرةَ حب ولطف، وأوَافيهم جزاءهم أضعافًا مضاعفة. سيقول الله تعالى: يا مَن ظلمتم عبادي وسخرتم منهم حتى تعاميتم في ذلك وتغافلتم عني، ونسيتم إعلاني بأن تجريح مشاعر المؤمنين عمدًا والاستهزاء بهم سيُدخلكم نار جهنم، ونسيتم عهدكم معي بأداء حقوق الله وحقوق العباد، فما دمتم قد نسيتم أوامري وغفلتم عن ذكري، وحرّفتم أحكامي بحسب أهوائكم، فلستم مني في شيء. لقد سلبتم المظلومين عقاراتهم، وأشعلتم النيران في مقتنياتهم، واستوليتم على ممتلكاتهم، وألحقتم الخسائر بتجاراتهم، وأكلتم أموالهم بغير حق إن كنتم شركاء في تجاراتهم، فهناك قائمة طويلة من جرائمكم، فليس مصيركم الآن إلا نار جهنم. هذا ما يعلنه القرآن الكريم، حيث سيقول الله تعالى لهؤلاء الظالمين لا تطلبوا مني اليوم العفو والرفق بأي شكل من الأشكال. أما الذين يؤمنون ويسألون الله تعالى الرحم والعفو، فيقول لهم لا شك أنكم اليوم من الفائزين الذين يشملُهم حبّي ورحمتي وعفوي، لأنكم صبرتم، وآمنتم ثم ثبتُّم عليه، ولم تفتأوا معي منيبين إليّ عابدين لي.هذا هو الفرق بين المؤمن والكافر على ضوء هذه الآيات. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يشملهم الله برحمته وعفوه، وأن يستر تقصيراتنا وزلاتنا كلها، وأن يوفقنا لكي نواظب على الدعاء بلا انقـطاع، ونكـون من الفائزين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك