وصايا أمير المؤمنين لتوديع القرن الأول من الخلافة واستقبال القرن الجديد

وصايا أمير المؤمنين لتوديع القرن الأول من الخلافة واستقبال القرن الجديد

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • بركات النبي المعظم
  • الغرض من بعثة المسيح الموعود
  • وعد حماية الله من شرور الأشرار
  • براءة المسيح الموعود من اتهامات المعاندين
  • نصرة الله تعالى للمسيح الموعود وتأييده
  • انتهاء الجهاد بالسيف الآن
  • الصلاة مخ العبادة
  • حقيقة الدعاء وضرورته
  • كيف يجب أن نصلي؟
  • قرة جديد على الخلافة الأحمدية (ادخلوه بالأدعية)
  • أدعية العيد المئوي للخلافة
  • بيان أهمية الدعاء بسورة الفاتحة
  • أهمية الصلاة على النبي وبركاتها
  • أهمية التسبيح بحمد الله وعظمته وطلب الصلاة على محمد وآله
  • أهمية دعاء “ربنا لا تزغ قلوبنا…”
  • حقيقة الاستغفار وأهميته

__

الخطاب الافتتاحي

الغرض من بعثة المسيح الموعود .. نشر تعاليم القرآن الكريم في العالم

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله  رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين (آمين)

قد اخترتُ لخطابي اليوم كلمةً ألقاها سيدنا المسيح الموعود في الجلسة السنوية عام 1907م، ولكني لن ألقيها بصورتها الكاملة لضيق الوقت؛ بل سأحاول تلخيص بعض الأمور التي بينها في خطابه والتي ما زالت ذات أهمية بالغة حتى اليوم، بل الحري بي القول إن المسيح الموعود والمهدي المعهود الذي هو ابن روحيّ وعاشق صادق للنبي الكريم قد بُعث حَكَمًا عَدْلاً في هذا الزمان، وإن شرحه لتعاليم الإسلام وأحكام القرآن المجيد ووصايا الرسول هو الشرح الذي سيهدي الناس إلى الصراط المستقيم إلى يوم القيامة ويوصل المؤمنين بالنبي الكريم صلةً حقيقية، ويهَب لهم فَهْمَ القرآنِ الكريم، ويقرّب العباد من ربهم ويربطهم به برابط شخصي، ويهَبهم عرفانَه . وليس هذا نتيجة ميزة شخصية في حضرته ، وإنما نال هذا الإنعام لحبه الشديد لسيدنا المصطفى .

يقول حضرته :

“عندما ننظر بعين العدل إلى سلسلة الأنبياء كلها نجد أن أشجعَهم وأعظمَهم حياةً روحانية وأكثرهم حبًّا وحظوةً عند الله تعالى هو شخص واحد فقط، ألا وهو سيد الأنبياء وفخر الرسل وتاج المرسلين كلهم، الذي اسمه محمد المصطفى وأحمد المجتبى ؛ والذي ينال المرء بالعيش في ظل أسوته لعشرة أيام نورًا لم يكن متيسرًا من قبل في ألف سنة….. فالوصية الأخيرة هي أننا قد وجدنا كل نور ببركة اتباع هذا الرسول النبي الأُمّيّ ، وكل من يتبعه يجد هو الآخر ذلك النورَ، ويصبح مقبولا بحيث لا يبقى أمامه أمر مستحيل، وسيصبح الإلهُ الحيُّ الخفيُّ عن أعين الناس إلهًا له، وسيُداس تحت أقدامه كل الآلهة الباطلة وتُسحَق، وسيكون مباركا في كل مكان، وتصاحبه قوى إلهية”. (سراج منير، الخزائن الروحانية المجلد 12 ص 82 و83 طبعة لندن).

هذا هو المفهوم الذي وهبه الله تعالى للمسيح الموعود فيما يتعلق بمعرفة ذات النبي الكريم ومكانته العالية ومعرفة ذات الله . لقد وجد هذا النور بواسطة رسول الله ، ثم نشره بين الناس ليستنير به أصحابُ القلوب الطاهرة والطبائع السليمة.

الغرض من بعثة المسيح الموعود

يقول حضرته :

“لم يُرسَل هذا العبد المتواضع إلا ليبلّغ خَلْقَ الله أنه ليس بين أديان العالم الموجودة كلها دينٌ حقٌ ارتضاه الله تعالى إلا الدين الذي قد أتى به القرآن الكريم، وأن باب الدخول إلى دار النجاة ليس إلا شهادة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. (حجة الإسلام، الخزائن الروحانية المجلد 6، ص 52 و53 طبعة لندن)

فإن حضرته هو الذي بُعث في هذا العصر في الدنيا ليعرّف أهلها برسول الله حق المعرفة، وليرسي وحدانية الله تعالى فيها. ألا وإن تأييد الله حليفه، وليس هناك أحد يقدر على تحقيق هذا الهدف غيره .

ثم يقول حضرته مبيّنًا هدف بعثة عيسى ومشيرًا إلى بعثته الثانية:

“وقد بُعث هذا العبد المتواضع أيضًا لنفس الغرض.. أي ليوضح أحكام القرآن الكريم إيضاحًا. والفرق الوحيد إنما هو أن ذاك المسيح قد أُعطيَ لموسى ، أما هذا المسيح فقد أعطيَ لمثيل موسى ، فثبتت بذلك المماثلةُ التامة بينهما. الحق والحق أقول إن الذين نالوا الحياة على يد المسيح الناصري قد ماتوا، ولكن الذي يشرب مِن يدي كأس الحياة التي أُوتيتُها فلن يموت أبدا. إن الكلمات التي تهَب الحياة والتي أتفوه بها، وإن الحكمة التي تخرج من فمي، لو قدر أحد على الإتيان بمثلها فاعلموا أني لست من الله . ولكن إن لم تجدوا هذه الحكمة والمعرفة التي هي بمنـزلة ماء الحياة للقلوب الميتة، عند أحد سواي، فلا عذر لديكم على جريمة رفضكم لهذا النبع الذي انبجس من السماء. لا أحد في الأرض يقدر على إغلاقه أبدًا، فلا تتسرعوا للمواجهة، ولا تتعمدوا مخالفة قول الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً . ولا تتجاوزوا الحدود في الشك وظن السوء كيلا تؤاخَذوا بأعمالكم، فتقولوا في ذلك المكان مكانِ الآلام الشديدة: مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ “. (إزالة أوهام، الخزائن الروحانية المجلد 3 ص 103 و104 طبعة لندن)

تطوُّر الجماعة المستمر وشكرُ الله تعالى

لقد نبّه حضرته في كلمته إلى ضرورة الشكر لله تعالى إذ أرشدنا إلى سبيل الهداية ووفّقنا لأن ندخل في هذه الجماعة. ثم أعلن حضرته أن نصر الله تعالى حليفه، وأن الدليل على ذلك ازدهارُ جماعته المستمر. يقول :

“انظروا، أولاً، إنه لمن دواعي الشكر لله – جل شأنه – أنه هدى قلوبكم ووفّقكم للانضمام إلى جماعتي رغم تكذيب الآلاف من مشايخ الهند والبنجاب لي وتسميتهم إياي دجالاً وكافرا. وإنه لإعجاز رباني كبير بأن هذه الجماعة لا تزال في ازدياد مطرد رغم فتاوى التكذيب والتكفير والجهود المضنية التي يبذلها المعارضون ضدنا ليل نهار. وأرى أن عدد جماعتنا الآن قد تجاوز أربع مائة ألف” – وهذا الكلام في زمن حضرته أي في عام 1907م – “إنها لمعجزة عظيمة حقًّا أن معارضينا يسعون جاهدين ويضعون بشقّ الأنفس خططًا شتى، ويبذلون كل ما في وسعهم للقضاء على جماعتنا، ولكن الله تعالى يزيدها أكثر وأكثر. هل تعلمون ما الحكمة في ذلك؟ الحكمة أن من يبعثه الله تعالى ويكون منه حقًّا فإنه يتقدم دائمًا وتزدهر جماعته يوما بعد يوم؛ وأن عدوه يُذَلّ ويُدمَّر باستمرار، وأن معارضيه ومكذبيه يموتون بحسرة شديدة في نهاية المطاف كما ترون، حيث هلك حتى الآن العشرات من الذين عارضونا وأرادوا القضاء على جماعتنا. لا أحد يقدر على أن يحول دون مشيئة الله التي هي مشيئته حقًّا ولو سعى كل السعي واحتال بألف حيلة. إذا أسس الله جماعة وأراد أن يزيدها فلن يستطيع أحد منعها؛ لأنه لو قدر على منعها لزم الاعتقاد أنه أصبح غالبًا على الله ، مع أن هذا محال”. (الملفوظات المجلد الخامس ص 374 طبعة جديدة).

نبوءة عظيمة وظهورها

قال المسيح الموعود : ومن معجزاتي وآيات صدقي أن الله تعالى أخبرني سلفًا في “البراهين الأحمدية” عن آلاف بل مئات الآلاف من الناس الذين يزورونني، ولقد أُرسل هذا الكتاب إلى مختلف البلدان. لقد بيّن أن هذه النبوءة ليست بسيطةً بل هي عظيمة الشأن. وكانت هذه النبوءة باللغة العربية وهي:

 “يأتيك مِن كل فجٍّ عميقٍ، يأتون مِن كل فجٍّ عميق. ينصرك الله مِن عنده. يرفع الله ذِكْرَك ويُتِمّ نعمتَه عليك في الدنيا والآخرة. إذا جاء نصر الله والفتحُ، وانتهى أمرُ الزمان إلينا. أليس هذا بالحق؟ وما كان الله ليتركك حتى يميز الخبيثَ من الطيب. فحان أن تُعانَ وتُعرَف بين الناس. إني ناصرُك، إني حافِظُك، إني جاعلُك للناس إمامًا.” (الملفوظات، المجلد الخامس ص 375 طبعة جديدة).

يقول حضرته :

“إنها كلماته (تعالى)، والمراد منها: أنك وحيد اليوم ولا شك، ولكن سيأتي عليك زمان لن تبقى فيه وحيدًا، بل سيأتي إليك الناسُ أفواجًا من أقاصي البلدان”. (الملفوظات، المجلد الخامس ص 375 طبعة جديدة).

يقول : هذا هو نص الوحي، ومعناه أنك وحيد الآن، ولكن سيأتي عليك زمان لن تبقى وحيدًا، بل سيأتيك الناس من بلاد نائية أفواجًا (المرجع السابق)

ثم يقول :

“قال الله تعالى: “ولا تصعِّرْ لخَلْقِ الله تعالى ولا تسأمْ من الناس”. يعني سيأتي إليك الخَلْقُ بكثرة، فلا تقلقْ من هذه الكثرة ولا تعاملهم بسوء الخُلق. عندما نُشر هذا الإلهام في “البراهين الأحمدية” كانت قاديان قرية غير معروفة، وكانت كبرية، لا يعرفها أحد. هل يستطيع أحد من الجالسين هنا أن يقول إنه كانت لها هذه الشهرة في ذلك الوقت؟” (الملفوظات، المجلد الخامس ص 375 طبعة جديدة).

يقول حضرته :

“إنكم -كلكم تقريبا – لم تكونوا تعرفون هذه القرية. فأخبِروني الآن، كيف يمكن لشخصٍ وحيدٍ مغمور – من دون إرادة الله – أن يدّعي قبل خمس أو ستّ وعشرين عاما بأنه ستأتي عليه أيام سيجيء إليه فيها آلاف الناس مع شتى الهدايا المختلفة، وسيذاع صيته في العالم أجمع؟ انظروا، إن الأنبياء الذين خلوا من قبل لم يكن لهم معجزات كثيرة، بل كان للبعض معجزة واحدة فقط. وإن المعجزة التي قد بيّنتُها لمعجزة عظيمة ثابتة من كل النواحي، ولا بد للمرء بعد ذلك أن يصدّق دعواي إذا لم يكن عنيدًا متعصبا”. (الملفوظات، المجلد الخامس ص 375و376 طبعة جديدة)…..

 لماذا اجتمع الأحمديون هنا من شتى بلاد العالم؟ لقد اجتمعوا هنا نتيجة القوّة القدسية للمسيح الموعود ، ومن أجل هذه الجلسة التي يجرى فيها ذكرُه وذكرُ الإسلام وذكرُ رسول الله وذكرُ الله تعالى. ثم هناك سبب آخر، وهو أنه برغم أن هذه الجلسات السنوية تُعقد في بلدان كثيرة أخرى، إلا أن الناس يأتون هنا بكثرة ليشتركوا في هذه الجلسة خاصة لأن مندوب المسيح الموعود (خليفتُه) يحضرها. إن قرية قاديان التي كانت مجهولةً قبل مائة سنة قد أصبحت اليوم محط أنظار للعالم. لقد جعلها معارضو المسيح الموعود شهيرة من خلال معارضتهم حتى عَلِمَ الناسُ من هو ميرزا غلام أحمد القادياني المسيح الموعود وما هي دعواه. ما كان بوسع سكان صحارى أفريقيا أو غاباتِها البعيدةِ، أو أهالي أوروبا وأمريكا أو أهل الشرقِ الأقصى والبلادِ الأخرى أن يتصوّروا أن يصل إليهم اسم قاديان القرية الصغيرة في البنجاب؛ أو أن يخطر ببالهم أن قلوبهم ستفيض بمشاعر الحب تجاه هذه القرية بسبب هذا الحبيب . لو كان هذا بمجهود البشر لما تكلّلت جهودهم بالنجاح أبدًا….

أليس كل واحد منكم آية بينة على صدق المسيح الموعود أخبر عنها بناء على وحي الله تعالى. والحق أن هذه النبوءة تتضمن وصية للخليفة أيضًا بأن هذه العملية ستستمر الآن إلى آخر الدهر، فعليه ألا يملّ من الذين يأتونه مندفعين بمشاعر المحبة، بل عليه أن يردَّ على محبتهم بمثلها. أسأل اللهُ تعالى أن يوفّقني أيضا لأن أردّ على محبتكم بالمحبة، بل أعامل أحبّاءَ المسيح الموعود   بحب أشدّ مِن حبّهم  لخلفائه.

إذًا فتلاوة القرآن وفهمه والعمل به هام جدا لتوطيد العلاقة بالله تعالى. فعلى كل أحمدي أن يهتم بهذا الأمر بقلق واضطراب…  ولم يُبعث المسيح الموعود

وعد الحماية من شرور الأشرار

ثم قال المسيح الموعود إن فتاوى التكفير والتكذيب ضدّنا – التي سبقت الإشارة إليها – ومعارضة أهل الديانات المختلفة لي ولجماعتي؛ قد أخبرني الله تعالى عنها مسبقًا وقال لي: لا تخف، لأن هذه الفتاوى والعداءات لن تضرك شيئًا. هذا وَعْدُ الله تعالى للمسيح الموعود حيث يقول :

“والغريب أن الله تعالى قد أخبرني عن معارضتهم وعدائهم من قبل… قائلا: “يعصمك الله مِن عنده وإنْ لم يعصمك الناسُ”.. أي أن الله تعالى بنفسه يتولى حمايتك ويحفظك من شرور الأشرار ومكائد الأعداء. سوف يبرئك الله تعالى من كل ما يرميك به الأشرارُ من تهم وبهتان، وإنْ لم يعصمك الناس ولم ينصروك. انظروا إلى عظمة هذه النبوءة التي قد تحققت فعلاً. إن الذي يبحث عن الحق لا بد له من أن يؤمن بها، أما الذي ليس بصادق فماذا نفعل من أجله، إذ لا دين لمن ليس بصادق. فما أعظمَ هذه المعجزةَ! حيث تحدى الله تعالى بأننا سنُنجز وعدنا مهما سعى الأعداء وبذلوا ما في وسعهم.” (الملفوظات، المجلد الخامس ص 377 طبعة جديدة).

البراءة من اتهامات المعادين

في حياته بُذلت الجهود لرفع قضايا شتى ضده، وتعرّضَ للاستهزاء والأذى، ورُفِعَت الشكاوى الباطلة إلى الحكومة لتوريطه في جرائم مختلفة، ولكن وعد الله تعالى تحققَ، وأصبحت براءته من كل التهم آيةً بيّنةً. فلا شك أن هذه الأمور تزيد كلَّ أحمدي إيمانًا.

واليوم أيضًا يقعد الأعداء بكل طريق بقصد المعارضة والمقاومة، ويتكلمون ضد المسيح الموعود بوقاحة وبذاءة، ويرمونه بشتى الأكاذيب والتهم، ولكن تصرفاتهم هذه نفسها تدفع كثيرًا من النفوس الطيبة إلى الانضمام إلى زمرة المبايعين له . إننا نرى اليوم أن جميع مكائد المعارضين ضد جماعته تبوء بالفشل الذريع كل حين.

إذًا فإن الله تعالى يُبرئ ساحته اليوم أيضًا من التهم الباطلة.

كان يُتهم في حياته بأنه أفتى بإلغاء الجهاد إرضاءً لهم لأنه كان غراس الإنجليز الذين أقاموه ليرفع الصوت ضد الجهاد كي لا يقدر الإسلامُ على الوقوف في وجه المسيحية. مع أن الواقع أنه لم ولن يستطيع أحد أن يداني “جَرِيَّ اللهِ” هذا في جهاده في كشف صدق الإسلام وتبليغ دعوته إلى أهل الأديان كلها. نعم، إنه أعلن بأمر الله تعالى وبحسب نبوءات رسول الله أن الجهاد اليوم ليس بالسيف بل بالقلم والأدلة والبراهين. فعليكم الآن بجهاد الدعوة والتبليغ، عليكم بجهاد العمل بتعاليم الإسلام الجميلة،  بدلاً من أن تشهروا السيوف وتقـوموا بقتل الناس وسفـك الدمـاء وإزهاق النفوس دونما تمييز بالعمـليات الانتـحارية.

الجهاد بالسيف قد انتهى من الآن

فترون كيف برّأه الله تعالى اليوم من هذه التهمة أيضًا،  فرؤساء البلاد الإسلامية والعلماء والمسلمون المثقفون أخذوا يعرِّفون الجهاد كما عرّفه المسيح الموعود . لقد قال في ذكر الجهاد: “ألا، لقد جئتُ إليكم بأمرٍ، وهو أن الجهاد بالسيف قد انتهى منذ الآن، غير أن الجهاد لتزكية نفوسنا باقٍ. وما قلتُ ذلك من عندي، بل هذه هي مشيئة الله…… لذلك فها إني آمُرُ الذين قد دخلوا جماعتي أن يتخلّوا عن هذه الأفكار. عليهم أن يطهِّروا قلوبهم، ويطوّروا عاطفة الرحمة الإنسانية فيهم، ويواسوا المكروبين، وينشروا السلم في الأرض، لأن هذا يتسبب في انتشار دينهم”. (الحكومة الإنجليزية والجهاد، الخزائن الروحانية، المجلد 17 ص 15).

ثم قال :

“يا علماء العالم الإسلامي ومشايخه! اسمعوا كلامي. الحق والحق أقول: ليس هذا الوقت وقت الجهاد (يعني القتال)…. واجتنِبوا من الآن الحروبَ الدينية التي تتم بالسيف وسفكِ الدماء”. (الحكومة الإنجليزية والجهاد، الخزائن الروحانية، المجلد 17ص 8و9).

وبناءً على هذا الإعلان بدأت ضده سلسلةُ فتاوى التكفير التي لا نهاية لها بأن الإنجليز هم الذين أقاموه لهذا الغرض. لكن ماذا يحدث اليوم؟ فكما ذكرتُ، أخذ العديد من الرؤساء والعلماء المشايخ يقولون عن الجهاد نفس ما قاله المسيح الموعود . هناك مئات البيانات التي تُنشر في الجرائد، وكلها دليل ساطع على أن الطريق الذي اقترحه المسيح الموعود لإشاعة الإسلام كان الطريق الصحيح، وكان مطابقًا لتعاليم الإسلام، وقد بدأ هؤلاء أنفسهم يتبعونه اليوم….

نصرة الله تعالى وتأييده

يقول المسيح الموعود في هذا الخطاب نفسه ما تعريبه:

“اعلموا أن المفتري والكذاب لا يفلح أبدا، ولا يحالفه نصر الله تعالى وعونه أبدا، لأن المفترى لو أحرز النجاح يومًا بعد يوم لصار وجود الله تعالى ومُلكه موضع شك كبير. إن من سنة الله المستمرة منذ الأزل أن الدنيا تهبّ لمعارضة مَن يبعثه الله تعالى. وأن الكلاب تحتشد حول المسافر الغريب وتنبح عليه وتثير ضجة، كذلك يتداعى الناس على من يُبعث من عند الله تعالى لأنه لا يكون من أمثالهم، فيثبون عليه كالكلاب ويثيرون ضده صخب المعارضة ويسعون لإيذائه، ولكن الله يهلكهم جميعًا في طرفة عين عند النهاية”.  (الملفوظات المجلد الخامس ص 378 طبعة جديدة).

لا يكفي الإسلام باللسان

بعدما بيّن لنا المسيح الموعود آياتِ تأييد الله له نبّهنا إلى ضرورة أن نصبح مسلمين حقًا، فقال:

 “اسمعوا الآن كذلك، إنه لذو حظ عظيم مَن اعتنق دينًا مقدسًا كالإسلام، ولكن لا يجدي المرء شيئا أن يقول “إني مسلم، إني مسلم” بلسانه فقط، دون العمل بتعاليمه بقلب صادق. إن أكثر الناس هم من تلك الفئة التي ورد عنها في القرآن الكريم: وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلَوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون (البقرة:15)، وهؤلاء هم القوم الذين قد وصفهم القرآن الكريم بالمنافقين. فلذلك لا يدخل أحد في الإسلام حقيقةً ما لم يعمل بالقرآن حقًّا. إن القرآن المجيد هو ذلك الكتاب الكريم الذي جاء إلى الدنيا في الوقت الذي انتشرت فيه مفاسد كبيرة وشاع الكثير من الأخطاء العقدية والعملية، وكان الجميع – تقريبًا – متورطين في الأعمال السيئة والعقائد الخاطئة. وقد أشار الله تعالى في القرآن إلى هذا الأمر بقوله: ظهَر الفسادُ في البر والبحر (الروم:42).. أي كل الناس؛ سواءً أكانوا من أهل الكتاب أو من غيرهم، كانوا متورّطين في العقائد الفاسدة، وكان في الدنيا فساد عظيم. ففي مثل هذا العصر ولدحض العقائد الباطلة كلها أرسل الله تعالى لهدايتنا كتابا كاملا كالقرآن المجيد الذي فيه ردٌّ على كافة الأديان الباطلة”. (الملفوظات، المجلد الخامس ص 378و379 طبعة جديدة).

 لا شك أن نصر الله وعونه كان ولا يزال مع سيدنا المسيح الموعود ، فقد كان الله تعالى وعَده أنه سيعطيه جماعة طاهرة، ثم حقق وعده هذا. فعلى كل أحمدي دخل في بيعته أن يسعى جاهدًا ليُحدث في نفسه تغيرات طيبة لا بد منها للمسلم الحقيقي، وأوصانا بها المسيح الموعود في خطابه هذا. إن البعد عن زمن النبوة يؤدي إلى أنواع من القلق والمخاوف، فعلينا ونحن نستقبل السنة المائة على تأسيس الخلافة في الجماعة الإسلامية الأحمدية، أن نراجع أنفسنا لنرى ما إذا كنا نسعى لتحقيق ما توقعه منا المسيح الموعود ؟ أم أن إسلامنا هو مجرد تسمية؟ وأننا مسلمون أحمديون بالاسم فقط؟ فعلى كل أحمدي أن يفكر دائما فيما توقعه منه المسيح الموعود بقوله: “لا يدخل أحد في الإسلام حقيقةً ما لم يعمل بالقرآن حقًّا”.

إذًا فتلاوة القرآن وفهمه والعمل به هام جدا لتوطيد العلاقة بالله تعالى. فعلى كل أحمدي أن يهتم بهذا الأمر بقلق واضطراب، وعندها يستطيع أن يتطهر من مفاسد الدنيا؛ لأن القرآن هو الذي طهّر الدنيا من الفساد سابقا، كما أنه وحده الذي سينقذ الدنيا الآن أيضًا من كل المفاسد، روحانية كانت أم مادية. ولم يُبعث المسيح الموعود إلا لنشر تعاليم القرآن في العالم. فبعد انضمامنا إلى جماعته يجب أن نحاول قدر المستطاع أن نصوغ أعمالنا وفق هذا التعليم القرآني. وهذا هو ما سيؤدي إلى انقلاب في نفوسنا وتطهير الدنيا من المفاسد. فمن مسؤولية كل أحمدي يعاهدُ المسيحَ الموعود عند البيعة على العمل بالتعليم الذي جاء به سيدنا محمد ، وأنه سيسعى ليُحدِث انقلابًا في الدنيا بتطهيرها من الفتن والفساد، أن يهبّ الآن لإحداث هذا الانقلاب ويسعى جاهدا لتطهير نفسه لجمع العالم كله تحت راية محمد المصطفى .

ومن هذه الأدعية سورة الفاتحة. ولو تدبرتم فيها مليًّا وجدتم أن كل لفظ فيها دعاء رائع لإقامة الدين وتمكينه ولتثبيت الخلافة ولتطوير إيمان كل واحد منكم. وإنها منارة نور تهدينا إلى صراط الوصال بالله تعالى. إنها خلاصة تعاليم القرآن الكريم أيضًا.

ثم يقول حضرته : لن تستطيعوا أن تُحدِثوا هذا التغيير الطيب في أنفسكم وتعملوا بتعاليم القرآن وتوقنوا بالله تعالى يقينًا كاملاً إلا إذا جعلتم قول الله تعالى: ونحن أقربُ إليه مِن حبل الوريد وقوله تعالى وهو معكم أين ما كنتم نصبَ أعينكم. فعندما يتيسر لنا اليقين الكامل بأن الله تعالى في كل مكان بل هو أقرب من حبل الوريد وأن ملائكته يراقبون كل أعمالنا ويكتبونها، فلن تجدينا مجرد الأقوال نفعًا، بل لا بد لنا من تحسين أعمالنا كلها، لأن الله يراقبنا في كل حين وهو معنا حيثما كنا. ولو تولّد عند المرء هذا الشعور وفهِم قول الله هذا، لما صدر منه أي عمل يتعارض مع أوامر الله تعالى. وحين يدرك أن كل أعماله مراقَبة من عند الله تعالى، فستتوجه كل خطواته نحو التغيرات الطاهرة وسيؤثر رضا ربه في كل أعماله.

يقول سيدنا المسيح الموعود :

 “تَذكَّروا أن الأقوال فقط لا تجدي نفعًا ما لم تتحسن الحالة العَملية. ومن يؤمن حق الإيمان بأن الله تعالى وحده ربُّه وأنه هو مالكُ يومِ الدين فمن المستحيل أن يرتكب أفعالا شنيعة كالسرقة والفاحشة والقمار وغيرها، لأنه يعلم أن هذه الأمور كلها موبقات، وارتكابها معصية سافرة لأمر الله تعالى. باختصار إن من المحال أن ينال الإنسان الفيوض والبركات التي ينالها المقربون ما لم يؤكد بعَمله أنه يؤمن بالله تعالى إيمانا صادقا راسخًا. إن الفيوض التي تتنـزل على أهل الله المقربين لديه إنما تتنـزل لأنهم يكونون قد بلغوا أعلى مرتبة من الإيمان والعمل، وآثروا الله تعالى على كل شيء”. (الملفوظات المجلد الخامس ص 383 طبعة جديدة).

فقد بيّن هنا أنه عندما تتيسر هذه الحالة للمرء يؤيده الله تعالى وينصره ويعينه من الغيب ويكتب له الفتح في كل موطن. ثم بين أنه لا بد للمرء من السعي والاجتهاد لوصال الله تعالى وقربِه، وأن الذي يسعى ويجاهد لوصاله تعالى يصبح ربه له كما وعد. فقد قال : “من يبذل جهده ويتفانى في حب الله وعشقه يصبح  ممتازًا عن الآخرين ومقبولاً عند الله تعالى، فيتولى الله بنفسه نصرته كما قال تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا .” (الملفوظات المجلد الخامس ص 380 طبعة جديدة).

فكما قلتُ سابقا، إن الذين يهديهم الله سبله يصبحون لله ويصبح الله لهم، ويعصمهم من كل شر، ويحفظهم كل حين. وقد جاء سيدنا المسيح الموعود لتوطيد علاقاتنا مع هذا الإله الأحد الفريد الذي هو أوفى من كل صديق وفيّ، والوصول إلى هذا الإله هو الهدف النهائي لكل أحمدي والذي عاهدَ عليه المسيحَ الموعود عند البيعة. هذه هي غاية حياته، وهذا هو المقام الأخير الذي ينبغي أن يكون هكذا، ذلك لكي تتحول الدنيا من حالة “ظهر الفسادُ” إلى الأمن والسلام، ونرى في العالم كله من يركعون لله الأحد وحده.

ففي هذه الأيام التي منحكم الله تعالى فيها فرصة قضاء أيام في جوٍّ روحاني، عليكم أن تبذلوا جهدكم لإحداث تغيرات طيبة في أنفسكم منيبين إلى الله تعالى. عليكم أن تدعوا الله تعالى لغلبة الإسلام والأحمدية. ادعوا الله أن يُرينا في حياتنا رايةَ دينه الأخير ورسوله الأخير مرفرفةً على العالم أجمع، ويوفقنا لأن نرى بأم أعيننا تحقُّقَ كل الوعود التي وعد بها المسيحَ الموعود ، والتي لا شك في تحققها، ولكن قد نُبعَد – لا قدر الله – من زمن هذه البركات نتيجة تقصيراتنا وأخطائنا. فبالدعاء والدعاء والدعاء اجمعوا هذه البركات، في هذه الأيام وفيما بعد أيضًا بشكل متواصل. وفّقنا الله تعالى جميعا لهذا. تعالوا نَدْعُ الآن.

الصلاة مُخُّ العبادة

 الخطاب النهائي

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله  رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ* اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيم* صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين (آمين)

سأواصل اليوم أيضًا قراءة بعض ما قاله المسيح الموعود في خطابه الذي ألقاه في الجلسة السنوية عام 1907م. لا يمكنني تقديم الخطاب كلّه كما هو، كما لا يحيط بياني بكل ما قدّمه وبيّنه؛ فإن خطابه كنـز من العلم والمعرفة فتحه علينا، ومن فضل الله علينا أنه وفّقنا للانضمام إلى جماعته حتى نستفيد من هذا الكنـز العظيم، فمن واجب كل واحد منا أن يضع هذا الهدف نصب عينيه دائمًا، فنعمل نحن وأولادنا بهذه النصائح بقلوب طاهرة متمسكين بالتقوى، ونسعى جاهدين لتحقيق ما توقعه منا حضرته وما قد أرسله الله للقيام به.

هدف بعثة المسيح الموعود

يقول :

“…لقد بُعثتُ ليعود زمن الصدق والإيمان مرة أخرى وتعمُرَ القلوب بالتقوى. هذه الأعمال هي الغاية من بعثتي. لقد أُخبرتُ أن السماء ستقترب من الأرض ثانية بعد أن بعُدت عنها كثيرًا”. (كتاب البرية، الخزائن الروحانية، المجلد الثالث الصفحة 293 و294 الحاشية).

  هل زمن الصدق والإيمان المشار إليه في قوله هذا كان محدودًا إلى حياته يا ترى؟ وهل عملية نيل الإيمان من الثريا كانت منحصرة في فترة بقائه في الدنيا؟ كلا، بل لقد وَعَدَ الله تعالى وأنبأ الرسول أن زمن مهدينا ومسيحنا ممتد إلى يوم القيامة. إن خلافة المسيحِ والمهدي خاتَمِ الخلفاء التي ستكون على منهاج النبوة، ليست مؤقتة بل ستبقى إلى يوم القيامة، ذلك لأن الإيمان الذي كان من المقدر أن يعود به المسيح والمهدي من الثريا ثانية، والذي لا يعاد إلا بفضل الله وتأييده، والذي قد وعد الله به المسيحَ الموعودَ مرارًا حتى أوحى إليه تكرارًا: “إني مع الرسول أقومُ”، أقول إن هذا الإيمان سيقوم في الأرض بعد أن يعود وسيبقى فيها بحسب ما وعد اللهُ المسيحَ الموعود، وستعمل الجماعة الإسلامية الأحمدية على إقامة هذا الإيمان وبقائه بإذن الله تعالى متمسكة بأهداب الخلافة. غير أن بقاء هذا الإيمان منوط بقوم تكون قلوبهم عامرة بالتقوى والورع، ويسعون للسير في سبل رضوان الله ، وهؤلاء هم أحبّاء المسيح الموعود الذين أوحى الله إليه بشأنهم: “إني معك ومع أحبائك”. إذًا فمن المقدر أن الله تعالى سينصر بعد وفاة حضرته – الذين يؤمنون به ويعملون بتعاليمه ويحافظون على إيمانهم. غير أن السماء لن تقترب من الأرض ولن يستجيب ربنا دعواتنا إلا إذا اتبعنا الطرق التي علّمنا إياها المسيحُ الموعود للحفاظ على علاقتنا بالله الحيّ ، وعندها نستطيع أن ندعو العالم قائلين: “تعالوا وانظروا كيف يُري الله تعالى أفضاله من أجل الذين آمنوا بالمسيح والمهدي ، فإن كل يوم جديد يطلع على جماعتنا مصحوبًا ببركات وفيوض جديدة من عند الله تعالى، وفي كل يوم جديد نرى مشاهد اقتراب السماء من الأرض؛ فهلموا، وتَعلَّـموا منا كيف تُنـشأ العلاقة الحية بالله المالك القـادر على كل شيء.

التقوى الحقيقية

ما هي التقوى الحقيقية؟ يوضّح المسيح الموعود ذلك في بعض كتبه قائلا:

 “لا تجتمع الجهالة مع التقوى الحقيقية، بل إن التقوى الحقيقية تصطحب معها نورًا، كما قال الله جل شأنه:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ (الأنفال:30)، وقال: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ (الحديد:29)..أي أيها المؤمنون، لو تمسكتم بالتقوى وتحليتم بصفة الاتّقاء مثابرين عليها ابتغاءَ وجه الله لجعل الله بينكم وبين من سواكم فَرْقا بينًا، والمراد من هذا الفرق البين أنكم ستُعطَون نورًا تمشون به في سبلكم كلها.. أي أن هذا النور سيسري في كافة أفعالكم وأقوالكم وقواكم وحواسكم، فيكون في عقولكم نور، وفي تخميناتكم نور، وفي عيونكم نور، وفي آذانكم وألسنتكم وبيانكم وفي حركاتكم وسكناتكم نور، وستصبح الطرق التي تسلكونها منيرة. باختصار، إن كل سبلكم وطرق قواكم وطرق حواسكم ستمتلئ نورًا، فستمشون في نور على نور”. (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية المجلد 5 صفحة 177 و178).

 يقول حضرته :

“اعلموا أن الدجال اسمُ مَظهرِ الشيطان في الواقع، ومعناه: من يُضِلّ عن الطريق الحق. وتقرأون في الكتب السابقة عن الزمن الأخير أنه ستقع فيه حرب ضَروس ضد الشيطان  فيُهزم في نهاية المطاف”.

يقول حضرته : “مع أن الشيطان كان يُهزَم في زمن كل نبي في الماضي، ولكنها كانت هزيمة عابرة، وكانت هزيمته الحقيقية مقدرة على يد المسيح الموعود ، وقد وعد الله بالغلبة النهائية في قوله:

  وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (آل عمران:56)..

أي سأجعل الأتباع الحقيقيين فوق الكافرين إلى يوم القيامة. باختصار، إن الشيطان يصول صولات شديدة في هذا الزمن الأخير، ولكن النصر النهائي لن يكون إلا لنا”.

فيقول : لا شك أن الفتح حليفي في الحرب ضد الشيطان طبقًا لوعد الله ، ولكن لن يغلب الشيطانَ إلا أتباعي الحقيقيون الذين يجتنبون كل دجل عاملين بالتعليم الذي أتيت به.

وقال في كتابه سفينة نوح:

 “اعلموا أن إقرار البيعة باللسان وحده ليس بشيء ما لم يرافقه العمل التام بعزيمة القلب، لذا فإن الذي يعمل بتعليمي حق العمل يدخل في داري التي سبق الوعد عنها في وحي الله تعالى: “إني أحافظ كلَّ من في الدار”. (سفينة نوح،  الخزائن الروحانية، المجلد 19، ص 10، طبعة لندن).

فهذه وصفة وصفها لنا المسيح الموعود للنجاة من كل نوع مصيبة ومشكلة وبلاء وهجوم شيطاني. فإذا عملنا بهذا التعليم بصدق القلب حمانا الله تعالى حسب وعده من كل بلاء ودجل وهجوم يقوم به الشيطان، بل وضع بفضله في أيدينا تلك الأسلحة الروحانية التي وهبها للمسيح الموعود ، والتي بها سننتصر على الشيطان في هذا الزمن….

ضرورة الدعاء وحقيقته

ثم يقول :

“الحق والحق أقول: ما لم تتيسر للمرء الفيوض الربانية ظلّ حُبُّ الدنيا طوقًا في عنقه، ولا يتخلص منه إلا الذي يمنّ الله عليه بفضله، وإن الفيض الإلهي أيضًا يبدأ بالدعاء نفسه. ولكن لا تظنوا أن الدعاء هو ثرثرة اللسان فقط. كلا، بل هو نوع من الموت تحصل بعده الحياة، كما يقال في لغتنا البنجابية: “من يسأل يموت، فاذهب للسؤال بعد أن تموت”

 أي لن تنال الفيض الرباني إلا إذا حضرت إلى العتبة الإلهية متذللاً متفانيًا كالمتسول.

“إن في الدعاء أثرًا كالمغناطيس يجلب الفيض والفضل. ما قيمة الدعاء الذي يقول صاحبُه بلسانه: “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ”، وهو يفكر في قلبه أنه سيعقـد صفقة كيت، وأنه بقي لديه عمل كذا، وعليه أن يفعل الشيء هكذا، وأنه إذا حصل كذا سـيفعل كذا. إن هذا إلا مضيـعة للعمر. إذا لم يقدّم العـبد كتاب الله ولم يعمل بحسـب أحـكامه، فليست صلواته إلا مضـيعة للـوقت. لقد قال القرآن الكريم صراحة:

  قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهـِمْ خَاشِعُونَ (المؤمنون:2و3)..

أي عندما يذوب قلب الإنسان في الدعاء ويخرّ على عتبة الله بإخلاص وصدق كأنه قد انمحى في ذاته تعالى، طالبًا منه وحدَه العونَ والفيض، ناسيًا أفكاره وخططه كلها، ومركّزًا تركيزًا شديدًا حتى تحصل له الرقة والخشوع والذوبان، عندها يُفتَح له باب الفلاح، فتخمد جذوةُ حُبِّ الدنيا في قلبه، ذلك لأن اجتماع المَحبّتَينِ في القلب مستحيلٌ، كما يقال (في بيت شعر بالفارسية ما تعريبه): تريد اللهَ والدنيا الدنيّةَ معًا، إن هو إلا وهمٌ ومحال وجنون. ولذا قال الله بعدها مباشرة:

وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (المؤمنون:4).

والمراد من اللغو هنا الدنيا نفسُها؛ أي أن المرء إذا تيسر له الخشوع والخضوع في الصلوات خمد حُبُّ الدنيا في قلبه. وهذا لا يعني أن يترك بعد ذلك مشاغله الدنيوية من زراعة أو تجارة أو وظيفة وما إلى ذلك، بل المعنى أن يُعرِض عن كل ما يخدعه فيلهيه عن الله تعالى من أعمال الدنيا”

أي أن يقوم بأعمال الدنيا باستمرار، ولكن خوف الله وذكره يظل مسيطرًا على قلبه دومًا.

يقول الله تعالى:

  رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (النور:38)..

أي هناك عباد لنا لا ينسوننا لحظة واحدة رغم اشتغالهم بأعمالهم وتجاراتهم. إن الذي يذكر الله تعالى في أثناء العمل لا يُعتبر إنسانًا ماديًا، إنما الإنساني المادي من ينسَى الله تمامًا”. (الملفوظات، المجلد الخامس، الصفحة 401، الحاشية، الطبعة الجديدة)…..

كيف يجب أن نصلّي

فيا خدام المسيح المحمدي! أدُّوا الصلواتِ وقوموا بالعبادات بالطريقة التي علمنا إياها اليومَ المسيحُ المحمدي . يقول :

“تَذكّروا أن الصلاة هي ذلك الشيء الذي تسهل به الصعاب كلها، وتزول به البلايا كلها. ولكن لا أقصد من الصلاة تلك التي يؤديها عامة الناس على سبيل التقليد والعادة، بل أقصد تلك الصلاة التي يلـين بها القلـب ويخرّ على عـتبة الله الأحد وكـأنه يذوب ويتفـانى.

وليكنْ مفهومًا أيضًا أننا لا نحافظ على الصلاة لأن الله بحاجة إلى صلاتنا. كلا، إن الله تعالى ليس بحاجة إلى صلواتنا، فهو غنيٌّ عن العالمين، وليس له حاجة إلى أحد، بل الإنسان بحاجة إليه . والمعروف أن الإنسان يريد مصلحته دائمًا، ولذلك يطلب عون الله؛ لأن الحق أن فوز المرء بوصال الله تعالى هو الفوز بالخير بعينه. ومثل هذا الإنسان لو عاداه الناس كلهم وأرادوا هلاكه لما أضروه شيئًا، ولو أراد الله تعالى أن يهلك الملايين أو البلايين من البشر من أجل هذا الإنسان لأهلكَهم وأفناهم مكانه. اعلموا أن هذه الصلاة شيء تَصلحُ به دنيا المرء ودينه أيضًا، ولكن أكـثر النـاس يصلّون صـلاةً تلعنُهم”. (الملفوظات، المجلد الخامس الصفحة 402 و403، الطبعة الجديدة)…..

ارفعوا مستوى عباداتكم

فمن واجب كل واحد منا اليوم أن يستعين بالله لرفع مستوى عبادته والثباتِ على هذا المستوى العالي تلبيةً لنداء المسيح الموعود ، إذ من المحال تحقيق هذا الهدف إلا بعون الله تعالى، وكما قال : “لا يتيسر الخشوع والابتهال أمام الله تعالى إلا بالتواضع له “. وقد دلّنا على طريق ذلك قائلا: “لا يخلُوَنَّ نهاركم ولا ليلكم بل أية لحظة من حياتكم من الدعاء”. (الملفوظات، المجلد الخامس الصفحة 403، الطبعة الجديدة).

فإذا بلغنا هذا المقام ورثنا وعود الله تعالى.

وقال مبيّنًا حقيقة العبادة التي يقبلها الله تعالى:

 “اعلمْ أن حقيقة العبادة التي يقبَلها المولى بامتنانه، هي التذلّلُ التام برؤية عظمتِه وعُلُوِّ شأنه، والثناءُ عليه بمشاهدة مِننه وأنواعِ إحسانه، وإيثارُه على كل شيء بمحبّةِ حضرتِه وتصوُّرِ محامده وجمالِه ولمعانه، وتطـهيرُ الجنان من وساوس الجِنّة نـظرًا إلى جِنانه”. (إعجاز المسيح، من تفسـير سورة الفاتحة لسيدنا المسيح الموعود الصفحة 201).

فعلى كل أحمدي أن يتذكر دائمًا أن هذه الحالة إنما تتيسر له بعد أدائه الصلواتِ على أحسن وجه، وعندها يصير مؤمنًا حقيقيًا. إنما سيهتم بالأمور والأحكام التي أمر الله المؤمنين بها إذا أصبح تصوُّرُ عظمة الله وعلوّ شأنه مستوليًا على أفكاره دائمًا. فينبغي أن يكون حمد الله وشكره بذكر نعمه تعالى وأفضاله الصفةَ البارزة في كل أحمدي، إذ ليس عند أحد الخِبرة بنعم الله وأفضاله كما عند الأحمدي. فإن من أعظم منن الله تعالى على الأحمدي أنه وفقه للإيمان بإمام هذا الزمن. لقد نجانا الله تعالى من وساوس الشيطان التي أغرق بها أكثرَ مَن في الأرض فكفروا بإمام زمانهم. وهي أمور تزيد قلوبنا حبًّا لله وعبادةً له، ويجب أن تكون كذلك. لقد أرسل الله مسيحَ آخر الزمان بصفته خاتمَ الخلفاء، وما دام الله تعالى قد بعث عاشـقَ نبيِّه الحبيب محمد المصطفى خاتَمِ الأنـبياء بصفته إمام آخر الزمـان وخاتمَ الخلـفاء، فلا بد أن يمـتد زمن خلافتـه هو إلى يوم القيامة…..

ادخلوا القرن الجديد للخلافة بالأدعية والعبادات

نحن الآن في السنة المائة على تأسيس خلافة المسيح الموعود ، وسندخل – إن شاء الله تعالى – السنة الآتية مستقبلين القرن الجديد من الخلافة الأحمدية، وقد قلت من قبل إننا لن نرث أفضال الله تعالى إلا بالأدعية التي تُرفَع إلى الله بإخلاص كامل، فينبغي أن ندخل القرن الجديد للخلافة منهمكين بالأدعية كل حين مخلصين لله تعالى، لنرث نعم الله تعالى دوما. ومن أجل ذلك كنت نصحتكم في إحدى خطب الجمعة قبل حوالي سنتين باستقبال القرن الجديد من الخلافة ملتزمين ببعض الأدعية وبعض العبادات النافلة، ولم يبق إلا عشرة أشهر فقط على اكتمال مئة سنة على هذه النعمة الربانية، وأملي أنكم تعملون بنصيحتي. وأود اليوم تذكيركم بهذا الأمر مرة ثانية، فأقول لكل أحمدي أن يواظب على هذه الأدعية بتركيز خاص حتى إذا دخلنا القرن الآتي متواضعين لله أنزل على الجماعة الأحمدية مننًا أكثر ومتّعنا بأياديه أكثر فأكثر. فعلى كل أحمدي أن يقدم إلى الله تعالى هدية دعواته أكثر من ذي قبل. فإن كل دعاء نصحتكم بترديده يحمل في طياته كنوزًا من البركات، وله أهمية خاصة بصدد الخلافة أيضًا. وها إني أتناول ذكرها بإيجاز.

تفصيل الأدعية المتعلقة بالخطّة الروحانية للعيد المئوي للخلافة الأحمدية

* سـورة الفاتحـة:

ومن هذه الأدعية سورة الفاتحة. ولو تدبرتم فيها مليًّا وجدتم أن كل لفظ فيها دعاء رائع لإقامة الدين وتمكينه ولتثبيت الخلافة ولتطوير إيمان كل واحد منكم. وإنها منارة نور تهدينا إلى صراط الوصال بالله تعالى. إنها خلاصة تعاليم القرآن الكريم أيضًا.

يقول المسيح الموعود :

 “ومِن أسمائها أُمُّ القرآن بما جَمعت مطالبَه كلَّها بأحسن البيان، وتأبطتْ كصَدَفٍ دُرَرَ الفرقانِ، وصارت كعُشٍّ لطيرِ العرفان”. (إعجاز المسيح، الخزائن الروحانية المجلد 18 الصفحة 74).

ويقول :

 “هذه السورة لها أسماء كثيرة، فأوّلُها فاتحة الكتاب، وسُمّيت بذلك لأنه يُفتتح بها في المصحف وفي الصلاة وفي مواضع الدعاء من ربّ الأرباب. وعندي أنها سُمّيت بها لما جعَلها اللهُ حَكَمًا للقرآن، ومُلِئَ فيها ما كان فيه مِن أخبار ومعارف من الله المنّان، وأنّها جامعة لكل ما يحتاج الإنسان إليه في معرفة المبدأ والمعاد (أي الدنيا والآخرة)، كمثل الاستدلال على وجود الصانع وضرورةِ النبوة والخلافة في العباد. ومن أعظم الأخبار وأكبرها أنها تبشّر بزمان المسيح الموعود وأيام المهدي المعهود”. (إعجاز المسيح، الخزائن الروحانية المجلد 18 الصفحة 70 و71).

 إذًا فقراءة كل كلمة من هذه السورة بتدبر وإمعان تؤدي إلى التطور الروحاني، وهذا التطور يجعل الإنسان وارثًا لنعم الله .

فقد تناولتْ هذه السورةُ أربعًا من صفات الله تعالى، وهي ربّ العالمين، الرحمن، الرحيم، مالِك يومِ الدين. وقد تحدثت عن هذه الصفات كثيرًا في خطبي، وأود أن أذكر الآن بإيجاز علاقتها بزمن المسيح الموعود كما ذكرها حضرته بنفسه.

قال :

“لقد تحقّقَ قوله تعالى الحمد لله في ظُهورَينِ لرسول الله أعني في محمد وأحمد. فبعد ذكر هذه الصفات الأربع في حق النبي الكامل قد حققها الله فعلاً بشأن الصحابة رضي الله عنهم أيضا. وكأن الله يريد أن يمنحه صفاته على الطريقة الظِلّيّة، وهذا هو معنى “الفناء في الله”.. أي أن يدخل الإنسان تحت ظل الصفات الإلهية. والآن انظروا كيف تجلى الله بهذه الصفات الأربع من خلال الرسول في حق الصحابة رضي الله عنهم . فعندما وُلد النبي كان أهل مكة كطفل يحتاج إلى الرضاعة، أي كانوا بحاجة إلى الربوبية. كانوا يعيشون عيشة الوحوش والسباع، فقام النبي بتربيتهم كالأم بإرضاعهم لبنًا روحانيا. ثم تجلى الله عليهم بالرحمانية، فهيأ لهم كل ما يحتاجون إليه بدون أي جهد ولا سعي منهم، حيث أعطاهم نعمة القرآن الكريم وأسوة الرسول الحسنة. ثم تجلى لهم بصفته الرحيمية فأثابهم على جهودهم، وشرّف إيمانهم بالقبول، ولم يدعْهم يقعون في الضلالة مثل النصارى، بل منحهم الثبات والاستقامة، إذ المراد من  البركة في السعي أن الله تعالى يثبّت الأقدام. لم يرتد من أصحاب النبي أحد، وقد ارتد الآلاف من أتباع الأنبياء الآخرين. خلاصة الكلام، إن من أثر رحيمية الرسول أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ثابتين راسخين.” (جريدة “الحَكَم”، 24 يناير/كانون الثاني عام 1901م الصفحة 4، المأخوذ من تفسير سيدنا المسيح الموعود المجلد الأول الصفحة 171).

يقول حضرته :

“ثم ظهرت صفة مالك يوم الدين في حياة الصحابة ظهورًا عَمليًا حيث جعل الله بينهم وبين غيرهم فرقانًا. إن معرفة الله ومحبته التي أُعطوها كانت جزاءهم في الدنيا.

باختصار، قد تجلت هذه الصفات الأربع في الصحابة الكرام y. غير أن الجدير بالتذكر هنا أن من الخطأ الظن أن الصحابة هم فقط أولئك القوم الذين خلوا من قبل. كلا، بل هناك فئة أخرى منهم قد ذكرهم الله في القرآن الكريم، وهم الذين سيكونون مع المبعوث الذي هو بروز أحمد، قال تعالى:

  وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (الجمعة:4)..

أي لا تحسبوا أن هؤلاء فقط هم جماعة الصحابة، كلا، إن الجماعة التي تكون في زمن المسيح الموعود هي أيضًا من الصحابة. قد أقرّ المفسرون أن الجماعة المذكورة في هذه الآية هي جماعة المسيح الموعود، تدل كلمة “منهم” على أنهم يستفيضون – كالصحابة رضي الله عنهم – من النبي . لقد تمّتْ تربية الصحابة رضي الله عنهم على يد النبي الكريم في الظاهر، وهؤلاء القوم أيضًا يتلقون التربية على يده غير أن أحدًا لن يرى ذلك، ولذا سمى العلماء هذه الفئة أيضًا صحابةً. وكما أن هذه الصفات الأربع قد تجلت في الصحابة الأوائل، كان من المحتم أن تتجلى في جماعة الصحابة الذين كانوا مصداقًا لقوله تعالى وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ . (جريدة “الحَكَم”، 24 يناير/كانون الثاني عام 1901م الصفحة 4،  من تفسير المسيح الموعود المجلد الأول الصفحة 172).

إن كثيرًا ممن بايعوا على يد المسيح الموعود العاشقِ الصادق للنبي الكريم واستفاضوا من فيوضه في حياته، كانوا يبحثون قبل ظهوره عمن يأتيهم بالحليب الروحاني. كان عدد كبير من المسلمين قد ابتعدوا عن القرآن الكريم في ذلك الزمان، وكان الإيمان قد صعد إلى الثريا كما أنبأ النبي الكريم ، فأرسل الله مسيح هذا الزمان في العالم كمظهرٍ لصفته الربوبية، فقام – مثل سيده ومطاعه – بتربية صحابته وأرضعهم نفس الحليب الذي تتفجر عيونه من تعاليم القرآن الكريم. وإنه لمن فيوض صفة الله الرحمانية أنه تعالى جعل المسيح الموعود أيضًا مظهرًا لرحمانيته في هذا العصر وأجرى على يده نهر حقائق القرآن ومعارفه، وإنه لمن تأثير الصفة الرحمانية أنه تعالى أنزل معه فيض الخلافة على منهاج النبوة التي وعد ببقائها إلى يوم القيامة. كما تجلى الله تعالى بصفته الرحيمية في هذا العصر فألحقَ المسيحَ الموعود بالصحابة الأولين بحسب وعده ووهب له جماعة من الصحابة الذين ضربوا أروع الأمثلة في الثبات والتضحيات، وبذلوا جهدهم في العبادات، فنالوا فيوض الصفة الرحيمية أيضًا، وتمتعوا بأفضال الله تعالى التي لا تحد ولا تحصى. وإن فيوض الصفة الرحيمية هذه سارية اليوم أيضًا، فالذين سيتعلقون بأهداب هذا الحَكَم العدل عاملين بأحكام الله تعالى، سيحظون اليوم أيضًا بالنعم والأفضال التي نهل منها الأولون. إذًا ستتمتعون بهذه الفيوض ما دمتم تصوغون أعمالكم طبقًا لتعليمه تعالى مستوعبين معنى قوله تعالى مالِكِ يومِ الدين ، فتؤثرون حب الله ومعرفته على كل شيء، لأن محبة الله ومعرفته هي التي ستصبح لنا جزاء، فتميزنا عن الآخرين، وستتوالى عملية نزول هذه النعم جيلا بعد جيل.

فعلى كل أحمدي أن يعيش حياته واضعًا في الحسبان معاني هذه الصفات الإلهية الأربع المذكورة في سورة الفاتحة لكي تتوالى علينا أفضال الله بدون نهاية .

ثم مِن منّة الله تعالى أنه علّمنا دعاء: إياك نعبد وإياك نستعين ، لكي يمتّعنا بنعمه وليخبرنا أن عباداتكم لا تجديكم شيئا بدون فضلي. يقول المسيح الموعود بهذا الصدد:

“ترون أن الله تعالى علّمنا دعاء: إياك نعبُد ، ولكن لما كان من الممكن أن يصاب الإنسان بالغرور بقوته نتيجة قوله هذا ويبتعد عن الله تعالى، فعلّمه الله بعد ذلك مباشرةً دعاء: وإياك نستعين .. أي لا تظنوا أنكم تقومون بهذه العبادة بقوتكم وطاقتكم. كلا، بل لا تقدرون على فعل شيء ما لم تستعينوا بالله تعالى وما لم يوفقكم هو ويُعِنْكم”. (جريدة “الحَكَم” 24 يناير 1901م الصفحة 4، وتفسير المسيح الموعود المجلد الأول الصفحة 204)

فعلينا أن نقوم بهذا الدعاء بكثرة ونقول: ربنا، قد اشترطت علينا العملَ وفق تعليمك والقيامَ بعبادتك من أجل الفوز بنعمك المنوطة بشخص المسيح الموعود ، ولكننا لا نستطيع أداء حق هذه الأدعية والعبادات بدون عونك، فأَعِنَّا على القيام بهذه العبادات على أحسن وجه، لكي نتمتع بنعمائك دائمًا. فوفِّقْنا للسير على الصراط المستقيم دائمًا، قائمين بعباداتك.

فلكي نسير على صراط الهدى علّمنا الله تعالى هذا الدعاء: اهدنا الصراط المستقيم . يقول سيدنا المسيح الموعود :

 “أما قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم ، فمعناه: أَرِنا النهجَ القويم، وثَبِّتْنا على طريقٍ يوصل إلى حضرتك، وينجّي من عقوبتك”. (إعجاز المسيح، الخزائن الروحانية المجلد 18 الصفحة 175).

ويتم الوصول إلى السبل المؤدية إلى الله تعالى باتباع أولئك الذين أنعم الله عليهم. فنحن سعداء حقًّا بأننا آمنّا بالذي أنعم الله عليه وأيده في هذا العصر وقال له إني معك، ثم أظهر لتأييده آياتٍ تَنَبّأ بها النبي وأخبر بها سلفًا، ومن تلك الآيات آية “الخسوف والكسوف” العظيمة التي ظهرت في موعدها. فكيف لا نوقن أن المسيح الموعود وخاتم الخلفاء الذي قد أنبأ عنه النبي والذي تصديقه سينجينا من العذاب، قد جاء. وبتصديق المسيح الموعود لم ننجُ من العذاب فحسب، بل ببركة دعائه قد دخلنا، وللأبد، في زمرة المنعم عليهم الذين أقام فيهم نظام الخلافة للأبد حسب وعده.

يقول المسيح الموعود :

 “وكذلك وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض بالفضل والعنايات، كما استخلف الذين من قبلهم من أهل الصلاح والتقاة”. (إعجاز المسيح، الخزائن الروحانية المجلد 18 الصفحة 176).

يقول الله تعالى في سورة النور: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (النور:56). ولذلك يقول المسيح الموعود : “فثبت من القرآن أن الخلفاء سيكونون من المسلمين إلى يوم القيامة، وأنه لن يأتي أحد من السماء، بل يُبعَثون من هذه الأمة”. (إعجاز المسيح، الخزائن الروحانية المجلد 18 الصفحة 177).

وإن المسيح والمهدي وخاتم الخلفاء الذي كان سيأتي بحسب النبوءة، كان من المقدر أن يُبعث من هذه الأمة نفسها. فبُعث هذا المسيح والمهدي وخاتم الخلفاء في القرن الرابع عشر بحسب نبوءات النبي ، وأنجز الله وعده، ودخل المؤمنون به في الأمن. كما لا نزال نرى منذ قرن من الزمان تحقُّقَ وعدِ الله المشار إليه في قول المسيح الموعود في كتابه “الوصية”: “إنكم سترون بعدي القدرة الثانية (يعني الخلافة) وسوف تكون دائمة”.

فادعوا الله تعالى أن يمتّعنا بنعمته هذه دائمًا، ويجنّبنا دومًا الأعمالَ التي تثير غضبه علينا، أو تُدخلنا في زمرة الذين ضلوا فوقعوا تحت بطشه تعالى. فسورة الفاتحة دعاء يجب أن نقرأه بكل تدبر بخصوص الخلافة أيضا.

* أهمية الصلاة على النبي وبركاتها

لقد كانت الصلاة على النبي أيضًا من ضمن الأدعية التي نصحتكم بترديدها بصدد مشروع سنة الخلافة المئوية. ما هي أهمية الصلاة على النبي وما هي بركاتها؟ قال النبي : “صَلُّوا عليّ، فإن صلاتكم عليّ زكاةٌ لكم”. (جلاء الأفهام، لابن القيم الجوزية، باب ما جاء في الصلاة على رسول الله، الفصل الأول، رقم الحديث 22)

إنما الغاية من انضمامنا إلى جماعة المسيح الموعود تطهير القلوب، وقد أخبرنا النبي السبيلَ لذلك فقال: صلّوا عليّ فإن هذا سيطهّركم ويساعدكم على التقدم دينيًا وروحانيًا، وماديًا، وسيهديكم الله تعالى بها إلى الطرق التي تأخذكم إلى الجنة.

وهناك رواية عن ابن عباس قال: قال رسول الله : “مَن نَسِيَ الصلاةَ عليَّ خَطِئَ طريقَ الجنة”. (سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب صلاة النبي ).

ما هو طريق الجنة؟ إنما هو أن يؤثر المرء رضا الله تعالى، فيرث نعمائه في الدنيا والآخرة.

غير أنه لا بد للمرء أن يصلي على النبي بخلوص القلب متدبرًا في كلماتها. فقد قال النبي مرة: “مَن صلى عليّ صادقًا من نفسه صلّى اللهُ عليه عشرَ صلوات، ورفعه عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات”. (جلاء الأفهام، لابن القيم الجوزية، باب ما جاء في الصلاة على رسول الله، الفصل الأول رقم الحديث 145).

فمثل هذه الصلاة على النبي توصل إلى أعلى الدرجات.. أما كيف وضّح لنا سيدنا المسيح الموعود أهمية الصلاة على النبي في هذا العصر؟ فقد قال بعد تسجيل إلهام رباني تلقاه وهو “وكان أمر الله مفعولا”:

“والإلهام الذي تلقيتُ بعده هو: “صَلِّ على محمد وآل محمد سيدِ وُلْدِ آدمَ وخاتَمِ النبيين”. . وفيه إشارة إلى أن كل هذه المراتب والأفضال والعنايات إنما هي بسببه وجزاء على حبنا له . سبحان الله! ما أسمى المكانةَ التي يحظى بها سيد الكون عند الحضرة الأحدية! وما أكثره قربًا لديه ! حيث إن مُحبّه يصبح محبوبًا عند الله تعالى، وخادمه يُصبح مخدوم العالم”. وقد تذكرت هنا أنني صليت على النبي في إحدى الليالي بكثرة حتى تعطرَ بها القلب والروح، فرأيت في الليلة نفسها أنهم (أي الملائكة) قد أتوا بيتي بقِرَبٍ من نور في شكل ماء زلال، وقال أحدهم: هذا ما صليتَ على محمد . وتذكرتُ الآن حادثًا غريبًا مماثلا آخر بأني تلقيت مرة إلهامًا فحواه أن أهل الملأ الأعلى في خصومة؛ أي أن المشيئة الإلهية هائجة لإحياء الدين، ولكن لم ينكشف بعدُ على الملأ الأعلى تعيينُ الشخص المحيي، فلذلك هم يختلفون. وفي أثناء ذلك رأيت في الرؤيا أن الناس يبحثون عن هذا المحيي، وأتى أحدهم أمام هذا العبد المتواضع وقال مشيرا إليّ: “هذا رجل يحب رسول الله .” وكان المراد من قوله هذا أن أعظم شرطٍ لهذا المنصب هو حب النبي ، وهذا الشرط متوفر في هذا الشخص”. (البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية، المجلد الأول صفحة 598-597 الحاشية).

فإمام هذا العصر ومسيح آخر الزمان الذي بعثه الله تعالى لإحياء الدين لم يحُزْ هذا المنصب إلا بسبب تفانيه في عشق سيده محمد المصطفى ونتيجة صلاته عليه . وللتمتع بأفضاله ونعمائه لا بد لنا اليوم من استخدام الوصفة نفسها أيضًا بعد انضمامنا إلى جماعة المسيح الموعود . ولكي نرث هذه النعماء إلى يوم القيامة علينا أن نصلي ونسلّم على النبي بصدق القلب وخلوص النية. فلو آثر كل أحمدي هذا الدعاءَ على كافة أدعيته الأخرى، فإنه سيرتقي روحانيًا، كما يرى آيات استجابة دعائه، متمتعًا بأفضال الله ونعمائه. فقد ضمِن لنا النبي أن الدعاء الذي يتم بحمد الله تعالى والصلاة عليه هو دعاء مجاب وكفيل بتحقيق حاجاتكم. ولكن – كما قلت من قبل- إن هذا مشروط بالإخلاص؛ فإذا تم هذا الدعاء بإخلاص، مع التدبر فيما تنطوي عليه كلماته من معان عميقة وحكمة بالغة، لنبع من القلب بلوعة وحرقة. ومن أجل ذلك أبين لكم معاني هذا الدعاء من حيث اللغة.

إن دعاء “اللهم صلِّ على محمد” يعني عند أهل اللغة: ربَّنا ارفع ذِكْرَ النبيّ واكتبْ له العزة في هذه الدنيا بجعلِ رسالته غالبةً وشريعته باقيةً دائمة، وقبولِ شفاعته في أمته يوم القيامة وزيادةِ أجرهم أضعافًا مضاعفة.

ويقول علماء اللغة بخصوص دعاء “اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد” أن معناه: ربنا آتِ محمدًا ما قدّرتَ له من عزة وعظمة وشأن ومجد، واجعلْه عزًّا أبديًا.

وقال البعض: من المحال أن نفي حق ما أمرنا الله به من الصلاة على النبي ، فلذلك نفوض الأمر بيد الله داعين: ربنا أنزلْ أنت نعماءك وبركاتك عليه فإنك الأعلم بما يستحقه. فالحق أن تحديد معاني هذا الدعاء غير ممكن.

وقد قال المسيح الموعود في تفسير قول الله تعالى:

إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (الأحزاب:57)

يتضح من هذه الآية أن أعمال النبي قد بلغت من الروعة والكمال بحيث لم يستخدم الله تعالى في مدحها كلمات معينة. لقد كان في روحه من الصدق والوفاء وكانت أعماله محبوبة لدى الله تعالى بحيث أمر الناس بالصلاة عليه إلى الأبد شكرًا له”. (تقرير الجلسة السنوية سنة 1897م الصفحة 50 و51، من تفسير المسيح الموعود المجلد الثالث الصفحة 730).

فلا بأس من توسيع معاني “صَلِّ على محمد” مهما وسّعناها. الأمر الواقع أن علينا أن نسأل الله تعالى أن ينـزل على محمد كل أنواع الفضل والبركة حتى التي لا تحيط بها أفكارنا، وعندها تتولد في قلب المؤمن مشاعر الشكر له ، ومثل هذه الصلاة النابعة من صميم القلب هي التي تنفع المؤمن، كما تتسبب في استجابة دعائه.

لقد قام المصلح الموعود (الخليفةُ الثاني للمسيح الموعود ) بشرح الصلاة الإبراهيمية بأسلوب لطيف آخر. وقد اقتبست من شرحه لتضمُّنه الرد على سؤال يثيره البعض، وهو: إن النبي هو خاتم الأنبياء، وشريعته تغطي شرائع الأنبياء كلهم، بل قد بين القرآن الكريم أمورًا لم يعرفها ولم تفهمها الأمم السابقة، وإن عصره ممتد إلى يوم القيامة، فلماذا أمرنا الله تعالى أن ندعو: “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم”؟ ولماذا استخدم هنا كلمة “كما صليت على إبراهيم”؟

فليكن واضحًا أن كلمة “كما” لا تعني المساواة هنا، بل المراد من هذا الدعاء أن إبراهيم كما أصبح كاملاً وفريدا من نوعه، فيا ربَّنا اجعَلِ النبيَّ كاملا وفريدا من نوعه. ذلك أن إبراهيم كان نبيا إلى بني إسرائيل، وبلغ الكمالَ من بين الأنبياء المختصين بالأقوام، فأنزلْ يا ربنا أعظمَ أفضالك وأكمل بركاتك على النبي المبعوث للعالم بأسره. ولما كان النبي مبعوثًا للعالم أجمع ولم يكن نبيًّا لقوم واحد فحسب، فانتشار بركاته الكاملة في العالم كله تجعله أعظم درجة من إبراهيم عليهما السلام.

لقد بين المصلح الموعود معنى آخر أيضًا كالآتي:

نتيجةَ رغبته العارمة في أن تسود وحدانية الله في المنطقة أرسل إبراهيم أحد ابنيه إلى بلد عامر ليبلغ فيه رسالة الله، بينما ترك ابنه الثاني في وادٍ غير ذي زرع بمكة ليبلّغ رسالة الله أهلَ تلك البرية عند عمرانها في المستقبل، وإلى كل عابر سبيل يمر من هناك. فكانت في قلبه رغبة عارمة لإعلاء كلمة الله تعالى في البلاد العامرة وفي البراري، فعمّر الله تعالى تلك البرية بعد مدة طويلة تقديرًا لحرقة قلب إبراهيم هذه. فعندما نقول: “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، نتذكر، بل يجب أن نتذكر، هذه اللوعة الإبراهيمية أيضًا، فتتولد في قلوبنا نحن المؤمنين بمحمد أمنية عارمة لتبليغ رسالته ورفعِ هتاف التكبير في المدن وفي البراري وفي كل أرجاء المعمورة، كما سعى إبراهيم لإعلاء اسم الله في منطقته. وعندما ندعو بالصلاة الإبراهيمية ونفكّر أن أولاد إبراهيم أدوا واجبهم الذي عُهد إليهم، وأننا أيضًا نعتبر أنفسنا أولادًا روحانيين للنبي في هذا العصر، فلن نفي حق الصلاة عليه إلا إذا بلّغنا رسالته ورفعنا التكبير باسم الله تعالى في كل شبر من العالم. وإلا فإن الله تعالى وملائكته أيضا يصلّون على النبي سلفًا، وهو ليس بحاجة أن نصلي عليه. الواقع أن الصلاة عليه إنما هو لإحداث الانقلاب في أذهاننا، ولهداية أفكارنا إلى الصراط المستقيم، ولإظهار حبنا للنبي ، ولتذكيرنا بأن أولاد إبراهيم إذا كانوا يستطيعون تقديم التضحيات فلماذا لا يستطيع أولاد النبي الروحانيين تقديمها. علينا أن نكون أكثر تضحية منهم لأننا نؤمن بنبي جاء للعالم أجمع ومجال عملنا هو العالم كله.

* أهمية دعاء: “سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، اللهم صل على محمد وآل محمد”.

وكان بين هذه الأدعية التي نصحتكم بترديدها دعاء علَّمه اللهُ تعالى سيدَنا المسيح الموعود في أثناء مرض خطير جدًا، فشُفي منه بفضل هذا الدعاء. وهو: “سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، اللهم صل على محمد وآل محمد”. وبعد أن تماثل للشفاء أوحي إليه في التو باللغة العربية: “وَإنْ كُنْتُمْ فِيْ رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلى عَبْدِنَا فَاْتُوْا بِشِفَاءٍ مِّنْ مِثْلِه”. فيما يتعلق بالجزء الأول لهذا الدعاء فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم”. (البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ)

لقد جمع الله تعالى في هذا الدعاء الإلهامي حمدَه وعظمتَه مع الصلاة على النبي وجعله وسيلةً للشفاء المادي والروحاني معًا، فعلينا أن نُكثر من هذا الدعاء.

لقد حُذِف حرف العطف “على” في هذا الدعاء الإلهامي فقيل: “اللهم صل على محمد وآل محمد”، بدلاً من “وعلى آل محمد”، وقد قال الخليفة الرابع – رحمه الله تعالى – وبعض العلماء الآخرين أيضًا: لقد تم بهذا الحذف ضمُّ آل محمد إليه مباشرة للإشارة إلى شدة قربهم الروحاني منه . ولا شك أن الله تعالى قد منح المسيحَ الموعود هذا القرب الروحاني أكثر من الجميع، وهذا هو القربُ الذي سيسـتمر فـيضُه إلى يـوم القيامة في جماعـته وجماعة المؤمنـين تحت ظل نـظام الخلافة.

* أهمية دعاء “رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ”

ومن ضمن هذه الأدعية الدعاء القرآني: “رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ”(آل عمران:9). لقد أخبرتكم في مناسبة أخرى أن السيدة نواب مباركة بيغم – رضي الله عنها – بنتَ المسيح الموعود – كانت رأتْ في الرؤيا بعد وفاته أن حضرته أتاها وأوصاها بالإكثار من هذا الدعاء. فروتْ هذه الرؤيا لسيدنا الخليفة الأول ، فقال: إني سأواظب على هذا الدعاء منذ اليوم ولَأُكثِرنّ منه. فهذا دعاء من الله تعالى لتقوية الإيمان، وللاستمساك بحبل الخلافة.

تقول السيدة نواب مباركة بيغم رضي الله عنها: كنت حكيت هذه الرؤيا لإحدى الخادمات عندنا، فوعدت بأنها ستواظب على هذا الدعاء. وكان من بركة هذا الدعاء أنه عندما ابتعد بل ارتد زوج هذه الخادمة عن الجماعة فيما بعد، فإن الله تعالى سلمها من هذه الفتنة، فظلت متمسكةً بالخلافة، فخالعتْ زوجها وذهبت بأولادها إلى قاديان، وهكذا أمِن أولادُها أيضًا من شرِّ هذا الرجـل.

إذًا هذا الدعاء مهمٌّ جدًّا للتمسّك بالخلافة وللأمنِ من الضلال والانحراف. فأحيانًا يزيغ قلب البعض نتيجة ما ينزل الله عليه من نعم، بدلاً من أن تتولد فيه مشاعر الشكر، فمثلاً إذا رأى بعضَ الرؤى الصادقة حسِب أنه أصبح من كبار أولياء الله تعالى وليس له حاجة أن يبايع الخلافة، أو انكشف عليه شيء من المعارف القرآنية فأخذه الزهو فظن أنه عالم فذ يساوي مقامُه مقامَ الخليفة.

فهناك أنواع من الشياطين الذين يتمكنون من القلوب، ولقتلِ هؤلاء الشياطين نصَحنا المسيح الموعود بالقيام بهذا الدعاء القرآني. فإن هذا الزهو يدفع بالإنسان إلى الهلاك ويلقيه في حفرة الدمار. هذا الزهو هو الذي منع معظم المسلمين، وخاصةً العلماءَ مِنهم، أن يؤمنوا بالمسيح الموعود والإمام المهدي . لكن سيكون الأسوأ حظًا منهم مَن يرى هذا الطريق المستقيم ثم ينحرف عنه. لذا فهذا الدعاء مهمٌّ جدًا  لجعْلكم وأولادكم ملازمين لجماعة المسيح الموعود ، فداوموا على هذا الدعاء. فقد ورد في الروايات أن النبي كان يداوم عليه، مع أن قلبه كان طاهرًا نقيًّا وكان يبتغي مرضاة الله دائمًا. فالواقع أنه قد أوصانا بأسوته أن ندعو الله تعالى دومًا لإزالة زيغ القلوب، وعندها سنفوز برضا الله تعالى ونرث نعمه، وسنصبح أنصار المسيح الموعود في تحقيق أهدافه.

دعاء للصبر والثبات

وكان من ضمن هذه الأدعية دعاء:

  رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (البقرة:250)

هذا الدعاء مهمٌّ جدًا للصبر وثبات القدم. وكلمة “أَفْرِغْ” من إفراغ الماء أي إهراقه. فالمعنى ربنا وَفِّقْنا لأن نصبر صبرًا كاملاً ونظل ثابتين على الإيمان عند كل مصيبة.

لقد آذى معارضو المسيح الموعود أيضًا أتباعه إيذاءً لا يمكن معه الثبات على الإيمان لولا فضل الله، لذلك فعلَّمَنا الله تعالى أن ندعوه بأن يهب لنا صبرًا كاملاً، ونكون راضين برضاه، ولا تتزعزع أقدامُنا أبدًا.

أما قوله تعالى وانصُرْنا فقد ورد في المعاجم: نَصَرَ أي ساعدَ المظلومَ ونجّاه من العدو. وعليه فيعني هذا الدعاء: اللّهم اجْعلنا كاملين في الصبر، حتى إذا أصابتنا المصائب في سبيل دينك فلا نفقد الصبر. لقد بايَعْنا على يد العاشق الصادق لرسولك الكريم ، ثم التزمنا بطاعة الخلافة بعده، فوَفِّقْنا للتحلّي بأسوة المؤمنين الكاملين، ولكن نرجوك يا رب أن تُرِينا نُصرتك وأن تنجِّيَنا من الأعداء.

* الدعاء للنجاة من هجمات العدو

ومن ضمن الأدعية التي سنستقبل بها سنةَ اليوبيل المئوي للخلافة دعاء: “اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.”

ورد في حديث عن أبي بردة بن عبد الله عن أبيه قال: عندما كان النبي يشعر بخطر من قوم فكان يدعو:  “اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.”(سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا خاف قومًا)

لقد قام الخليفة الثاني بشرح هذا الحديث وهو يحثّ الجماعة على الدعاء ذات مرة، فقال: كان النبي يقوم بهذا الدعاء إذا ما رأى سوءًا من قوم. فقد ورد في عدد من الأحاديث أنه إذا أحس خوفًا من قوم يريدون الضرر بالإسلام دعا كالآتي: “اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.”

إذًا فكانت عادة النبي الإكثار من هذا الدعاء. والحق أنه دعاء خاص لمثل هذه الحالات، أي في حالة هجوم شتى الأقوام على الإسلام هجومًا موحدًا. وحيث إننا نحن أيضًا نمر اليوم بحالة مماثلة حيث إن بعض الدول تسعى مجتمعة لإلحاق الضرر بجماعتنا، فعلينا أن ندعو كثيرًا. يثير المشايخ ضدنا المشاكل تارةً بمساعدة دولة وتارةً بالتآمر مع دولة أخرى، حتى إننا نُواجه هذه المشاكل في بعض البلاد غير الإسلامية أيضًا. لذا علينا أن ندعو الله تعالى بهذا الدعاء كثيرًا، لأن فيه الاستعانة بالله على الأعداء بأن يحفظنا من شرورهم كلها. هناك طريقتان لهجوم العدو؛ فإما أنه يهاجم من الأمام علنًا فيتلقاه المرء بصدره، وإما أن يتآمر ويبثّ الشرّ من الخلف من حيث لا يُدرى. وهذا الدعاء يرد كيد العدو أيًا كانت طريقة هجومه. فالجملة الأولى: “نجعلك في نحورهم” دعاءٌ لرد الهجمة الظاهرة التي تقع من الأمام، لأن النحرُ يقال لأعلى الصدر الذي يكون أمامًا، فكأننا نقول: ربنا نسألك أن تردّ هجمتهم إلى نحورهم. أما الجملة الثانية فهي دعاء لرد شرور الأشرار الذين يكيدون سرًّا للإساءة إلى الجماعة وأفرادها. فعلينا أن ندعو الله تعالى ليحمينا شرور العدو كلها، سواءً هاجمَنا من أمامنا أو من خلفنا. يجب أن ندعو بهذا التفكير لأن الإنابة إلى الله تعالى وحدها تحمينا من شرورهم. إننا لا نملك أي قوة. ليس لدى جماعة المسيح والمهدي وسيلة في هذا الزمن إلا الدعاء. لقد أوتينا سلاح الدعاء الذي علينا أن نستخدمه ونحتمي به من شرور العدو، والذي يمكّننا من الدفاع من هجمات الشيطان كلها. فلذا يجب أن تهتموا بالعبادات اهتمامًا كبيرا وتدعو الدعاء كثيرًا.

* أهمية الاستغفار وحقيقته

وبصدد تلك الأدعية كنتُ نبّهتكم إلى ضرورة الاستغفار: “أستغفر الله ربي من كل ذنب وأتوب إليه”. لقد قال المسيح الموعود في شرح الاستغفار:

“إن الاستغفار هو في الحقيقة رجاء من الله تعالى أن يستر الضعف البشري فلا يدَعه ينكشف وأن يُساند الفطرة الإنسانية بقوّته ويأخذها في كنف حمايته ونصرته. هذه الكلمة مشتقَّةٌ من “غَفَرَ” أي سَتَرَ، فمعناها أن يستر اللهُ تعالى بقوّتِه ما في الشخص المستغفِر من ضعف فطري. ولكن معنى الاستغفار يتسع لعامَّة الناس أكثر، فيكون المراد أن يستر الله تعالى ما صدر من المرء من آثام؛ ولكن المعنى الأصلي والحقيقي للاستغفار هو أن يحمي اللهُ المستغفِرَ من ضعفه الطبيعي بكامل قدرته، ويهب له من قوّته ويعطيه من عِلمه وينوِّره من نوره. ذلك لأن الله تعالى لم يتخلّ عن عبده بعد أن خلقه، بل إنه تعالى كما هو خالقُ الإنسانِ وخالقُ قواه الداخلية والخارجية، كذلك هو قيّومٌ له.. أي أنه تعالى لا يزال يحافظ عليه بقدرته الخاصة. وحيث إن  من أسماء الله تعالى “القيوم”، أي المحافظ على خلقه بقدرته، فلا بد للإنسان أن يحمي نقشَ خلقِه من الفساد بفيض صفة الله “القيوم” مثلما خُلق بفيض صفة الله “الخالق”……. إذًا فكانت هذه حاجة طبيعية للإنسان ولذلك أُمِرَ بالاستغفار. وقد أشير إلى هذا الأمر في القرآن الكريم بقوله تعالى: اللهُ لا إلهَ إلا هو الحيُّ القيّومُ .. فهو قيّوم كما هو خالق، وعملُ صفته “الخالق” ينتهي عند خلق الإنسان، لكن عمل صفته “القيّوم” مستمر دومًا، لذا يظل الإنسان بحاجة إلى الاستغفار دومًا. فالحاصل أن لكل صفةٍ من الصفات الإلهية فيضٌ، والاستغفارُ يساعد على الاستفاضة من فيض صفة الله “القيوم”، وإليه تشير آيةُ إياك نعبد وإياك نستعين في سورة الفاتحة.. أي نسألك أن تعيننا بقيّوميتِك وربوبيّتِك، فتحفظنا من الضلال لكيلا يصدر منا الضعفُ، فلا نتمكن من عبادتك”. Review of Religions مجلة “مقارنة الأديان”، 2 أيار/مايو 1902م، المجلد الأول، رقم 5 الصفحة 187-189).

فالاستغفار دعاءٌ مهمٌّ جدًا للنجاة من الهجمات الشيطانية التي تقع عند كل خطوة. ليس لقتل الشيطان المتربص بنا عند كل خطوة إلا طريق واحد وهو أن نستعين بالله ونطلب منه القوة. وقد بيَّن الله تعالى نفسُه لنا أن طريق الاستعانة هو الاستغفار، فإنه يحميكم من هجمات الشيطان، ويمكّنكم  من مقاومته، ويُطهركم من الذنوب السابقة، ويُنقذكم من النقائص البشرية. والذين سيُنيبون إلى الله تعالى ويدعونه ويهتمون بعبادته ويستغفرونه، فإن الله تعالى سيشملهم بقيُّوميَّتِه ويكون معهم وينقذهم من كل سيئة.

إذًا هناك حاجة ماسّة لأن نُكثر ونداوم على الاستغفار والاستعاذة بالله باهتمام خاص، من أجل دوام هذه النعمة التي أنزلها الله علينا بصورة الخلافة حتى تظل مستمرة في أولادنا إلى يوم القيامة. وفّق اللهُ تعالى كلَّ أحمدي لأن يحقِّق الغاية من بعثة المسيح الموعود وأن ينهل من فيضه الذي أفاضه الله تعالى فينا بصورة الخلافة، فنودِّع القرن الأول من الخلافة ونستقبل القرن الجديد بأدعية تجذب حبَّ الله تعالى.. أدعيةٍ تهزُّ قوائم عرش الرحمن.. أدعيةٍ تنفخ الروحَ في الأموات. فإذا ودّعنا هذا القرن ودخلنا في القرن الجديد هكذا بأدعيJتنا وتزكية نفوسنا،  فسوف نرى وعد الله تعالى كتَب الله لأغلبنّ أنا ورسلي متحقJقًا في حياتنا بشكل أفضل وأروع.

فيا أحبّاء المسيح المحمدي، حافِظوا على هذه الأمانة التي أَسلمها المسيحُ الموعودُ إليكم لكي تنتفعوا من وعد الله الذي قطعه مع المؤمنين. فحافظوا عليها بعملكم وأدعيتكم، وادخلوا مع هذه النعمة في القرن الجديد بالأدعية لكي تُعطي هذه الشجرةُ أكُلها على الدوام نتيجة التضحيات التي قدّمها آباؤكم وقدّمتموها أنتم. لقد أكلتم ثمار ما زرعه آباؤكم، فازرعوا الآن زروعًا جديدة واسقوها بأدعيتكم ليأكل أولادُكم أيضًا ثمارها الطيبة في القرن الجديد من الخلافة. هذا هو الطريق الأمثل لوداع القرن الأول واستقبال القرن الجديد من الخلافة، وإلا لا تُعَدّون من المؤمنين الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. وفّقنا اللهُ تعالى جميعًا للوفاء بعهودنا.

ستنتهي هذه الجلسة بعد الدعاء. وفّقنا الله جميعًا للعودة إلى ديارنا سالمين غانمين، ووقاكم من كل سوء وحزن،  وأجاب في حقكم كل الأدعية التي دعا بها المسيح الموعود لجماعته وللذين يحضرون هذه الجلسة. أتمنى لكم العودة إلى بيوتكم بالسلامة. لقد عانى بعض الضيوف من الأحوال الجوية والصعاب في حركة المرور. جزى الله كل أولئك الذين حضروا هنا مرة بعد أخرى رغم هذه المعاناة. لقد رأيت الأطفال والنساء يتبللون في المطر ساعات، وكنت أظن أنهم ربما لا يأتون غدًا، ولكن الحضور في اليوم التالي كان كالسابق. هذه الحماسة الإيمانية من خصوصيات الأحمدي، فحافِظوا عليها دائما ولا تدَعوها تفتر وتتلاشى.

لقد أخطأ شرطة المرور في تقييم الأحمديين، وتدخّلَ بعض ضباط شرطة المرور في بعض الحالات بدون داع، مع أن تمرير الناس كان ممكنًا بمنتهى السهولة. إن هؤلاء لم يشاهدوا إلا احتفالاتهم المادية فقط، ولا يعرفون أن مزاج الجماعة الإسلامية الأحمدية يختلف عن الآخرين تماما، ولو أنهم استعانوا بخدام الجماعة في المرور لما حصلت المشاكل بهذا القدر. المهم، أن الذين أتوا من الخارج تعرضوا للمعاناة لهذا السبب أيضًا، ولكن لا بد من تحمل المشاكل البسيطة في سبيل رضا الله تعالى، ولا بأس لو تعرضنا لها، لأن الله تعالى يُجزل الجزاء عليها. حفظكم الله كلكم، وأبلغكم إلى بيوتكم تحت حمايته ورعايته. آمين.

أما فيما يتعلق بعدد الحضور فقد أخبرني المسؤولون أنه قد بلغ 25128 شخصًا، مع أنهم كانوا يخافون بسبب سوء الأحوال الجوية أن يكون الحضور أقلَّ من هذا. إن 2193 شخصًا منهم قد أتوا من باكستان، و 4815 من ألمانيا، إلى جانب عدد لا بأس به من بلاد أخرى. أما الباقون فهم من هنا. أدعو الله تعالى أن يجعل الجميع ورثةً لأفضاله وأن يستجيب جميع هذه الأدعية في حقهم. تعالَوا نَدْعُ الآن.

Share via
تابعونا على الفايس بوك