"لن أنزع  قميصا  ألبسنـيه  الله..."  

“لن أنزع  قميصا  ألبسنـيه  الله…”  

التحرير

  • موجز سيرة الخلافة الراشدة الأولى والحكومات من بعدها
  • خارطة زمنية لمسار الحكومات الإسلامية
  • من يملأ الفراغ بعد حائط الصد الأخير المتهالك؟
  • محاولات شتى والقرار إلهي (الخلافة أحمدية)

__

“لن أنزع قميصا ألبسنيه الله…” إعلان تاريخي خالد لثالث الخلفاء الراشدين ذي النورين عثمان بن عفان أثناء الفتنة التي حاصرته، وقد أصاب كبد الحقيقة بهذا اللفظ الوجيز البليغ الذي حمل بين طياته معاني الخلافة الحقة التي يختار الله من يشاء من عباده هبة ورحمة وفضلا من عنده لخلافة النبي وتمثيل سلطانه الروحي والسير بجماعة المؤمنين إلى بر الأمان. وكما يبدو جليا من هذه العبارة فإن الذي يقيمه الله واستخلفه إنما يقيمه عن استحقاق وتقوى وجدارة روحية إذ لا يحق لأحد أن ينازع أمره أو يسعى لعزله والخروج عليه ما دام رب العزة قد خلع عليه قميص الخلافة وجعله له دثارا ولباسا. فلو أدرك المسلمون هذه الحقيقة لما انقطعت عنهم سلسلة الاستخلاف. فبعد انتخاب سيدنا أبي بكر خليفة تبعه نفر من الصحابة بينما سائر العرب بغوا عليه وطغوا واتبعوا سبيل أبا جهل وأعوانه والدجاجلة المتنبئين تاركين الخليفة الذي أقامه الله ووصي رسول الله . ثم لما اختار الله سيدنا عمر خليفة لرسوله وقع المسلمون في نفس الخطأ حتى أن التاريخ يخبرنا أن سيدنا عمر في أيامه الأخيرة لما قدم للحج أخذ بعض الغوغاء يختارون من سيخلفه وهو ما زال حيا حتى اغتالته زمر الغدر والخيانة وهو في المحراب يؤم المؤمنين عند صلاة الفجر..

أما الخليفة علي كرم الله وجهه ثار عليه الثائرون الخوارج لعزله تحت ذريعة واهية حتى امتدت إليه يد عبد الرحمن ابن ملجم الآثمة غدرا وغيلة فقتلته… ولما انقضى عهد بعيد على زمن الخلافة الراشدة الأولى التي كانت نموذجا صادقا للمثل العليا والقيم الإسلامية والقيادة المؤمنة ولجت الأمة مرحلة أخرى بعدما ارتفعت الخلافة الراشدة واشتاقت الأمة لمن يجمع كلمتها ويوحد صفوفها ويفصل في تنازعها ويصون ثغور ديارها، فأقاموا باجتهادهم ملكا عضوضا باسم الخلافة لم يرق إلى تقوى الخلافة الراشدة فتوالت الملوكية تلقي بضلالها في سلالة الأمويين والعباسيين متدثرة بشعار الخلافة تسوس أمور المسلمين. وجميع هؤلاء كانوا فعلا أقرب إلى الملوكية منهم إلى الخلافة المنشودة إذ غاب فيهم الجانب الروحي وطغى عليهم الجانب المادي الدنيوي من بذخ وتبذير لأموال بيت المال في القصور والمعازف والقينات والشعراء والجواري، حتى أن هؤلاء الخلفاء الملوكيين اتخذوا لهم عواصم بعيدا عن عاصمة النبي وخلفائه الراشدين.

لقد تنبأ النبي عن مستقبل الخلافة بعده مشيرا إلى كل تلك المراحل. ولا شك أن المتمعن في الحديث النبوي الشريف:

“تَكُونُ النُبوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ الله أنْ تَكُونَ،  ثُمَّ يَرفَعُهَا إذَا شَاءَ أنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافة عَلَى مِنْهَاجِ النُبوَّةِ،  فَتَكُونُ مَا شَاءَ الله أنْ تَكُونَ، ثُـمَّ يَرْفَعُهَا إذَا شَاءَ الله أنْ يَرْفَعَهَا،  ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا،  فَيَكُونُ مَا شَاءَ الله أنْ يَكُونَ،  ثُمَّ يَرفَعُهَا إذَا شَاء أنْ يَرفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْـرِّيَةً،  فَتَكُونَ مَا شَاءَ الله أنْ تَكُونَ، ثم يَرفَعُهَا إذَا شَاءَ أنْ يَرفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافةً عَلى مِنْهَاجِ النُبوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ. (مسند أحمد بن حنبل، حديث النعمان بن بشير)

 يعي أن الرسول قد وضع لنا رسما بيانيا رائعا يُظهر لنا ما سيحدث للخلافة بعده بما في ذلك تجليات مظاهر الاستخلاف الحقيقي إلى أن تعود في نهاية المطاف خلافة على منهاج النبوة في زمن المسيح الموعود .. فالخلافة الراشدة الأولى ولا شك عاملة بحسب منهاج النبي وإرشاداته إذ كان الخلفاء الراشدون الأربعة رضوان الله عليهم بحق وحقيقة نماذج صادقة للمثل العليا والقيم الإسلامية والقيادة الرشيدة التي انصبغت في مواقفها بتعاليم المصطفى .

وإحقاقا للحق وإنصافا للتاريخ نقول أنه رغم أن هؤلاء الخلفاء الملوكيين لم يلتزموا بأحكام الشريعة كما ينبغي إلا أنهم كانوا مع ذلك أفضل بكثير وأرقى قياسا مع حكام وملوك الدول الأخرى في عصرهم الذين كانوا جبارين طغاة مفسدين.

ثم جاءت الخلافة الملوكية العثمانية واستمرت ردحا من الزمان حتى أسقطتها الدسائس الخارجية والداخلية سنة 1924 فانهدم ذلك السور الواقي الذي لطالما حال دون الأطماع الأجنبية فتداعى الدجال إلى ديار المسلمين بجنده وساسته يمزق أوصال جغرافيتهم إلى دويلات وممالك وقوميات فأحدث اضطرابا وخوفا وإحباطا في العالم الإسلامي..

ولقد أعرب الكثيرون من العلماء والفقهاء عن قلقهم لهذا الفراغ الذي حدث من جراء إلغاء الخلافة العثمانية وزاد في هذا القلق فشل المحاولات المتكررة لإقامة الخلافة من جديد وظلت نفوس كثير من رجال الدين والساسة المسلمون تهفو لإحياء الخلافة.

حتى قال أحدهم:

“..ما زالت نفوس المؤمنين تتتبع الخلافة وتشتم ريحها وتتنسم أخبارها وتستعيد ذكرياتها. وإن لم يكن ذلك للخلافة العثمانية التي ذهبت فهو ولا شك للخلافة الراشدة التي مضت ولم تمض آثارها الخالدة وآياتها البالغة الرائعة في الحكم والسياسة والعدل. والتي لبس المسلمون من أمجادها ثوب العزة والفخر جيلا بعد جيل. إن الذي بين المسلمين وبين الخلافة اليوم من جفوة وقطيعة هو في الواقع جفوة وقطيعة بين المسلمين والإسلام نفسه”.

فلا شك أن الأمة ملتهفة لإحياء الخلافة.. لكن الأماني لوحدها لا تكفي، فبدون النبوة لا تأتي الخلافة، وما لم يقم الله أحدا خادما من خدام المصطفى وفق وعوده لن يتم إصلاح ولا تصحيح ولا خلافة ولا استخلاف. فقد علّمنا سبحانه وتعالى بقوله: لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأخبرنا الرسول في حديثه  “ما كانت نبوة قطّ إلا تبعتها خلافة.” وقوله تعالى:

  وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ

فحتما إن صلاح الأمة وتغير حالها أول شرط للاستخلاف الإلهي لها وهذا لا يحصل إلا بعد إيمانها وتصديقها واستجابتها للمبعوث السماوي الذي يقود عملية الإصلاح الروحي في الأمة بأمر الله تعالى.

ولقد سعى المسلمون بمحاولات عملية لإقامة الخلافة من جديد. وقد شجعهم وزاد في آمالهم ما جاء في ذلك الحديث الشريف الذي نحن بصدده والذي ينتهي بتنبؤ النبي الكريم بإقامة خلافة على منهاج النبوة والذي صور لنا النبي فيه جميع مراحل تطور الخلافة الإسلامية بعده وجاء مطابقا وصادقا لكل ما حدث حتى اليوم وإلى ما بعد اليوم.

وبعد أن قامت الخلافة الإسلامية الأحمدية بأمر من الله وعلى منهاج الخلافة الراشدة كما يشير الحديث الشريف. والتي قد ثبتت وترسخت أركانها وازدهرت على مدى قرن من الزمن يستحيل أن تقوم خلافة ثانية على أيدي البشر إلى جانب هذه الخلافة. وهذا يستدعي من معارضينا وقفة تأملية جادة مع عقولهم وإيمانهم. ثم أليس من عجائب ألطاف الله أن الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية الممتدة خلافتها ردحا من الزمان إلى الآن ما زالت تؤتي أكلها كل حين حتى أننا احتفلنا بيوبيلها المئوي شكرا لله وثناء عليه أنها وحدها نجحت في إقامة هذه الخلافة المنتظرة ورعتها ووطّدت أركانها طيلة مئة عام وبذلك رفعت الإثم عن الأمة الإسلامية كلها

هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ .

وأخيرا الحمد والشكر لله تعالى الذي رعى الخلافة الأحمدية وأوصلها إلى يوبيلها المئوي الأول. وبهذه المناسبة ترفع أسرة “التقوى” إلى المؤمن المجاهد الذي ألبسه الله قميص الخلافة سيدنا ومولانا مسرور أحمد  أمير المؤمنين الخليفة الخامس للإمام المهدي والمسيح الموعود أطيب وأخلص التهاني داعين الله تعالى أن ينصره ويؤيده ليظهر دين الله الإسلام على الأديان كلها وفي الأماكن كلها ويسير بجموع المسلمين إلى وحدة الكلمة والصف والسلامة والإسلام والعزة والسؤدد.

كل عام وأنتم جميعا بخير      وكل قرن والخلافة بألف خير.

Share via
تابعونا على الفايس بوك