في رحاب العربية
  • مسوؤلية العربي والمسلم تجاه اللغة العربية
  • تعلم لغة المسيح الموعود “الأردية”
  • السبيل إلى التمكن من العربية
  • المسيح الموعود u وتعلم العربية
  • بعض الأخطاء الشائعة وتصويبها

__

“والله لأَنْ أُهْجى بالعربية، أحبُّ إليَّ من أن أُمدح بالفارسية!”

الحمد للذي خلق الإنسان وعلمه البيان وجعل العربية أمًّا لكل لسان وبث منها ألسنة في البلدان وشاء أن تكون لغة القرآن وأنزله على قلب خير الأنام وأفصح البشر وجامع جوامع الكلم محمد المصطفى عليه الصلاة والسلام وعلى عبده المسيح الموعود الذي وُهب ملكة خارقة للعادة في اللسان العربية فعُلِّم بفضل الله المنان أربعين ألفا من اللغات العربية فجاوز النابغة وسحبان وأصبح واحد الدهر في مناهج البلاغة والعلوم الأدبية؛ يؤتي الفضل من يشاء ويعز من يشاء وهو على كل شيء قدير.

إن الله قد شرّف العربية بجعلها لغة كتابه الكريم الذي وعد بحفظه إلى آخر الأيام والأزمان فقال وهو أصدق الصادقين:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون (الحجر: 10)

فكم هي نعمة كبيرة علينا نحن العرب؛ أن كان رسول الله عربيًا، وكتابنا القرآن الكريم عربيًا، وأن المسيح الموعود كتب لنا ما يزيد على عشرين كتابا بلغتنا؛ فهل نعي حقا هذه النعمة ونقدرها حق تقديرها؟ إن من أبسط حقوق هذه اللغة العظيمة علينا أن نتقنها ونعطيها حقها فلا نسمح لأنفسنا إلا أن نكتب ونتكلم بلغة سليمة إن لم تكن فصيحة أو فصحى، وأن نعلم أولادنا أهمية اللغة العربية وأن نحرص عليها حرصنا على كل غالٍ لدينا. تلك هي مسئولية العربي عموما والمسلم العربي خصوصا فما بالك لو كنت أحمديا؟ إن نصرة الإسلام منوطة بغلبة جماعة المسيح الموعود والذين وصفوا بالآخرين في القرآن الكريم، فعلى الأحمدي عموما أن يكون حريصا على تعلم العربية وفهمها لأنها أساس اكتساب العلوم الدينية وهي لغة القرآن الكريم، وتصبح المسئولية أعظم عندما يكون الأحمدي عربيًا. ولا يعني كلامي هذا ألا نهتم باللغات الأعجمية وألا نتعلمها بل هذا واجب علينا وضرورة أيضا. إن أردنا نصرة الإسلام الحق وإيصال تعاليم المسيح الموعود فلا بد من معرفة لغات الأقوام الأخرى. ولا بد أن يأتي اليوم الذي يتوجه به الأحمديون العرب إلى تعلم اللغة الأردية التي نشر بها المسيح الموعود جلّ كتاباته بما تحويه من كنوز ربانية. لقد كان المسلمون الأوائل من غير العرب كالفرس وغيرهم يتعلمون العربية إلى درجة الإتقان ويذوبون فيها كل الذوبان حتى لا يُعرفوا أعربٌ هم أم من العجم؛ ويحضرني هنا قول العالم الشهير أبو الريحان البيروني (362-440 هـ) الفارسي الأصل إذ قال:

“والله لأَنْ أُهْجى بالعربية، أحبُّ إليَّ من أن أُمدح بالفارسية!”

فكم كان حب البيروني عظيما لهذه اللغة التي أُنزل بها القرآن الكريم. وإني لأرجو رؤية اليوم الذي نستفيق به كأحمديين عرب وننكب فيه على تعلم لغة المسيح الموعود انكباب من سبقنا من العلماء المسلمين العجم على لغتنا العظيمة، فننهل من هذا النبع الصافي مباشرة دون وسيط ونشرب من قربته التي دعانا إليها بلسان عربي مبين، وننقلها إلى لغتنا العظيمة ليفيد منها كل من ينطق بالضاد، يقول المسيح الموعود :

الله مقصد مهجتي وأريده

في كل رشح القلم والإملاء

.

يا أيها الناس اشربوا من قربتي

قد ملئ من نور المفيض سقائي

لا شك أن حب الوطن من الإيمان ومن يحب وطنه لا بد أن يحب لغته ويبلغ فيها درجة الإتقان. يقول الدكتور عثمان أمين في كتابه (فسلفة اللغة العربية) عن حب اللغة: “ ومن لم يبذل الجهد في بلوغ درجة الإتقان في أمر من الأمور الجوهرية، اتسمت حياته بتبلد الشعور وانحلال الشخصية، والقعود عن العمل، وأصبح ديدنه التهاون والسطحية في سائر الأمور”. إن أهل الغرب من إنجليز وفرنسيين وألمان وغيرهم يتعصبون للغتهم ويصرون على أن يتعلمها طلابهم من المواطنين والأجانب على أصولها، وعلى أن يعتذر من يخطئ بقوله أو بكتابته فيها. أليس الأولى بنا أن نكون أكثر حرصا واهتماما بلغتنا ليس من باب التعصب بل لأن لغتنا لغة رسالة عظيمة منوط بها إحياء أهل الأرض على اختلاف دياناتهم وأعراقهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور وجلبهم إلى الله الواحد الأحد.

وكم هو كبير تهاوننا بهذه اللغة العظيمة حتى أننا نرى الأخطاء الكثيرة قد شاعت فيها وأصبحت دارجة لا يؤبه لها فتسربت إلى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة وإلى الإعلانات المكتوبة المنتشرة في كل مكان على جانبي الطرقات والشوارع. ولا بد هنا من الإشارة إلى السخف المأثور في أن الخطأ المشهور خير من الصواب المهجور؛ فالخطأ الشائع ليس ضربا من التطور وشيوعه لا يعطيه حق البقاء. ومن العجب أن ترى وتسمع المثقفين العرب والمسئولين في وسائل الإعلام المختلفة يخطئون بكلامهم وكتاباتهم دون أدنى شعور بالذنب والمسئولية أمام من يستمعون لهم ومن يعتبرونهم القدوة ويأخذون عنهم؛ عيبهم هذا لا يمس لغتهم ومكانتهم وثقافتهم فقط بل يمس رجولتهم كما قال الأديب طه حسين:

“إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا معرفة لغتهم، ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضا”.

فما هو السبيل إلى التمكن من العربية وإتقانها؟

يقول ابن خلدون في مقدمته: “إن حصول ملكة اللسان العربي إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب حتى يرتسم في خياله المنوال الذي نسجوا عليه تراكيبهم، فينسج هو عليه ويتنَزَّل بذلك منـزل من نشأ معهم وخالط عباراتهم في كلامهم، حتى حصلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم”. فملكة اللغة تكتسب بالحفظ والسماع أكثر مما تكتسب بالضابط والقاعدة، فدور كتاب القواعد يأتي لاحقا، ولذلك كان الأوائل يرسلون أبناءهم صغاراً إلى البادية ليسمعوا اللغة الصافية ويحفظوها فتنشأ لديهم السليقة. وفصاحة اللغة العربية ليست بمفرداتها بل في تركيب ألفاظها، كما أن اللحن الموسيقي الجميل ليس بعلامة موسيقية منفردة بل بضمها إلى غيرها.

والحد الأدنى المطلوب منا هو التمكن من العربية السليمة الخالية من الأخطاء ثم يمكن التضلع من الفصيحة ثم الفصحى. ولما كان مستوى الأداء بالعربية لدى المتعلمين قد تدنى ولم يعد لدى معظمنا سليقة لغوية سليمة فأين نجد الفصحى والفصيحة وإلى أين نرسل أطفالنا لنيل هذه السليقة؟ فقد أصبح من النادر في هذه الأيام التمكن من سماع لغة عربية راقية يمكن القياس عليها والاقتباس منها؛ فلا بد من اتباع المنهجية ذاتها التي نتبعها عند تعلمنا لغة أعجمية سليمة وذلك وفق ما يلي:

‌أ.  قراءة الكثير من النصوص الفصيحة القديمة والحديثة قراءةً مُتَرَوِيَّة، مع إنعام النظر في المفردات والتراكيب لحفظها واستعمالها والقياس عليها. وأن نعَود أولادنا منذ صغرهم قراءةَ هذه النصوص؛ ويأتي على رأس قائمة الكتب القرآن الكريم ثم الأحاديث والسيرة وما كتب الأدباء العرب وفطاحل شعرائهم. ولا بد لنا كأحمديين عرب بالإضافة لما سبق أن نقرأ مرارا وتكرارا ما كتبه المسيح الموعود بالعربية والذي وصف كماله في هذا اللسان بقوله:

“وإنّ كمالي في اللسان العربي، مع قلّة جهدي وقصور طلبي، آية واضحة من ربّى، ليظهر على الناس علمي وأدبي، فهل من معارض في جموع المخالفين، وإني مع ذلك عُلّمتُ أربعيْن ألفاً مِن اللغات العربيّة، وأعطيتُ بسطة كاملة في العلوم الأدبيّة، مع اعتلالي في أكثر الأوقات، وقلّة الفترات، وهذا فضل ربّى أنه جعلني أبرع من بني الفرات، وجعلني أعذب بياناً من الماء الفرات، وكما جعلني مِن الهاديين المهديين، جعلني أفصح المتكلمين، فكـم من مُـلَحٍ أعطِيتُها، وكم مِن عذراء عُلمتها، فمن كان مِن لُسن العلماء، وحوى حُسن البيان كالأدباء، فإني أستعرضه لو كان من المعارضين المنكرين. وقد فُقتُ في النظم والنثر، وأعطيت فيها نوراً كضوء الفجر، وما هذا فعل العبد إن هذا إلاّ آية ربّ العالمين، فمن أبى بعد ذلك وانزوى، وما بارزني وما انبرى، فقد شهد على صدقي ولو كتم الشهادة وأخفى”.

‌ب. والرجوع المتكرر إلى المعاجم اللغوية الجيدة.

‌ج. والاستعانة بكتاب جيد في قواعد العربية.

‌د.  والاطلاع على بعض معاجم الأخطاء الشائعة.

وتحسين أداء الكتابة باللغة العربية يتطلب كثرة القراءة وكثرة السماع ثم القياس على ما قرأنا وما سمعنا مع التنبه للأخطاء النحوية واللغوية الشائعة في الكتابات المعاصرة. ولسوف أعرض إن شاء الله من خلال مجلة التقوى بعض هذه الأخطاء والصواب فيها مع التذكير بأهم القواعد النحوية والصرفية واللغوية لنفيد منها ونحسن أداءنا في الكتابة بلغتنا العظيمة راجيا الله أن تكون نفعا للكاتبين بالعربية، وسوف آتي بالأمثلة الداعمة للتصحيح ليس فقط مما عهدنا من الكتابات العربية بل ومن كلام المسيح الموعود بهذا اللسان الذي اجتمع فيه الهدي والبيـان.

  1. الخطأ في استعمال: (تَواجَدَ)

تَواجَدَ فلانٌ: أرى من نفْسه الوجْدَ والوجْد: هو الحُب الشديد أو الحزن على وَفْقِِ السياق.

فلا تقل: (على الطلاب التواجد في المدرج).

وقل: على الطلاب الحضور…

ولا تقل: (يستخرج الحديد المتواجد في الأرض…)

وقل: يستخرج الحديد الموجود…

يقول المسيح الموعود :

“وإني سمعت أن بعض الجهلاء وطائفة من السفهاء يقولون إن الخسوف والكسوف في رمضان وإنّ كنا نجد مؤيّده الفرقان ومع ذلك يوجد في الأخبار ويتلى في الآثار ولكنا لسنا بمطمئنين وعالمين بأنه ما وقع في أوّل الزمان وما ثبت غرابته عند أهل الأديان فكيف نكون مستيقنين”.

  1. الخطأ في استعمال: (مبروك)

جاء في (المعجم الوسيط): «بارك اللهُ الشيءَ وفيه وعليه: جعل فيه الخيرَ والبركة» فهو مبارَك.

وجاء فيه: «بَرَكَ البعيرُ: أناخَ في موضعٍ فَلَزِمَه.»، «برك على الأمر: واظب» فالأمر مبروك عليه!! أي مُواظَبٌ عليه.

لا تقل إذن: (مبروك نجاحك أو زواجك)

وقل: مبارك نجاحك…

يقول المسيح الموعود في سياق ذكره آيتـي الكسوف والخسوف:

وقد نبذوا التقوى وراء ظهروهم

وألهتهم الدنيا عن المولى الغني

.

ووالله إن اليوم يوم مبارك

يذكرنا أيام نصر المهيمن

فلنقل إذا: مبارك احتفالنا بمرور مئة عام على الخلافة الراشدة الأحمدية… مبارك يا سيدي يا أمير المؤمنين ويا جماعة المؤمنين. ولا تقل (مبروك…). (يتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك