الخلافة الإسلامية وتطورها  في العصر الحاضر

الخلافة الإسلامية وتطورها  في العصر الحاضر

عبد الله أسعد عودة

  • حديث مستقبل أمة الإسلام
  • الحال بعد إلغاء دولة (الخلافة) العثمانية
  • بعض المحاولات الساعية لإقامة الخلافة
  • الخلافة نعمة إلهية تستحق الشكر

__

لا بد لنا ونحن نسـتعـرض مراحل تطور الخلافة الإسلامية بعد وفاة النبي من أن نتوقف عند الحديث الشريف الذي تنبأ به عن مستقبل الخلافة بعده والذي قال فيه:

“تَكُونُ النُبوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ الله أنْ تَكُونَ،  ثُمَّ يَرفَعُهَا إذَا شَاءَ أنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافة عَلَى مِنْهَاجِ النُبوَّةِ،  فَتَكُونُ مَا شَاءَ الله أنْ تَكُونَ، ثُـمَّ يَرْفَعُهَا إذَا شَاءَ الله أنْ يَرْفَعَهَا،  ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا،  فَيَكُونُ مَا شَاءَ الله أنْ يَكُونَ،  ثُمَّ يَرفَعُهَا إذَا شَاء أنْ يَرفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْـرِّيَةً،  فَتَكُونَ مَا شَاءَ الله أنْ تَكُونَ، ثم يَرفَعُهَا إذَا شَاءَ أنْ يَرفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافةً عَلى مِنْهَاجِ النُبوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ. (مسند أحمد بن حنبل، حديث النعمان بن بشير)

وبهذا المعنى أورد ابن كثير حديثا شبيها عن النبي جاء فيه “الخلافة بعدي أربعون سنة ثم تكون ملكا عضوضا ” . وإذا ما تتبعنا تطور الخلافة بعد النبي نرى أن هذا الحديث قد وضع لنا رسما بيانيا رائعا بحيث يُظهر لنا ما حدث للخلافة بعد النبي وإلى يومنا هذا .

لقد قامت الخلافة الراشدة فعملت حسب منهاج النبي وإرشاداته وكان الخلفاء الراشدون الأربعة بحق وحقيقة هم النماذج الصادقة والمثل العليا والقدوة الصالحة للمسلمين على مر سني حياتهم.

يقول المستـشـرق “جرونبـاوم” في كتابه  “حضارة الإسلام” ص. 184:

“والحق أن سنوات حكم النبي العشر في المدينة مضافا إليها الثلاثون سنة التي أعقبت وفاته كانت قوام العصر الذي صارت فيه الجماعة الإنسانية أقرب ما تكون إلى الكمال”.

ثم انتقلت الخلافة إلى بني أمية ومنهم الى العباسيين وأخيرا إلى العثمانيين. وجميع هؤلاء كانوا فعلا أقرب إلى الملوكية منهم إلى الخلافة المنشودة. حتى إن هؤلاء الخلفاء اتخذوا لهم عواصم بعيدا عن عاصمة النبي وخلفائه الراشدين.

هؤلاء الخلفاء الملوكيون رغم أنهم لم يلتزموا بأحكام الشريعة كما ينبغي إلا أنهم كانوا مع ذلك أفضل وأعدل وأرقى من حكام وملوك الدول الأخرى في عصرهم وكانوا رموزا للمسلمين أجمعين وعلى مر العصور. وكانت الروح الإسلامية بما فيها من الرحمة والعدالة والأخوة الإنسانية لا زالت هي المسيطرة في المجتمع. وفي ظل هؤلاء الخلفاء عاشت الشعوب الإسلامية في أمان وكرامة. وفاضت الخيرات ونما العلم والعمران وازدهرت الحضارة ولم يكن هناك حرق للخارجين عن الدين ولا محاكم تفتيش كما حدث في أوروبا .

ثم جاء إلغاء الخلافة العثمانية سنة 1924 (بتآمر مع الغرب) فأحدث اضطرابا وخوفا وإحباطا في العالم الإسلامي لأن مؤسسة الخلافة كانت رمزا إسلاميا راسخا في ذاكرة المسلمين وضمائرهم.

لقد أعرب الكثيرون من العلماء والفقهاء عن قلقهم لهذا الفراغ الذي حدث من جراء إلغاء الخلافة العثمانية وزاد في هذا القلق فشل المحاولات المتكررة لإقامة الخلافة من جديد.

من هؤلاء العلماء الأستاذ الدكتور عبد الكريم الخطيب في كتابه “الخلافة والإمامة” (بيروت 1975)  يقول : “أتحسبون أن نفوس المسلمين قد استراحت بزوال الخلافة العثمانية وسوّت حسابها معها؟  كلا! إن ذلك لم يكن ولن يكون. فما زالت نفوس المؤمنين تتتبع الخلافة وتشتم ريحها وتتنسم أخبارها وتستعيد ذكرياتها. وإن لم يكن ذلك للخلافة العثمانية التي ذهبت فهو ولا شك للخلافة الراشدة التي مضت ولم تمض آثارها الخالدة وآياتها البالغة الرائعة في الحكم والسياسة والعدل. والتي لبس المسلمون من أمجادها ثوب العزة والفخار جيلا بعد جيل. إن الذي بين المسلمين وبين الخلافة اليوم من جفوة وقطيعة هو في الواقع جفوة وقطيعة بين المسلمين والإسلام نفسه”.

وهذا عالم مسلم آخر هو الدكتور محمد ضياء الدين يقول في كتابه: “الإسلام والخلافة في العصر الحاضر” (القاهرة 1973 ص 296): “الخلافة فرض كفاية كما قرر العلماء فكيف جاز أن تقصّر الأمة في القيام بهذا الفرض الأكبر من فروض الدين وكأنها أهملته وتركته. كيف سمحت الأمة أن تنقطع بعض حلقات تاريخها وأن يتغير مساره واتجاهه. ألا تكون الأمة مقصّرة في حق دينها وفي أداء واجباتها؟ ناقضة الوفاء لتاريخها؟ أفلا تكون هذه الأمة مسؤولة بل آثمة أمام الله وأمام ضميرها؟ إنه لا مناص من القول بأنها تعد مهملة بواجباتها الكبرى التي فرضها الدين وأسماها الفقهاء “فروض الكفاية” وفي مقدمتها فرض الإمامة وفرض الخلافة وفرض الجهاد وفرض العدل”.  فبالخلافة وبواسـطتها فقط يرجى توحيد الأمة الإسلامية وبعث الأمل في نفوس المسلمين اليائسة والقانطة وكما قيل: “إن هذه الأمة لا تصلح إلا بما صلح أولها “.

أفلا تستحق الجماعة الإسلامية لأحمدية الشكر والثناء من كافة المسلمين لأنها وحدها هي التي نجحت في إقامة هذه الخلافة المنتظرة ورعتها ووطّدت أركانها طيلة مئة عام وبذلك رفعت الإثم عن الأمة الإسلامية كلها

كانـت هذه بعـض الاقتباسات المعبرة عن حنين الأمة الإسلامية ورجائها في أن تقوم خلافة جديدة بعد انهيار الخلافة العثمانية وإنه لحسن وجميل أن نلمس من خلال ما جاء نقدا ذاتيا صريحا عن حالة المسلمين بدون خليفة. فبدون النقد الذاتي الصادق لا يتم إصلاح ولا تصحيح. فقد علّمنا سبحانه وتعالى بقوله:

  إِنَّ الله لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ .

في أعقاب هذه الحالة الفكرية المضطربة التي سادت العالم الإسلامي قام المسلمون بمحاولات عملية لإقامة الخلافة من جديد وقد شجعهم وزاد في آمالهم ما جاء في ذلك الحديث الشريف الذي نحن بصدده والذي ينتهي الحديث فيه بتنبؤ النبي الكريم بإقامة خلافة على منهاج النبوة والذي صور لنا النبي فيه جميع مراحل تطور الخلافة الإسلامية بعده وجاء مطابقا وصادقا لكل ما حدث حتى اليوم وإلى ما بعد اليوم .

من هذه المحاولات العملية أذكر ما يلي:

أولا : حركة الخلافة  التي نشأت إثر ظهور بوادر انحلال الخلافة العثمانية. هذه الحركة تعاظمت وانتشرت في البلاد الإسلامية وخاصة في الهند في بداية العقد الثاني من القرن العشرين. وحيث كانت الخلافة الأحمدية قد قامت قبل ذلك في السنة 1908. والغريب أن الزعيم الهندي غير المسلم ” غاندي ” شجع هذه الحركة وخطب في مؤتمرهم بلاهور ونصح زعماءهم وعلى رأسهم “مولانا محمد علي جوهر “أن يعمموا هذه الحركة في البلاد الإسلامية وحدث أن باع بعض المسلمين أمـلاكهم للهنـدوس وذهبوا إلى افغانستان وغيرها وذهب وفد منهم بقيادة محمد علي جوهر إلى تركيا للإعراب عن تأييدهم ودعمهم للخلافة المتداعية فلم يلقوا الترحيب في تركيا ولم يفلحوا في أماكن أخرى من البلاد الإسلامية وخاصة في أفغانستان. أما زعيم الحركة “مولانا محمد علي جوهر” فقد توفي خارج الهند ودفن في ساحة المسجد الأقصى بالقدس إكراما وتقديرا لجهوده في هذا المجال. ولا أستغرب أن يكون لحركة الانفصال عن الخلافة الأحمدية برئاسة محمد علي ضلع في هذه الحركة. أما الزعيم الهندي المسلم رئيس الرابطة الإسلامية ومؤسس باكستان (والملقب بالقائد الأعظم) فلم يؤيد هذه الحركة بل عارضها.

لقد حذر الخليفة الثاني للمسيح الموعود مولانا بشير الدين محمود أحمد وكان لم يتجاوز بعد الثلاثين من عمره حذر وأكد أن لا نجاح لهذه الحركة. بل تحدى زعماءها بأنه مستعد أن يدفع لهم مليار روبية إن نجحوا وألف روبية لكل واحد من شيوخها (المولويين). وفي الواقع كانت عواقب هذه الحركة هلاكا ودمارا لكل من عملوا فيها. أما زعيمها محمد علي فقد اختلف أخيرا مع غاندي ونهرو وعاد إلى الرابطة الإسلامية التي كانت تدعو لإقامة الباكستان كدولة إسلامية مستقلة عن الهند الأمر الذي لم يرق لغاندي ولا لنهرو.

ثانيا : أقيم في القاهرة سنة 1926 مؤتمر إسلامي هدفه دراسة ما يمكن عمله لإعادة الخلافة الإسلامية وكان ذلك تعبيرا عن مشاعر المسلمين السائدة آنذاك لكن هذا المؤتمر لم يخرج بنتيجة عملية ما.

ثالثا : بعد بضع سنوات من فشل المؤتمر المذكور نُصّّب صاحب الجلالة الملك فاروق خليفة للمسلمين. لكن هذه المحاولة الهزيلة بل المَهزلة سرعان ما تلاشت ولم يبق لها من أثر.

رابعا : بعد سقوط الخلافة العثمانية أعلن الحسين شريف مكة وسليل بني هاشم (كما يقول) أعلن أنه خليفة المسلمين وأحق الناس بالخلافة لكن السعوديين قاوموه وحالوا دون تحقيق ذلك. ثم خذله البريطانيون الذين فاوضوه ووعـدوه بالإستـقلال بعد نهاية الحرب العالمية الأولى حتى إنهم نفوه إلى خارج البلاد فمات بعيدا عن وطنه ودفن في ساحة الحرم الشريف بالقدس .

خامسا : في مؤتمر القمة الإسلامي المنعقد في لاهور باكستان سنة 1974 قامت محاولة أخرى أو بالأحرى مؤامرة حيث طرح موضوع إقامة الخلافة الإسلامية وكان المبادرون لها الملك فيصل آل سعود وبوتو رئيس حكومة الباكستان . وكان الغرض من ذلك الإطاحة بالخلافة الأحمدية أولا فسارع بوتو إلى إصدار قرار برلماني بأن الأحمدية خارجة عن الدين الإسلامي. وجند الملك فيصل حال رجوعه الرابطة الإسلامية لمحاربة الأحمدية في كل مكان. وبعد فترة اضمحلت هذه المبادرة ولقي كل من بوتو وفيصل حتفهما الأليم وفي ظروف غامضة كما تعرفون.

ثم بعد ذلك:

تعاظم العداء للأحمدية من داخل باكستان وخارجها مما اضطر الخليفة الرابع مولانا طاهر أحمد رحمه الله أن يغادر باكستان إلى مركز الجماعة في لندن.

سادسا : حين عاد الخميني إلى بلده إيران من منفاه في فرنسا نادى البعض بتعيينه خليفة لكن الأمر لم يتحقق بسبب اعتقاد الشيعة بأن الإمام الغائب هو الذي سيحيي الخلافة متى ظهر.

وختاما يتبادر لي مما ذكرته سؤالان:

الأول : بعد أن قامت الخلافة الإسلامية الأحمدية بأمر من الله وعلى منهاج الخلافة الراشدة كما يشير الحديث الشريف، وهذه الخلافة قد ثبتت وترسخت أركانها وازدهرت على مدى قرن من الزمن، فهل من العقل والحكمة بل هل من الممكن أن تقوم خلافة ثانية على أيدي البشر إلى جانب هذه الخلافة وبالإشارة إلى قوله تعالى:     لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتَا

السؤال الثاني : لقد أفدنا من أقوال العلماء أن إقامة خلافة في الإسلام هي “فرض كفاية” وأن الأمة تكون آثمة إن لم تقمها أفلا تستحق الجماعة الإسلامية لأحمدية الشكر والثناء من كافة المسلمين لأنها وحدها هي التي نجحت في إقامة هذه الخلافة المنتظرة ورعتها ووطّدت أركانها طيلة مئة عام وبذلك رفعت الإثم عن الأمة الإسلامية كلها  و هَلْ جَزَاءُ الإحْسانِ إِلا الْإِحْسَانُ .

وأخيرا الحمد والشكر لله تعالى الذي رعى هذه الخلافة الأحمدية وأوصلها إلى يوبيلها المئوي الأول. وبهذه المناسبة نرفع جميعا إلى خليفتنا الحالي البار المظفر سيدنا ومولانا مسرور أحمد أمير المؤمنين  أطيب وأخلص التهاني داعين الله تعالى أن يـنصره ويؤيده ليظهر دين الله على الأديان كلها وفي الأماكن كلها.

كل عام وأنتم جميعا بخير           وكل قرن والخلافة بألف خير.

Share via
تابعونا على الفايس بوك