هل جهنم أبدية؟
  • العقائد المختلفة حول مسألة النجاة من النار
  • جهنم فانية، وهذه هي الدلائل

__

خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ* وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (هود: 108 و 109).

شرح الكلمات:

سُعِدوا: سُعِدَ على المجهول وسعَد ويسعِد سعادةً: ضدُّ شَقِيَ، فهو مسعود على الأول، وسعيد على الثاني، واللفظُ يأتي مرةً بصيغة الفاعل ومرةً بلفظ المفعول والمعنى واحد، نحو عبد مكاتِب ومكاتَب، وبيتٌ عامرٌ ومعمور، ونظائره كثيرة. والسعد: اليُمن وأسعدَ عليه: أعانه (الأقرب).

مجذوذ: جذَّ الشيءَ: كسرَه؛ قطعَه مستأصِلاً. وجذّ: أسرعَ. وجذَّ النخلَ: صرَمَه. عطاءٌ غير مجذوذ: أي غير مقطوع. (الأقرب).

التفسـير:

هذه الآية تلقي الضوء على قضية هامة يختلف فيها الإسلام مع الأديان الأخرى اختلافًا كبيرًا، ألا وهي قضية النجاة.

فالهندوس يرون أن الجنة والجحيم (أي الثواب والعقاب) كلتيهما محدودة الزمن. ينال الإنسان جزاء أعماله ثوابًا أو عقابًا في العالم الآخر، ثم يرجع إلى الدنيا مرة أخرى (ستيارث بركاش ص569). وإنّ كل الفِرق الهندوسية – رغم اختلافها في الأمور الأخرى – متفقة على هذه العقيدة.

وبعد الشعب الآري الذي جاء منه الهندوس يُعتبر الشعب السامي من أكبر الشعوب القديمة، الذي ينتمي إليه اليهود نسلاً والنصارى دينًا. ويرى اليهود أنه لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديًا إذ لا مكان فيها لغير اليهود، وأن الجحيم شبهُ محرمةٍ على اليهود، وإذا كان لا بد من دخول يهودي فيها فإنه لن يبقى فيها إلا لمدة أحد عشر شهرًا على الأكثر (ترجمة سيل للقرآن، ص10). أما غيرهم فكلهم في الجحيم التي لا نهاية لها، وسوف يبقون فيها للأبد.

وأما النصارى فيرون أن كلاًّ من الجنة والنار أبَديّة لا نهاية لها ولا انقطاع. غير أن هناك فِرقًا منهم تعتقد أن الجنة سوف تنتهي في آخر الأمر (رسالة بولس الثانية كورنثوس 5، والمكاشفة 14: 9 – 11).

ولكن الإسلام يعارض هذه النظريات كلها معارضةً شديدةً. والنظرية الإسلامية في هذا الشأن كما ذكرها الأسلاف (تفسير الرازي)، وكما أكد عليها في هذا العصر سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود بأسلوب خاص هي أن الجنة أبدية ولزمن غير محدود، ولكن الجحيم ليست كذلك، بل إنها سوف تنتهي بعد مرور زمن (الخزائن الروحانية جـ 3، إزالة أوهام ص280، وأيضاً الخزائن جـ 22 حقيقة الوحي ص189).

وأما قوله تعالى عن الجحيم خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك فقد اختلف المفسرون فيه كثيرًا، فقال بعضهم: إن (ما) جاءت بمعنى (مَن) التي هي لذوي العقول، والتقدير: إلا من شاء ربك، بمعنى أن الجحيم أبدية ولكن الله تعالى سوف يُخرج منها بعد فترة من يشاء من عباده الموحّدين (القرطبي).

ولكن المفسرين الآخرين يردّون على ذلك قائلين: لا شك أن (ما) تأتي أحياناً بمعنى (مَن) شريطة أن يكون بعض غير ذوي العقول ضمن ذوي العقول هؤلاء، ولكن هذا الشرط غير متوفّر هنا، فلا يصح اعتبار (ما) بمعنى (مَن). وهناك شروط أخرى لمثل هذا الاستخدام وهي أيضاً غير متوفرة في هذه العبارة.

ولقد ساق الفريق الأول من المفسرين شواهد أخرى من الآيات القرآنية على ورود (ما) بمعنى (مَن)، ومنها قوله تعالى فَانْكِحوا ما طاب لكم من النساء (النساء: 4)، ولكن الفريق الآخر يقول بأنها لم تُستخدم في هذه الآية ومثيلاتها بالمعنى الذي يريدونه. وأنا أيضًا متفق مع الذين لا يرون (ما) بمعنى (مَن).

ثم يجب أن يتذكروا أن القرآن الكريم قد وصف عقاب العاصي الذي سيدخل النار -سواء كان مؤمنًا بالله موحدًا أو كافرًا به مشركًا- بكلمة واحدة، فبأيّ كلمة يفرّق أصحاب الرأي الأول بين عقوبة المؤمن الفاسق وعقوبة الكافر المشرك ممن يدخلون النار. يقول القرآن الكريم موجهًا الكلام إلى المسلمين الموحدين: ومَن يعصِ الله ورسوله ويتعدَّ حدودَه يُدخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مُهين (النساء: 15)، ويقول لهم أيضًا ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضِبَ الله عليه ولعَنَه وأعدَّ له عذابًا عظيمًا (النساء: 94).وقال في موضع آخر ومن يعصِ الله ورسولَه فإن له نارَ جهنم خلدين فيها أبدًا (الجن: 24) والخطاب قبل هذه الآية موجّه إلى الكفار ولا شك، ولكن القاعدة المذكورة هنا لا تخص الكفار وحدهم، بل هي عامة تشمل كل العصاة سواء من أهل الإيمان والتوحيد أو أهل الكفر والشرك. إذن فلا يجوز تحديد عموم الآية بأي حال.

ويرى الآخرون أن (ما) هنا ظرفية والمراد منها هو الفترة التي تكون قبل دخولهم النار في عالم البرزخ وغيره (الرازي)، ولكن هذا أيضًا غير صحيح، لأنه تعالى قال من قبل (خلدين فيها)، فالاستثناء جاء عن الخلود، ولا يتحقق هذا الاستثناء إلا بعد دخولهم في النار.

ثم إن الخلود يعني الزمن المُقبل لا الماضي كما يتضح هذا من قوله تعالى أفإنْ مِتَّ فهم الخلدون (الأنبياء: 35).

وقد اختلفوا أيضًا في الاستثناء الوارد عن أهل الجنة في قوله تعالى ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك ، فيرى البعض: أن هؤلاء الذين استثناهم هنا هم أصحاب الأعراف أو مَن يخرجهم الله من النار بعد فترة ويدخلهم الجنة.

الواقع أنهم وقعوا في هذه المشكلة واضطروا لهذه التأويلات لأنهم من جهة وجدوا الآية صريحة في إعلانها أن عذاب جهنم عذاب مؤقت وسينتهي بعد فترة، ولكنهم من ناحية أخرى كانوا يعتقدون خطأً أن الجحيم أبدية وعذابها غير منقطع مثل الجنة التي نعيمها أبديٌّ وغير محدود. مع أن الحق أنه ليس القرآن الكريم وحده الذي يعلن عن خراب جهنم بعد فترة من الزمن، بل إن الأحاديث الشريفة أيضًا تؤكد ذلك، فقد ورد في الحديث: “ليأتينّ على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها، ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا” (مسند أحمد). وكأن الخلود يعني هنا العيش فيها لقرونٍ.

لقد انتقد بعض المحدّثين هذه الرواية بقولهم بأن أحدًا من رواتها كذّاب، ولكن الحق أن لا قيمة لانتقادهم هذا، لأن الرواية تذكر نفس ما ذكره القرآن الكريم واصفًا أهل النار بقوله لابثين فيها أحقابًا (النبأ: 24).

وقد ذكر صاحب “فتح البيان” أن نفس هذا المعنى مروي أيضًا عن ابن مسعود وأبي هريرة. وقد نقل العلاّمة البغوي الرواية نفسها عن أبي هريرة، مما يؤكد صحتها (فتح البيان، تحت الآية).

والإمام ابن تيمية أيضًا قال بفناء جهنم وأخبر أن هذه هي عقيدة سيدنا عمر وابن عباس وأنس وكثير من المفسرين. وأما الإمام الحافظ بن القيم وهو تلميذ لابن تيمية ومن كبار الصوفية فقد كتب بحثًا مستفيضًا عن فناء جهنم في كتابه “حادي الأرواح في بلاد الأفراح” (فتح البيان، تحت الآية).

وقد فسّر البعض كلمة (خالدين فيها) بأنها تعني مكوثهم في النار دومًا، ولكنهم قالوا أيضا بأن الله تعالى حينما يقضي على جهنم بسبب رحمته الواسعة فلا تبقى هناك أي جهنم، وهكذا ينتهي أيضاً خلودهم فيها.

لقد نقل ابن جرير عن الشعبي “أن جهنم أسرع الدارَيْن عمرانًا وأسرعهما خرابًا” (تفسير ابن جرير، تحت الآية).

وقال ابن مسعود: “ليأتينّ عليها زمان تخفق بها أبوابها”. ونفس القول مروي عن جابر وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم (فتح البيان).

ثم إن هناك رواية في البخاري ومسلم تؤكد فناء جهنم، خلاصتها: أن الله تعالى سوف يمنح للملائكة والنبيّين والمؤمنين حق الشفاعة، فيذهب المؤمنون ويشفعون لإخوانهم، ويُخرجون من النَار من يعرفونهم. فيعودون إلى الله “فيقول لهم: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينارٍ من خيرٍ فأَخرِجوه. فيُخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نَذر فيها أحداً ممن أمرتنا به. ثم يقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأَخرِجوه، فيُخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً. ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خيرٍ فأخرِجوه. فيُخرجون خلقاً كثيرًا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرًا.. فيقول الله تعالى: شفعت الملائكةُ وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبقَ إلا أرحم الراحمين. فيقبض قبضةً من النار، فيُخرج منها قومًا لم يعملوا الخير قط (مسلم كتاب الإيمان، والبخاري، الردّ على الجهمية).

يتضح من هذا أن الله تعالى سوف يُخرج من الجحيم حتى أولئك الذين  لم يعملوا أية حسنة قط. وهذا يشكّل دليلاً على فناء جهنم، إذ لا يمكن أن يكون من أهلها أحدٌ أحطَّ درجة من هذا الصنف من الناس، فما دام هؤلاء أيضاً سيُخرجون منها فمعنى ذلك أنها ستفنى وستنتهي.

وكل هذه الروايات توضح تمامًا أن معظم الصحابة وكبار التابعين يتمسكون بالرأي الذي نتمسك به نحن المسلمين الأحمديين في هذه المسألة، بل إن القرآن الكريم نفسه مؤيد لموقفنا…

كما يجب أن نعلم أن “قبضة الله” لا تعني قبضة مادية، وإنما هي تعبير عن إحاطة الشيء إحاطةً كاملةً، وهذا أيضاً دليل أنه لن يُبقي في جهنم أحداً إذ لا يمكن أن يبقى شيء خارجاً عن الإحاطة الإلهية. كما نستنتج من هذه الرواية أن من سيستحق عذاب النار سوف ينال نصيبه منها أولاً، ثم يُخرج منها لينال جزاءه على ما فَعَل من خيرٍ، لأنه تعالى يقول فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيرًا يرَه (الزلزال: 8)، وهذا يؤكد أن النجاة هي نصيب الجميع في آخر المطاف، وأن الجحيم فانيةٌ في آخر الأمر.

وكل هذه الروايات توضح تمامًا أن معظم الصحابة وكبار التابعين يتمسكون بالرأي الذي نتمسك به نحن المسلمين الأحمديين في هذه المسألة، بل إن القرآن الكريم نفسه مؤيد لموقفنا كما يتبين من آياته التالية:

أولاً: نفس هاتين الآيتين اللتين نحن بصدد تفسيرهما: فمما لا شك فيه أن الله تعالى قد قال فيهما عن الفريقين إلا ما شاء ربك ، ولكنه فرّق بين وصفهما، إذ وصف الجنة بكونها (عطاءً غير مجذوذ) أي غير منقطع، بينما قال في وصف جهنم: (إن ربك فعّال لما يريد)، وفيه تأكيد شديد على أمر ما، وليس هذا التأكيد إلا على إخراج أهل النار منها لا محالة. فالجملة مؤكدة أولاً بكونها جملة إسمية، ثم بحرف (إنّ) المؤكّدة، ثم باسمين للمبالغة (ربّ) و(فعّال). فإذا كان الله تعالى لا يريد إخراجهم من النار أبداً، فما الداعي لهذا التأكيد المتكرر يا تُرى؟!

ثم إذا كانت الجحيم غير منقطعة مثل الجنة فلماذا لم يقل في وصفها مثلاً: (عقابًا غير مجذوذ) كما قال عن الجنة عطاءً غير مجذوذ .. أي أن أهل الجنة سيعيشون بحسب مشيئتنا ولا شك، ولكن مشيئتنا فيهم هي أن يخلدوا فيها دون أن تنقطع أو تفنى.

وهذا الدليل من القوة والجلاء بحيث إن الإمام ابن حجر الذي كان معارضاً لرأي الإمام ابن تيمية القائل بفناء الجحيم.. اضطرّ للقول بأن الله تعالى قد صرّح بمشيئته عن أهل الجنة، ولكنه لزم الصمت عن أهل النار.

ولكن الواقع أن الله تعالى لم يسكت عن إظهار مشيئته فيما يتعلق بأهل النار، بل صرّح عنها هنا بقوله (إنّ ربك فعّال لما يريد).. أي أنه عزّ وجل سوف يحقق فيهم لا محالة مشيئته المشار إليها في قوله إلا ما شاء ربك .

ثانيًا: قال الله تعالى ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين إلا من رحِمَ ربّك ولذلك خلقهم (هود: 119 – 120). والمراد من قوله ولذلك خلقَهم أنه خلقهم لكي يرحمهم. وقد روى ابن كثير عن ابن عباس قوله: “للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب” (ابن كثير).

وروى ابن وهب عن طاؤوس: “أن رجلين اختصما إليه فأكثرا”. فقال طاؤوس: اختلفتما وأكثرتما. فقال أحد الرجلين: لذلك خُلقنا. فقال طاؤوس: كذبتَ. فقال: أليس الله يقول: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)؟ قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة. وكذا قال مجاهد والضحّاك وقتادة (ابن كثير).

وأخرج ابن جرير عن مجاهد أن المراد من قوله تعالى (ولذلك خلقهم) هو: للرحمة خلقهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة: (ولذلك خلقهم) أي للرحمة والعبادة (الدر المنثور).

والبديهي أنه لو بقي البعض في الجحيم إلى أبد الآباد فلن يُعتبر خلقهم للرحمة، بل يكون منافياً لمدلول هذه الآية.

ثالثًا: قد ورد في القرآن في عدة أماكن وصف نعيم الجنة بأنه أبدي غير منقطع كقوله تعالى فلهم أجرٌ غير ممنون (التين: 7)، وقوله تعالى لهم أجر غير ممنون (الانشقاق: 26). ولكن لم يرد هذا الوصف عن النار مما يؤكد أن هناك فرقاً بين جزاء الجنة وعقاب الجحيم فيما يتعلق ببقائهما وانقطاعهما.

رابعًا: قال الله تعالى: عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعتْ كلَّ شيء فسأكتبها للذين يتّقون ويؤتون الزكوة والذين هم بآياتنا يؤمنون (الأعراف: 157).

فهذه الآية تؤكد أن رحمة الله تسع كلَّ شيء، ولكن عذابه أمر عارض عابر، وأن من سيعاقَب بالعذاب سوف تسَعه أيضاً رحمة الله في آخر المطاف. فإنه قد جعل العذاب هنا لأفراد معينين، وجعل الرحمة شاملةً للناس كافة بل للأشياء جميعاً ليؤكد أن عذاب جهنم سوف ينتهي في يوم من الأيام حتماً، وإلا لم تكن رحمته واسعة لكلّ شيء.

وهناك آية أخرى بهذا المعنى ربنا وسعتَ كلَّ شيء رحمةً وعلمًا (المؤمن: 8). لقد ذكر هنا سعة علم الله ورحمته معًا. فالزعم بحرمان البعض من الرحمة الإلهية ببقائهم في العذاب دون نهاية يستلزم أن نعتقد أن هناك أشياء تخرج عن دائرة العلم الإلهي. وكما أن هذا الظن باطل بالبداهة، كذلك باطل حرمان البعض من الرحمة الإلهية ببقائهم في النار الأبدية.

وقد يقول هنا قائل: هذا المنطق يلزمنا أن نعتقد بأن البعض لن يعاقَبوا حتى عقابًا مؤقتًا، وإلا سنضطر للقول بأن البعض يخرجون من علم الله خروجًا مؤقتًا؟

والجواب أننا إذا سلّمنا بانتهاء العذاب في آخر الأمر فلا بد لنا من التسليم أيضاً بأن العقاب في الآخرة وسيلة للإصلاح في واقع الأمر، وإذا كان العقاب يهدف للإصلاح فلا شك في كونه مظهرًا من مظاهر الرحمة الإلهية، ومثاله مثال العقاب الذي ينـزله المعلم بتلميذه. وهكذا فإنه لا يخرج عبد من عباد الله من رحمته الواسعة ولو للحظة، بل يبقى دائمًا تحت ظلها. ولكن لن يكون الأمر كذلك إذا اعتبرنا العذاب أبديًا دون نهاية.

خامسًا: يقول الله تعالى فادخلي في عبادي وادخلي جنتي (الفجر: 30 – 31)، أي الذي يصير عبدًا حقيقيًا لله تعالى يُدخله في الجنة. ويقول عزَّ مِنْ قائل في موضع آخر وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدونِ (الذاريات: 57) أي أن كل إنسان سوف يصبح في آخر الأمر عبدًا حقيقيًا لله عزّ وجل، لأن هذه هي غاية خلقه التي لا يمكن أن يبقى محرومًا للأبد من إحرازها. وحيث إن الناس جميعاً سوف يصيرون عبادًا لله تعالى – عاجلاً أو آجلاً – فلا بد من أن يدخلوا جميعًا في الجنة أيضا في آخر الأمر.

سادسًا: يعلن ربنا جلّ شأنه فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يرَه (الزلزال: 8). ولكن تخفيف العذاب عنه لا يعني أنه رأى نتيجة الخير الذي فعله. لذلك من الضروري أن يعاقَب المرء على سوء أعماله لفترة، ثم ينتهي عقابه ليرى جزاء أعماله الحسنة.

والجواب أننا إذا سلّمنا بانتهاء العذاب في آخر الأمر فلا بد لنا من التسليم أيضاً بأن العقاب في الآخرة وسيلة للإصلاح في واقع الأمر، وإذا كان العقاب يهدف للإصلاح فلا شك في كونه مظهرًا من مظاهر الرحمة الإلهية…

سابعًا: يخبرنا الله تعالى وأما من خفّتْ موازينه فأُمُّه هاويةٌ (القارعة: 9 – 10) أي الذي لا تكون أعماله ذات ثقل وقيمة فإن جهنم ستكون بمثابة أمٍ له. والظاهر أن الجنين لا يبقى في بطن أمه للأبد، بل يمكث فيه إلى حين اكتمال نموه واكتساب قوته. كذلك العُصاة إنما يمكثون في الهاوية أي الجحيم إلى أن تنمو وتنضج فيهم الملكات التي تمكّنهم من الرؤية الإلهية.

وباختصار، إن كل هذه الآيات تصرّح بأن جهنم ليست أبدية غير منقطعة، وأن الخلود لا يعني البقاء بدون نهاية، وإنما يعني فقط زمنًا طويلاً قد عبّر عنه القرآن بقوله: لابثين فيها أحقابًا .

وأما قول الله تعالى عن أهل الجنة والنار: خلدين فيها ما دامت السّموات والأرض فإنما المراد منه أنهم سيمكثون هناك إلى زمن بقاء سماء وأرض الجنة والجحيم. فما دامت الجحيم ستؤول إلى الفناء هكذا – مع العلم أنه ليست هناك أية آية في القرآن تنفي انتهاء الجحيم – فلا شكّ أن مكوث أهلها فيها أيضًا سيصل إلى النهاية. ولكن الجنة، كما بيّنتُ، عطاءٌ غير مجذوذ أي غير منقطع بخلاف الجحيم كما صرّح القرآن.

Share via
تابعونا على الفايس بوك